شول طون ملوال بورجوك
في الآونة الأخيرة أتتنا وكالات الأنباء المحلية والعالمية ومن خلف الكواليس بخبرٍ مفاده أن قمتي البلدين ،جنوب السودان والسودان سيلتقيان عما قريبٍ مجدداً في اجتماع آخر مثيل لما أجرياه من قبل في نفس العاصمة الافريقية الاثيوبية اديس ابابا…ستأتي هذه القمة – لو اكتملت شروطه إنعقادها- في جو من اللاوفاق علي تنفيذ بنود الوفاق الذي احتفل الطرفان بتوقيعهما عليه بعيد المصادقة عليه من قبل الرئيسين في شهر سبتمبر المنصرم…تجمد كل ما صاحب الاتفاق من مظاهر الفرح والاحتفاء بمجرد إنتهاء مراسم الأحتفال لماذا؟ لأن الخرطوم ربطت كل بندٍ من بنود الاتفاق بعناوينها الثمانية أو التسعة ببندٍ واحدٍ فقط وهو الشق الأمني والذي حياله فشل الطرفان في تطبيقه في الموعد المكتوب والمضروب وقد كانت روح هذه الجزئية تعتني بمعالجة قضايا الأمن علي حدودي البلدين …فسرَتْ الخرطوم هذه تفسيراً يخدم مراميها ورغائبها فإدعت أنها تلزم جوبا بالتدخل والتوغل الي عمق أراضيها والقيام بنزع أسلحة مجموعات مسلحة ثورية سودانية والتي مزقت صكوك الولاء للخرطوم منذ مدة بعد إعلان خروجها وتمردها فمحاربتها منظومتها القباضة علي مفاتيح السلطة والحكم حالياً في السودان …
صحيح هو من مفارقات وتقلبات الزمن الغدار والدوار أن يبحث نظام أتي إلي سد الحكم عنوة عن طريق إنقلاب ليلي لإنقاذ الأمة السودانية من الضياع ،كما أذاعوه في بيانهم الأول، يتمني لو يجدُ مَنْ يأْمنُ لطقمة الانقاذ البقاء بعد النجاة من غرق شبه مؤكد وسط تلاطم أمواج الثورة السودانية العارمة … يتمنون لو يتحول هذا المنقذ المرتجي والمنتظر الي قشة يتعلقون بها الي حين يعلن اللهُ صراحة للأكوان ما يكون قد قدر ورسم من نهايات للانقاذ والانقاذيين ……
قديماً قالوا اذا عرفْتَ أنْتَ مسبقاً ما وراء هذا الحدث أي لما حدث ما دخل الي ذهنك إستغراب أو إندهاش بوقوعه ونحن هنا لن نستغرب البتة إذا وضع أهل المؤتمر أمام الجنوبيين يوماً بخصوص محادثات النفط وكل ما إرتبط بالمتاجرة به متاريس ومصفوفات من شروط قاسية يصعب الإستيفاء به أو تحقيقها ومنها مثلاً : يشترط آل الانقاذ علي جوبا تسليمهم رؤوس رموز ثوار الهامش وهم : مالك ود عقار وعبد العزيز ود الحلو وياسر ود عرمان وجميع رفاق دربهم الميامين من يقلقون مضاجع الخرطوم فيحرمونها الآن التمتع بالإطمئنان والأمان هذا المطلب ربما كان سيهون علي جوبا لو إشترط حكام الخرطوم عليها توفير ملايين من أرطال ألبان من ذكور الغنم ( التيوس) أو فحول البقر لها مقابل عبور بترولها عبر أراضيها بدلاً من عشمها في جماجم النجوم من هم حقيقة كالأطواد لا ينحنيون كي لا يقطفَ قاطفٌ رؤوسَهم !!!!
تطلب الخرطوم من جوبا حمايتها من نيران الثوار الغاضبين الذين يطوقون خصرها بحزام ناري من الكرمك مروراً بكادوقلي فوادي هور في دارفور.. يا تري هل تكون جوبا قد دقست(وهي عادة لا تدقس في مثل هذه الامور ) فوقعت علي إلتزام كهذا في شهر سبتمبر الماضي في غفلة من زمانها؟ ما نعلمه في الواقع هو أن تلك وثيقة لم تلزم الرفيق سلفا كير نصاً بإرسال جنوده الي الأراضي السودانية في النيل الأزرق وجبال النوبة بكامل عتادهم والسلاح لتجريد من تسميهم الخرطوم بالمتمردين من السلاح وهم كما يعرفهم الداني والقاصي رفاق الرئيس سلفا في درب النضال يوم أمس وتجريدهم من سلاحهم هو نفس المامورية ألتي ارهقت وأنهكت قوات المشير العام الماضي ولاتزال ترهقها بمقربة من أسوار كادوقلي والكرمك…. تُكلَفُ جوبا وجنودُها بمهمة يعرفونها أنها عليها عصية عسيرة بحق وحقيقة فقط من أجل عيون زمرة نظام البشير كي يرتاحوا ويناموا قريري العيون من المغرب حتي فجر اليوم التالي قبل شروق شمس صباحهم الجديد …
في الواقع محرِّك استراتيجية البحث عن ضحية مغفل(عوير فليم كما يقولون في افلام الهنود ) من سيقوم بدور الوكيل العميل المخلص المتفاني في تجريد ثوار الهامش السوداني من سلاحهم سلاحاً سلاحاً خزنةً خزنةً طلقةً طلقةً مبعثه كما يبدو للأعيان هو الإعتقاد السياسي السالب السائد والإيمان الراسخ في أدمغة مؤسسة الجلابة الذي بسببه لا تعترف به في البداية بوجود مشكلات داخلية حقيقية داخل جغرافية أراضي جمهورية السودان والتمظهر المصطنع لديهم أمام العالم الخارجي بأن الخرطوم هي دوماً ليست بجلاد بل ضحية لمؤمرات خارجية تحاك ضدها كرهاً وحقداً لها لتمسكها بسراط الله القويم والمستقيم من قبل إعدائها الذين هم انفسهم أعداء دين الله الحنيف!!!!
وفقاً لهذا النهج من التفكير والتدبير تريد الخرطوم تكرار ترديد أنشودتها القديمة ذات مقاطع غير مهرمنة بل رتيبة معلومة ومحفوظة تلك التي كانت يرددها فتيتهم وكهولهم منذ زمن بعيد منذ بدايات عهود الحكم الوطني حتي زمن انقاذ اليوم، عمَّت هذه الأغنية المملة ديارهم ن بواديها ومدنها، إبان حرب الجنوب الأخيرة و كان معناها في الإيجازالمفيدالغير مخل:”لولا اليهودية والامبريالية والصليبية العالمية جاء الي وجود ما كان يسمونه بمشكلة الجنوب والجنوبيين لأن الجنوبيين ،يقول قائلون من هناك،ما كانوا أصحاب قضية في الأصل وبذا ما كان ليطفح الي الوجود لولا اليهودية والصيهونية والامبريالية والصليبة العالمية المعادية لها !!!…نفس السيناريو يتكرر في الوقت الحاضر في السودان المتبقي، إذ اختاروا إجترار ماضيهم السياسي اجتراراً وبالأخص الجانب المتصل بمعضلة جنوبهم الجديد وجنوبيهم الجدد ولا أحد منهم يفكر مجرد التفكير في إعمال المخ اجتناباً لإخفاقات الماضي واقتراباً ولو بمقدار شبر من مسالك تقود الي حيث الحلول المنطقية تجلب بشريات لمستقبل أمتهم…. …. ما ذهبنا اليه من كلام ليس من عالم الخيال الواسع والخصيب وعليه نتمني ألا يتهمنا اعزائنا القراء بأننا ربما ننتمي لحماً ودماً الي سكان و رواد عالم ثاني آخر، دنيا من يمتطون الفيلة أو كما يقولون!!! ولكننا في المقابل نتعشم في باقات ملآي بورود تصلنا من طرفكم شكراً وثناءاً لكوننا اجتهدنا -ولو يسير جداً- فبينَّا شئياً من التعقيدات و الإشكاليات التي أعترت ولاتزال تعتري مسار السودان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي …الخ ،، نعمْ هذا بالطبع ما أدي الي ذهابِ الجنوبِ الي حالِه قبلَ عامٍ و يزيد وذهب معه ثلثُ مساحةِ السودانِ الافريقي الكبير الذي كان وللأسف سمعنا بعده ما سمعنا وما زلنا نسمع أصواتاً شعبية ورسمية شمالية، أصواتٌ تعتقد ،كل الاعتقاد ،أن الجنوب كان السبب الأوحد لتفتت السودان ولايزال ولذا تُلقِي مسؤولية كل ما وقع أو مزيد من إنشطار لهذا البلد علي كأهل الحركة الشعبية خاصة والجنوبيين عموماً لكونهما اختارا الاستقلال والإنفصال التام عن الشمال في آخر المطاف بعد رحلة الحرب الطويلة والشاقة التي انتهت عندما سكت أزيرُ مدافعهم بمحطة نيفاشا الكينية عام 2005.. ونعتقد نحن من جانبنا أن نظر حكام الخرطوم الي هذا الحدث بهذه الكيفية وبهذا الشكل فيها بعض غض البصر عن أشياء وأمور مهمة و كثيرة إما لأنهم يفكرون علي هذا النحو في جهلهم أو ربما ،ومن يدري، لأشياء أخري في أنفسهم هم ومنها أكيد مخافتهم مواجهة الحقائق خوفاً من محكمة الضمير والتاريخ والإفتراض الأخير هو ما نظنه سائداً في عقولهم .. ولا تقل لي أخي وأختي إن اختيارنا لهذا الافتراض الأخير اعتباطي وعبثي الطبع والشكل وذلك لعدة معطيات واعتبارات متجسدة في الواقع السياسي السوداني قديماً وحديثاً وأولها نهج طعن ظل الفيل وترك الحيوان الضخم يمشي بعيداً بلحمه الدسم وسنيه الغالين… الحق يقال هذا النهج أي التملص والتهرب من تحمل نتائج أخطاء سياسية تصنعها أيادي الخرطوم من فينة لأخري هو صفة ملازمة ومتاصلة في الخرطوم منذ المهدية حتي يومنا هذا ..ذلك هوعين المشكلة التي تحول دون ايجاد معادلات متوازنة ما بين الحركات الثورية التي تقارع وقتياً منظومة الخرطوم . جهل الخرطوم بحقيقة السودانيين: طبائعهم وأفكارهم ،أحلامهم وأشواقهم ،ذلك الفشل الذريع في تعريفهم تعريفاً واضحاً ، رسوبهم في إختبار العثور علي ايجابات واضحة علي بعض استفسارات ملّحة مثل : مَنْ هم الآن؟ ومن كانوا وأين أتوا؟ وماذا يريدون أن يكونوا مستقبلاً؟، ….تجاهل النخبة الحاكم في الخرطوم هذه الحقائق—–كل هذا مجتمعة وغيره هو السبب الرئيس لهذا السقوط المدوي في الإمتحان البناء الوطني فكان ما حدث لسودان سنة 1956 وربما ما سيحدث للجزء المتبقي للسودان أي سودان ما بعد التاسع من يوليو عام 2011 لأن مطالبة الآخرين من لا ناقة لهم في الأزمة السودانية الداخلية 100% بتسليم عصبة الانقاذ روؤس وقادة شعوب ثائرة غاضبة هائجة تعني ضمن ما تعني ، والفكر للخرطوم، تنكرها للمطالب المشروعة لهؤلاء وعدم إقرارها بوجود المشكلة وهذا حقيقة ما قد يؤدي بحياة مدمني الفشل منذ زمن في الخرطوم !!!
تجاهل حقية الآخرين كي يبقوا آخرين نهج ضارب الجزور في تاريخ السودان القديم الحديث ففي عهد المهدية مثلاً عارض من سموا أنفسهم أشرافاً خليفة المهدي عبدالله محمد آدم تور شين لا لشئ ينقصه في شخصه ،ثوريته أو كاريزميته في قيادة الثورة والدولة الوليدة بعد وفاة المهدي بل فقط لأنه ينحدر من إثنية جزورها طرفية من غرب السودان فهي إذاً بعيدة عن حيث يقيم من يسمون أنفسهم بأولاد النيل الساكنين علي ضفاف النيل ، ظل هؤلاء يناصفونه العداء والضغن طيلة فترة حكمه الي أن جاء الانجليز و أعادوا إحتلال السودان و كان بعض هؤلاء كما يقول التاريخ بعضاً لا يتجزأ من حملة كتشنر العسكرية التي أحتلت السودان وتخيلوا الآن أن أحفاد هؤلاء القوم هم من ينعتون اليوم أحفاد الخليفة والمك عجبنا وعلي دينار واريط مكوي والسلاطين: طمبرة ويامبيو ومريدي وكل من وقوفوا الي جانبهم من جنودهم المغاوير بالعملاء وهم أبناء ابناء من وقفوا في طرف لهم كان مضاداً فتصدوا للغزاة حين فتحوا صدورهم ببسالة نادرة في كرري وما تلي من مواقع لمدا فع المكسيمات الانجليزية الفتاكة!!!…
في سودان ما بعد الاستقلال سلك احفاد الاشراف نفس المسلك حين رسموا للسودان والسودانيين صورة خيالية ومستقبلاً وهمياً خيالياً أيضاً وما دوروا أن ما هو وهم يظل وهماً ولو يلبسونه ثوب الحق فخدعوا الناس علي أنه حقيقة الي حين شهوراً او سنيناً…ربطوا السودان ربطاً محكماً بعروبة مشوهة و زائفة ورفعوا شعارات الاسلام السياسي طريقاً لحكم وإدارة البلاد قالوا لمن لاصلة لهم بالعرب والعروبة “إنهم عرب لأنهم بالعربية بشكل او بأخر يتحدثون ويكتبون ” وما أن هؤلاء ولوا وهم أيضاً لأنفسهم خلوا خاطبوهم غيابياً علي أنهم عبيد ومغفلين!!!..قالوا الإسلام نهجهم سياسياً وحياتياً فقال المسلمون: مرحباً بالإسلام فهو ديننا الذي أُنزَل الينا وبشر به الرسول الكريم وما أن مرّ يوم أو يومان حتي اتضح لهم أن الإسلام الذي يتحدثون عنه هو عقيدة اخري فقط عندهم دين المظاهر يهتم بإستطالة اللحي بذقونهم وترديد التهليلات والتكبيرات في مسارح ومنابر النفاق السياسي ما لا صلة له في الواقع بأسلام السماء دين الرحمة الذي حمل الرسول الكريم محمد لواءه !!!..
رسم أحفاد الأشراف ،كما أسلفنا، صورةً معكوسةً لواقع السودان والسودانيين وقد نبههم شفاهة سائرُ أبناء السودان وخاصة أبناء الهامش منذ زمانٍ مبكرٍ من عمر الدولة السودانية الحديثة أي بعيد الاستقلال ، نبهوهم بإعوجاج طريقهم مراراً وتكراراً كي يعدولوا هذه الصورة المقلوبة والجاحدة لواقع السودان والسودانيين إلا أنهم ، للأسف، في عنادهم رفضوا و تفرعنوا وأزدادوا تجبراً و تنكراً بل إنخدعوا أن الدبابات والراجمات والطائرات التي أيديهم ستكفي لرسم الطريق وعلي اجبار الاخرين من لا يرغبون السير علي هذا الدرب المعوج “الملولو “..
نحن من طرفنا لو يتاح لنا ان نخاطب هؤلاء بصوتٍ جهيرٍ بقصد اسماعهم ما سنقوله جيداً لعل وعسي يجدون فيه شيئاً يستفيدون منه لإنقاذ ما قد تبقي من سودانهم الذي يتهدده خطر الإنشطار قبل الإندثار !!!
الجنوبيون لم تترك لهم حكومات الشمال المتعاقبة علي حكم السودان منذ الإستقلال في منتصف القرن الماضي منفذاً أو مخرجاً غير الذهاب بعيداً عن الخرطوم وشرورها… بدأ التضيق عليهم إبتداءاً من حكومة السيد إسماعيل الازهري مروراً بالأخرين حتي البشير الذي يحكم السودان اليوم…قال الجنوبيون قبل الإستقلال الفيدرالية( النظام الاتحادي) انسب نهجاً لحكم بلادنا المتعددة الأديان والثقافات والاعراف فقالوا :هذا ما سيُنظَر إليه ويفاد به بعد أن نتحد جميعاً لطرد المستعمر الدخيل والغريب ,اما أن ذهب الانجليز كان نطق بكلمة فدرالية بلسان جنوبي مبين خيانة وطنية كبري لا تغتفر! فكان ما كان من دواس وتناطح واقتتال وبحور دم لمدة لا تقل عن 17 عاماً ..
جاء الرئيس جعفر محمد نميري إلي سدة الحكم في مايو عام 1969 وتوصل إلي حل وسط ما بين الإنفصال الذي كان تنادي به الانانيا ون وما بين القبضة المركزية التي كانت تري أن ليس للجنوبيين أصلاً ما يطالبون به من حقوق بل عليهم السمع والطاعة!!! نتيجة لهذا التنازل من هذا الطرف وذاك كان ميلاد معاهدة اديس أبابا 1972 التي نال الجنوبيون بموجبها حكماً ذاتياً وهو ما استمر لفترة 11 عاما ومات مقتولاً مغتالاً عندما قلب الرئيس نميري لهذه الاتفاقية ظهر المجن فكانت قولته الإستفزازية الشهيرة:”إ تفاقية اديس ليست بقرآن وليست بإنجيل” وكان تقسيم الجنوب الي ثلاثة الاقاليم عام 1983 دون اجراء أي استفتاء شعبي كما ورد في هذه الوثيقة ،وتبعه نميري بتطبيق حدود شرائع الإسلام علي من لم يتخذ الاسلام ديناً لهم وكل هذا لخبط الحسابات وأحدث خللاً وشروخات اضافية واضحة علي جدار علاقات الجنوب والشمال التي كانت فيه بعض القدود اصلاً!!!..
نسبة لسياسيات نميري المتسمة حينها بالعنجهية وشئ من الهوس الديني وعدم الاستعداد لاستماع للأخرين من لم يعجبهم ما كان يفعل هو كان من الطبيعي والمنطقي جداً أن يململ الجنوب أولاً ويموج أخيرأ فكان شكل هذا الموج حركة شعبية ثورية عارمة أخري مسلحة مضادة ..سمي نميري من قادوها بالخوارج وسموا أنفسهم بثوار الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وهي نفس الحركة التي اعاد الانقاذيون تسميتها بحركة قرنق أو حركة التمرد بعد وصولهم الي الحكم وهي كذلك الحركة التي أعاد البشير تسميتها مؤخراً بالحشرة الشعبية نفس البشير الذي صافح رأس كل الحشرات مبتسماً وبحرارة بفندق شيراتون في قلب العاصمة الاثيوبية أديس ابابا قبل أقل من اربعة اشهر تقريباً..قلنا لم يكن للجنوبيين بدٌ غير التصويت لصالح الانفصال برغم أن وثيقة نيفاشا نصت علي تغليب خيار الوحدة علي الانفصال ولكن يا تري عمل الطرفان به؟ …في رأينا لا أحد عمل به أو سعي بصدق نحو تجسيده وبالأخص طرف المؤتمر الوطني الذي يبدو أنه اضطر الي توقيع علي الوثيقة مرغماً ولكن في مؤخرة دماغه شئ خفي خطير يريد إعماله بعد أن يضمن دخول سياسي وجنود الحركة الشعبية في منظومة الانقاذ بالضبط كما أوقع من كانوا قبلهم ولكن الرياح أتت بما لم تتشتهيه سفن الانقاذ،لم يلدغ ثعبان الخرطوم الجنوبيين في تلك المرة و من نفس الجحر الذي لدغوا منه من قبل بعد أديس أبابا 1972!!! نعم ما كان ينبغي أن يلدغهم نفس الأشخاص من نفس المكان مرتين،فإن كان المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين فهذا لا يعني أن يُلدَغ كافرٌ تلقائياً من جحر واحد مئة مرة!!! حصدت حكومات الشمال هذه المرة ، في زمان الحركة الشعبية وكومريد سلفا كير، حصدت خيبة كبيرة عندما جاء حصادهم سراباً ، فغدا عشمها ابليساً ،أي حلم الأخير بولوج جنان الخلد معاً مع الأتقياء من البشر وقبلهم الملائكة البرر…
لدينا بعض الدلائل الدامغة ما يجعلنا نقول و بلا تردد إن إنقاذ البشير غاضبٌ غضباً جنونياً علي الجنوبيين جميعاً ومنها مثلاً قراره بإعاقة حركة المواطنين الجنوبيين العائدين الي بلادهم و قفل تلك الطرق أمام التجارة وبالتألي وقف التعامل الأقتصادي بين البلدين، مثل هذه القرارات جاءت في لحظة إنفعال غاب فيها العقل والمنطق غياباً كلياً وإلا فكيف يغلق شخصٌ عاقلٌ دكانَه المكتظَ و زبائنُه أمامه وقوفٌ في الصفوف ويصر في نفس الوقت أن مهنته هي التجارة لا شئ سواها !!!..
أكيد كانت الفرضية في ذهن البشير ومن معه اتخذ مثل هذه القرارات هي أنه بمجرد قفل المنافذ التجارية مع الجنوب سيسمع العالم مباشرة صراخ جوبا ،صرخة مستغيثيها خالها البشير أن سيسمعها حتي مَنْ في مركبتهم الفضائية هناك في الفضاء علي مشارف الكوكب الوهاج ، كوكب المريخ!! فهل صرخت جوبا ؟ وهل بانت علي أسارير جوبا وحدها علامات تدل علي أنها علي أوشك النحيب والبكاء اليوم او غداً؟ لنتظر لنري من سيكون الرابح ومن سوف يخسر روليت عض الأنامل فالأظافر بين جوبا والخرطوم!!!!
ولكن الذي لاشك فيه هو لو يدّعي المشير البشير أنه غير مستعد البتة لتسليم جلد كديسة سودانية لأكامبو بلاهاي في محاولة مفضوحة من طرفه للتلاعب بعواطف السودانيين هروباً من الذي ينتظره من قصاص هناك وهو نفسه ،أي المشير، في الاتجاه المضاد يطالب جوبا الآن بلا وجلٍ بتسليمه رؤوس الشرفاء أولاد ناس وقامات كعرمان وعقار والحلو..الخ فالأجدر والأوجب حتي علي جوبا أن ترد للبشير للبشير في الجولة القادمة والمرتقبة :” لا سعادة المشير ،لن نسلمك هذا ولا ذاك واما نفط الجنوب الذي تستميت أنت في منع إنسيابه عبر أراضيكم إلا بعد انقاذ إنقاذكم الذي يبدو أنه استنفد فرص إنتشاله فليبق في الأرض دهوراً فإنه لا يعفن ولا يفني بعامل التقادم الزمني …ويا حبذا لو تتشجع جوبا وتستعير قليلاً من شجاعة ذلك الهدندوي الذي ردَّ رداً حاسماً وقاطعاً علي شرطيِّ حامي للمشروع الحضاري .. فقد قيل إنه رأي أدروبياً يترنح ويميل يسرة ويمنة فسأله ما إذا كان سكران أم لا..فما كان من حفيد أمير الشرق وهو في غمرة غضبه وسخطه علي أهل الانقاذ وهم كما ينادون أنفسهم آل النهي عن المنكر والأمر بالمعروف الا ردٌ سريعٌ لذلك الشرطيّ قائلاً”نعم أنا سكران،أنا شيوعي وانا…….وكمان لو داير حلايب مصرية 100% ما سودانية ” بعد كدا سوقني محل ما توديني !!! ..
فلتقلْ جوبا في غضبِها غير مكترثة بما سيصدر من وعيدٍ وترهيبٍ من الخرطوم” ما في رأس عقار ولا رأس الحلو ولا رأس عرمان ولا رأس علان من هِنا لهِناك فهم كانوا يوم أمس ولايزالون رفقاء درب النضال مئة مئة فلتغضبْ الخرطوم ولتحرْق جوبا بما فيها ومَنْ فيها لو تستطيعُ” ….
[email protected]