مثلث حمدي في مدينة جوبا


مثلث حمدي في مدينة جوبا

يكاد الناس لا يتذكرون السيد/عبد الرحيم حمدي إلا وتذكروا معه بعض المرارات ، فالرجل الذي يصفه رهطه بأب الإقتصاد الإسلامي  يعتبر هو المؤسس الحقيقي  لأزمتنا الحالية ، كان الأستاذ حمدي عنيفاً ضد خصومه ، سأله مرة أحد البسطاء : ما هو المبرر لزيادة سعر السكر ؟؟ فرد عليه السيد/حمدي بلغة التجارة : فرق السعر ذهب لتحرير الجكو وليريا ويرول !! ربما لا يعلم السائل أن هذه المدن التي كان يعظمها برنامج ساحات الفداء تقع داخل التراب السوداني ، هذا هو أجل الجنوب ، من أجله حاربت الجبهة الإسلامية الحركة الشعبية لعقدين من الزمان ، كانت مدينة جوبا تُسمى في ذلك العهد ” بسايجون ” الجنوب ، وقد بلغ عديد القوات المسلحة والدفاع الشعبي والشرطة أكثر من مليون جندي في مدينة جوبا ، أزدهرت تجارة المهوقني والأخشاب ، حتى البنوك الإسلامية نالت حظها من كعكة الجنوب ، وكانت كلمة بنك فيصل فرع الملكية جوبا تعني أن المال موجود ، في دور اللص الذي يلعبه الممثل ماك هافمان سأله أحدهم :لماذا تسطو على البنوك ؟؟ فضحك هافمان ورد عليه I’m not robbing banks..in fact I’m robbing isnured money ، ولصوص البنوك في السودان أيضاً يتقمصون دور ماك هافمان ، ولهم ذرائع وفتاوي مشهورة لأجل نهب مالها ، فدار الإنقاذ للنشر والطباعة أقترضت من بنك فيصل مليار جنيه ، شركاء في الربح والخسارة لذلك تبدد ذلك المليار ولم يحول عليه الحول ، وصاحب المشروع ” شال الفاتحة على المشروع الحضاري قبل عدة سنوات ،

عندما أنسحبت إسرائيل من جنوب لبنان كان حزب الله يسخر من جنودها لأنهم تركوا ملابسهم على المشابك ، وقد وصلهم أمر الإنسحاب فنفذوه قبل أن تجف ملابسهم ، لا أعلم ماذا حدث بالضبط في عاصمة الجنوب جوبا ، من مليون جندي ، وعدد كبير من الشهداء ، أنسحب الجيش السوداني من مدينة جوبا ، أختفى كل ذلك المجتمع من بنوك وشيوخ ورجال دين وطلاب وشرطة ودفاع شعبي ، وأمانة المرأة وشباب الوطن  ، بل رحلت حتى طواقم السلاح الطبي التي من المفترض ان تبقى بحكم عملها الإنساني  ، كل مؤسسات المجتمع المدني التي أنشأتها الجبهة الإسلامية في الجنوب تبخرت في الهواء ، هذا المجتمع كان زائفاً وقد أستغل سانحة الحرب لتحقيق مكاسب التجارة ، لذلك أقول أنه مهما عبر الجنوب من تجارب مرة في أيام السلام فهي أفضل بكثير من أيام حكم حزب المؤتمر الوطني ، وعلى الناس أن تعي أن مشاريع الحرب لم تعد مقبولة في السودان ، نعم عارض حزب المؤتم الوطني  مؤتمر جوبا وأستهان به كما أستهان سابقاً بمؤتمر أسمرة للقضايا المصيرية ، كان الرائد يونس محمود يهاجم المؤتمرين في أسمرة ويصفهم بمعارضة الفنادق وأصدقاء الراح التي تدخل المخ ليلاً وتخرج منه صباحاً ، لكن بعد ذلك المؤتمر أنطلقت المعارضة المسلحة في شرق السودان ، فأستعادت الحركة الشعبية الكرمك وقيسان وهددت مدينة الدمازين من جديد ، بينما أنطلقت قوات التحالف بقيادة العميد عبد العزيز خالد وهددت مدينة بورتسودان ، ذعر قادة الجبهة الإسلامية في الخرطوم وضاق بهم الحال وقد بلغت القلوب الحناجر ، غادر المرحوم الزبير محمد صالح الخرطوم في زيارة مباغتة إلى مصر ، عندما تدلهم الخطوب يتراجع المدنيون ويتولى العسكريون زمام الأمور ، ربما التاريخ يعيد نفسه الآن لكننا فقدنا صوت الرائد يونس محمود ، لا يمكنه أن يقول أن المؤتمرين في جوبا هم من معارضة الفنادق ومن بينهم الدكتور الترابي  ، ولا يمكن أن يقول أنهم من أصدقاء الراح التي تذهب العقول ، كما لا يمكن أن يقول أنه جمعهم الباطل وفرقهم الهوى ، والسبب لأن الحركة الشعبية هي أيضاً مربوطة بعلاقة مع حزب المؤتمر الوطني كما هي مربوطة بأحزاب الصف الوطني في مدينة جوبا ، ربما يأتي هذا المؤتمر تحت غياب الحزب الإتحادي الديمقراطي الحليف الشديد الصلة بالراحل قرنق ، لكن هذا لن يؤثر في نتائج المؤتمر لأن الحزب الإتحادي بقيادة السيد/محمد عثمان الميرغني ضاع ” في القزوزة ” بلغة أهلنا المصريين ، فهو قد خسر مقاعده في الشمال ، أما أهل الشرق فقد فضلوا النزعات القومية على الأدلجة السياسية القديمة الطراز ، لذلك يراقب حزب المؤتمر الوطني مؤتمر جوبا وهو تقتله الحرقة ، وقد أنبرى لمهاجمة المؤتمر الدكتور كمال عبيد ، والدكتور عبيد يعيش مستوى من الترف الفكري الذي يجعله بعيداً عن الواقع السياسي ، وهو رجل غير حصيف دبلوماسياً ويتكلم بلهجة المشروع الحضاري في أيام التسعينات ، وهو مشروع أغتاله الدكتور الترابي للمرة الثانية عندما أعتذر للجنوبيين عن  أهوال تلك الحرب ، أما المهاجم الثاني فهو المستشار عبد الله مسار ، ورأي عبد الله مسار لا يُؤخذ به لأن الرجل نفسه يمثل حزب لا يزيد عدد أعضائه عن خمسين عضواً كلهم موظفين في الحكومة ، وعبد الله مسار هو من الظواهر التي أفرزتها أزمة دارفور ، وهو حالة طارئة يُمكن أن تنتهي مثل ظاهرة عبد الله محمد أحمد وعبد القادر عبد اللطيف ، هؤلاء خرجوا من رحم حزب الأمة وأنضموا لحكومة الإنقاذ ، وبعد أنتهى دورهم ذهبوا لمكان غير معلوم ، مؤتمر جوبا كشف عزلة حزب المؤتمر الوطني داخل السودان ، ولأن أظن أن رهانه على الدكتور لام أكول سوف يعيد سلطته  التي فقدها في الجنوب ، أجندة لام أكول متقلبة مثل أسعار الاسهم العالمية ، لكن يمكنه أن يفعلها ، فهو رجل وصولي ولا يبالي من جعل  قبيلته قرباناً للحرب القادمة ، لكنه لن ينتصر وهو يعيش في الخرطوم متنعماً بأموال حزب المؤتمر الوطني ، بيئة الحرب هي الأحراش ، والعيش بين التماسيح والثعابين ،وما خسره حزب المؤتمر الوطني في الجنوب لن تعيده أى قوى موجودة في الخرطوم

سارة عيسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *