السودان يكون او لا يكون4-5

السودان يكون او لا يكون4-5

تفجرت الثورة فى كل أنحاء السودان رفضاً وتعبيراٌ حقيقياٌ بما يجوش فى قلوب المهمشين , بدءاً بأحداث توريت فى العام 1955م ومرورا باللهيب الأحمر فى أواخر الخمسينات من القرن الماضى وكذا الحال فى شرق السودان .

ثار الشعب السودانى مبكراً فى ثلاثة من أجزائه عدا أهل الشمال الذين لم يثوروا يوماً بالرغم من أنهم مهمشين مثلهم وبقية أهل السودان , الا أنهم ظلوا يؤيدون أبنائهم الذين تحولوا بكلياتهم الى الخرطوم حكاماً غير صالحين .

لم يسكت المهمشون يوماً , فهم دائماً من يعبرون عن مظلمتهم عبر كل الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان الى يومنا هذا , لكن بكل أسف لا توجد أذن صاغية تسمعهم.

بقيت الثورة فى جنوب السودان لأكثر من خمسين عاما حتى حظيت بإتفاقية السلام فى نيفاشا فى العام 2005م ,فهى بحق وحقيقة عبارة عن نتاج لقتال مضني خاضه اهل الجنوب من اجل التغيير الى احسن رغم كل المؤامرات التى حيكت ضدهم , سواء كانت من الداخل او الخارج .

قدموا من أجل مبادئهم وأهدافهم خيرة أبنائهم ,فلابد أن يكون المقابل كبيراً وباهظ الثمن , لذا تمسكوا بمبدأ حق تقرير المصير , الذى به يتم مشاركة كل الفئات المكونة للمجتمع الجنوبي ولأول مرة فى تاريخ مصالحاتهم مع حكومات الشمال , وبهذه الطريقة العادلة يتم تحديد موقفهم من الشمال الظالم , الذى لم يعير مطالب المهمشين أدنى اهتمام , فظل متمسكا بمقاليد السلطة والثروة حتى ولو أدى ذلك بالانتقاص من وحدة السودان ارضا وشعباً .

إستمرأ أهل الشمال الحرب ضد اخوانهم فى جنوب السودان, وارتكبوا فى حقهم أبشع أنواع الجرائم , ولم يكتفوا بذلك بل إقترحوا فكرة ( الأرض المحروقة ) التى يتم بها إبادة كل ماهو عليها , حتى تخلوا لهم يعيثون فيها فساداً .

هنالك سؤال يطرح نفسه: هل يوجد إنسان فى السودان على هذه الدرجة العالية من الحقد……. ؟

أجاب أحد الأخوان يوماً , نعم وقال بالحرف الواحد ( ماذا يكون الطيب مصطفى ؟ ألم يكن من نفس العجينة التى إقترفت حرب الإبادة فى جنوب السودان , و يمتاز بنفس التركيبة النفسية و السيكلوجية التى تربوا عليها على انهم أسياد وما الآخرين إلا عبيداً لهم يخدمونهم فى منازلهم ومشاريعهم الزراعية وفى كل شي , لأنهم يمتلكون الكثير والآخرين لا شيء لهم فى بلد المليون ميل مربع ).

من المؤسف حقاً أن الذى يجري فى السودان من تهميش للآخرين , هو عبارة عن برنامجاً مدروساً و متأصلاً , لا يستطيع أحد إنكاره لأنه موروثاً يتداولونه أباً عن جد , بدليل أن العقلية التي يفكر بها المتحالفون فى الماضى . هى نفس العقلية اليوم عند ابنائهم , هذا يدل على أن هنالك فئة من السودانيين لا تحب إلا نفسها , فمن المنطق أن تبقى لوحدها , حتى تحس وتشعر بعذتها وكبريائها , وما على الآخرين إلا أن يبحثوا لهم عن وضعية تمكنهم من بناء أنفسهم لضمان مستقبل أجيالهم .

إن إتفاقية نيفاشا ليست بطيخة مقفولة كما يدعي بعضهم ويصفونها بالغموض , إلا أن هذه الإتفاقية هى عبارة عن نتاج لحوار جاد , إستمر لفترة طويلة , رقص وصفق لها كل أبناء السودان .

إن البند الذى أقام الدنيا واقعدها , هو ليس هدف من أهداف الحركة الشعبية حتى العام 1993م ,لكنها إعتمدته فى مؤتمر نيويورك الشهير لأبناء جنوب السودان , حيث كان منطقهم فى ذلك ( قضية جنوب السودان ظلت حكراً للمثقفين من أبناء الجنوب , وهى قضية عادلة , فشل الشمال فى حلها , فلابد من مشاركة كل الفئات فى الحل الجذرى , إما البقاء فى السودان الموحد , أو إقامة دولة فى جنوب السودان , وبذلك نكون قد أنهينا هذا الصراع والى الابد ) .

ظل الشعب السودانى داخلياً وخارجياً يراقب الإنقاذ التى كانت فى بدايتها منهمكة فى الحرب , فهى لا ترى بعين ثاقبة حتى موعد قيام مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (يونيو – 1995م) الذى برز فيه موضوع حق تقرير المصير لجنوب السودان على طاولة المؤتمرين فى دولة اريتريا .

أخذ هذا البند حيزاً كبيراً من النقاش , حتى اضطرت الاحزاب الشمالية وهى الغالبية فى هذا المؤتمر , بقبول مبدأ حق تقرير المصير لجنوب السودان .

قبول الأحزاب الشمالية فى هذا المؤتمر بهذا المبدأ , ليس سعياً لحل مشاكل السودان , بل حباً فى كسب قوة الحركة الشعبية لإسقاط نظام الحكم قى الخرطوم والإستيلاء على السلطة .

إذن نستطيع ببساطة ان نقول بأن هذا البند ظل موجوداً الى أن قبلت به الإنقاذ ووقعت عليه بقناعة تامة دون اخذ رأى الشعب السودانى فيه , فهى بذلك تتحمل نتائج أفعالها .

يجب على أهل الإنقاذ إكمال المشوار وبقناعة تامة بنفس القدر الذى وقعت عليه على إتفاقية نيفاشا وعليها أن تسعى جاهدة لحل مشاكل السودان بأكمله وعلى العقلية التى لا تعرف إلا الحرب والخراب عليها أن ترحل بعيداً عن السودان , لتفسح المجال للذين يقدمون حياتهم رخيصة من أجل التغيير الى أحسن حتى لا تعلوا الاصوات التى تنادى بانفصال دارفور .

مناداة بعض القيادات الدارفورية بالانفصال دليل واضح لما وصل إليه الإقليم من سوء حال فى ظل المشروع اللا حضاري و وصف بأنه اكبر كارثة انسانية يشهدها التاريخ البشري .

رغم كل الذى حصل فى دارفور إلا أن القتل والإبادة لا يزالان مستمران , وما الأحداث الأخيرة التى شهدتها مدينة زالنجي بإطلاق النار على المواطنيين العُزل إلا دليلاً آخر للإستمرار فى إبادتهم .

على نظام الإنقاذ أن يتعامل مع قضية دارفور بواقعية,لأنها وصلت الى درجة يصعب التلاعب بها , فلا بد من التعامل معها بجدية و صدق.

إن الواقع السوداني الآن أصبح قبيحاً, وشكل الدولة غير مقبول , فعلى رجال الإنقاذ… عليهم بالرحيل , وترك الشعب السودانى لحل قضاياه , ولا تحل قضايا السودان الا بالسودان الجديد الذى يسع كل أبنائه ويعيد الجنوب الى حافرة الوطن .

ونواصل
محمد عبدالله عبد الخالق
والى ولاية جبل مرة
11\12\2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *