عرض كتاب "حركة العدل والمساواة برواية خليل ابراهيم " شاكر عبدالرسول

عرض كتاب “حركة العدل والمساواة برواية خليل ابراهيم ” شاكر عبدالرسول
مؤلف الكتاب هو الدكتور عبدالله  عثمان التوم استاذ علم الانثروبولوجيا في جامعة مينوث بايرلندا , وهو ايضا عضوا في جمعية الانثروبولوجيين الاوربيين وفوق ذلك هو قيادي في حركة العدل والمساواة يتولى رئاسة امانة التخطيط . والرًاوي هو الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة . في الحلقة الماضية تحدث خليل عن عائلته وطفولته ومراحله التعليمية وفي هذه الحلقة ننتقل الى حياته العملية , بعد تخرجه من كلية الطب بجامعة
الجزيرة عمل  خليل بمستشفى النور بامدرمان وهنالك احتك بالعديد من المرضى من مختلف العرقيات  ومختلف مستويات الدخل  و منذ الوهلة الاولى اكتشف بان الطبيب هو الذي يواجه تحدي البقاء وليس المريض و في هذا الصدد يقول ” ما الفائدة من اصدار روشتة لمريض تدري تماما انه لا يستطيع شراء العلاج المطلوب …. كطبيب شاب مدفوع بالمثالية وجدت العمل في هذه الظروف شيئا ماحقا فغادرت الى السعودية ”  وقبل ان ينتقل الى السعودية دلًف الى زواجه قائلا ”  حينما كنت طالبا بجامعة الجزيرة التقيت بزوجتي (زينات ) , وهي طالبة بجامعة امدرمان الاسلامية وناشطة سياسية مثلي , والدها زعيم طائفة العركيين العرقية لها ارتباطات وثيقة بالشيخ والولي عبدالباقي شيخ مدينة طيبة بالقرب من مدينة مدني . بعد تخرجي بفترة قصيرة قررنا الزواج وتبين لنا لاحقا ان الامر ليس بايدينا . رفض والدها وجميع اولياء امرها زواج ابنتهم من شخص غريب من دارفور , عائلتي بدورها رفضت هي الاخرى . لم تر والدتي داع لزواجي من بنت ذات اصول عربية من اواسط السودان واقترحت لي ان اختار احدى بنات اعمامي او خوالي من الزغاواة  او اذا لزم الامر من اي زغاوية اخرى  , انه خازوق يستلزم التعامل معه من جبهتين .” لقد استخدم خليل عددا من الوساطات لاقناع الطرفين بفكرة الزواج , فمن طرف زوجته اعانه تاجر من دارفور يقيم بمدينة مدني له علاقات ودية باسرة الشيخ , اما والدته فقد ارسل لها عددا من اقاربها اخيرا وافقت ودعت له بالبركات و النجاح يقول” اعلم انها قد نسيت الامر لكني لم انسه ولازلت اطلب عفوها متى ما سنحت لي الفرصة  كي اكسب رضاها قمت بتنظيم سفرها الى مكة لاداء شعيرة الحج , ادت والدتي الحج اربعة مرات  وهذا انجار هام لشخص في جيلها . اود الاعتقاد بانها قد عافتني وتتمتع بعلاقاتها مع زوجة ابنها واطفالها السبعة .”  ثم انتقل بعد ذلك الى حياته في السعودية وذكر بانه وعائلته احبوا الشعب السعودي , كما ان حياتهم كانت سعيدة ومرضية. فلقد ذكر الدكتور عبداللطيف البوني في مقال له بان قريبا له عمل في نفس المنطقة التي عمل بها خليل خبًره بان الرجل يتمتع بسمعة جيدة في اوساط المجتمع السعودي وما زالوا يذكرونه بخير . بعد ان سطا الاسلاميون على السلطة في الخرطوم في عام 1989 ادركوا بنقص الكادر الطبي وعدم التعاون من قبل اتحاد اطباء السودان ففكروا بارسال مناديب الى خارج الوطن لتشجيع العاملين في بلاد الشتات خاصة المتعاطفين مع النظام للعودة والمساعدة في بناء الوطن  وفي السعودية بعثت لهم الحكومة طبيبا يسمى الجميعابي يقول ” دعانا الدكتور الجميعابي لاجتماع اطباء في السعودية واقنعنا بالعودة الى الوطن والمشاركة في تحقيق اهداف الثورة الصحية ودفعها الى الامام  ….. لم يلبي الدعوة في النهاية سوى اثتين ممن حضر الاجتماع وانا احدهم , زوجتي هي الاخرى تركت وظيفتها كمعلمة ولم تعمل ابدا خارج المنزل منذ ذلك الحين . حينما وصلنا الى السودان تم تعييني مديرا طبيا لمستشفى امدرمان وشاركت في العديد من الانشطة الاخرى المتعلقة بمبادرة الثورة الصحية. ”  بعد اقل من عامين تم نقله الى دارفور وذالك بقرار من الحزب  وهنالك عمل  رئيسا لمنظمة الهلال الاحمر وعمل نائبا لوزير المالية ومستشارا سياسيا حول دارفور. يقول ” انتقالي الى دارفور جاء بسبب ادراك الحزب في الخرطوم ان دارفور يعمها غضب شعبي  يجعلها على وشك القيام بثورة مضادة , اضف الى ذلك بان العلاقة بين الحكومة والزغاواة قد وصلت الى طريق مسدود, كما ان عمليات النهب المسلح قد اشتدت في الاقليم في تلك الفترة ” لمناقشة هذه القضايا اقترحت الحكومة بعقد مؤتمر في بلدة كرنوي بدار زغاواة في عام 1991 وكان خليل احد الحاضرين . لقد زرتُ المنطقة بعد المؤتمر وعلمتُ من الاهالي بان خطاب خليل كان جريئا وحادا ضد ابناء عمومته قائلا ” كم من ابل سرقناه وكم من انفس بريئة قتلناها ….” وهو نفسه اعترف بذلك ويقول ” حينما صعدت الى المنبر اثرت الموضوع متناسيا حساسيته ففتحت ابواب جهنم , فجأة انهالت عليَ الاتهامات الجنونية من قبل الزعماء القبليين واتبعوها بانتقادات لاذعة ..”  ففي مؤتمر كرنوي انساق خليل وراء الماكينة الاعلامية الحكومية التي صورت الامور في الاقليم كانها تمرد متناسية تجاوزات الاجهزة الامنية ضد المدنيين يقول ” ولي جراءة كي اقولها بكل تواضع , فاننا في الحقيقة تواطأنا لتأخير انتفاضة اهل دارفور . كنًا جزءأ من هذا النظام وقد دعمناه بعزم مدهش …”  في تلك الفترة ارتكبت الاجهزة الامنية تجاوزات في حق المدنيين بتهمة الطابور الخامس ومحاربة النهب المسلح فمثلا في قرية شعيرية بجنوب دارفور قبض الجيش تسعة من تجار الزغاواة وامروهم بحفر قبر جماعي ودفنوهم فيه احياءا بتهمة معارضة الحكومة . اثارت الحادثة قدرا كبيرا من السخط  و في تلك الفترة قرر الدكتور شريف حرير ( المحاضر بجامعة الخرطوم قسم علم الاجتماع) بان يغادر البلاد وتمرد ض
د الحكومة مؤسسا حزب التحالف الفيدرالي الديمقراطي مع احمد ابراهبم دريج ( حاكم دارفور السابق ) وانضما الى التجمع الوطني الديمقراطي باسمرا. واليوم الكثير من الثوار باقليم دارفور يدينون لهم كثيرا . وفي ذات الأوان عبر الحدود الى تشاد كلا من ادم علي شوقار واحمد تقد باحثين عن العون لبدء التمرد على الحكومة , ولكنهما فشلا فاضطر تقد ان يغادر الى بريطانيا طالبا اللجوء بينما غادر شوقار الى نيجريا. شاع السخط الشعبي ايضا وسط العديد من المجموعات العرقية الاخرى في دارفور جراء سياسة حكومة الخرطوم الفاشلة. اما التمرد الاكبر في دارفور جاء من المهندس داؤد يحي  بولاد. اعترف خليل بانه لم يشارك في اخماد حركة بولاد في دارفور واعترف بانه من انصار النظام الحاكم الذي عامله كمتمرد  وتعامل معه بهذا المفهوم . ويقول بانه علم بالرسالة التي ارسلها له بولاد بعد عام كامل من حملته الفاشلة وعزى خليل سبب فشل حملة بولاد الى البطء في تهيئة الاجواء في المنطقة بالاضافة الى بدائية وسائل الاتصال بين قواته , واعترف خليل ايضا بان بولاد قد قبض حيا و طلب من السلطات بنقله الى الخرطوم لمقابلة الشيخ الترابي ولكنه قُتل رميا بالرصاص . لقد كتب الدكتور شريف حرير في منتصف التسعينات مقالا عن مقتل بولاد بعنوان ” السودان اختفاء القومية وانبعاث الاثنيات ” ذكر حرير بان بولاد ينتمي الى الحركة الاسلامية , بل من الاسلاميين القلائل الذين حفظوا القرأن الكريم على ظهر قلب , وهو من اصحاب السيخ اي طلاب العنف السياسي , ترأس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم , وكان الطيب ابراهيم الخير المشهور بالطيب سيخة سكرتيرا للاتحاد. شاءت الاقدار بان يتمرد بولاد على حكومة الجبهة الاسلامية ويُقتل في الوقت الذي كان زميله الطيب سيخة حاكما للاقليم . كشخص من دارفور سمعتُ بتفاصيل الحوار الذي دار بين بولاد والطيب ابراهيم من ضابط اداري عمل في المنطقة في تلك الفترة  وهو في الحقيقة حوار مؤلم  ومرعب بعض تفاصيله قد تتطابق مع رواية خليل , حيث طلب بولاد من زميله الحاكم باعطائه فرصة ليقابل الشيخ حسن الترابي في الخرطوم الا ان طلبه قد قُبل بالرفض واعدم رميا بالرصاص , وعمت المهرجانات والافراح بمقتله في كل انحاء السودان ووصفوه بسؤ الخاتمة , وفي ذلك يقول خليل ” تمرُد بولاد والمعاملة السيئة التي واجهها لاحقا تركا ارثا ساخطا واهانة صارخة لاهل دارفور , لقد ألهم الحادت انعكاسات بالاقليم مهدت الطريق للانتفاضة الحالية ”  هل يعلم خليل بانً الاسلاميين الذين غنوا ورقصوا على جثة بولاد ونعتوه بسؤ الخاتمة , هم اليوم يرقصون ويغنون باغتياله و يصفونه بغضب رباني. لا توجد مجموعة حزبية تحت الكرة الارضية مرت بهزة  اخلاقية عنيفة مثلما يمر بها الاسلاميون السودانيون اليوم. والاسوأ من ذلك فان احدا منهم لايستطيع ان يقف امام خمس او عشرة اشخاص ليتحدث عن القيم التي بُني عليها مشروعهم مثل تطبيق الشريعة ,التقشف والتزهد ,العدالة ونبذ العصبية القبلية وغيرها. في الحلقة القادمة ان شاءالله سننتقل الى مشاركة خليل في حرب الجنوب, جمعية ازالة الفقر , الكتاب الاسود , فكرة حركة العدل والمساواة وعملية الذراع الطويل.
شاكر عبدالرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *