زمجرة قطط الظلام – عبدالحميد إبراهيم

كدائس من غير سنون 

عبدالحميد إبراهيم أحمد

[email protected]

في الآونة الأخيرة بدءت نتائج صراعات القوي و المصالح تتبلور علي الساحة السودانية. ولم تفاجئنا أنباء التحركات الإنقلابية الأخيرة أو المصطلح المتداول “المحاولة التخريبية”، من مصادر موثوقة ومؤكدة أن حقيقة الأمر عبارة عن تحركات إنقلابية و ليس واحداً، ومن مجموعتين مختلفتين تماماً. مجموعة بقيادة صلاح عبدالله “قوش” والأخري فيها العميد محمد إبراهيم “وليس قائداً لها” والطرفان يجمعهما المؤتمر الوطني وتفرقهما المصالح الشخصية. وهذا من نتائج صراعات النفوذ داخل السلطة للحظو بخلافة طريح فراش المرض المشير عمر البشير.

حقيقة مرض البشير

لا شماته في مشيئة المولي عز وجل وهو عليم و في خلقه شئون، ولا دخل لنا في الموت والمرض. إلا أن الطبيعة البشرية تدلل علي النهاية المحتومة للإنسان. إلا أن أفعال الطغاة وأفكارهم تقر بعدم إلمامهم التام بحتمية القبر. المشير عمر حسن أحمد البشير مصاب بداء السرطان، و الشائع بين عوام الناس هو سرطان الحنجرة إلا أن ما خُفي أعظم. و مصادرنا تؤكد إصابته بسرطان المثانة “البروستاتا”. وهو يشكل التأثير والخطر الأكبر علي صحة رئيس النظام. الشئ الذي ساهم في التعجل ببروز بواطن الصراع علي السطح. وكل مشتقات ومكونات النظام بدءت في تحريك خلاياها والمسارعة لقنص الفرصة لخلافة المشير عمر البشير.  

الإيدلوجية المتبعة في أرض السودان هي أن يتم وضع العسكر في المقدمة و الشيوخ و ذوي اللباس المدني يقودونهم من الخلف. فكل الإنقلابات العسكرية في التاريخ السوداني المعاصر تدلل علي ذلك. ولكن في عصر حكم سلطة الإنقاذ تم إلباس الشيوخ البذات العسكرية و تحويل مؤسسات الدولة الأمنية إلي قطاع حزبي خالص و نخص بالذكر هنا جهاز الأمن والمخابرات الوطني. فهنالك الرباعي نافع علي نافع، قطبي المهدي، صلاح عبدالله “قوش” و محمد عطا. وكلٍ منهم يمثل مدرسة قائمة بذاتها عن الآخري، و لكن في نفس الوقت عمله ومجهوداته جلها ساهمت في تحطيم مؤسسة قوات الشعب المسلحة والمساهة في بناء جهاز الأمن والمخابرات الوطني “القلب النابض للنظام”. و تم إسناد كل المهام الأمنية و القتالية لجهازهم الجديد بعد مخرجات العام 2004 م. فعقيدة الإنقاذ لا تحتاج لجيش وطني بموجب دستوري لحماية أراضي وسيادة الوطن وحدوده. بل دللت كل القرائن والبراهين ومنذ بداية تسلط المؤتمر الوطني السعي التام لبناء قوي بديلة. وهنا كان جهاز الأمن والمخابرات الوطني . ويتمتع عناصر الجهاز بالولاء التام والمتميز لنظام المؤتمر الوطني. ويهدف نشاطهم الأساسي في القمع والتنكيل بالمواطن السوداني، التسلط علي الرقاب وإزلال العباد في البلاد، والعمل في ضرب وتفتيت النسيج الإجتماعي السوداني. و في ذلك لديهم دائرة تخصصية تسمي بدائرة القبائل. وبدوره يتم ركن القوات النظامية الأخري علي الهامش. ويكون الجيش السوداني والشرطة الموحدة عبارة عن أجسام وهياكل يتم تحريكها و إستخدامها في المهام التنفيذية عند الحرق. والآن يشكل الرموز الأمنية للنظام قواعد لعبة صراع السلطة داخل أروقة النظام.

الرباعي الأمني

نافع علي نافع: من أوائل المؤسسين لجهاز الأمن. تلقي معظم تدريباته في إيران ويتمتع بملاسنة غير مهذبة وإفتراء عند التعامل مع الخصوم. يعتبر من أكبر الكارهين للشعب السوداني ويقود مايسمي بمجموعة نافع داخل السلطة. تحركاته السياسية تدلل بطموحاته لإعتلاء كرسي السلطة، إلا أن الشق المدني منه يضعف قدرته في الوصول لغاياته السلطوية، فهو يلعب علي الحبلين الأمني والسياسي.

قطبي المهدي: الفتي المدلل، يحمل الجنسية الكندية و تائه بين إلتزاماته التنظيمية و بين بناء مجموعة نفوذ مؤثرة داخل السلطة. نرجسي الخيال وميوله الحركية هي الإستناد علي القواعد الشبابية داخل المؤتمر الوطني، لديه أحلام الوصول لكرسي السلطة ولكن بقدرٍ أقل من رفاقه الآخرين. تقارباته مع آل العتباني تتقاطع مع  وتصب في إتجاهات وميول شباب المؤتمر الوطني.

صلاح عبدالله قوش: ذو المرتكزات الأربعة، الذكاء، المال، العلاقات الأمنية مع الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية وقربه الشديد مع الشيخ علي عثمان محمد طه. يبني نفسه علي تلكم المرتكزات. تنظيمياً يضع العرق والعنصرية مبدأ خالص في الولاء. في عهده كَبُر وترعرع جهاز الأمن، فأصبح القوة الآمرة والناهية في كل الملفات بدءاً من الداخلية و وصولاً للخارجية. ومصدر إلهام بتأمين النظام و حمايته. و لحدٍ ما أطال عمر النظام بحمايته خارجياً. إلا أن مجهودات ثوار الهامش أفشلته داخلياً وتم سحق معظم قواته المقاتلة داخل أمدرمان 2008، وعلي حدود كردفان ودارفور. مما ساهم في إبعاده من إدارة جهاز الأمن.

محمد عطا المولي: يتميز بالغموض و لا يحب الأضواء ويجيد التخفي والعمل السري. ولائه لحدٍ ما للرئيس و شخصيته العسكرية أعلي من سابقيه، مما ساهمت في إنضباطه للرئيس، ولكنه ليس مضمون الجانب لدي رجال الرئيس المقربين. فكل الدوائر تشير إلي عضويته في إحدي أجنحة الصراع الإنقاذيه.

صناعة النجوم

ركن النظام إلى ثقافة الصفوة و”العِرق النظيف” وذلك بخلق الشخصيات الأسطورية و إستغلال طيبة وبساطة الشعب السوداني وتحويل مزاجه العام إلي العقلية السينمائية. وعلي سبيل المثال وليس الحصر، كلنا يتذكر يوسف عبدالفتاح “رامبو”، الطيب محمد خير “سيخه”، إبراهيم شمس الدين وغيرهم. ولكل منهم كان دور محدد ليقوم به كالشخصيات الأسطورية. وهذا عمل ممنهج بصورة سيكلوجية لزرع الوهن والخوف وإنعدام الثقة داخل الفرد السوداني، و برمزية تلكم النجوم يتم بلورة فكرة النظام القوي والذي لا يقهر.

فالعميد محمد إبراهيم عبدالجليل “ود إبراهيم” كانت تتم صناعته منذ أمد بعيد وفي بداية حكم الإنقاذ. ولكن لم يتم النجاح في هذا الصدد، ولا يعرف الرأي العام عنه أي شئ. وفي حقيقة الأمر هو مكروه من قبل ضباط الجيش. و ذلك نسبةً لميوله الواضحة للنظام الحاكم ولمليشيات الدفاع الشعبي. و كل تصرفاته تشابه وتحاكي الأنشطة الطلابية. و تاريخه لا يحفل بأي قتال أوتحرير كما يتم إشاعته هذه الأيام، بل جل هذا في إطار التلميع  و النجومية الإنقاذيه ولخلق درجةٍ ما من قبوله.

المجموعات الإنقلابية 

كما أوردنا في أعلاه كل الدلائل تشير بعدم وجود علاقة بين صلاح قوش والعميد محمد إبراهيم. وكل منهما يشكل عدواً للآخر. فدوائر المدينة تشير لمساهمة ودإبراهيم في السابق بكشف طموحات قوش في الوصول لكرسي الحكم. وكانت تلكم المساهمة إحدي أسباب إبعاد صلاح قوش رويداً رويدا من كرسي الحكم بالقصر الجمهورى. وكذلك في حينها ساهمت قطاعات قوش و إداراته وتحديداً إداراة الإستراتيجية في التحقيق مع العميد ود إبراهيم في بعض التهم الأخلاقية “يعني بالبلدي كده بينهما ثأر قديم”. ولا علاقة البته بين المجموعات الإنقلابية.

تم كشف التحركات بمحض الصدفة وحتي تاريخ أمس القريب و الإعتقالات مستمرة داخل أروقة النظام ورموزه. فمحمد عطا المدير الحالي لجهاز الأمن بدء تقوية شوكته بسياسة الإنضباط والطاعة للرئيس، والعمل علي إبراز المهنيته العالية وحتي إن كان ذلك علي أجساد زملاء الماضي. وهنا نافع علي نافع يسعي و بكل ما لديه من قوة في القضاء علي صلاح قوش وعلي كل من لديه العلم بأنه سوف يشكل عقبة في طريقه، و سوف يزاحمه في الكرسي أو مجرد. وربما يصل رأس السوط لقاطني قصر أوماك و يلسع د. نافع الشيخ علي عثمان ويلدغة لدغة سامة و قاضية عسي و أن تسكته إلي الأبد. إلا أن مقبل الأيام القادمة ربما تنبأنا بالكثير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *