ذاكرة النسيان… افريقيا الوسطى الدولة اليتيمة والشعب المحتضر؛ واقع مؤلم ومشاهد مروعة!

تقرير: ابراهيم اسماعيل ابراهيم شرف الدين – مركز السودان المعاصر للدراسات والانماء
مما يبدو في الواقع هو ان الاسلام والارهاب وجهان لعملة واحدة وان الثقافة العربية جزء
لا يتجزأ منهما وان الوجود العربي بشقيه الروحي والمادي في افريقيا بات يشكل خطر على الشعوب والامم الزنجية بصفة عامة فمنذ دخول العرب افريقيا لم تكسب بقدرما خسرت روحيا وماديا الامر الذي يستوجب التوقف واجراء تقييم شامل لهذا الوجود الاجنبي المغتصب بهدف وضع خطة للتخلص منه بالطرد او على الاقل ان استدعى الامر القضاء عليه بشكل راديكالي والى الابد؛ فالعقيدة التي تدفع العرب لاستعبادنا تمنحنا الحق ايضا لاستخدام اي وسيلة ممكنة لاستئصال هذا الشر.
وفي الاونة الاخيرة وتحديدا في حقبة الستينيات بدا مخاطر الوجود العربي الاسلامي تتنامى بشكل مخيف ولافت ولاسيما في المنطقة الممتدة من القرن الافريقي مرورا بالسودان وتشاد وافريقيا الوسطى وانتهاءا بمالي نيجيريا والنيجر حيث علت اصوات تطالب بطر السكان الاصيين وظهرت منظمات عنصرية بغطاء ديني لها قوات ومليشيالت مسلحة تمارس اعمال وحشية غير مبررة وتشن هجمات منظمة على السود بغية احداث تغيير جذري للتركيبة الديموغرافية والثقافية في المنطقة ويتمظهر ذلك بشكل واضح في مجريات الاحداث خلال العقود السبعة المنصرمة اذ بدا تاثير ونفوذ النظام العنصري في الخرطوم في تغيير انظمة الدول المجاورة للسودان وكذلك الدور الذي تلعبه تلك الانظمة الموالية للخرطوم في تنفيذ اجندتها التوسعية في افريقيا المدعومة سياسيا واقتصاديا من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي فضلا عن مشيخة قطر قد بدا بصورة واضحة.
تقع جمهورية افريقيا الوسطى تقريبا في قلب القارة الافريقية وتتفوق على كثير من الدول الافريقية الاخرى بالتخلف الشديد والموقع المغلق حيث لا تطل على اي منفذ مائي وتحدها من الغرب الكمرون ومن الجنوب جمهورية الكنغو وزائير ومن الشمال تشاد ومن الشرق دولتي جنوب السودان والسودان كما تفتقر للتنمية متمثلة في البنية التحتيتة والمواصلات وتعتبر مساحتها شاسعة مقارنة بتعداد سكانها البالغ عددهم حوالي الاربعة مليون نسمة ويمثل المسحيون المنحدرون من العرق الاسود الاغلبية بينما المسلمون الوافدون من دول عربية وافريقية لاسيما تشاد والسودان والكمرون الذين يسيطرون على الاقتصاد الاقلية في البلاد.
ويتخذ الصراع بين المسلمين والمسيحين طابع عنصري اكثر من كونه طائفي وبما ان السواد الاعظم من السكان ينحد رون من العرق الاسود بمن فيهم الذين يعتبرون انفسهم عربا الا ان المسلمون يطلقون اسم – عبيد – على المسيحيين كما انهم لا يعترفون بالعملة الرسمية للدولة ويستخدمون اسم ريال تيمنا بالريال السعودي بدلا من الفرنك وينطبق ذلك على تشاد ايضا في تعد سافر على الانسانية والسيادة هو الاغ ب من نوعه في تاريخ الدولة
وفي مطلع العام المنصرم تمكنت جماعة السيليكا المسلمة والمؤلفة من الجمجويت ومقاتلون ينتمون لحركات سودانية مسلحة مدعومة من الخرطوم تمكنت من الاطاحة بنظام فرانسوا بوزيزي الذي لجأ الى الكنغو. وتتمظهر الانتهازية والجشع في اقبح صوره في مشهد افريقيا الوسطى المتناقض مع نفسه والذي جمع بين الاعداء في هدف واحد وهو اختطاف وتدمير الدولة باسم الاسلام امام مسمع ومراى المجتمع الدولي وفي خضم هذا التواطؤ يطرح السؤال نفسه ما هي المرامي التي تستحق ان يتخلى المرء عن المبادئ من اجل تحقيقها؟؟ ويذكر الوضع في افريقيا الوسطى من حيث طبيعة حياة السكان الاصليين الذين يسكنون في الاكواخ ويعتمدون في غذائهم على حيوانات الغابة وجذوع الاشجار والحشائش بالحقبة ما قبل التاريخ!؟؟
وبعد استيلاءها على السلطة شنت جماعة السيليكا هجمات انتقامية على المسيحيين مما شكل ذلك ضغوطا دولية اجبرت الرئيس ميشيل دوتوجيا الذي ذهب الى منفاه في دولة بنين الى اعلان استقالته وانتخب البرلمان السيدة كاترين التي تعتبر اول امرأة تاتي الى سدة الحكم في تاريخ البلاد خلفا له وينحدر الرئيس الاسبق بوزيزي من قومية البندا المسيحية في حين ينحدر كل من دوتوجيا وكاترين من قومية القولا المسلمة ويتخوف المسيحيون من فقدان السلطة وايلولة مقاليد الامور الى ايدي المسلمين مما يترتب عليه ردة فعل عنيفة من قبل المسلمون الذين يتهمون المسيحيين بهضم حقوقهم في عهد بوزيزي ولكن تتضاءل فرص استعادة جماعة السيليكا السيطرة على العاصمة بعد خروجها منها في فبراير من العام الجاري في ظل التقارير التي تفيد بقوقوف القوات الدولية الى جانب المليشيات المسيحية المشهورة بانتي بالاكا التي ارغمت نسبة كبيرة من السكان المسلمون على العودة الى بلدانهم التي هجروها ولم يتضح بعد الى اين ستتجه البلاد في خضم هذه الفوضى العارمة وما اذا كان القوات الدولية المنتشرة ستتمكن من فرض الامن والاستقرار.
والمفارقة هي ان افريقيا الوسطى تطفو على بحر من الموارد الطبيعية غير ان نسبة كبيرة من السكان ترزح تحت وطأة الجوع والفقر المدقع وتسود في هذا البلد الافريقي الذي يعد من افقر دول العالم واكثرها تخلفا ثقافة التمييز العنصري والتعصب الطائفي والقبلي ولا يوجد ادنى احترام لحقوق الانسان حتى من قبل القوات النظامية بما فيها الشرطة التي تعتمد الرشوة والابتزاز والتعذيب في التعاطي مع القضايا والمتهمين كما ان اقتصاد الالبلاد مؤسس على الفساد ولم تسلم من ذلك حتى المنظمات الانسانية وفي مقدمتها الامم المتحدة بسبب غياب المؤسسية والشفافية الناجم عن الفراغ السياسي منذ استقلال البلاد.
وتعتبر بلدة بامباري حوالي اربعمائة كيلومتر شرقي العاصمة بانغي والتي تفتقر لادنى مظاهر التحضر والحياة ثاني اكبر المدن بعد العاصمة وينتشر في الالبلاد الاف الجنود من جنسيات غربية وافريقية ضمن عملية حفظ السلام ومكافحة جيش الرب وتتخذ القوة المشتركة الامريكية الاوغندية المنتشرة في القرى والبلدات على طول الطريق غربا الى قرية ديمبيا من بلدة اوبو المتاخمة للحدود مع جنوب السودان مركزا لها بينما تتمركز قوات كنغولية ورواندية وبورندية وفرنسية في بلدات بانقاسو, بابمباري, برية, امبريه وانديلا التي تعتبر معاقل جماعة السيليكا.
ويتمحور دور القوة الامريكية الخاصة والمنتشرة شرقي افريقيا الوسطى منذ اكثر من ستة اعوام حول توفير الدعم اللوجستي وجمع معلومات استخبارية للجيش اليوغندي في ملاحقته قائد جيش الرب المناوئ لنظام موسيفيني والذي صدر بحقه مذكرة اعتقال من الجنائية الدولية بلاهاي في تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق مدنيين في دول المنطقة وبحسب التقارير التي تفيد بتورط الخرطوم في دعم المتمردين الاوغنديين يبقى من الصعب القبض على جوزيف كوني في هذه المنطقة الاستوائية الوعرة ومنذ اكثر من عقد يعيش الاف من اللاجئين الكونغوليين الذين فروا من مناطقهم بسبب هجمات جيش الرب المتكررة في مخيم ببلة زيميو داخل افريقيا الوسطى التي تقع على بعد نحو اثنين كيلومتر من الكنغو ولكن بالرغم من ان نشر تلك القوات ساهم بشكل كبير في تقليص نشاط جيش الرب الذي يسعى الى تاسيس دولة قومية في المنطقة الواقعة بين جنوب السودان واوغندا الا ان تواجدها لم يلق قبولا اوساط المواطنيين في افريقيا الوسطى الذين يتهمون القوات الامريكية والاوغندية بسرقة موارد بلادهم وفي ظل ملاحقة الجائية الدولية للبشير وكوني فمن المؤكد ان تبقي الخرطوم ابواب الدعم مفتوحة على مصراعيها لجيش الرب.
ويقف التعاطف الذي يلقاه السودانيون المقيمون في افريقيا الوسطى عند نقاط التفتيش والعبور من قبل جماعة السيليكا شاهد عيان على دعم الخرطوم للجماعة فيما تعزز الكراهية المفرطة التي يكنها المسيحيون لهم تاكيد تلك المزاعم ولا توجد احصائية دقيقة للسودانيين المقيمين في افريقيا الوسطى ولكن بحسب التقارير الى جانب اللاجئين المقيمين في مخيم بامباري البالغ عددهم اكثر من اثنين الف نسمة ينتشر الالاف في مناطق التعدين العشوائي بينما يمارس مثلهم انشطة اخرى مثل التجارة والصيد
ويعيش اللاجئين السودانيين الفرايين من منطقة دفاق جنوبي نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور بسبب الصراع الدائر في اقليم دارفور غربي السودان منذ اكثر من عقد في بلدة بامباري اوضاعا ماساويةوظروف انسانية قاسية حيث يربض المخيم غرب البلة مسافة ساعتان سيرا على الاقدام وارتفاع اسعار المواصلات وشح في السلع الغذائية الاساسية وتبلغ سعر التذكرة من البلدة الى المخيم اكثر من اثنين دولار امريكي ولم تصرف للاجئين حصتهم الغذائية الشهرية منذ ديسمبار2013ف الا في مارس المنصرم
وعاشت بلدة بامباري حالة من الفوضى والزعر في اعقاب سقوط نظام بوزيزي وتعرضت المحال التجارية ومقار المنظمات الانسانية والبنوك لاعمال نهب وتخريب من قبل جماعة السيليكا وافاد لاجئين بالمخيم ان مكتب المفوضية الوطنية للاجئين وبعض المرافق بالمخيم ايضا تعرضت لتخريب ونهبى من قبل الجماعة نفسها ولا تزال الاسباب التي دفعت المفوضية السامية للاجئين الى ترحيل المخيم من بلدة سام الحدودية الى بامباري لا تزال قائمة وان المخاطر ما برحت تحدق بالفارين من جحيم الابادة في دارفور لعدم توفر الحماية الكافية وانه يتعين على المفوضية اعادة توطينهم عاجلا.
ويبقى خيار تقسيم البلاد ممكنا رغم استحالته في ظل ضعف المقاومة وتلكؤ المجتمع الدولي ومن المنتظر ان تعلن جماعة السيليكا من بلدة بامباري عاصمة لدولتها في حال فشل التوصل لتسوية سياسية بين الطرفين بعد ان اجبرت الجماعة للخروج من بانغي في اعقاب تنحي الرئيس ميشيل دوتوجيا في فبراير من العام الجاري ومع استمرار نظام المؤتمر الوطني في السلطة سيكون من الصعوبة بمكان عودة الاستقرار الى المنطقة لاسيما بعد تدخل نظام ديبي المباشر وموقفه المساند لجماعة السيليكا في الصراع الذي خلف الاف القتلى واكثر من مليون نازح وبعد سقوط نظام القذافي ياتي اصرار الخرطوم لتغيير النظام في افريقيا الوسطى في اطار تضييق الخناق على الحركات المسلحة واحتواء ازمة دارفور وتنفيذ مشروع الابادة والخطة الاستيطانية
 
 
 
وتعجز افريقيا الوسطى منذ استقلالها عن فرنسا التي لا تزال تحتفظ بقوات في العاصمة بانغي عن حماية امنها القومي ويمثل انعدام المؤسسات اخطر التحديات التي تواجه البلاد بجانب انتشار الفقر والجهل وفيروس نقص المناعة المكتسب.
ان افريقيا الوسطى بحاجة ملحة الى دعم اقليمي ودولي كي تتمكن من الخروج الى بر الامان نشر قوات اضافية تحت مظلة الامم المتحدة على ان تتولى هذه القوات مهمة تدريب جيش وطني حتى يتمكن من الاضطلاع بدوره بشكل فعال مع ضرورة ضبط الوجود الاجنبي وحركة الرعاة واذا تحصلت افريقيا الوسطى لهذا الدعم من المتوقع ان تستعيد عافيها وتوفق اوضاعها لتنطلق بقوة نحو تحقيق الرفاهية لشعبها والا فانها مرشحة لان تكون اضافة جديدة الى الاعباء التي تواجه المجتمع الدولي في الحرب على الارهاب فالمسؤلية الان تقع على عاتقه وذلك بضرورة التعامل بحسم مع الاطراف التي تدعم زعزعة استقرار المنطقة لان كلفة استعادة السيطرة على الاوضاع في حال تفاقم الازمة على اقل تقدير باهظة وعملية بالغة التعقيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *