كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(13) هارون سليمان

كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(13) هارون سليمان
 العدالة
إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات الكبر ى التي أريقت فيها الدماء أزهقت في الأرواح وعانت البشرية منها ويلات الجوع والتشرد والدمار إن هذه الثورات المتعاقبة كانت تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة.
العدالة في مفهومها العام تعني إحقاق الحق وإنصاف المظلوم.وقد أكدت كافة الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على مبدأ العدالة لخلق مجتمع إنساني قائم على احترام حقوق الفرد والجماعة وضمن مناهج واسعة تضمنها الدولة والقانون.
إن العدالة من أهم المبادئ الإنسانية التي تحقق سعادة الفرد والجماعة وهو من المفاهيم العظيمة التي ينبغي تفهمها وإدراك معانيها وأهميتها والإنسان يحتاج إلى العدل في شتى جوانب حياته فهو يتعامل مع أفراد مختلفين لا تجمعه بهم صلة أو قرابة ، أو معرفة فإذا كان شعار أفراد المجتمع العدل ، فإنه سيعيش وهو مطمئن لأنه لن يظلم وسيأخذ كل حقوقه ومطالبه بدون عناء مهما كانت منزلته. 
والأمة مكلفة بتحقيق العدل في الأرض وأن تبني حياتها كلها على أصول العدل حتى تستطيع أن تحيا حياة حرة كريمة ويحظي كل فرد في ظلها بحريته وينال جزاء سعيه ويحصل على فائدة عمله وكده .

 العدل في اللغة:
العَدْلُ: ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور ويقال: عَدَلَ عن الطريق عُدُولاً، مال عنه وانحرف.
والعَدْلُ: الحكم بالحق، يقال: هو يقضي بالحق، ويعدل، والعَدْلُ والعِدْلُ والعَدِيلُ سواء، أي النظير والمثيل، فعِدل الشيء مثله من ضده، أو مقداره. والتعادل: التساوي، وعدَّلته تعديلاً فاعتدل: سوَّيته فاستوى وعَدَلْتُ فلاناً بفلان، إذا سوَّيت بينهما، وتعديل الشيء، تقويمه، يقال: عدَّلته تعديلاً، فاعتدل، إذا قومته فاستقام.

العدل في الاصطلاح:
هو عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط .

تعريف العدل
1. العدل قيمة إنسانية وأخلاقية تضمن لجميع الناس حاجاتهم النفسية خاصة (الأمن،الاطمئنان، الحق، المساواة، …) ويقوم العدل على احترام الآخرين، وهي حد أوسط بين الإفراط  والتفريط، مع الحرص على عدم الإيذاء والظلم أو الجور………
2. العدل صفة تطلق على كل عمل مطابق للقانون وهو ما يقتضي النزاهة ويحقق مساواة الجميع أمام القانون ويضمن الحقوق لأصحابها و يحارب الجور والظلم و يقتضي أيضا استقلالية القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
3. العدل مصدر بمعنى العدالة وهو عبارة عن الاستقامة على طريق الحق.
4. العدل هو الإنصاف وإعطاء المرء ما له وأخذ ما عليه.
5. هو بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقين في حقوقهم .
6. هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه.
7. هو مجموعة القواعد التي بكشف عنها العقل ويوحي بها الضمير ويرشد إليها النظر الصائب.
8. عُرّف العدل في علم الكلام بأنه ” عدم فعل القبيح و عدم الإخلال بالواجب و عدم التكليف بما لا مصلحة فيه”
فالعدل هو وضع الأمور في مواضعها وإعطاء كل ذي حق حقه

تعريف أرسطو للعدالة
يحيل أرسطو مفهوم العدالة إلى دلالتين: عامة وخاصة؛ فهو يشير في دلالته العامة إلى علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية وهنا يكون مرادفا للفضيلة بالمعنى الدال على الامتثال للقوانين؛ فالإنسان الفاضل هو الذي يعمل وفقا للقانون، شريطة أن يكون هذا القانون مبنيا على أساس مبدأ الفضيلة. ومع ذلك فإنه لابد من الإشارة إلى وجود فرق طفيف بين مفهوم العدالة الكونية ومفهوم الفضيلة من حيث أن الأولى تقتصر على العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، بينما تشمل الثانية علاقات الأفراد فيما بينهم. وأما العدالة بالمعنى الخاص فتدل على ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفرد في تعامله مع غيره من أفراد المجتمع، وهنا تقترن العدالة بالفضيلة باعتبارها جزءا لا يتجزأ منها وتدل على السلوك الفاضل في جميع مجالات النشاط الإنساني. إن العدالة بهذا المعنى تقتضي أن يقنع المرء بقسمته ولا يطمع بما في أيدي الناس وفي حقوقهم،وتعني الاعتدال وهو الحد الوسط بين قيمتين متطرفتين أو بين الزيادة والنقصان ومعنى ذلك أن يسعى الإنسان الفاضل دائما إلى الحصول على القسمة التي تمثل القيمة التي تقع بين الحد الأدنى والحد الأعلى.

أنواع العدالة في فلسفة الأخلاق لدى أرسطو
يميز أرسطو بين العدالة الكونية والعدالة الخاصة ويميز في العدالة الخاصة أيضا بين نوعين وهما:
1. عدالة التوزيع وتشمل توزيع الخيرات والشرف والمناصب أو أي شيء يمكن توزيعه على أفراد الجماعة الإنسانية. ويستلزم تحقيق هذا النوع من العدالة وجود شخصين وشيئين يراد توزيعهما بينهما وتقضي العدالة أن تظل وضعية كل واحد من الطرفين كما كانت قبل التوزيع ومعنى ذلك أن يتم توزيع الأشياء بما يتناسب مع ما يستحقه كل طرف، هذا مع العلم أن معيار الاستحقاق يختلف باختلاف النظم الاجتماعية: ففي الأنظمة الديمقراطية يكون المعيار هو الحرية، وتكون الثروة هي المعيار في الأنظمة الأرستقراطية.
ومع أن العدالة التوزيعية تخص التعاملات بين الأفراد فإنه يمكن تطبيقها أيضا على التعامل بين مؤسسات الدولة والمواطنين فيما يتعلق بتوزيع الخيرات والمناصب والخدمات كالتعليم والصحة. تقتضي العدالة أن تقوم الدولة بتوزيع هذه الموارد بالتساوي على المواطنين مع مراعاة استعداداتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم، وبغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية أو العرقية أو الدينية وما إلى ذلك. وتقتضي العدالة أن تقدم الدولة الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة مثلا لجميع المواطنين دون تفضيل أو تمييز بعضهم على بعض. فإذا كانت سياسة الدولة تقوم على مبدأ المعاملة التفضيلية لبعض الفئات على حساب فئات أخرى عندما تقوم بتقديم هذه الخدمات، كأن يتلقى أبناء الأعيان والطبقات العليا تعليمهم في مدارس أفضل من المدارس التي يدرس فيها أبناء الطبقات الشعبية، أو أن يتلقوا العلاج في مستشفيات وعيادات فاخرة بينما يتلقى أبناء الطبقات الشعبية علاجهم في مستشفيات قذرة تفتقر إلى التجهيزات الضرورية أو تقديم الخدمات في مناطق دون الأخرى أو تهميش بعض المناطق عن قصد، إذا كان الأمر كذلك فإن الدولة ستكون دولة جائرة تفتقر إلى المشروعية، ويكون من حق الشعب أن يقاومها ويعيد بناءها من جديد على أساس مبدأ العدالة.
2.العدالة التصحيحية وتكمن وظيفتها في إعادة الحق المنتهك إلى نصابه والحقوق المهضومة إلى أصحابها في مجال التعاملات بين الناس. يميز أرسطو في هذا النوع من العدالة بين نوعين وهما: العدالة المتعلقة بالمعاملات الإرادية أو الاختيارية بين الأفراد كالبيع والشراء والإيجار والسلف وما إلى ذلك؛ والعدالة المتعلقة بالمعاملات غير الإرادية، السرية منها والعنيفة كالسرقة وإتلاف ممتلكات الغير أو إهانته أو مضايقته في عمله أو سكنه الخ. ففي مجال التعاملات الإرادية أو التعاقدية يكون هدف الحاكم أو القاضي هو التصحيح لا العقاب. وتقتضي العدالة في هذه الحالة أن يتعامل القاضي مع المتنازعين على قدم المساواة وأن يمسك عن إصدار أي حكم معياري ولا ينظر إلى أي أحد منهما على أساس من التمييز. وأما ما يجب أن يقوم به فهو بيان الحيف الذي لحق أحدهما وتصحيحه وإعادة الأمور إلى نصابها وإلى ما كانت عليه قبل المعاملات. وأما في مجال السلوك الإجرامي فإن الهدف يكون هو العقاب وتصحيح الضرر وإعادة الاعتبار للمعتدى عليه.
ويرى أرسطو أن العدالة التصحيحية تقوم على مبدأ التناسب الحسابي، وهذا مثال يوضح هذا المبدأ: لنفترض أن شخصين “أ” و “ب” اللذان يوجدان في وضعية متساوية ( أ = ب) وتعرض أحدهما لتعامل سري من الطرف الآخر، حيث إن الشخص “أ” اعتدى على الشخص “ب” وأخذ منه القيمة “ج”، وعلى إثر ذلك أصبحت وضعيتهما هي: (أ ج)، (ب – ج). ولإعادة الأمور إلى نصابها دون إفراط ولا تفريط يقوم القاضي بإعادة “ج” إلى “ب”، وعندئذ تصبح الوضعية كما يلي: (أج – ج) = (ب – ج + ج). وهكذا تعود المعادلة إلى ما كانت عليه في الوضعية الأصلية.
 
البعد الاجتماعي والسياسي للعدالة
إن العدالة بالمعنى السياسي للكلمة تدل على علاقة الدولة بمواطنيها ولا تتحقق العدالة في هذا الإطار إلا إذا كان جميع المواطنين يتمتعون بنمط عيش مشترك يلبي حاجاتهم الأساسية ويوفر لهم إمكانية الاستقلال الذاتي والحرية والمساواة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية بناء على مبدأ التناسب الهندسي أو مبدأ التناسب الحسابي حسب طبيعة النظام الاجتماعي والسياسي. ففي الأنظمة الأرستقراطية تتحدد المساواة بين المواطنين وفقا لمبدأ التناسب الهندسي لأن توزيع الحقوق في هذا النظام يتم بالنظر إلى وضعية الأفراد واستحقاقاتهم ويتحدد مفهوم المساواة  في الأنظمة الديمقراطية وفقا لمبدأ التناسب الحسابي ما دام كل مواطن حر يتمتع بنفس الحقوق والواجبات.
ولما كانت وظيفة القوانين والتشريعات هي التمييز بين العدل والجور فإنه لا يمكن الحديث عن العدالة السياسية في مجتمع لا تخضع فيه العلاقات بين الأفراد للقوانين لأن القوانين ما وجدت  في الواقع إلا بسبب قابلية الإنسان لأن يكون عادلا أو جائرا بل إن طبيعته الأنانية وميله إلى التمركز حول الذات يؤهلانه لأن يكون أكثر ميلا إلى الظلم منه إلى العدل وخاصة إذا تمركزت السلطة بين يديه وتوفرت له أسباب القوة. ولهذا السبب يكون نظام الحكم الفردي أكثر الأنظمة السياسية ظلما وجورا وفسادا لأن الحاكم المستبد يجعل مصالحة الآنانية فوق مصلحة الأمة أو الوطن. ولذلك يقال بأن القانون هو الحاكم الفعلي في الدولة العادلة ويقتصر دور القادة فيها على السهر على تطبيق القوانين وتحقيق العدالة ولو على أنفسهم.
ويجمع المفكرون في الوقت الراهن على أن العدالة التصحيحية لا يمكن أن تتحقق في إطار أي نظام سياسي ما لم يكن هناك فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. ويعتبر مبدأ فصل السلطات الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية العادلة. ولابد من الإشارة هنا إلى أن مشكلة الحكم الديمقراطي العادل ما زالت هي المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الكثير من البلدان وما زالت هذه البلدان تقاوم كل دعوة إلى إصلاح أنظمتها القضائية والإدارية سواء كان مصدر هذه الدعوة داخليا أو خارجيا.

صور العدل :
 العدل الخاص : هو الذي يحكم العلاقات بين الأفراد ويقوم على أساس المساواة التامة المتبادلة بينهم ويسمي بالعدل التبادلي .
 العدل التبادلي : الأصل أنه كان مقصور على علاقات الأفراد التعاقدية الخاصة بالتبادل السلع والمنافع أي يجب للفرد على الفرد ولم يبقى محصورا في نطاقه الضيق من العلاقات التعاقدية بل أصبح يشمل كل ما ينشئ بين الأفراد من علاقات أيا كان مصدرها وهو يقوم على أساس تساوي الأفراد وهذا التساوي يقتضي من الأفراد احترام كل منهم بحق الأخر إما بإعطائه له أو بالامتناع عن الاعتداء عليه وهذا الحق الذي يخص كل فرد قد يكون له ابتداء أو اكتسابا فيما يخص الفرد ابتداء كل ما يتعلق بوجوده أو كيانه المادي والنفسي ويعتبر ظلما اعتداء فرد على جسم فرد آخر بالضرب أو بالقتل أو الإهانة أو القذف أما ما يخصه اكتسابا فهو ينصرف إلى كل ما يكتسبه من بعد يضيفه إلى نفسه كشيء خاص به والعدل هنا يكون بإقرار كل فرد على ما اكتسبه بطريق الاكتساب المشروع .
العدل العام : هو الذي يقوم على أساس اعتبار الفرد جزء من المجتمع باعتبار المجتمع هو الكل، فالعدل في هذه الحالة يرمي إلى تحقيق المصلحة العامة ويتم عن طريق إقامة تفاضل بين القيم والأفراد من حيث الحاجة أو لقدرة أو لكفاءة ويشمل العدل التوزيعي والعدل الاجتماعي.
العدل التوزيعي : يقصد به العدل الذي يجب على الجماعة اتجاه الأفراد المكونين لها في توزيع المنافع والأعباء عليه وهنا ينبغي مراعاة اختلاف الأفراد حسب حاجاتهم وقدراتهم  فيترتب على هذه المساواة النسبية، فالأفراد لا يعاملون نفس المعاملة المتساوية ( أي يتساوون مساواة مطلقة في الحصول على الوظائف العامة في الدولة ) .
العدل الاجتماعي : هو العدل الذي يسود علاقة الفرد اتجاه الجماعة من حيث واجباته نحو الجماعة، أساس هذا العدل الاجتماعي يكمن في كون الفرد في الجماعة جزء في الجماعة وهذا الجزء مسخر لخدمة الكل فالصالح العام لا يتحقق إلا عن طريق الاشتراك بين الأفراد لأجل مصلحة واحدة وهذا العدل مبرر لإخضاع الأفراد لسلطة الحاكم الذي له الحق الآمر وكذلك باسم الحق الاجتماعي يسخر الحاكم سلطته لتحقيق الصالح العام .

أمثلة من العدل
سرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا.فلما تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: (أتشفع في حد من حدود الله؟!). ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس، وقال: (فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله (أداة قسم)، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها) [البخاري [

جاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له: يا أمير المؤمنين لقد تسابقتُ مع ابن عمرو بن العاص والي مصر فسبقتُه فضربني بسوطه وقال لي: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فلتحضر إلى ومعك ابنك، فلما حضرا أعطى عمر بن الخطاب السوط للرجل المصري ليضرب ابن عمرو قائلا له: اضرب أبن الأكرمين.

في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم رجل من سادة العرب، وذهب للحج، وبينما كان يطوف حول الكعبة، داس رجل على طرف ردائه، فضربه على وجهه ضربة شديدة، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب، واشتكى له، فطلب عمر رضي الله عنه إحضار الضارب، فلما حضر أمر عمر الرجل أن يقتص منه بأن يضربه على وجهه مثلما فعل معه، فقال متعجبًا: وهل أستوي أنا وهو في ذلك؟ فقال عمر: نعم، الإسلام سوَّى بينكما.

يحكى أن رجلا اصطاد سمكة كبيرة، ففرح بها وفي طريق عودته إلى زوجته وأولاده قابله حاكم المدينة ونظر إلى السمكة التي معه فأخذها منه فحزن الصياد ورفع يديه إلى السماء شاكيا لله عز وجل طالبًا منه أن يريه جزاء هذا الظالم. ورجع الحاكم إلى قصره وبينما هو يعطي السمكة للخادم لكي يُعِدَّها له، إذا بالسمكة تعضه في إصبعه، فصرخ وشعر بألم شديد، فأحضروا له الأطباء، فأخبروه أن إصبعه قد أصابه السم من عضة السمكة، ويجب قطعه فورًا حتى لا ينتقل السم إلى ذراعه، وبعد أن قطع الأطباء إصبعه، أحس أن السم ينتقل إلى ذراعه ومنه إلى بقية جسده، فتذكر ظلمه للصياد، وبحث عنه، وعندما وجده ذهب إليه مسرعًا يطلب منه أن يسامحه ويعفو عنه حتى يشفيه الله، فعفا عنه وبعفو الصياد سلم بقية جسد الحاكم.

 اختلف الإمام على رضي الله عنه ذات يوم مع يهودي في درع (يُلبس كالرداء على الصدر في الحروب) فذهبا إلى القاضي وقال الإمام علي: إن هذا اليهودي أخذ درْعِي، وأنكر اليهودي ذلك، فقال القاضي للإمام علي: هل معك من شهود؟ فقال الإمام علي: نعم وأحضر ولده الحسين، فشهد الحسين بأن هذا الدرع هو درع أبيه. لكن القاضي قال للإمام علي: هل معك شاهد آخر؟
فقال الإمام علي: لا.فحكم القاضي بأن الدرع لليهودي لأن الإمام علي لم يكن معه من الشهود غير ولده. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى على أمير المؤمنين ورضي . صدقتَ والله يا أمير المؤمنين.. إنها لدرعك سقطتْ عن جمل لك التقطتُها؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فأعطاه الإمام على الدرع فرحًا بإسلامه.

فضل العدل
العدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى : (وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) [الحجرات: 9].
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة.
العدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.
العدل أساس الملك: فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل ونَقِّ طرقها من الظلم.
العدل يوفر الأمان للضعيف والفقير ويُشْعره بالعزة والفخر.
العدل يشيع الحب بين الناس وبين الحاكم والمحكوم.
العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض.
بالعدل تستقيم الحياة ويستقيم حال الناس ويرضى الجميع وتتحقق الأهداف بنمط يتماشي مع الخير والصلاح.

ثمرات العدل
 روى أن قيصراً أرسل إلى عمر بن الخطاب رسولاً لينظر أحواله ويشاهد أفعاله ، فلما دخل المدينة سأل عن عمر وقال : أين ملككم ؟ فقالوا : مالنا ملك بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة فخرج في طلبه فرآه نائماً فوق الرمل وقد توسد درته وهي عصاً صغيرة كانت دائماً بيده يغير بها المنكر ، فلما رآه على هذا الحال وقع الخشوع في قلبه وقال : رجل يكون جميع الملوك لا يقر لهم قرار من هيبته وتكون هذه حالته ولكنك يا عمر عدلت فنمت وملكنا يجور ، فلا جرم أنه لا يزال ساهراً خائفاً .

جاء العدل الذي يكفل لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم قاعدة ثابتة للتعامل لا تميل مع الهوى ، ولا تتأثر بالود والبغض ولا تتبدل مجاراة للصهر والنسب والغنى والفقر والقوة والضعف إنما تمضي في طريقها تكيل بمكيال واحد للجميع  وتزن بميزان واحد للجميع.

دور المجتمع في تعزيز العدالة
1. المجتمع العادل يلتزم بالأمنِ الإنسانيِ والتطوير الإنساني لإنْجاز التقدمِ السياسي والاجتماعيِ والاقتصادي والثقافي.
2. المجتمع العادل يسعى لتعزيز أنظمته الديمقراطية ويعلم أعضائه حقوقهم الديمقراطية وحرياتهم و يضمن اشتراك جميع مواطنيه في عملية اتخاذ القرارات في المستويات المحليّة والوطنية.
3. المجتمع العادل يسعى إلى تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة ويعزز من قيمة ودور المرأة في بناء المجتمع ويتيح الفرص لتمثيلِ النِساءِ في كافة النواحي العملية وعلى كل المستويات .
4. المجتمع العادل تشمل شرائعه العدل لتأمين الخير لعموم جميع المواطنين ولا يفرق بين مواطنيه على أساس العرق أو اللون أو الدين أو المستوى الاقتصادي والاجتماعي وفيه يسرى القانون دون تفرقة على كل طبقاته .
5. المجتمع العادل يروج لحقوق وحريات كل مواطنيه ويحمى حقوق الأقليات ويسعى إلى ترويج الوحدة وتقوية الهوية الوطنية ضمن كل شرائح المجتمع من خلال رصد ومحاربة حالات خرق الحقوقِ وإساءة استخدام السلطة.
6. المجتمع العادل يروج للنمو الاقتصادي العادلِ ويسعي لإعادة مهارة العمالِ الذين جعلوا عاطلين كنتيجة للإصلاح الاقتصادي  و للتغيرات الاقتصادية.
7. المجتمع العادل لا يَستطيعُ تَحَمُّل الفقر لذا سَيَعْملُ على إزالة عدمِ المساواة ويُروّجُ لمساواةِ الفرصِ في مجتمعاتِنا.
8. المجتمع العادل يحمى الضعيف ويمد شباك الأمان إلى الفئات التي همّشتْ في المجتمعِ مثل المناطق الريفية والبدوية ويوجه جميع أعماله لخدمة مصالح أفراد المجتمع وطبقاته .

دور الفرد والأسرة في تعزيز العدالة
على الفرد أن يتعلم العدل ويطبقه في كافة نواحي حياته ولن ينجح في ذلك إلا بإدراكه أن احتياجاته وحقوقه وأرائه ومشاريعه ليست أقل أو أكثر أهمية من تلك التي تخص الآخرين،
وفي ظل العدل عليه أن يطالب بحقوقه واحتياجاته ويعبر عن آراءه ومشاريعه في قوة ووضوح وفي نفس الوقت يحترم وجهة نظر الآخرين ويستمع إليها ويتقبلها فالعدل يضع الإنسان في علاقة مع الخيرات الخاصة، التي تعنيه شخصياً وتلك التي تعني سواه.
وعلى الأسرة البدء في غرس صفة العدل في أطفالهم منذ الصغر و تعريفهم بمعنى العدل وضده الظلم والحرص على أن يكونوا قدوة في تطبيق العدل أمامهم وان يوسعوا مفهوم العدل لدى أطفالهم ليشمل العلاقات بين الوالدين والأبناء وبين الأخوة والأخوات وبين الأصدقاء والأحباب وبين الحاكم والمحكوم و علاقة الإنسان بالأرض والنبات والحيوان.. وأن  يقصوا عليهم قصص  نهايات الظالمين والظلمة ونهايات الأمم الظالمة التي حادت عن العدل والجرائم التي تنكشف ستارها بعد رحيلهم و هناك قصص واقعية ومعاصرة كثيرة في نهايات الظلمة عندما يرفع الشعوب سلاحهم المدني الفتاك ( الشعب يريد إسقاط النظام ).
 
الخــاتمــة :
إن العدل فضيلة سامية تصبو إلى تحقيقها كل القوانين والنظم الإنسانية في كل زمان ومكان وتجعل العلاقات الإنسانية قائمة على أساس الإنصاف والمساواة العامة و أن العدل الذي هو المثل الأعلى تقوم على أساسه القاعدة القانونية .غير أن تطبيق هذه القواعد القانونية قد لا يكون سليما أو غير عادلا في كثير من الحالات لذلك ففكرة العدل يبقى تجسيدها عمليا تجسيدا نسبيا وليس مطلقا رغم ذلك تبقى هذه الفكرة مثل أعلى وجوهر مثاليا يستند إليها الأفراد و المجتمعات ويسعون إلى تحقيقه وقد قيل إن العدل هو أساس الملك .

الحلقة الأخيرة
قيم ومبادئ المجتمع الحر
1. محاربة الفساد
هارون سليمان
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *