ماذا وراء تقسيم ولاية جنوب كردفان؟

بقلم  : عثمان نواي
اعلن نائب رئيس الجمهورية  فى الاسبوع الماضى ان رئاسة الجمهورية قررت اعادة ولاية غرب كردفان التى كانت قد الغيت فى العام 2005 , بناءا على اتفاقية نيفشا للسلام . والولاية نفسها هى احدى ثمار الفيدرالية المزعومة لنظام الانقاذ فى منتصف التسعينات , حيث كانت انشئت فى العام 1994. وشاب الغاء الولاية فى فترة السلام عقب نيفاشا كثير من الجدل حول المقايضة السياسية التى تمت مع  القبائل فى منطقة غرب كردفان ومنهم المسيرية والحمر , ليقوموا بالتضحية بولايتهم من اجل ضمان استقرار المنطقة واعطاء ثقل سياسى للمؤتمر الوطنى حتى يوازن ثقل قبائل النوبة الداعمة بشكل كبير للحركة الشعبية الطريق الثانى الموقع لاتفاقية نيفاشا . وكان عين الحكومة على نهاية الفترة الانتقالية حيث كان من المفترض ان تقام الانتخابات  التشريعية فى الولاية فى العام 2010 والتى اجلت حتى 2011لخلافات متعددة اهمها التعداد السكانى المتحيز ضد اثنية النوبة , والمضخم لوجود القبائل الاخرى على حساب النوبة , وانتخابات المجلس التشريعى اهميتها للمؤتمر الوطنى لاتنبع فقط من الرغبة فى السيطرة على المجلس , بل الاهمية الاكبر تاتى من المشورة الشعبية التى يفترض بها ان تحدد مصير ولاية جنوب كردفان بخيارات رغم ضبابيتها  لكنها مفزعة كانت للمؤتمر الوطنى سواءا اختيار اهل جبال النوبة للاستمرار مع الدولة المركزية فى الخرطوم بذات الشروط التى حددتهااتفاقية السلام او بشروط جديدة , ونتيجة لتلك المخاوف قامت الحكومة بدمج الولايتين لتخلق للحزب الحكم قدر من الثقل داخل ولاية جنوب كردفان.
ان الاعلان الاخير لاعادة ولاية غرب كردفان له دوافع عدة و ولكن لا يبدو ان تلك الدوافع تعتم حقا بمصلحة انسان ولاية جنوب كردفان او انسان السودان بصورة عامة كما ادعت الرئاسة, حيث بررت اعادة الولاية بانها استجابة لمطالب الجماهير , ولكن العنصرية السافرة لا تكف عن تتبدى بوضوح متزايد وحين يتم الاستجابة عبر الرئاسة لبعض مواطنى ولاية جنوب كردفان ويقصف الاخرون مهما كانت مطالبهم بالطائرات ويحاصرون ويجوعون , ولا يتم حتى الاستماع لمطالبهم تلك , بل ويتم الالتفاف عليها سواءا عبر تزوير التعداد السكانى الذى رفضته القوى السياسية وعلى راسها الحركة الشعبية قبل الانتخخابات فى 2010, ليتم اعادة التعداد , ويتم تقييم شبه حقيقى لوجود النوبة فى الولاية وثقلهم الذى يقارب ال 2ونصف مليون , او باللعب فى نتائج الانتخابات والتصعيدالعسكرى المتزايد فى المنطقة والاستفزاز العسكرى الذى ادى الى اشتعال الحرب فى المنطقة فى النهاية , فى حين ان مطالب بسيطة لاهل الولاية كان يمكن ان تنجب الجميع الحرب الحالية لو تم الاستجابة لها بذات الاهتمام الذى استجيب به الان لمطالب الاثنيات الاخرى فى الولاية من قبائل عربية وغيرها .
ولكن الامر هو اشد خطورة مما مجرد عنصرية فى تعامل الدولة مع مكونات ولاية جنوب كردفان الاثنية المختلفة , فهو يتعدى ذلك الى ان يكون مخطط سياسى الهدف منه هو محاصرة منطقة جبال النوبة واثنية النوبة بولاية غرب كردفان التى تقطع التواصل والامتداد الطبيعى واملا فى قطع العلاقة التاريخية الممتدة مع جنوب السودان , حيث تنحصر الحدود مع الجنوب فى منطقة ضيقة للغاية , هذا الى جانب الحصار عسكريا لقوات الحركة الشعبية التى تقاتل الحكومة فى جبال النوبة ومنعها من وجود اى منفذ خارجى عبر جنوب جنوب السودان , وهذا هو هدف اساسى لايجاد الولاية  الجديدة . ولكن اهداف اخرى  لاتقل خطورة تكمن خلف انشاء ولايةغرب كردفان اهمها تمزويق النسيج الاجتماعى فى جبال النوبة وولاية جنوب كردفان بايجاد ولاية غرب كردفان واحياء النعرات الشديدة العنصرية بين قبائل المنطقة التى تعيش الى الان فى حالة من التعايش السلمى الكبير , ولكن مع انشاء حدود ولاية جديدة تتسرب معلومات كبيرة عن تغولها على مناطق من جبال النوبة وتابعة لاثنية النوبة خاصة بعض المناطق فى محلية لقاوة , يثير قلق الكثيرين حول ما اذا كان انشاء ولاية غرب كردفان وبحدود جديدة ما اذا استنساخ لدارفور اخرى فى جنوب كردفان عبر تحويل الحرب الى حرب قبلية تدمر النسيج السكانى للولاية بالكامل وتغيير الخريطة الديمغرافية للولاية و, بحيث يتم الان اخلاء قرى بكاملها سواءا عبر حرقها بطائرات الانتنوف او عبر الهجوم الارضى عليها او من خلال حصار سكانها وتجويعهم حتى ياغدروها , ويحتل تلك القرى فى مناطق عدة من جبال النوبة سكان اخرون من اثنيات اخرى لا تنتمى لجبال النوبة , وبالتالى فان تغييرا كبيرا يحدث الان  فى التركيبة السكانية فى ولاية جنوب كردفان مما ينبىء بعملية ابادة وازاحة تامة للنوبة من الولاية.
والولاية الجديدة ايضا ستحتوى المناطق المتجة للبترول والابار الجديدة التى يتم الاعداد لافتتاحها حيث تامل الحكومة ان تكون تلك الابار وسيلة انقاذها من حالة التردى الاقتصادى الذى تعيشه البلاد. ولكن فى ذات الوقت فان الحدود الجديدة لولاية غرب كردفان سوف تدخل ايضا بعض الاراضى الغنية من اراضى جبال النوبة فى حيز الولاية الجديدة مما يعنى تغولا ايضا على ثروات ارض جبال النوبة . وفى حين تتعرض المليشيات الحكومية لهزائم متتالية فى جبال النوبة , وفى ظل انفضاض المجاهدين وانهزام الروح المعنوية للجيش السودانى فان الحكومة تحاول ان ترشى بعض القبائل التى  ساعدتها سابقا فى حرب الجنوب فى حرب الجنوب الجديد فى جبال النوبة , وتحاول الحكومة ان تستجيب لمعظم مطالبها , ولكن هذا شق للصفوف تحطيم للتعايش السلمى القبلى فى المنطقة من شأنه ان يحول الحرب فى جبال النوبة الى حرب قبلية , والى دارفور ثانية ,وهذا مع جميع الاطراف الانتباه له فى مخطط المؤتمر الوطنى لشرذمة السودان وسياسة الارض المحروفة التى تمارسها بيأس شديد الان خةصة بعد التفكك الداخلى للحزب والانهزام المعنوى والاخلاقى داخليا وخارجيا والفشل التام فى ادارة الدولة بعد انفصال الجنوب , وبالتالى فان النظام يقوم الان بمحاولة لكسب الوقت بتحريك بعض قطع الشطرنج فى التركيبة الاثنية والديمغرافية فى جبال النوبة فى محاولة  للقضاء على مطالب اهل جبال النوبة المشروعة عبر القضاء علي النوبة  بشرا وشعبا واثنية , وليس عبر الاستجابة لمطالبهم كما تفعل الحكومة الان مع اثنيات اخرى بل عبر قصفهم بطائرات الانتنوف . و تظل الاهداف والدوافع من خلف اعادة ولاية غرب كردفان كثيرة ومتداخلة حيث لا تدعم فى النهاية سوى اهداف المؤتمر الوطنى فى احكام السيطرة و تمكين سياساته العنصرية واستمراره فى سياسة الابادة فى جبال النوبة عبر استراتيجية الارض المحروقة مدعومة بالتغيير الديمغرافى للمنطقة باعادة توطين اثتنيات من غير النوبة فى اراضيهم وعبر اثارة الفتنة من اجل خرق النسيج الاجتماعى لولاية جنوب كردفان عبر تجاهل الوضع الخاص الذى تعيشه الولاية الذى يدعو الى مزيد من التعايش السلمى وليس تاجيج الاحتقانات القبلية واشعال نار الفتنة بين مكونات الولاية السكانية.
[email protected]
https://www.facebook.com/osman.naway
http://osmannawaypost.net/
https://twitter.com/OsmanNawayPost

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *