الرئيس البشير.. الفرصة الأخيرة للإصلاح..!!

الرئيس البشير.. الفرصة الأخيرة للإصلاح..!!
خالد أبوأحمد

[email protected]
القرار الذي أصدره الرئيس عمر البشير بإحالة الفريق أول صلاح عبدالله (قوش) من منصبه كوزير لجهاز الأمن وتعيينه مستشاراً أمنياً برئاسة الجمهورية أعطى الناس انطباعاً بأن الرئيس بدأ لتوه مسيرة إصلاح الحكم في البلاد، وقد جاء قرار أحالة قوش من منصبه من بعد همس كثير في مجالس العاصمة السياسية المختلفة بل داخل دوائر الحزب الحاكم حول امبراطورية الرجل القابض على كل الملفات تقريباً السياسية منها والأمنية والعسكرية، والهمس وصل لعمر البشير مُؤخراً بعد أن وصلت امبراطورية الفريق صلاح قوش إلى أن أصبحت تُشكل خطراً مُحدقاً بوجود السودان على الخارطة من خلال اعتماده على قبيلته وأبناء أهله، وتزامن ذلك مع الهمس الذي يؤكده الواقع المعاش في دولاب الخدمة في البلاد للشبكة الكبيرة لنائب الرئيس علي عثمان محمد طه التي أصبحت تمسك بالأمن والجيش والبترول والمال وكل المؤسسات الاستراتيجية في البلاد، طبعاً لا أحد يقبل لهذه القبيلة العظيمة أن تدخل نفسها في هكذا نفق لأنها ستكون أول المتضررين، وهي القبيلة الوحيدة في السودان التي تعبر عن كل ما تجيش به مشاعر ودواخل السودانيين من خلال أصدق الكلمات وأجمل الألحان، فلا أحد يريد لها أن تورط نفسها في صراعات تجعل من البلاد صومالاً آخراً.
أعتقد أن حالة الأخ الرئيس عمر البشير مع المحيطين به من حاشية أشبه بحالة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أبر قرابته فاستغلوا بره إليهم وألبوا عليه بتصرفاتهم الرعناء وطموحاتهم الارستقراطية فتنة نتجت عنها واقعة الجمل، والنهروان، وصفين وزالت جراءها الخلافة وحل محلها مُلكاً عضُوضاً لأسرة أرستقراطية تربصت كثيراً لانتهاز الفرصة منذ أمية الكبير وانتهزتها بوسائل لا تخفى على قُراء التاريخ.
غير أن الفارق بين حالة الرئيس والخليفة الراشد مع البطانة يختلف من حيث النوع  والمقدار، فبطانة الرئيس تنظيم انزوى بعضه ورابط بعضه في تيار السلطة، ووافدون جُدد بعضهم يريد أن يلحق ما فاته من مغانم ومكاسب لا يعرفون عن المبادئ الأولى التي قامت عليها (الثورة) الا اللهث وراء المكاسب في حالة أشبه بـمقولة (الأكل مع معاوية ألذ وأدسم، والصلاة خلف علي أفضل وأتم)، والرئيس الذي يحسبه بعض الناس صادق النية لا فكاك له من هذه الحاشية التي بنت لنفسها إمبراطورية مالية وأمنية داخل مؤسسات الدولة  بوسائل ميكافيلية لم ير السودان في تاريخه القديم والحديث مثلها، ما جعل الشعب السوداني يتناول هذه الممارسات ويتندر بها في مجالسه العامة في حالة من الذهول.
كما هو معروف في السودان الكبير لا تخفى خافية اقتصادية كانت أم سياسية فوشائج الاجتماع أقوى من وشائج السياسة التي في أيامنا هذه انبتت عن قواعد الممارسة الشفافة ولم تعد إليها سالمة، والشعب يعلم أن من أبناء السودان ممن تعلق في صدورهم نياشين الصدق والإخلاص والنزاهة، وإذا ضربت مثلاً بمملكة البحرين فقط فيها من الكفاءات السودانية ما يشكل حكومة قوية في السودان ذات خبرة وكفاءة يشهد عليها العالم، دعك من خبراتنا في قطر والسعودية والامارات وأمريكا وكندا وبريطانيا..والرئيس يعلم ذلك، ولكن هل من سبيل إلى فتح الفرصة من خلال شراكة نزيهة ليؤدي المخلصون دورهم في انتشال البلد من الهوة التي وضعته الحاشية فيها، وهي تصور للرئيس صحة وصدق التوجه بينما في كواليسهم ومع أصدقائهم المقربين يتحدثون عن أن الحالة مخيفة.
ويذكر القُراء الكرام قبل ايام قليلة  أن عبدالرحيم حمدي وزير المالية الأسبق في حواره مع الزميل كمال حسن بخيت في (الرأي العام) قد تجرأ بقول ما لم يقله مالك في الخمر عن سياسة اقتصادية وضعها هو بيديه مؤكداً أن الوضع الاقتصادي أصبح حرجاً وأن الدولة ستعتمد أكثر على الضرائب والزكاة وتناسى أن سياسته أدخلت 95% من الشعب السوداني في أصناف مستحقيها الخمسة باستثناء العاملين عليها…!!.
إذاً ما الذي يمنع الرئيس عمر البشير من الوقوف مع نفسه وقفة صدق ليبرئ ذمته أمام الله وأمام دينه الذي ارتضاه دستوراً لحكم البلد ويتخذ خطوات إصلاح كفيلة بان تجمع الشعب حوله أكثر بعد أن يزيل حفنة الحاشية التي أساءت للتوجه وللشعب بممارساتها المجانبة للمبادئ المرفوعة أصولا للحكم ، والبعيدة عن الخلق السوداني الأصيل..؟.
ألا يعلم الأخ الرئيس بالخسائر التي منيت بها البنوك، وبصفقات الاستثمار المنفلتة والعمولات، والمليارات المهدرة دون وجود ديوان رقابة مالي فاعل في الوقت الذي تقوم فيه كثير من الدول والتي لا ترفع الإسلام حكماً بتأسيس دواوين رقابة مالية صارمة حتى لا يكون المال سائباً في أيدي أصحاب النفوذ فيكون دولة بينهم فيجمعون رهبة السلطة وسطوة المال ليفعلوا الأفاعيل والشعب يدفع من دمه الزكوات والضرائب والعشرات من الأتاوات التي لا تراعي فيهم إلاً ولا ذمة.
أليس في مُصابرة هذا الشعب الأغبش الذي استقبل رمضان بارتفاع سعر شوال السكر من 110 جنية إلى 150 جنيه في صمت دون أن يرمي أحدهم حجراً أليس في ذلك دافع للإصلاح بإزالة كل مفسد لصالح قطاع كبير من الشعب الذي سيدافع هو عن الحكومة عند شعوره بأبوتها لا الحاشية المتخمة التي لن تصبر على أدنى اختبار يحل بها..؟.
واني على يقين أن الرئيس يعلم أن الشعب السوداني (اغبش) وأن هذا الشعب لو رفع يديه إلى الله لأبره وقد قالها في إحدى خطاباته للمواطنين “ما تدعوا علينا ياجماعة… الله بقبل دعوة المظلوم”، ومادام يتذكر أن هناك ظلم ودعاء وقبول لهذا الدعاء وهي ثقافة مغروسة في عموم السودانيين، إلا أنها مفردات تغيب من مفردات الحاشية لأنها منغمسة في أشواقها الذاتية.
إن مجرد النية الحسنة للحُكم بالإسلام لا تكفي فلطالما كان الطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الحسنة، وقد يقع الخطأ، وفي السودان قد وقع بالفعل فطيلة سنوات (الانقاذ) العجاف قد وقع المظالم التي لا يمكن حصرها وأنا شخصياً كنت شاهد على العشرات من المظالم والتجاوزات التي راح ضحيته أبرياء.
عمر البشير قد بلغ من العمر و المكانة حقيق به أن يقف مع نفسه وقفه بعيدة عن حظوظ الدنيا، أولاً أن يتمعن في من حوله من حاشية يسميهم أصحاب وأصدقاء ومن منهم استنصحه بالله وكشف له عن مكامن الفساد وألح عليه في العلاج، حتماً سيجد أنه لا أحد منهم فعل ذلك وإلا ما كان الفساد قد استشرى بهذا الشكل حتى وصل عقر داره.

عشنا عهد الرئيس نميري وكُنا في الطلائع والرُواد والكشافة البحرية ونشترك في كل الاحتفالات وكنا الأقرب إليه وكان الأقرب إلينا زيادة على ذلك معرفتنا بآل نميري في ودنوباوي لم يذكر سوداني واحد أن السيدة بثينة خليل زوجة الرئيس أثرت على حساب الشعب السوداني، نميري نفسه وحتى وفاته كان يسكن بيت الأسرة الكبيرة في ودنوباوي شارع ود البصير، لم نشهد له ولأهله وذويه بالثراء الحرام..!!.
إن الرئيس البشير يحتاج لوقفة مع نفسه، متسائلاً :
هل المسئولين الذين سيكون مسئولاً أمام الله من تصرفاتهم نزيهين..؟؟.
هل أموال البلد والتي هي أموال الله حسب تعاليم الدين تذهب إلى مصارفها الحقة..؟.
هل يعيش المسئولون كلهم في حدود أوضاعهم التي تحددها وظائفهم ومدخولاتهم..؟.
هل هناك جهاز مالي رقابي للدولة يضبط أموال الدولة ويراقب مصارفها ..؟. وهل وهل…؟؟!!.
ا
لـ 10 ألف الذين قال أنهم قضوا في دارفور ألا يعلم الرئيس البشير أنه المسؤول الأول أمام الله تعالى عنهم..؟.
إن كانت الإجابة عن هذه التساؤلات سهلة في عالمنا الحاضر فان الإجابة عليها صعبة في مقاييس يوم معايير المحاسبة فيه مثقال حبة من خردل يأتي بها الله.
أعتقد أن الرئيس البشير في استطاعته أن يقود انقلاباً كبيراً في السودان للأفضل متجاوزاً كل العقبات التي تعوق إحلال الأمن والسلام في البلاد، وأني على قناعة لا تتزحزح أن عمر البشير بإمكانه تغيير الواقع الحالي في البلاد وايقاف الحرب في كل ربوعه، إذا استمع إلى صوت الضمير الوطني، ومن ذات المنطلق أقول أن عمر البشير بإمكانه الوصول مع د. خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة إلى حل مشكلة دارفور إذا تلاقيا وجها لوجه بعيداً عن أي وساطات إقليمية و دولية.
وإن بإمكان الرئيس عمر البشير أن يحل مشاكل السودان إذا ركب طائرته الرئاسية وجاء واستمع إلى الكفاءات السودانية في البحرين وقطر والسعودية والامارات وبريطانيا..إلخ.. بدون أن يأتي معه عبدالرحيم محمد حسين أو شلة (الأفاكين) و(المصلحجية) و(الذاتيين)، وأنا متأكد تماماً أنه سيجد الحل عند هذه الكفاءات التي تقود الآن هذه البلاد المذكورة إلى قمة التفوق والنبوغ الانساني في كافة المجالات، وتشهد بذلك تقارير التنمية البشرية التي تصدرها المنظمة الدولية.
وعلى الأخ الرئيس عمر البشير أن يعرف إن الاحتماء بحزب حاكم مترهل يُهلل له ويُكبر ويرفع الشعارات الاسلامية لا يُجدي نفعاً وأن الحزب الحاكم في نظر السودانيين ما هو إلا مكان للحرامية واللصوص وآكلي قوت الشعب تماماً كما كان (الاتحاد الاشتراكي) من قبل، وأتذكر أن الرئيس الاسبق جعفر نميري كان قد أجتمع مع قادة الاتحاد الاشتراكي اجتماعاً تاريخياً لكن سرعة بديهة المجتمع السوداني كانت حاضرة  فذاعت في البلاد نكتة سريعة جدا متوافقة ومتزامنة مع الحدث تقول (أن زوجة نميري بثينة خليل اتصلت بزوجها في لحظة اجتماعه مع الجماعة قالت له “أنا براي وخائفة” رد عليها النميري “لا تخافي كل الحرامية معاي”).
وخلاصة القول أن الاخ عمر البشير مُطالب الآن قبل الغد بالإصلاح في نظام الحكم خاصة وأن المتشددين في حزبه يقودون البلاد الآن إلى ما لا يحمد عقباه، والذي يتابع ما يجري في البلاد حالياً يدرك أن الطوفان قادم لا محالة، سيما وأن الضوائق المعيشية تفتك بالناس وقد وضح للعامة كذب ما تكرره الحكومة من تنمية وإزدهار والخريف الذي بين ظهرانينا قد عرى بالدليل القاطع كل انجازات الحكومة وكشف عن سوءتها الذي نقلته الفضائيات ووكالات الأنباء.
السيد الرئيس عمر البشير ليس لديك غير فرصة واحدة للإصلاح..أو الطوفان..

اللهم اني قد بلغت فاشهد.
اللهم اني قد بلغت فاشهد.
اللهم اني قد بلغت فاشهد.
28 أغسطس 2009م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *