د.كامل إدريس: مقترح المحكمة الهجين معيب قانوناً و خطأ سياسياً وسابقة خطيرة

د.كامل ادريس الطيب يقول لـ(السوداني)… قبول تقرير لجنة امبيكى ستدفع البلاد ثمنه غالياً
الخرطوم : خالد عبد العزيز
وصف الخبير الدولي والمفكر السوداني د. كامل ادريس المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) السابق توصية لجنة حكماء افريقيا الخاصة بتشكيل محكمة هجين لقضايا دارفور بأنها معيبة قانونياً وخطأ سياسياً ومسيئة اخلاقياً. واعتبر ان قبول المقترح يفضى لإنهيار القضاء السوداني والسيادة الوطنية. وأضاف فى حوار مع (السوداني) ان الحديث عن محكمة مختلطة يمثل سابقة فى تاريخ الانسانية وان هذا الامر لم يطبق حتى فى الحقبة الاستعمارية. وقال إن المحكمة الهجين المقترحة  افريقية من حيث الشكل ولكنها دولية من ناحية المضمون وتفتح الباب امام محكمة الجزاء الدولية. ونوّه الى ان قبول المحكمة الهجين يعادل اسقاط حجية الحكومة بأن القضاء السودانى قادر وراغب على التعامل مع قضايا وجرائم دارفور وبالتالى يمهد (القبول) الطريق امام محكمة لاهاى. وصوب ادريس انتقادات عنيفة لتقرير لجنة امبيكى واعتبر ان الحديث عن الهجين (حكمة متأخرة وسذاجة متقدمة).  وتمثل وجهاً من وجوه فرض الوصاية على السودان والتدخل في شأنه الداخلي. وأشار الى ان المبادرات الافريقية لها جذور من خارج القارة وان الاتحاد الافريقى يتعرض لضغوط كثيرة . وحذر كامل ادريس من خطورة تقرير اللجنة الافريقية ودعا لدراسته بصورة متأنية . وترافع عن القضاء السوداني ووصفه بأنه الأقوى تاريخياً على المستوى الافريقى والعربى وله بنيات أكاديمية راسخة، واقترح حل أزمة دارفور من جذورها عبر الحوار والى جانب التفاوض مع الأمم المتحدة ومحكمة الجزاء الدولية بدون تسليم اى سودانى ليحاكم خارج البلاد ، بالاضافة الى التواضع على وثيقة للتراضى الوطنى ومنهجية للحكم بموافقة الأطراف السودانية كافة .

أثار تقرير لجنة حكماء افريقيا برئاسة زعيم جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكى جدلاً متطاولاً وخاصة مقترح اللجنة بتشكيل محكمة هجين للنظر فى قضايا دارفور .. ولتمحيص النظر فى هذه القضية الشائكة حملنا أوراقنا الى الخبير والمفكر السودانى د. كامل الطيب ادريس المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) وأجرينا معه هذا الحوار بحكم تخصصه فى مجال القانون وتقلده مناصب رفيعة فى الأمم المتحدة فى السنوات السابقة لإستجلاء رؤيته حول المقترحات الافريقية ومآلاتها على المستوى المحلى والاقليمى والدولى ..
** كيف تنظر لتوصيات لجنة امبيكي لا سيما مقترح تشكيل محكمة هجين لقضايا دارفور ؟
مع احترامي التام لتقرير لجنة الحكماء برئاسة ثابو مبيكي الذي أعرفه جيداً ويعرفني جيداً اقول إن هذا التقرير تشوبه مخاطر كثيرة.. فالإتحاد الافريقي نفسه يتعرض لضغوط وتحديات يجب التغلب عليها ولا أشكك في مصداقية الاتحاد الافريقي ولكن ما أعرفه عن الاتحاد الافريقى  جيداً انه يتعرض  لضغوط كثيفة  والمبادرات التي تأتي منه لها جذور خارج القارة الافريقية وهذا  أمر معروف ومثبت.
أنا عضو سابق في لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة التي تصنع القانون الدولي والتي أتت باتفاقية روما وأعرف جيداً تداعيات وخلفية محكمة الجزاء الدولية وأعرف الخلفية التاريخية للإتفاقية التي انشئت بموجبها هذه المحكمة.. ومن يريد ان يحلل المحكمة واحكامها يجب يرجع ويعود لحيثيات التفاوض التي بموجبها تمت اجازة اتفاق روما.
وبناء على ذلك أقول ان ماذكره تقرير اللجنة بأن قضية دارفور شأن سوداني ينبغي حله بأيدي سودانية يعتبر من الأبجديات ومسألة لا جدال حولها ولا أعتقد ان لجنة الحكماء جاءت بأي جديد في هذا المنحي.
ولكن أركز فى حديثى  على مقترح ما أسموه بالمحكمة الهجين وأحب ان أؤكد انه اذا تمت الموافقة على هذا المقترح سوف يكون السودان قد سجّل سابقة تاريخية في تاريخ الانسانية جمعاء لأنه  دولة لها سيادة واستقلالية ولا توجد عليه وصاية وهو عضو بالأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية فكيف  تأتى  محكمة هجين لتقرر في حيثيات وتداعيات بعينها تمت في الحدود الجغرافية لدولة السودان؟  ان من يظن ان هذا الحل الأشمل القانونى والسياسي لمشكلة دارفور يكون مخطئا واقول صراحة ان هذه  حكمة متأخرة وسذاجة متقدمة.
وتقرير لجنة الحكماء في هذا المنحى هو  حكمة متأخرة وسذاجة متقدمة ومن يوافق على هذا المقترح يكون قد وافق على هذه الحكمة المتأخرة واثني على هذه  السذاجة المتقدمة.
هناك مشاكل سياسية وقانونية وفنية وتقنية في هذا المقترح واذا تمت الموافقة على هذا المقترح نكون اكدنا على المقولة التي تقول ان قضاء السودان غير قادر وغير راغب في التعاطي مع الجرائم التي تمت في دارفور وقد تم عملياً نفي هذه المقولة وأريد أن اقول إن قضاء السودان بتاريخه وجذوره وتركيبته الاكاديمية والمهنية من أقوى الاجهزة القضائية الموجودة في الدول العربية والافريقية واذا اردنا التحدث عن القضاء بشكله الحالي فهذا أمر آخر ولكن قبول مقترح المحكمة الهجين يعني بصريح العبارة ان قضاء السودان غير قادر وغير راغب في التعاطي مع جرائم دارفور وهذا هو الرابط مع مجلس الامن.
** وماذا عن الجوانب القانونية لمقترح الهجين ؟
واما عن المنحى القانوني اود ان اقول  كيف يمكن لقضاة اجانب سواء أكانوا افارقة أو من دول اوروبية او آسيوية او امريكية ان يتعاملوا مع جرائم تمت داخل سيادة الدولة السودانية ؟. هذا يعني انهيار  القضاء الوطني والتدخل في سيادة البلد ووضع وصاية مباشرة على الشأن الداخلي وأتحدى اي شخص ان يأتي بسابقة مثل مقترح المحكمة الهجين وبقراءة تاريخية نرى انه حتى في فترة الوصاية على الدول وايام وقوع الدول الأفريقية تحت نير الاستعمار كان القضاء الوطني هو من يحكم حتى ولو كان القضاة أجانب.. ولكن لم تكن هناك سابقة تسمى محكمة هجيناً تفصل  في قضايا وطنية.
وقد قمت سابقاً بتقديم مبادرة تختلف شكلاً ومضموناً عن مقترح لجنة الحكماء وكان لها رابط مباشر بمحكمة الجزاء الدولية وبموافقة مباشرة او غير مباشرة بالمحكمة وكانت سوف تحل هذه الأزمة من كل المناحي القانونية والسياسية والفنية .  اما الآن سياسياً فإن هذه الفكرة معيبة لأنها تضع السودان تحت وصاية قانونية والقانون مرتبط ارتباطاً مباشراً مع سيادة الدولة ومع مؤسساتنا الدستورية والتشريعية ومع المعطيات السياسية داخل السودان.
مسؤولية تاريخية:
واذا تمت الموافقة على هذا المقترح يكون السودان قد ضرب مثالاً في سابقتين من اخطر السوابق في تاريخ الانسانية وهما قبول بعثة اممية من اكبر البعثات الدولية في تاريخ الانسانية وثانيا قبول محكمة هجين وهذه مسئولية تاريخية يجب الانتباه لها ومن المهم الحديث بأن هذه المحكمة الهجين لها ارتباط مباشر مع المحكمة الجنائية الدولية وانا واثق ان المحكمة الجنائية ستنظر لهذه المحكمة الهجين باعتبارها ترتيبات تكميلية لإختصاصها. والمحكمة الهجين عندما تبدأ أنا واثق ان مجلس الامن سوف يأتي بقرار واضح بان المحكمة الهجين يعني ان قضاء السودان غير راغب وغير قادر. وقدرة ورغبة القضاء السودانى كانت الحجة الاولى التي كانت تدافع بها الحكومة عن القضاء السوداني .
وقبول المحكمة الهجين يخرج من اختصاص القرار الحكومي وفي تقديري ان هذه المسألة تقتضي استفتاء اهل السودان كافة لأن الأمر يمس سيادة السودان وكرامة الأمة.
وبخصوص القوانين السودانية يستطيع اي مواطن سوداني ان يطلب من المحكمة الدستورية رأياً او حكماً في هذا الأمر لأن دستور السودان له اختصاص في قبول او رفض هذا المقترح فهذه المسألة لها ضابط دستوري يجب ان يدرس جيدا.
** في تقديركم ما هي الخيارات الأخرى امام الحكومة السودانية بخلاف قبول تقرير لجنة مبيكي؟
الخيار امام الحكومة السودانية هو التعامل مع هذه المشكلة بشكل واقعي عن طريق التفاوض اولا لحل مشكلة دارفور من جذورها وفي ذات الوقت الدخول في تفاوض مع الامم المتحدة ومحكمة الجزاء الدولية للتوصل لحل ناجع يحفظ سيادة الوطن وقيادته وأنا أدعم اسلوب التفاوض لحل المشكلة ولكن دون تسليم اي سوداني لمحكمة الجزاء الدولية وهناك وسائل عديدة  ابتدرتها  ولكنها ووجهت بصعاب كثيرة وعقبات وبعض هذه المبادرات مات في مهده.
**وما ذا عن  التراضى الوطني؟.
من الوسائل التي يمكن ان تقوي التفاوض مع المجموعة الدولية هو التراضي الوطني والتصالح الوطني والتوصل لحل قومي لمشاكل السودان اثناء او قبل او بعد الانتخابات حتي اذا تمت الانتخابات يتعين وجود ميثاق يتراضى عليه الجميع لممارسة انتخابات شفافة وحرة تستخدم فيها مصطلحات حضارية ولغة رفيعة.
والتراضي الوطني يجب ان يشمل حل أزمة دارفور وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل وتثبيت اركانه واخراج القوات الدولية تدريجياً بالتفاوض ثم التشاور مع الامم المتحدة وحل الإشكالية القائمة مع محكمة الجزاء الدولية واعتقد ان التراضي الوطني والاتفاق على منهجية الحكم هو الطريق لحل مشاكل السودان.
وأحب ان اوضح أن مقترحات لجنة حكماء افريقيا التي يترأسها افريقي مخضرم له مكانته يجب ان تخضع لدراسة وافية ومتأنية في كافة جوانبها واذا وافقنا على التوصيات يجب أن يتحمل المسئوولية من يوافق عليها واذا رفضناها فلدينا مبررات واذا عدلنا فيها فلدينا مبررات اما قبولها كما هي فان النتائج ستكون وخيمة .
واعتقد ان هذه اللجنة مع احترامي لها لا يوجد لها تفويض دولي ومن ناحية البنيات السياسية والقانونية فانها لا تعلو على مجلس الامن الدولي ويجب ان نتعاطي مع هذه المسائل بقانونية ومنطق وما أخشى منه أننا قبل  اغلاق باب محكمة الجزاء فتحنا باب الهجين والمحكمتان مرتبطتان مع بعضهما البعض فلا يمكن القبول بمحكمة هجين شكلها افريقي ومضمونها دولي فهذه قراءة خطأ سندفع ثمنها غاليا في المستقبل.

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *