الكرامة ليست شعاراً إنما حواشة .. بقلم: مبارك الكوده

يبدو أن مقالي بعنوان (الجنائية الدولية بين خياري الذهاب طوعاً واختياراً والتسليم) قد حرك ساكناً واستفز أخي وصديقي جمال عنقرة، فكتب عموده تأملات بعنوان (الكوده : الجنائية ليست السبب) وفِي تقديري مجرد التناول لهذا الموضوع ظاهرة إيجابية، وقد سعدتُ جداً بكلما كُتِبَ من آراء تتفق أو تختلف معي ٠
في البدء لابد لي من أن أسجيَ الشكر للأخ جمال وهو يشهد لي بالتّميُز عندما جمعتنا حقول العمل الاسلامي معاً قبل عشرات السنين، كما ذكر في مقاله فله مني التحية ٠
نفي مقال الأخ جمال أن تكون الجنائية سبباً لهذا الانهيار، وفي المقابل لم يأتِ الأخ جمال بسببٍ بديلٍ ومقترحٍ عمليّ نتجاوز به هذه العقبة الكؤود، فقد بلغت الروح الحلقوم، وقد صدمني رجوعه في ختام مقاله لذات الشعارات والعواطف الجياشة التي هي في تقديري سبب الأنهيار الإقتصادي بقوله : (وليس أمام الرئيس البشير شئ سوى الشموخ والتحزم بشعبه وتوحيد الصف الداخلي وتعظيم الإنتاج والتوكل علي الله بصدق وهو نعم المولي ونعم النصير) بهذه الخطبة المجردة يريد الأخ جمال أن يعالج الأنهيار الإقتصادي، بشموخ وتحزم وتوحيد صف وتعظيم إنتاج وتوكل علي الله هكذا !!! وبكل بساطة !!! تُري هل هذه الوصفة السحرية كانت غائبة علي الأخ الرئيس طيلة هذا الزمن ؟ فكيف أخي جمال يتحزم شعب يعاني الأمرّين، وكيف يتوحد وهو يقاتل بَعضُه بعضاً، وأين وسائل الأنتاج ومدخلاتها التي تعظم الأنتاج، وقد حُرمنا من العملة الصعبة بسبب الحصار، أما الشموخ فأنه نتيجة ومُخرج لعمل دؤوب وليس أمنيات وشعارات ٠
ما هكذا تُدار الدول فإنها أمانه، وأنها يوم القيامة خزي وندامة، وقد ذكرتني خطبة الأخ جمال مقولة المزارع الذي صادرت الحكومة حواشته، وبدا حزيناً مهموماً بين أهله فقالوا له : يا حاج أصبر ربنا موجود !! فكان رده : أنا عِيشَة ربنا بحواشة بعرفها وبلا حواشة بعرفها، فهذا المزارع البسيط تعلم من دينه أنه لكي يعيش شامخاً ومرفوعاً للرأس فإنه يحتاج لحواشة، وهذا بالطبع سلوك إنسان عارفٌ بالرزاق وبأسباب الرزق، وليتنا خرجنا من هذا التخدير الذي نمارسه والذي يؤكد ما قاله اليسار عن الدين بسبب هذه الممارسات بأنه افيون للشعوب ٠
لازلت تواقاً لحوار ينفذ الي القضايا التي تشكل تحديات حقيقية للوطن بدلاً من أن نبخس الناس أشياءهم فالوطن ملكٌ للجميع ولا نحتاج لوصايا من أحد، ما نقوله مجرد مساهمات يفرضها علينا حق المواطنة، قابلة لأن تكون صواباً، كما قابلة لأن تكون خطأً، فمن حقنا أن نقول ومن حق الأخ جمال أن هُن يخرج للعلن بهذا المقال ليعرض بضاعته دون أن يتخذ من ضعف منطقي حجة لخروجه، ودون أن يتهم نوايايا معللاً جهري بهذا النقد الناقم للحكومة والحركة الاسلامية ردة فعل لإقالتي عن السلطة التي كنت اتقلب في نعيمها سنين عدداً، وكأن السلطة حق الهي لمن هم فيها دون الآخرين، ولا أريد أن أنفي هذه التهمة ذات الغرض الإرهابي كما اعتدت دائماً، ولكني أودُّ أن أقول أن السلطة التي كنت أتقلب فيها ليست مِنةً من أحد، فأنا سوداني ومن حقي أن أحكم كما هم، ومن حقي أن أطلبها كما هم يتمسكون بها، ومافيش حد أحسن من حد، وليس طلب السلطة لمن يأنس في نفسه الكفاءة عيباً وقد طلبها سيدنا يوسف عليه السلام (اجعلني علي خزائن الارض أني حفيظ عليم) فاطلبوها أيها الاخوة الكرام فما يقال في هذا الشأن لا يخرج عن كونه إرهاباً فكرياً، ولكن ليس من حق طلبها أن يستغلها كما استغلتها القطط السمان، وليتنا تحاورنا دون محاكمةٍ لنوايا فإنه من السهل جداً أن أتهم الأخ جمال كما اتهمني بأنه وبهذا المقال المضاد يبحث عن موقع في السلطة ليتقلب فيها.
أخي جمال الواقع الآن يحتاج لحكمة نعينُ بها بَعضُنَا بعضاً لنجد لنا مخرجاً من هذه المهددات، فأن الله ينصر دولة العدل ولو كانت كافرة ويهزم دولة الظلم المسلمة، فالحق لا يحابي أحداً (ولينصرن الله من ينصره) (إن الله يحب المحسنين) والمحسنين ليسوا هم الذين يحسنون القول دون العمل ويحسنون الشكل والسمت دون المضمون، إنما المحسنين الذين يحسنون القول والعمل لينالوا خير الدنيا اطعاماً من جوع وامناً من خوف، فيوفيهم الله أجورهم يوم القيامة ٠
أخي جمال وبعد أن أكد وزير المالية أنما نعيشه من إنهيار اقتصادي سببه عدم وجود تمويل خارجي بسبب الحصار فلازال سؤالي قائماً : هل يجوز شرعاً أن نجعل من قيمة الكرامة والعزه والأنفة ثمناً مقابلاً لمعاش الناس وأمنهم، ولهذا الواقع المهترئ والذي ينذر بضياع السودان ؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله القائل (ولا تلقوا بايديكم الي التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) فاللهم أجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ٠
مبارك الكوده
امدرمان الثورة الحارة (٢٠)
٢٠ / يونيو / ٢٠١٨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *