م. محمد فرج الله يكتب من عطبرة عن بعض أسباب اضمحلال مشروع الحركة الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

د.الترابي – أعجز الشعبي والوطني

الدكتور حسن الترابي نشط في مجال العمل الاسلامي منذ أن كان طالباً
بحنتوب الثانوية واستمر نشاطه الى كلية غردون التذكارية وبعد تخرجه وبعثته الي التحضير للدراسات العليا بفرنسا ونيله الدكتوراه من جامعة السربون في القانون الدستوري .ليعود استاذا للقانون بالجامعة ثم عميداً لكلية القانون فيها .ولكن الترابي لم يكن ليركن الي عمله الكاديمي بل استمر في نشاطه التنويري بالحقوق الانسانية في الشريعة الاسلامية  وواصل نشاطة للعمل من أجل الدستور الاسلامي للدولة السودانية وتحالف في سبيل تحقيق هذا الهدف مع العديد من الجماعات والتيارات الاسلامية من اجل تطبيق الشريعة الاسلامية واقرار دستور يقوم على مبادئها فظل مكافحاً يتصل بالجماهير يدعوها لمشروعه فشهدت له ميادين وساحات الخرطوم والاقاليم ندوات ونظمت له المدارس والجامعات المحاضرات ليكون ملهماً لكل دعاة الحرية حتى حمله ثوار اكتوبر على أكتافهم يطوفون به شوارع
الخرطوم فكان رمزاً للثورة .ليستمر نضاله ضد نظام النميري يتقلب مع مصلحة مشروعه ووفق استراتيجياته معارضاً ومقاتلاً ثم مصالحاً ومشاركاً حتى كان فض الشراكة مع نظام مايو من قبل النميري سبباً في ثورة ابريل 1985م ليؤسس بعدها حزب الجبهة الاسلامية القومية كأقوى حزب جماهيري اسلامي تشهده المنطقة ويصبح القوى الثالثة في الجمعية التأسيسية ويشارك بفعالية في الحياة السياسية السودانية معارضاً برلمانياً
ومشاركاً في الحكومة حتى أزعج نشاطه الكثيف غرمائه ليحاولوا أقصائه بتدخل الجيش في لعبة السياسة عبر مذكرة فتي أحمد علي الشهيرة في خرق واضح لقواعد الديموقراطية بتواطؤ من الاحزاب الطائفية ليقدم الترابي علي تدبير انقلاب الانقاذ في الثلاثين من يونيو1989م تحت غطاء مقولته (اذهب للقصر رئيساً وأذهب للسجن حبيساً).

 

كل ذلك والترابي يضع نصب عينيه مشروعه الاسلامي الذي سماه لاحقاً
(المشروع الحضاري ) صاغه برامج ورفعه شعارات كابد به وجاهد فيه وسجن لأجله حتى ما سنحت له سانحة حكم خالصة بثورة الانقاذ حتى عمل على تنزيل مشروعه لواقع الحياة السودانية ولدواعي تأمينية أخفي معالمه حيناً حتى يستتب له الأمر فبدأه متدرجاً يفسح فيه المجال للآخرين ثم تطور تمتيناً له ليسفر عن وجهه الاسلامي ولكن المشروع في بداياته نجح في مواجهة كافة التحديات وتجاوز كل الصعاب من حروب وحصار اقتصادي
ولكن بعد تجاوز مراحل التأمين والتمكين ولاحت بوادر للاستقرار بانحسار التمرد الي أطراف الحدود أجاز د.الترابي مشروعه الدستوري واستفتى عليه الشعب وتنزلت السلطات الي الشعب في الولايات وتبع ذلك قيام بعض المشروعات التنموية وتشييد البنى التحتية واستخراج البترول طاف بها الشيخ ولايات السودان يبشرهم بالخير القادم ويخاف عليهم الدنيا أن تنافسوها ويشرح لهم الاستراتيجية الربع قرنية والنهضة القادمة .بعد أن أرسى الترابي قواعد مشروعه الاسلامي وتمت بنيته الفكرية وقواعده الدستورية آثر الترابي الخروج من الحكم متبرئاً من الانقلاب وأخطائه وحتى لاينسب له النقصان بعد تمام المشروع وقد قالها بين جدال المفاصلة :(أن العالم لا يعرفكم ولكنه يعرف الترابي وأي خطأ سينسب لي وليس لكم). وكأنه أراد القول أن الأنقلاب كان ضرورة لابد منها ويجب أن تعود الديموقراطية وتصبح الوسيلة للتدوال السلمي للسلطة ولأن الأمر كان
يحتاج لبعض الوقت لحين تنازل البشير عن السلطة بعد رفضه خلع البزة العسكرية وتمسكه باستكمال دورته التالية بايعاز من بعض تلامذة الترابي اتخذ الترابي القرار الصعب بالخروج عن السلطة وآثر أن يخلي بينهم والاستمرار في تنفيذ برامج المشروع واستراتيجياته فالأمر لم يعد غير تنفيذ لسياسات مجازة وخطط متفق عليها بينما يتفرغ هو لأعمال الفكر ونقل التجربة الى الحركات الاسلامية من حولنا ورعاية مشروعاتها للحكم حيث بدت بوادر نهضة اسلامية وهو من ارسى قواعد ودساتير عدد من الدول الاسلامية والعربية؛ فأسس حزب المؤتمر الشعبي يدعو فيه الي مثال دولة الحقوق والحريات ويصوب نحو قصور مشروع الانقاذ الاضطراري وما شابه من أخطاء لطول الأمد بينه ودولة الخلافة الراشدة وحتى يجدد للاسلاميين عزمهم ولا يركنوا الي السلطة وبريقها ويتفرغ الحكام لسياسة أمر السودان وصون أمنه وتوفير معاش شعبه  ويسندهم متى ما تعرضوا لضغوط قد تضرهم للتنازل فيستفذهم للتمسك بقيم المشروع وأخلاقه .ولكن القوم فهموا خطاب الترابي تعرية لهم وفضح لتدابيرهم وجعلوا من الشعبي عدواً لهم لا يطيقونه بل يعلنون أن لن يسمحوا له بالوجود في الساحة السياسية فراحوا يكيدون له ويضيقون عليه مما انتج حالة من الاحتقان بين قواعد الشعبي ظل الترابي يهدئ من روعها ويحذر من استخدام السلاح بين
الفرقاء وظل يتبرأ صراحة من كل عمل عسكري أو حركة متمردة وان كان الأذي يطاله شخصياً اعتقالاً في السجون أو خشونة في المقال وتشويهاً في الصورة وهو القائل:  (قد يضطر الواحد منا المجاهدة بسمعته). هذه المخاشنة في جو التوتر باعدت بين الغريمين وتغير خطاب المفاصلة القائم بين الفكار والبرامج بين من ينادئ بالحريات والشفافية حالاً وبين من يطلب ببعض الوقت حتى تتم بعض المشروعات ويجني الشعب السوداني ثمرتها لتكون له عوناً في المنافسة الحرة  الي سباب وشتائم واتهامات في الزمم والاخلاق وتعم حالة من الفوضى والفساد وتتورط  البلاد في مواقف محرجة  وقرارات دولية مرعبة وصلت حد الاتهامات الجنائية للقيادة السياسية لتصبح السلطة أحدى أدوات الحماية لها من المساءلة الدولية لينحدر المشروع من تثبيت للحقوق الدستورية الي حماية الرئيس البشير لتدور دورة جديدة من الشمولية التي ظن الترابي نفسه قبرها الى الأبد وكسر حلقتها الجهنمية انتخاب ثم انقلاب وصلت حد التصفيات الجسدية في بيت الضيافة المايوي و 28 رمضان الانقاذي، ويصبح مشروع الشعبي القيمي والداعي الي السمو الاخلاقي ضرباً من الانتقام لايرى الخير الا بسقوط الانقاذ.

 

ولأن الدكتور الترابي صاحب مشروع فكري بدأ تأسيسه على الواقع وشابته بعض الانحرافات أصبح عصياً عليه الالتقاء مع هذا البؤس الدستوري وكم تعتريه الحسرات عندما يرى تعدياً على الحريات أو فساداً في المعاملات أو ظلماً في التقاضي فيصدع الأ تلاقي مع هذا النظام ولكن هذا الموقف يخص الترابي شخصياً بوصفه المفكر وله تاريخ طويل بالمناداة بدولة الحريات والشورى وهذا مالم يفهمة أتباعه وصاروا، يقلدونه وتقمصون موقفه فلا يتحركون الا بالنظر اليه حين كل خطوة يستكشفون رضاه ولأنه لايستطيع أن يومئ لهم ظلوا جامدون عند موقفهم بينما الأمر يقتضي منهم الحركة ولكانوا جنبوا البلاد كثيراً من المدارك فاحتدم الصراع بينهم وملوك السلطة فكان صراع الافيال الذي قتل الأبرياء في دارفور وبعض أقاليم السودان الأخرى .

 

الوطنيين اتخذوا من الترابي وحزبه عدواً بدلاً المضي في تأسيس مشروعهم الحضاري واشاعة الحريات والشفافية لتتم النهضة وضيعوا بسلوكهم هذا على انفسهم وعلى البلد فرصة تأسيس حكم اسلامي يقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية.والشعبيون تحولت وجهتهم من بناء نموذج الحكم الراشد الي صراع أدخل البلاد في الفوضى وعدم الاستقرار؛  فلا الوطنيين أنجزوا المشروع الذي أرسى قواعده وشيد بنياته الترابي ولا الشعبيون قدموا النموذج المرجوا منهم حين ذكرهم الترابي بالآية (فاذا فرغت فأنصب) في ممارسة الشورى والشفافية يؤسسوا حزب مؤسسي ملئ بالافكار وتحركة التيارات وتضبطه اللوائح. ولكنهم آثروا الالتصاق به والتدثر بعباءته ومحاكات طريقته. وظل الترابي وحده من يدفع ثمن ظلامات تلامذته في الحكومة وجهالات أتباعه في المعارضة وظل يقدم وحده نموزج الجهاد بسمعته فلما ضاق بهم ذرعاً أعلن عليهم تأسيس تيار اسلامي عريض يتجاوز به الشعبي والوطني فبهتوا وهم يتهامسون ماذا يريد الشيخ.

م.اسماعيل فرج الله

عطبره
28يوليو2012م     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *