السودان: انسحاب أحزاب جنوبية من «ملتقى جوبا» … و «محاكمة سياسية» للمهدي والترابي ونُقد
الخرطوم – النور أحمد النور
تصاعدت الملاسنات بين شريكي الحكم السوداني، إذ اتهمت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» حزب «المؤتمر الوطني» بدفع ستة أحزاب جنوبية إلى الانسحاب من «ملتقى جوبا» الذي تستضيفه الحركة في عاصمة إقليم الجنوب. وتحوّلت ندوة على هامش الملتقى إلى ما يشبه المحاكمة السياسية المفتوحة لزعماء المعارضة الصادق المهدي وحسن الترابي ومحمد إبراهيم نُقد، في وقت نادى بعض المشاركين بانفصال الجنوب، وطالبوا المؤتمرين في جوبا بحصر نقاشهم في «ترتيبات ما بعد الانفصال» باعتباره أمراً واقعاً.
وشَهد مؤتمر القوى السياسية المنعقد في جوبا انسحاب الأحزاب الجنوبية الستة المشاركة فيه، وساق المنسحبون في بيان مأخذاً على المؤتمر وقالوا إنّهم لمسوا من كلمات قادة الأحزاب الشمالية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ما يُوحي بالانحراف عن شعاره المعلن وهو «تطبيق اتفاق السلام الشامل». وأشار البيان إلى أنّه تمت دعوة 20 من 79 حزباً مسجلاً في السودان على رغم الإعلان أن الملتقى هو للأحزاب كافة. وقال البيان إن الأحزاب الستة المنسحبة توصّلت الى إجماع بأن هدف جميع هذه الأحزاب «تدمير اتفاق السلام الشامل» وإلغاء حق تقرير مصير الجنوب الذي تبقى له 15 شهراً فقط.
وقال موقعو البيان إنهم لاحظوا أن من أهداف المؤتمر إعادة فتح الحوار حول إتفاق السلام الشامل، كما أنّ مقررات المؤتمر المتعلقة باتفاق السلام لن تُنفّذ بسبب مقاطعة حزب «المؤتمر الوطني»، الشريك الأساسي في الحكم، للملتقى.
لكن «الحركة الشعبية» راعية ملتقى الأحزاب دانت انسحاب الأحزاب الجنوبية من الملتقى. وقال الناطق باسم الحركة ين ماثيو في مؤتمر صحافي إن انسحاب الأحزاب يُعتبر مناقضاً للديموقراطية والإعتراف بالآخر. كما اتهم ماثيو حزب «المؤتمر الوطني» بالسعي إلى افشال المؤتمر من خلال الاتصال بعدد من الأحزاب لتحريضها على الإنسحاب وإغراء بعضها بالمال. وكان «المؤتمر الوطني» اتهم الملتقى بالتخطيط لاطاحة نظام الحكم وتنفيذ «أجندة خفية»، وقال إن جهات أجنبية موّلته بمبلغ 18 مليون دولار.
وفي سياق متصل، أقامت قيادات ومثقفون وبرلمانيون في جنوب السودان «محاكمة سياسية» لزعماء أحزاب «الأمة» الصادق المهدي و «المؤتمر الشعبي» الدكتور الترابي والشيوعي محمد إبراهيم نقد، بسبب «الأخطاء» التي ارتكبوها في اثناء فترة قيادتهم للبلاد، وحمّلوهم مسؤولية مشكلات السودان و «الاضطهاد» الذي عانى منه الجنوبيون، وفشلهم في ادارة التنوع الثقافي والديني والعرقي، وارتكاب انتهاكات خصوصاً في فترة حكم المهدي. وأعلن الزعماء الثلاثة استعدادهم للاعتذار عن تلك الاخطاء وللمحاسبة والمساءلة.
ووصف المهدي الاتهامات بـ «الصواريخ»، وقال أمام الندوة: «نحن الآن نقف فوق جبل وتحتنا هاوية كبيرة، التحدي أمامنا أن نصمد أو نسقط». وحذر من أن سقوط السودان يعني سقوط القرن الافريقي باعتباره دولة محورية، وأكد أن أمام البلاد فرصة لهندسة سياسية لتقديم نموذج لنظام سياسي حديث وديموقراطي يحترم اللامركزية والتنوع، ومساءلة كل من ارتكب اخطاء في الماضي. وقال إن أمام السودان خيارين: إما أن يكون دولة ثقافة واحدة وسلطة قاهرة يقود لاستمرار الحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية وتمزيق النسيج، أو بناء دولة تتعلم الأخطاء من تجارب الماضي وتقوم على ميثاق وطني يعم كل القوى السياسية.
ودافع المهدي عن الاتهامات التي وجهت اليه بالوقوف ضد اتفاق السلام، وذكر أن حزبه أيد الاتفاق. ونفى أن يكون تجمع الأحزاب هو بغرض «تسويق الوحدة» للجنوبيين، مشيراً إلى احترام خيارات الجنوب مهما كانت.
وشدد ابراهيم نُقد على ضرورة تحقيق المصالح المشتركة للجنوب والشمال، واعتبر المجتمع السوداني متديناً بفطرته.
أما الترابي فاعتبر تعدد الديانات لا يمثل مشكلة للسودان، وقال إن «الشريعة تعني تسارع الحياة، وأغلب النواهي في الدين ليست للدولة وانما للإنسان وحده»، مؤكداً أن الغرب لا يحتمل اقتراب الدين الإسلامي من السلطة. وأقر بوجود أخطاء في ما يتعلق بـ «الجهاد» في الأيام الأولى لحكم الرئيس عمر البشير التي كان عرابها، وذكر أن أي حرب لها افرازاتها وفسّر الجهاد على انه جهد ومساعدة.
أما نائب رئيس «الحركة الشعبية» مالك عقار فقال إن الكل من دون استثناء مسؤول عن اخطاء وقعت في البلاد، ودعا إلى ضرورة ان يعمل مؤتمر جوبا على ايجاد حلول ناجعة للتنوع. وقال ان ما خلق إشكالية الحرب هو ان الشماليين يريدون تحويل كل الثقافات الموجودة الى «عربية»، محذراً من ان ذلك سيقود الى الانفصال وتمزيق السودان. وأضاف: «اذا ذهب الجنوب ستذهب دارفور والنيل الأزرق ولا ندري الى اين؟ وربما سينضم بعضهم الى ليبيا وتشاد وما سيبقى فقط هو مثلث محدود في شمال البلاد».
على صعيد آخر، قالت البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور («يوناميد») أمس ان جندياً نيجيرياً قتل كما اصيب كينيان زميلان له في مكمن في ولاية غرب دارفور المتاخمة للحدود التشادية. ووقع الهجوم مساء الاثنين. وقال الناطق باسم البعثة المشتركة نور الدين المازني لـ «الحياة» إن قوات حفظ السلام في دارفور جاءت للمساعدة في استعادة السلام والاستقرار في المنطقة و «أي هجوم على قوات حفظ السلام هو اعتداء على السلام نفسه». وقتل 14 جندياً و3 من افراد الشرطة منذ بدء العملية المشتركة في دارفور في كانون الثاني (يناير) 2008 بسبب هجمات مسلحة.
الحياة