ثورية عثمان البشرى ما بين: مطرقة التشتت وسندان الضمانات

بسم الله الرحمن الرحيم
ثورية عثمان البشرى ما بين
مطرقة التشتت وسندان الضمانات
سقف الحروف                 
         
[email protected]     
 
بقلم / الصادق عبيد              
عندما عاد الجنرال جوزيف لاقو من أثيوبيا ملوحاً بعلامة النصر بعد توقيع إتفاقية أديس أبابا 1972 مع الرئيس الأسبق جعفر النميرى قوبل  فى غابات الجنوب الإستوائية بالأهازيج وهتاف النصر من جنوده  الذين بدأوا يستعدون للعودة إلى الديار والأسر الصغيرة فالكل مبتهج بانتهاء حرب الغوريللا عدا ضابط صغير برتبة النقيب بدت عليه علامات الضيق والكدر رغم صغر سنه ورتبته وعندما سأله      الجنرال عما به أجابه متسائلاً
(  What about the guarantees ?)  ما هى الضمانات – التى تساند واقع التنفيذ لهذه الأتفاقية – ذلك الضابط الصغير هو النقيب جون قرنق دمبيور سأل قرنق عن الضمانات ليقينه القاطع بفهلوة المركز وشطارته فى نقض المواثيق والعهود التى يبرمها فى اتفاقياته مهما كانت درجة اهميتها وقدسيتها فعاد للغابة فى العام 1984  قائداً للأنانيا 2 وظل يقاتل المركز تحت راية تحرير السودان من سيطرة المركز حتى إقتطع جزأً عزيزاً من بلد المليون ميل حيث تتسارع الخطوات للإعلان عن الدولة الحديثة التى لم يترك لها  قرنق من ذاته سوى دروس وعبر فى الحنكة والدهاء واقتلاع الحقوق عبر فوهة البندقية والتى سوف تحكى للأجيال القادمة فى دولة جنوب السودان كسرد تاريخى لمراحل الإستقلال..
ما دفعنى للولوج عبر هذه النافذة المضيئة فى مدونة تاريخ الثورات السودانية هى أسباب مرتبطة بعودة الأستاذ عثمان محمد البشرى قائد حركة تحرير السودان – قيادة الوحدة –  طوعاً واختياراً للتفاوض مع الحكومة فيما يختص بمأساة دارفور من الداخل وليس عبر وساطات سوى الزعامات الأهلية  والروابط الإجتماعية  لولاية جنوب دارفور ومن ( أم كردوس ) وما حولها … تلك الزعامات التى حاصرت  كبرعناده الذى يبقيه فى الميادين والمنافى من أجل السودان ودارفور. كل من التقى عثمان البشرى خارج السودان وتحدث معه فى شأن الوطن يعرفه كرجل دارفورى بسيط الحديث والمظهر فى الترحاب والإستقبال لكنه عميق الفكرة والتحليل والسرد في كل ما يختص بالشأن السودانى .. عندما ركبت المترو من الأزبكية لمقابلة  البشرى لأنى أحمل الوصايا والهدايا من الأهل كنت أمنَى النفس بليلة من ليالى ألف ليلة وليلة بفندق خمس نجوم  حسب إدَعاء الزبانية حتى أدونها فى مذكراتى لكنى للأسف الشديد وجدت أن المعارض والثورى عثمان البشرى لديه شقة سكن صغيرة فى مدينة الفيصل رغم صغرها فى المساحة إلا أنها رحبة  بفهم الحوش الكبير فى السودان عنوانها السلام والترحاب وطعامها (العصيدة بملاح الشرموط) ومرقدها إفتراش الأرض لكل من يحمل بصمة السودان والسمرة فى وجهه ولا أدرى بأى منطق ودين تتحدث الحكومة  وأزلامها من المركز ودارفورعن رفاهية الخمس نجوم والملاهى الليلية لكل من يعارض ويقول لا… وعندما يتحدث البشرى عن الأبطال والمقاتلين  الذين آمنوا وقاتلوا من أجل دارفور قبل أن يقولوا  لأ يسهب فى تبجيل وتعظيم شهداء ثورة دارفور حسن مانديللا , عبدالله أبكر وبيجو والقائمة  تطول وتطول.
الأستاذ عثمان يعلم بمعطيات واقع التشتت والتمزق الذى تعانى  منه  ولايات دارفور المنكوبة بداء القهر المركب وتمزق النسيج الإجتماعى فى ظل النظام الحالى الذى أتقن لعبة فرَق تسد ( ما بين الزرقة والعرب) حتى جعل من التركيبة السكانية التى لجأت للسلاح كحل أخير أقطاب ميغناطيسية متنافرة لا تلتقى إلاَ عند التناحر وا جترار عبارات الوعود الكاذبة التى وعدوا بها فى أبشى وأبوجا والدوحة مما افقدهم ميكانيزمات التأثير على الشارع العام وكاريزما السيطرة على قادة الميدان  والمقاتلين و النخب المثقفة حتى صارت  نماذج منهم تتبادل الأدوار دون وعى مطلبى ما بين  ميادين القتال والقصر الجمهورى مثل  منى أركو, محجوب حسين وابراهيم  يحيى.
ثورة دارفور المسلحة فى عهد الإنقاذ بدأت  بحركة القيادى الإسلامى داؤد بولاد المدعوم من الحركة الشعبية لتحرير السودان و رغم نهايتها بالهزيمة  التكتيكية ميدانياً إلاَ أنها أنبتت من سنابل المقاومة الإستراتيجية ما أرجف أوصال الحكومة (عملية مطار الفاشر) مما دفعها هوساً وجنوناً لإرتكاب جرائم حرب يندى لها الجبين الإنسانى الحر فى حق مواطنين سودانيين بغض النظر عن ألوانهم وسحناتهم , وعندما شعرت الحكومة بأنها مراقبة من المنظمات الحقوقية والعدلية العالمية  ولاهاى مثل الطالب (الفوضجى) فى الفصل  عملت على تشتيت العمل الثورى فى دارفور مما خلق عدد من الحركات يماثل عدد مستشارى رئاسة الجمهورية الذين تجاوزوا السن المعاشية لكنهم لم يتجاوزوا منهج أكل مال الشعب كمخصصات دستورية , لذلك البشرى محاصر بمطرقة تشتيت الجهد الثورى الدارفورى ودعوته للخرطوم مسمار يخلع من صندوق المقاومة لأن هذا البند موجود فى أجندة المؤتمر الوطنى  الأخلاقية وكل فاصلة صغيرة فى زيادة التشتت سوف تخصم من رصيد البشرى الثورى مثلما تفعل زين عندما ( يدقس) العميل فى تنشيط خدمة النت تأخذ منه فى نصف ساعة ما أهدته فى شهرين وأخشى أن تأخذ الحكومة من البشرى ما بناه وأسسه فى ثلاثة وثلاثين عاماً حسوما عندما عمل مع الراحل الشريف حسين الهندى فى تأسيس الجبهة الوطنية المتحدة فى عام 1977  . كل المقربين من عثمان البشرى  يعرفون حنكته ومثابرته فى النقاش والجدال والتفاوض المطلبى لذلك عندما تنتهى المفاوضات بين البشرى والحكومة سواءً كانت مفرحة أم محزنة سوف نبحث كسودانيين لنا إهتمام بالشأن الدارفورى عن فقرة المساءلة القانونية والمحاكمات العلنية لكل من إرتكب جريمة فى دارفور وهمسى للأستاذ عثمان البشرى  همساً تساؤلياً : بعد كل الأهوال والصعاب التى عايشتها  فى العراء والخنادق تحت قنابل الأنتينوف وصواريخ الهاونات والقاذفات وخيول الجنجويد عند دق الباغات  قبل هجوم القرى الآمنة … وبعد كل ما عانته أسرتك الصغيرة  وكريماتك الحرائر من ضنك ورهق فى ظل غيابك الطويل رغم يقينها و إيمانها العميق بالرسالة الثورية لرب الأسرة  What about the guarantees? 
الضمانات الراعية لتوقيع  وتنفيذ الإتفاق  القادم هى السندان الذى سيعانى منه ود البشرى عندما تغلق الملفات لأن إتفاق الخرطوم ما بين الحكومة ومجموعة الناصر وفشودة وإهتداء جيبوتى صارت أوراق صفراء فى إرشيف مفاوضى القصر الجمهورى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *