جنوب دارفور .. عندما تشعل نار فتنة العنصرية من حماتها

تتفق الإنسانية جمعاء على تجريم العنصرية اخلاقياً وسياسياً وقانونيا, و كثير من  الدول ذات الديمقراطيات الراسخة  شرعت قوانين رادعة ضد من ينتهك كرامة الانسان او ان يصدر منه فعل او إشارة عنصرية ضد اخر قد يختلف عنه من حيث اللون او الشكل .

وتشكل العنصرية والتمييز والاقصاء في السودان  بسبب الاختلاف الاثني او الجهوي  واحدة من الامراض العضال التي تعاني منها الدولة , خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي شهدت أسوأ انقسام مجتمعي في السودان بسبب سياسات نظام المخلوع عمر البشير, والتي  كان السبب الرئيس في الحروب التي استعرت بل وكان سببا رئيسا في الإبادة  الجماعية والجرائم الفظيعة التي شهدتها دار فور و في انفصال جزء عزيز من تراب الوطن هو جنوب السودان بثرائه  من حيث الموارد الزراعية والاقتصادية والبشرية والثقافة .

وبسقوط  نظام المخلوع استبشر الشعب السوداني خيراً بان الأمور سوف تتبدل وان الدولة ستنتهج سياسة  من شأنها ان تعزز من احترام حقوق الانسان ومحاربة كافة اشكال التمييز بين المواطنين , غير ان الواقع للأسف لم يكن كذلك ويبدو ان بعض مسؤولي الحكومة قد شبوا وشابوا على سياسات شربوا منها ردحا من الزمان فلم يستطيعوا الفكاك منها.

خلال الايام الماضية خرجت جماهير  ولاية جنوب دارفور في مظاهرات عارمة منددة  بألفاظ عنصرية صدرت من والي ولاية  جنوب دارفور المكلف /حامد محمد التجاني هنون تجاه الصحفي محجوب حسون , كاتب عمود للأمانة والتاريخ ,في رسالة نصية بمجموعة على  تطبيق واتس آب” وصفه (بالعبد ).

ان الفاجعة الكبرى ليست فقط ان تصدر عبارات عنصرية ضد شخص اخر بلا شك هي جريمة , لكن الفاجعة ان تصدر تلك العبارة النتنة من شخص في اعلى قمة هرم السلطة في تلك الولاية والذي يجب ان يكون هو حامي عرين الكرامة الإنسانية وحقوق الانسان,لكن يبدو ان الوالي يمثل قمة المثل( حاميها حراميه ) , ويبدو ان والي الغفلة لم يعرف متطلبات المنصب الرفيع الذي يشغله ولا يعرف ان الناس سواسية ولدتهم امهاتهم احرار .

غير ان المبكي و المضحك في القصة ان الوالي رد في ذات المجموعة برسالة  حاول الاعتذار فيها ومحملا الجرم لابنه و إن ابنه استخدم هاتفه الخاص في غيابه، وتداخل عبره في مجموعة واتس اب نتيجة لردة الفعل بعد أن قرأ المقالات المتكررة للصحفي محجوب حسون. , حيث قال الوالي  “انا اعتذر نيابة عن نفسي للأستاذ محجوب حسون، ويقدم الابن للمحاسبة القانونية العادلة، وأحرص بنفسي تسليمه للجهات القانونية من أجل الحفاظ على ترابط النسيج الاجتماعي ومحاربة خطاب العنصرية والكراهية في ربوع ولايتنا الحبيبة” .

 لا اعتقد يجدي نفعا مع السيد الوالي ان نذكره بما قاله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابي عمر بن العاص رضي الله حاكم مصر لما اقدم علي ابن  والي مصر وقتها بضرب حصان الغلام القبطي (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) والقصة  المعروفة في  تلك الحادثة المشهورة وبغض النظر عما يقال عن سند القصة, لكن الفاروق أسس لقاعدة  مهمة في الحفاظ على كرامة الانسان بغض النظر عن دينه او لونه او جهته, الفاروق لم يكتف بالقصاص للفتى القبطي من ابن الصحابي ولكنه رضي الله عنه  اكد وبحزم الفاروق وعدله   مخاطبا الفتى القبطي قائلا “لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه” ، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”

وبكل تأكيد لم يجرء ابن الوالي على قول ذلك الا اغترارا بسلطة  وبحماية والده والا قبل الثورة  التي  ثبتت لثلاثية حرية وسلام وعدالة والتي بكل اسف داس عليها هذا الوالي الذي لا يعرفه احد لا يعلم  أحدا انه موجودا حتى دعك من ان يتولى ولاية أعظم ولاية  تنوعا وجمالا وتأثيرا في المشهد الاجتماعي والسياسي ليس في دارفور فحسب ولكن أيضا للسودان.

 ان العالم كله يعمل على صعيد واحد وبحزم لترسيخ قيم المواساة وبإنهاء الحدود  الدولية  فهي لم تعد ذات قيمة في ظل تطور  وسائل الاتصال و سرعة تدفق المعلومات دون عوائق فأصبحت العالم قرية ,لا ينفع معها العقليات المتحجرة التي ما زالت أسيرة لأمراض الجهوية  وخبل ووهم النقاء العرقي ,وهي لم تكن جهود وليدة اللحظة بل  ان المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ،المنعقد بباريس في دورته العشرين من 24 تشرين الأول/أكتوبر إلي 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1978،اعتمد وأصدر رسميا الإعلان عن العنصر والتحيز العنصري بمواده العشر والذي اكد في مادته الأولى ان  ينتمي البشر جميعا إلي نوع واحد وينحدرون من أصل مشترك واحد. وهم يولدون متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جميعا جزءا لا يتجزأ من الإنسانية. وفي المادة السادسة الفقرتين 1 و2 يشير الى مسؤولية الدولة في صيانة كرامة وحقوق الانسان ومحاربة التمييز:1- تتحمل الدولة المسؤولية الأولي عن كفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لجميع الأفراد وجميع الفئات، علي قدم المساواة التامة في الكرامة وفي الحقوق,2. ينبغي للدولة أن تتخذ، إلي أقصي الحدود التي يمتد إليها اختصاصها ووفقا لمبادئها وإجراءاتها الدستورية، وخصوصا في مجالات التربية والثقافة والاتصال، جميع التدابير، ولا سيما التدابير التشريعية، المناسبة لمنع وتحريم واستئصال العنصرية والدعاية العنصرية والعزل العنصري والفصل العنصري، ولتشجيع نشر المعارف وثمرات ما يجري من بحوث مناسبة في العلوم الطبيعية والاجتماعية حول أسباب التحيز العنصري والمواقف العنصرية، مع المراعاة اللازمة للمبادئ المجسدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ان من سخرية الاقدار وفي بلادنا حاكما يصف مواطنا له بالعبد والعالم تخطو  بسنوات ضوئية عنا متجاوزين أي شكل من اشكال التمييز , فبريطانيا رئيس وزرائها  ذات أصول هندية وعمدة لندن فيها ذات أصول  باكستانية وامثلة كثيرة حول العالم ليس انتهاءا بابوما  وحتى عدد من السودانيين والسودانيات في دول الغرب هم أعضاء أحزاب زاعضاء برلمانات ووالي الغفلة ما زال يتفاخر بنقاء لا يرى بالعين المجردة ولا اظن تكتشفها مختبرات ناسا الا  الحقيقة الوحيدة التي هي كل لادم  وادم من تراب .

 

حسن إبراهيم فضل

[email protected]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *