التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتى الدعم السريع (2-10) بقلم أبوبكر القاضي

هذا هو الفصل الثاني من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتى الدعم السريع) ، وسوف نعالج هذا الفصل بحول الله تحت رؤوس الموآضيع التالية:

++ حركةً أنانيا ون هي التي صنعت ثورة أكتوبر المجيدة من خلال مطالبها المشروعة (وعد الفيدرالية المنقوض) ،والعدالة في قسمة الوظائف، ومقاومة مشروع الأسلمة والتعريب الذي انتهجه نظام ١٧ نوفمبر بقصد ابعاد الجنوبيين من السلطة مما حدا بالجنوبيين إلى مناهضة هذا المشروع الذي يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم-اهل ذمة – ومن اجل الاعتراف بهم كمواطنين لهم كافة الحقوق المتساوية:

++ القرشي شهيد عظيم .. ولكنه (ليس شهيدنا الاول .. وانما مسبوق بنصف مليون شهيد من متمردي حركة أنانيا ون!!

++ ثورة أكتوبر لم يصنعها برجوازية الجلابة في الخرطوم من اساتذة جامعة الخرطوم، وطلابها سكن فاخر خمسة نجوم، وغيرهم.. وانما صنعها متمردو الهامش في حركة انانيا ون .وحواضنهم المدنية:

++ الفرق بين ألأسباب الحقيقية لثورة أكتوبر .. وبين السبب المباشر/شرارة الثورة ؟

++ ثورة أكتوبر المجيدة في شمال السودان (يتيمة يتما مركبا) .. ليس لها ام ولا اب ولا بواكي عليها في شمال السودان!!

++ قصة ملحمة ثورة أكتوبر من منظور أهل الهامش في السودان:

(١) هذا هو الفصل الثاني من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتى الدعم السريع ) سوف نكرسه لبيان ( دور متمردي انانيا ون وحواضنهم من الجنوبيين في صناعة ثورة اكتوبر المجيدة) .. وفي هذا الاطار سوف نتناول كمدخل (مفهوم الثورة والتغيير لدي شعوب الهامش السوداني (الخطة ( أ) التغيير السلمي، والخطة (ب) التغيير بالسلاح وذلك على النحو التالي:

(أ) مفهوم الثورة والتغيير لدي حركات التمرد: الخطة (أ) لدي شعوب الهامش في شرق السودان، وفي جبال النوبة والانقسنا ودارفور :

لابد من التأكيد على أن شعوب الهامش في الجنوب، وفي شرق السودان وجبال النوبة ودارفور.. كل هذه الشعوب لم تكن راضية بالتمثيل النيابي في اول برلمان سوداني عام ١٩٥٤ والذى انتخب اول حكومة وطنية برئاسة السيد اسماعيل الأزهري، لكون ان التمثيل البرلماني لهذه الاقاليم المهمشة قد تم عن طريق ما عرف تاريخيا ب (تصدير النواب من المركز في امدرمان إلى هذه الاقاليم.. ياتي المرشح حاملا خطابا من السيد عبدالرحمن المهدي مثلا يفيد بأنه مرشح السيد لهذه الدائرة الانتخابية) .. ثم يفوز هذا المرشح المستورد من أمدرمان لمجرد أنه (مرشح السيد) !

تمرد اهل الهامش هو (مشروع تغيير وفق رؤية) .. بخطة (أ) محاولة التغيير السلمي .. وخطة (ب) التغيير بالسلاح في حال فشلت الخطة الف .. ووسيلة هذا التغيير المنشود هي (نظريا نقول بكل الوسائل المتاحة) .. كل يقاوم احتكار الجلابة للتمثيل النيابي في البرلمان ولوظائف الدولة العميقة ومؤسسات الدولة بطريقته حسب ظروفه.. لقد اختار اهل الشرق الخطة (أ) (كخطوة اولي ) الطرق السليمة المدنية من خلال (مؤتمر البجا ) وانتزع مؤتمر البجا ا تمثيل الاقليم الشرقي في اول انتخابات أقيمت بعد ثورة أكتوبر المجيدة… وكذلك في البداية اختار اهل جبال النوبة ايضا الخطة (أ) الخيار السلمي المتاح انذاك وذلك عبر اتحاد جبال النوبة .. وانتزعوا ايضاً التمثيل النيابي للإقليم.. وكذلك اسس الدارفوريون (جبهة نهضة دارفور) كحركة مقاومة سلمية مدنية بقيادة الرمز الدارفوري احمد ابراهيم دريج ونائبه الدكتور علي الحاج محمد .. اكدوا من خلال هذه النهضة رفضهم للتمثيل النيابي المستورد من المركز/ أمدرمان.. وعلى ضرورة تمثيل الاقليم نيابيا بواسطة ابناء دارفور.

(ب) حركة أنانيا ون اختارت الخطة (ب) من اول وهلة.. ولهم منطقهم وفلسفتهم.. وهو منطق اختصار الطريق.. والذهاب فوراً إلى (ما لابد منه بدون مطاولات) .. يقولون: (لابد من مربع المقاومة المسلحة وان طال السفر .. لان من يمتلك السلطة والهيمنة على الوظائف الدولارية.. والسيادية لا يمكن ان يتنازل عن هذه الامتيازات بالطرق السلمية.. بالمظاهرات والهتافات.. وانما (تنتزع السلطة والحقوق بحد السيف).. وقد برهنت التجربة العملية صحة هذه الرؤية.. مراوغة الجلابة ..و(التمادي فى نقض العهود ) .. فقد كتب مولانا أبيل الير شهادته الموثقة في كتابه الشهير (جنوب السودان والتمادي في نقض المواثيق والعهود ). وأذكر أن زملاءنا من الجنوبيين في كلية القانون بجامعة الخرطوم كانوا يقولون كلاما في مجالس الونسة يشبه الدعابة .. ولكنه الجد الذي ليس بالهزل: يقولون: إذا أردت أن تسترد حقك من الجلابي .. فعاجله بصفعة قوية في وجهه .. ثم طالبه بحقك .. في هذه الحالة فقط يعطيك حقك.. أما إذا طالبته بالطرق الودية فانه سيماطلك ويحرق دمك .. لذلك اختصر الطريق على نفسك وابدأ من الاخر (بصفعة الوجه القوية) وهكذا بدات حامية توريت (بالتمرد المسلح) .

(ج) لقد اثبتت الايام صحة نظرية (معاجلة الجلابي بالصفعة القوية في الوجه لتاخذ منه حقك ) .. وذلك من خلال الممارسة السياسية .. فقد ثبت ان الطريق العملي المتاح هو ان تاخذ حقك بالسلاح والعنف والقوة.. لان اقلية الجلابة الحاكمة والتي تحتكر (العنف/الجيش /الامن والمخابرات والشرطة وكل الأجهزة الأمنية حتى الجمارك والمطافي ) – وتسيطر كذلك على الاقتصاد والمال وكل عائدات البترول وتذهب نسبة ٨٠٪؜ من ميزانية الدولة للجيش الذي هو ٧٥٪؜ من ضباطه من هذه النخبة .. فمن يمتلك كل هذه الإمكانيات لا يمكن ان يتنازل عن هذه الامتيازات نزولا عند نتائج الانتخابات او استجابة لمظاهرات بالحلاقيم.. واهم من يعتقد ان صوت الشارع يمكن أن يسقط (دولة الجلابة الاستعمارية) المحروسة بجيش الجلابة ..

اننا في هذا الكتاب لا نعيد كتابة التاريخ (من اجل التاريخ) .. وانما من اجل (التغيير) .. لذلك فان (تحرير شعوب السودان يقتضى حتما تفكيك دولة الجلابة – والذي يعني تفكيك جيش الجلابة والأجهزة الأمنية والشرطية.. هذا الجيش /المليشيا هو جيش (اخوان مسلمين .. وحزب الامة والاتحادي الديمقراطي) كلهم عمليا اخوان مسلمين خاصة حين يتعلق الأمر بالموقف من حركات الهامش التي تنشد التحرير من (استعمار الجلابة) .. واعادة بناء (سودان جديد) قادر علي ( ادارة التنوع الديني والعرقي واللغوي والجندري الخ ) بما في ذلك (فك احتكار مليشيا الجيش والأجهزة الأمنية المحتكرة للجلابة.. اي تهاون او تراخي في ذلك سيفتح الباب لعودة الفلول من جديد عبر انقلاب دموى من خلال (الجيش/المليشيا ) .لذلك فإن هذا الكتاب معني بأخذ العبرة من تاريخ استعمار دولة الجلابة ، ولكنه معني اكثر بالحاضر والمستقبل..

(٤) نظام ١٧ نوفمبر- نظام عبود ومشروع الاسلمة والتعريف.. ومقاومة الجنوبيين- انانيا ون – لهذا المشروع الاسلاموعروبي الذي يجعلهم اهل ذمة ومواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة:

(أ) الاكاديمي الجنوبي: سكوباس . س. بوقوو استاذ مشارك في جامعة أوهايو الأمريكية يكشف لنا بلغة رصينة وواضحة مشروع نظام عبود الإقصائي الذي يستند الي فكرة مركزية في ذهن نظام عبود وكل الجلابة الشماليين هي (خلق سودان واحد ، بلغة واحدة هي (اللغة العربية) .. وبدين واحد هو (الإسلام) وتنفيذا لهذه السياسة الرعناء تم فرض اللغة العربية في المدارس.. وصارت الشرط الأساسي للتوظيف في المكاتب الحكومية في المديريات الجنوبية! المقتطف ادناه من مقال الاكاديمي الجنوبي: سكوباس . س بوقوو يكشف لنا حجم القهر الذي تعرض له شعب جنوب السودان على يدي الجلابة في عهد حكومة الفريق ابراهيم عبود والذي أدي إلى مقاومة شرسة من الجنوبيين.. (منشور صوت جنوب السودان مثالا) .. وهذا احد الاسباب الجوهرية لقيام ثورة أكتوبر المجيدة.. فالي المقتطف الناطق عن نفسه :

(وكرر المؤلف في أكثر من موضع اهتمام حكومة عبود بإقامة المساجد والخلاوي والمعاهد الإسلامية والمدارس الثانوية في جنوب السودان، واهتمامها الأشد بنشر اللغة العربية في كل مؤسساته التعليمية. ويرى الكاتب أن تعليم اللغة العربية كان يعد مقدمة منطقية لتعليم الطلاب مبادئ الإسلام ومن ثم اعتناقه. وأورد ما جاء في منشورة جنوبية هي “صوت جنوب السودان” الصادرة في عام 1964م (والتي كثيرا ما أستشهد بها المؤلف في مواضع أخرى) من أن مدراء المديريات الجنوبية أصدروا بيانا جاء فيه: “يجب أسلمة وتعريب الجنوب من أجل تحقيق وحدة سياسية في السودان، والوصول إلى الهدف النهائي: قطر واحد (هو السودان) ولغة واحدة (هي العربية) ودين واحد (هو الإسلام)”. وكان ذلك الهدف يقتضي بالضرورة منع حرية الأديان، وسلب الحقوق اللغوية، وتقييد الحريات السياسية.
ولتنفيذ سياسة عبود لتعريب وأسلمة الجنوب تم فرض استخدام اللغة العربية، ليس فقط في المدارس، بل في مكاتب الحكومة أيضا. ومثل ذلك عقبة أخرى أمام تطلعات الجنوبيين (الذين لا يجيدون العربية) في المساواة في التوظيف بالحكومة (خاصة في وزارات سيادية مثل الخارجية والدفاع)، وعدوا تلك السياسة محض “عبودية سياسية”.) آنتهى.

المرجع: سكوباس . س. بوقوو Scopas. S. Boggo . /ادارة الفريق عبود العسكرية للسودان (١٩٥٨-١٩٦٤) وتطبيق برنامج اسلمة وتعريب جنوب السودان/عرض بدرالدين حامد الهاشمي /صحيفة الراكوبة تاريخ: ١٦ يونيو ٢٠١٥ .

(ب) الأسلمة القسرية للجنوبيين:

المقتطف ادناه لذات الباحث الأكاديمي الجنوبي/سكوباس .س. بوقوو يكشف لنا سياسة (الأسلمة القسرية) التي اتبعها نظام الفريق عبود  ضد الجنوبيين والتي وجدت مقاومة من الجنوبيين..وتعاطفا دوليا  من المسيحيين في العالم لاسيما في روما عاصمة المسيحية الكاثوليكية: فالي المقتطف:

(وتناول المؤلف الحملة الإعلامية التي صاحبت وأعقبت عملية التعريب والأسلمة بالجنوب. وذكر أن الحكومة قامت أولا بتخيير كل رجال الإدارة الأهلية بالجنوب بين اعتناق الإسلام أو فقدان كل سلطاتهم التقليدية. ووافق كثير منهم على اعتناق الإسلام حفاظا على سلطاتهم ونفوذهم في أوساط مواطنيهم. وأرسلت إليهم الحكومة طائرات خاصة حملتهم إلى الخرطوم حيث وجدوا ترحيبا كبيرا واحتفالات ضخمة، وقامت الإذاعة السودانية بالإعلان عن أسماء كل رجال الإدارة الأهلية في الجنوب الذين اعتنقوا الإسلام. ولعل القصد من ذلك الإعلان الإذاعي هو بعث رسالة للمجتمع الدولي بجدية الحكومة في عمليتي التعريب والأسلمة، وبعث رسالة أخرى للجنوبيين بأن قادتهم الشعبيين قد دخلوا في دين الإسلام وأن عليهم أن يحذوا حذوهم. وطلبت الإدارة في الجنوب من التجار الشماليين العاملين في مختلف المناطق حمل المصاحف معهم حيثما ذهبوا ليروه لزبائنهم من الجنوبيين. وكان ذلك من أجل “العرض” فحسب، وليس من أجل عاطفة دينية حقيقية. وقد كان أحد المفتشين قد خاطب جمعا من الجنوبيين وقال لهم: “لسنا مهتمين بصلاتكم أو صيامكم. كل ما يهمنا هو أن تدخلوا الإسلام وأن تدعوا الآخرين من أهلكم لدخوله، وأن يقوموا بتغيير ديانة أبنائهم المسيحيين للإسلام. فالمسيحية دين غريب عليكم كان ينبغي أن يذهب مع رحيل المستعمر الأوربي”.) آنتهى.المرجع السابق /مقالة سكوباس .س. بوقوو.

(٥) المتمردون الجنوبيون في انانيا ون هم الذين (صنعوا ثورة أكتوبر) وليس برجوازية الجلابة من أساتذة جامعة الخرطوم وطلابها.. ورجال القضاء والمحاماة ..الخ :

(أ) الفرق بين (الاسباب الحقيقية لثورة أكتوبر.. وبين السبب المباشر/ شرارة الثورة) :

قبل ان نقدم الأدلة القاطعة في بيان ان متمردي انانيا ون هم الذين صنعوا ثورة أكتوبر المجيدة يتعين علينا ان نضع في الحسبان التمييز الذي وضعه المؤرخون (بين اسباب الثورة الحقيقية وبين السبب المباشر-شرارة الثورة ) .. من يقرأ تاريخ الثورة الفرنسية مثلا يجد تمييزا واضحا بين شرارة الثورة الفرنسية، وبين اسبابها التراكمية التي تعود إلى عصر التنوير-عهد فولتير ومسكويه وجان جاك روسو.. ولكني سوف اكتفي بحدث سوداني هام هو (أسباب حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان) نستطيع ان نميز فيه بشكل واضح العلاقة بين الاسباب الحقيقية لحل الحزب، وبين (السبب المباشر- الشرارة) .

السبب المباشر او الشرارة التي أشعلت الحرب ضد الحزب الشيوعي السوداني هي فتنة معهد المعلمين العالي (كلية التربية جامعة الخرطوم) .. التي تحدث فيها الطالب شوقي محمد علي بصورة سلبية عن السيدة عائشة ام المؤمنين..و على الرغم من ان الحزب الشيوعي قد اعلن عن براءته من الطالب شوقي وعدم انتمائه للحزب.. إلا أن الاخوان المسلمين والانصار/حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي قد نقلوا الفتنة مباشرة الى الشارع السوداني كله، ونسبوها للحزب الشيوعي الذي لاذنب له فيها .. ثم انتقلت الفتنة الي داخل البرلمان.. ثم الي دهاليز القضاء السوداني حتى المحكمة العليا.

وعودة الى موضوعنا وهو التمييز بين السبب المباشر – الشرارة- لحل الحزب الشيوعي ، وبين الاسباب الحقيقية لحلّ الحزب الشيوعي: فالسبب المباشر- الشرارة- كانت قصة شوقي والسيدة عائشة ام المؤمنين في معهد المعلمين هذه القصة ليست السبب/ الاسباب الحقيقية لحل الحزب الشيوعي.. هذه الحادثة يمكن أن تمر دون ان تقوم القيامة وفي أسوء الفروض يمكن ان تنتهي بإلحاق الاذي البدني بالطالب شوقي من قبل اي طالب (مهووس دينياً) .. او تنتهي بتقييد بلاغ لدي شرطة أمدرمان شمال.

الاسباب الحقيقية للثورة ضد الحزب الشيوعي تتمثل في النجاحات السياسية العظيمة التي حققها الحزب الشيوعي والمكاسب التي حققها الحزب (بجهوده ونضالاته ) بدءا بقدرته على خلق واجهات سياسية عديدة مكنته من الحصول على حصة وزارية (يعتبرها خصومه أنها اكبر بكثير من حجمه الحقيقي) في حكومة سرالختم الخليفة الاولى، ثم نجاحه الباهر في اول انتخابات ديموقراطية بعد ثورة اكتوبر حيث حصل علي ١١ مقعد في دوائر الخريجين.. باختصار لقد تغلغلت شعارات الحزب الشيوعي في الشارع السوداني ووسط الشباب والنساء حيث كانت الراحلة (فاطمة احمد ابراهيم)أول نائبة برلمانية على مستوى وادي النيل من نملي الي مصب فرعي رشيد ودمياط في مصر . فقد كانت صدور اليمين التكفيري (الاخوان المسلمين وحزب الامة والاتحادي الديمقراطي) تغلي بالبارود غضباً وغيرة على نجاحات الحزب الشيوعي .. يبحثون عن اي سبب مهما كان من الصغر والتفاهة (لتكفير الحزب الشيوعي وإخراجه من الساحة السياسية بوسائل غير ديمقراطية وغير اخلاقية) . بعد هذه الفذلكة عن مفهوم (السبب المباشر) .. والأسباب الحقيقية للثورة أعود إلي تقديم الدليل على أن حركةً أنانيا ون وحاضنتها المدنية هي السبب/الأسباب الحقيقية في إشعال ثورة أكتوبر المجيدة.

(ب) ثورة أكتوبر (يتيمة يتما مركبا ) ليس لها ام ولا اب ولا بواكي عليها في شمال السودان!!

ثورة اكتوبر في ذاكرة انسان شمال السودان هي مجرد أناشيد (يتغنى بها الفنانون وعلي رأسهم محمد وردي ومحمد الامين بملحمة هاشم صديق وأبوعركي البخيت) ورفاقهم من الفنانين والشعراء الذين تغنوا لأكتوبر.. ولكنهم بكل اسف يتحدثون ويمجدون (السبب المباشر لثورة اكتوبر- السبب الهامشي – مجرد شرارة الثورة ) – يمجدون دور برجوازية الخرطوم وامدرمان، ويسقطون عن قصد الاسباب الحقيقية لثورة أكتوبر المجيدة ويتجاهلون الثوار الحقيقيين الذين صنعوها، واعني بهم متمردي أنانيا ون وحاضنتهم المدنية من الجنوبيين وابناء الاستوائية بصورة خاصة.

(٦)  قصة ملحمة أكتوبر من منظور اهل الهامش في السودان:

 القرشي شهيد عظيم.. ولكنه ليس شهيدنا الاول.. بل سبقه (نصف مليون شهيد جنوبي) من ثوار ومتمردي الاستوائية في حركة أنانيا ون :

(أ) المجد لله في الأعالي.. وبالناس المسرة .. وعلى الأرض السلام

وفي محكم تنزيله (لا نفرق بين احد من رسله) عليهم الصلاه السلام

المجد والخلود لتمردي حامية توريت الأجلاء لانهم رفعوا السلاح

احتجاجاً على القسمة الغير عادلة لوظائف السودنة – القسمة الديظي

نال الجنوبيون وهم ثلث السكان تعداداً وثلث الوطن مساحة

نالوا فقط اربعة وظائف من جملة ثمنمائة وظيفة ذهبت للشمال

هذا الظلم فئ القسمة اضافة إلى تراكمات المسكوت عنه منذ اتفاقية البغط

دفعت الاستوائيين لحمل السلاح .. من اجل العدالة والمساواة والكرامة والحرية

ثورة أكتوبر الظافرة لم يصنعها برجوازية الخرطوم

ولم تصنعها استقالات أساتذة جامعة الخرطوم وطلابها سكن خمسة نجوم

ما جرى في الجامعة واستشهاد القرشي وموكب جنازة القرشي وتداعياته

كان(شرارة الثورة) التي اخذت لونها الأحمر من دماء توريت وعمت .. واحدثت يقظة شعب

            ****       ****

(ب) قلنا ثورة أكتوبر ليست من صناعة برجوازية الخرطوم

ولا صناعة المرفهين في داخليات البركس ذات ال5 نجوم

لا ..لا .. ثورة أكتوبر ليست تشييع جنازة القرشي

ولا احتشاد معهد المعلمين العالي والمعهد الفني

وطلاب الثانويات وهتاف نحو القصر حتى النصر

ثورة أكتوبر كانت من اجل وعد الفيدرالية المنقوض

ثورة أكتوبر سادتي ليست جملة الفعاليات الثورية التي جرت

في شوارع العاصمة وجوبا وبورتسودان ومدني وقطار القضارف

ثورة أكتوبر كانت بسبب تمرد الجنوبيين اصحاب الوجعة من اجل العدالة الاجتماعية

كانت ضد اقصاء الجنوبيين عبر الاسلمة القسرية والتعريب لالغاء التنوع الثقافي

ثورة اكتوبر كانت لأجل منع تبديل خلق الله الذي جعلنا مختلفين في الألوان والألسن

ولذلك خلقنا.. وتلك سنة الله في خلقه.. ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلاً.

****.   ****

(ج) قلنا مرارا..ثورة اكتوبر المجيدة ليست من صناعة برجوازية الخرطوم

ثورات السودان كلها منذ ثورة اكتوبر كانت (ردة فعل) لتمرد المهمشين

فاتورة حرب الجنوب البالغة مليون دولار يوميا هي التي تسبب الاحتقان في الخرطوم

فاتورة الحرب الباهظة هي التي تخلق مشاكل ارتفاع الأسعار بسبب انعدام الوقود

وارتفاع أسعار الترحيل وانقطاع خدمات الكهرباء والمياه في عطبرة وفي الخرطوم

ثورة اكتوبر هي نتيجة طبيعية لعلاقة (الرصاصة بالسياسة) ..

الحرب تدور في أحراش الجنوب وفي جبال النوبة أو في دارفور.. في ابعد مكان من الخرطوم..

ونتيجتها التراكمية هي ثورات شعبية من الشرائح الاجتماعية الضعيفة ذات المرتبات في الشمال

يا سادتي.. اناشيد أكتوبر التي تبث من راديو أمدرمان تفصل قسرا بين  (الرصاصة والسياسة)

أناشيد اكتوبر تفصل تعسفيا بين (الفعل ) الحربي في الجنوب وبين (ردة الفعل) السياسية في الخرطوم

غير مسموح بتاتا في الشمال تمجيد حركات التمرد التي (تخلق) الاسباب الحقيقية للتغيير في الخرطوم

لاعتقاد (الوعي القومي للجلابة الشماليين) بان تمجيد التمرد (خط احمر) لانه يجرح كرامة جيشهم

جيشهم الحارس دم الجلابة ومالهم وحدهم.. الجيش الذي (يقتل الذين تمردوا من اجل الاعتراف )

الاعتراف بأنهم بشر ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. وليسوا عبيداً ولا سلعة للمقايضة في سوق النخاسة

كما كان يجري منذ (معاهدة البغط) بين عبدالله بن ابي السرح ومملكة المقرة النوبية المسيحية

(جزية) مفروضة.. دفع ثمنها البالغ (٣٦٠ عبدا) سنويا الزرقة في أعالي النيلين الأبيض والأزرق

ثورة اكتوبر ياً سادتي صنعها مقاتلو حرية الرقبة بكل حمولتها التاريخية ..  طلبا للعدل والمساواة

(د) يزعم أهل السياسة في الشمال عمدا ان (ثورة اكتوبر كانت سلمية) !! سلمية بتاعت الساعة كم ؟!!

الهدف من القول بسلميّة أكتوبر هو الفصل التام بين (التمرد ) في الجنوب وبين التغيير في الخرطوم

القول بسلميّة ثورة أكتوبر يرضي جيش الجلابة لانه يهدر دماء نصف مليون جنوبي أبادهم الجيش

القول بسلميّة ثورة أكتوبر القصد منه حرمان المتمردين من حصاد الثمرة السياسية لطلقة التمرد

قاوم الجنوبيون نظام عبود حتى سقوطه .. وكانت النتيجة (خيول الجنوبيين تجغلب والشكر لي حماد

جير العقل الجمعي للجلابة ثورة اكتوبر لصالح الجلابة بالاحتيال المكشوف عبر سر الختم الخليفة؟

ومن هو سر الختم الخليفة؟ انه شبيه الجنوبيين مثل شبيه صدام علي طريقة ما زي أبوك لكن بربيك !!

سر الختم الخليفة هو مدرس شمالي  يحبه الجنوبيون اتي به الشماليون بقصد ارضاء الجنوبيين

وذلك اعترافا من الجلابة المستهبلين بالدور الحاسم للتمرد الجنوبي في صناعة اسقاط نظام عبود

مستهبلين لان ارضاء الجنوبيين يقتضي ان يكون رئيس الوزراء  (جنوبيا) .. (فالنفس اولي من الصاحب) ماذا كان سيحدث لو اتي ثوار أكتوبر (برئيس وزراء جنوبي مسيحي؟) ..مجري تاريخ السودان كان سيتغير

معلوم ان رئيس الوزراء في النظام البرلماني وزير عادي ..فقط له صوت مرجح إذا تساوت الاصوات

مما يعني لو كبرت العقول .. وطابت النفوس.. كان ممكن يكون بدل سر الختم الخليفة شخص جنوبي

واترك الخيال لعقل القارئ الأشطر مني لاستنتاج النتائج الايجابية لاختبار رئيس وزراء انتقالي جنوبي؟!

كان هذا الاستحقاق الطبيعي للجنوبيين كان سيمنحهم الثقة في (الاخوة الشماليين) لتكون اخوة بحق!

وكانت هذه الخطوة ستحسن ظن الشماليين بالجنوبيين وتساهم حتما في نجاح (المائدة المستديرة)

الوفاء بوعد الفيدرالية كان كافيا لنجاح مؤتمر المائدة المستديرة وتحقيق الوحدة الجاذبة الي الابد !!

لله درك يا استاذ محمود فهو الوحيد الذي تفرد بمنح الفيدرالية لكلّ أقاليم شاملا الاقليم الجنوبي

راجعوا كتابه (اسس دستور السودان)  منذ عام ١٩٥٥ يضع فيه الفيدرالية فلسفة تربية للشعب السوداني

التحية لشعب جنوب السودان صانع ثورة أكتوبر.. كان غرامه الحرية فنالها بدفع استحقاقاتها من دمه !!

ليست الجبهة القومية الاسلامية وحدها التي تسببت في فصل الجنوب .. (الجلابة ملة واحدة ) !!

جريمة فصل الجنوب تقع في المقام الأول على حزبي الامة والاتحادي الذين تنكروا لوعد الفيدرالية!!

ويتحمل وزر فصل الجنوب نظام الفريق عبود اول من تاجر بالدين وفرض الأسلمة القسرية والتعريب

(ه) من سخرية القدر ومكر التاريخ ان ملحمةً أكتوبر قد تم تدشينها عام ١٩٦٨ امام التكفيريين

الذين تنكروا لاهداف وشعارات ثورة اكتوبر.. المتمثلة في الحرية والليبرالية والتعددية السياسية

التكفيريون السودانيون يا سادتي هم قيادات حزب الامة والاتحادي الديمقراطي والاخوان المسلمين

الذين عدلوا الدستور  من اجل طرد نواب الحزب الشيوعي (الخريجين) من البرلمان بتهمة الالحاد

وشرعوا فى تقنين الدستور الاسلامي الكامل الذي قاومه النواب المسيحيون بشراسة من داخل البرلمان

وقد تساءل النائب المسيحي فلب عباس غبوش: هل يجوز في ظل الدستور الاسلامي لغير المسلم

ان يكون رئيسا للجمهورية؟ وحين اتت الاجابة ب (لا يجوز) سقط الدستور الاسلامي الطائفي الاخواني

ولم يتوقف التكفيريون عند تكفير الشيوعيين بل تواطؤا على تكفير الاستاذ محمود وتلاميذه

ودونكم كتاب الاخوان الجمهوريين (مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية) ففيه بيان وافي لهذا التواطؤ الطائفي الاخواني الذي كان الهدف منه إسكات صوت الاخوان الجمهوريين المناهض للدستور الاسلامي

(و) نجحت ثورة اكتوبر وسقط نظام عبود.. ولكن لم يسقط مشروع الأسلمة والتعريب القسريين !! ا

التغيير في السودان منذ ان سلم عبدالله خليل السلطة لنظام عبود ظل (تغيير وجوه ..  لا تغيير مشروع)

اسقط الجنوبيون نظام عبود فجاءت الأحزاب الطائفية والاخونجية بذات مشروع عبود الاسلاموعروبي !

من سخرية القدر ان ملحمةً أكتوبر قد تم تدشينها امام التكفيريين الذين تآمروا ضد شعارات اكتوبر وتنكروا تماماً لاهداف ثورة اكتوبر القائمة على الليبرالية والحرية..وذلك حين قاموا بحل الحزب الشيوعي

 واهانوا القضاء السوداني برفضهم تنفيذ حكمه الذي قضى ببطلان تعديل الدستور وحل الحزب

مما دفع رئيس القضاء آنذاك- بابكر عوض الله إلى تقديم استقالته احتراما لمبدأ استقلال القضاء

هذا الوضع برر للسيد بابكر عوض الله الانقلاب على التكفيريين بعد عام من تدشين ملحمة اكتوبر

اشكالية الجلابة الشماليين انهم أقلية وبالتالي لا تناسبهم الحلول السياسية القائمة على الانتخابات

الجيش هو الواجهة المشتركة لكل احزاب الجلابة للوصول للسلطة.. لذلك جميع الانقلابات حزبية

 اي ضابط ينتمي جغرافيا للمنطقة من الجيلي الي حلفا يدخل الجيش (مجندا حزبيا) لتدبير انقلاب

لصالح حزبه.. فهو قد دخل الكلية الحربية ليس لحماية الحدود .. وانما ليكون حاكما عبر الانقلاب

اننا في مشروع المهمشين نعرف ونقدر تماما دور المتمردين الجنوبيين فى صناعة ثورتي اكتوبر وأبريل

ولن ننسى أبدا .. ابدأ النضال والتاريخ المشترك بيننا وبينهم من آجل التغيير وانهاء استعمار دولة الجلابة

هنيئا للجنوبيين الذين قاوموا دولة ٥٦ .. ومن مدرستهم الحربية خرجت جميع حركات التمرد الشمالية

نال الجنوبيون استقلالهم بعزيمة رجالهم ..وتركوا جدار برلين بيننا حين سموا دولتهم (جنوب السودان)

ومعنى ذلك: يا أهلنا في الشمال: بيننا وبينهم جدار برلين الذي بمقدورنا تحطيمه بازالة اسباب الانفصال بتحقيق وعد الفيدرالية المنقوض ودستور علماني اسوة بدول الساحل والصحراء.. كالسنغال،مالي وتشاد

وكلها دول اسلامية اعرق من السودان في انتمائها الاسلامى.. فضيلتها انها ليست مجاورة لمصر

فمن مصر أتتنا كل الاحزاب بإرثها .. الاخونجية، الشيوعية،القومية العربية، الحركة الاتحادية وهلمجرا

اللحظة التي يشرعن فيها المشرع السوداني الدستور العلماني هي لحظة ميلاد السودان الجديد

وهي اللحظة الحقيقية (لتفكيك دولة الاخوان المسلمين) .. وبداية دولة المواطنة المتساوية بلا تمييز

العلمانية تعني وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان ليكون الجميع مواطنين درجة أولى

وتسمح بتطبيق الحريات الأربعة بسلاسة فورا كمقدمة للوحدة الطوعية للسودان من نملي الي حلفا

بالمقابل، رفض العلمانية يعني جعل جدار برلين بين شما السودان وجنوبه أبديا مع مزيد من تفتيت ما تبقى من في شمال السودان ! ويعني قفل باب الوحدة الطوعية .. ومزيد من تفتيت وحدة السودان

**انتهت قصة ملحمة أكتوبر من منظور المتمردين.

ابوبكر القاضي

نيوبورت/ ويلز /UK

١١/ يناير ٢٠٢٤

Sent from my iPad

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *