الذكري الثالثة

هذه المرة :ذكري الإستقلال بين “شموع ودموع”
 
بقلم:شول طون ملوال بورجوك
التاسعُ من شهرِ  يوليو من كلٍ عامٍ يمرُّ علي عمر هذه البلاد هو بلا منازع  أحبُّ وأعزُّ يومٍ بل نخاله   هو الأقدس لنا جميعاً نحن سكان هذه   البقعة من أرض ماما “أفريكا” …  يجب علينا أن نحسب أنفسنا من المحظوظين لأن الله  قد  اختارنا  وفضلنا علي من سبقونا  حين جعلنا جيلاً شاهداً علي لحظات وُلِدَتْ فيها  أمتُّنا من جديد وأصبح  لها عنوان يقرأُ بالوضوح  في المحافل الدولية وسط سائر الأمم ” جمهورية جنوب السودان” ….
نعم سيقرأُ  اللاحقون والقادمون من أجيال هذا التراب يوماً وبفخرٍ وإعتزازٍ أن لهم أرض معطاة أراد كل دخيلٍ طامعٍ  عبر الزمانِ  النَيْلَ من إنسانها وخيراتها ولكن عزيمة بنيها وبناتها بشموخهم وشموخهن جعلت أمنيات المستعمرين جميعهم وهماً وسراباً  يضارع ما بقي  للشياطين والأباليس  من أمنية  في الدخول إلي الجنات والفراديس بأوسع أبوابها بل  والخلود بها أبد الدهور !!!! …
مبروك لكم بنيَ وطني و هنيئاً لكم  استقلالكم  الذي لم يكن بالتأكيد هبةً من كفيَّ آدمي  كان  بل  هو من نتائج وثمار نضال مرير دؤوب مستمر  حمل لواءه جدود أجدادكم وآباء أبائكم عبر قرون وعقود …
جنوبيون ما أبهي يومكم هذا ،أعني  التاسع من يوليو ، وذكراه ما  أعطرها  لأن فيها تمت لشعبكم حريته واستكملت فيه  سيادته علي أرضه وسمائه ،فيه شاهد العالمُ  علمَه  يخفقُ مرفرفاً  إعلاناً  وإيذاناً بميلاد دولة جديدة وليدة ظنَّ الأصدقاء قبل الأعداء  تحقق ميلادها ضرباً من المحال …
ما سبق هو بعض مما طابَ لنا اجتراره من تاريجنا لأنه حلوٌ وطيَّبٌ مذاقُه  في ألسنتنا واضراسنا  وخاصة لو توقفنا قليلاً في محطات  تاريخنا الكفاحي  الملئية بالنجاحات اعترف بها ،ومنذ مدة، ألدّ أعدائنا في سرهم وجهرهم معا …
بعد أن تجاوز شعبنا  تلك المتاريس العالية والمرتفعة  التي وضعتها أنظمة الذُّلِ والإضطهادِ علي منتصف كل درب  متجه صوب استقلال  عموم شعوب الجنوب وتحررها المحسوم حقاً  أمره  منذ ثلاث سنوات بالكمال والتمام ،كنا  نتغني ملء أشداقنا  وأفواهنا باستمرار دون التوقف ، نردد أزهايج الإنتصار بنشوة وفخر وانشراح وكنا ننتظر بفارق الصبر تاسع أخر من يوليو أخر من عام أخر تالِ وقادمٍ  لنُعيدَ  بذكراه  ذكريات عهد  النضال، الحلوة منها والمرَّة ،كي نقول لشهدائنا الأبرار الأطهار وهم من وهبوا حينه ارواحَهم  رخيصةً فديةً  من أجل الحرية والسيادة الكاملة  لشعوبهم الحاضرة واللاحقة ،نأكد لهم أن “بلادكم مهما حدث ويحدث  فاستقلالها وسيادتها عند جميع بنيها  خطٌ أحمرُ ترخصُ دونها أرواحهم وأبدانهم” …
من جانب آخر ثانٍ  لابد من قول هذه الحقيقة ولو تكون مرة  مرارة الحنضل في لسان  كلٍ منّا نقول : “إن  التاسع من يوليو هذا العام بالتحديد يجئ ويبدو أننا قبله ،ومنذ  انطلاقة شرارة فتنة منتصف  ديستمبر، نحوْنا واتجهْنا نحو تجسيد وتحقيق  النقيض الغير مرغوب والمرفوض”… قلْ إذاً ماذا فعلناه  ؟ أولي الموبقات والكبائر ،إن لم تكن من المحرمات التي ارتكبناها ، هي أننا  اضفْنا إلي عدد أيتام حروبنا السابقة مع الأعداء  رقماً مزعجاً جديداً ومخيفاً ،يأتي هذا التاسع وقد ترمَّلَ أيضاً عددُ لا يستهان به  من  زوجات رفاقنا وهم من حصدتهم نيران أشعلتها  أيدينا من هذا الطرف هنا أو من ذاك  الآخر هناك … نحاول الإحتفاء بذكري التاسع من يوليو  هذه السنة  علي نحو خجول لأننا نخشي ونخاف أن تراقبنا وترصدنا من علي البعد عيون دامعة حزينة لأمهات  قد تثكلتْ جراء ما يحدث الآن بيننا من تناطح بغيض ونخاف أن يرفعن أكفهن تجاه السماء  ويستجيب لدعواتهن تباعاً الههن وخالقهن الذي هو سلطان الكل في  الأرض والسماء فيُسكّب  غضبه من عليائه  لعناتِ مدرارةً غزيرةً ومميتةً علي منتصف رؤوسنا نحن مَنْ كنْا  سبباً في ضياع أبنائهن وبناتهن وأزواجهن والجميع كانوا لديهم أحبةَ و أعزاءَ كما تعلمون   ..
ولكن الواجب علينا  الآن ،مهما تكن عليه قباحة حالنا وشكل أشيائنا عموماً علي خارطة  أرضنا، هو أنه لابد لنا اليوم أن نحتفلَ بشكلٍ أو آخرَ آملين من كل جوانحنا  أن ربما  تبعثُ فينا ذكري  يوم تحررنا هذا روح جديدة وأفكار قويمة و سديدة  عسي ولعل ينطلق  بها  قادتنا إلي الأمام صوب الأفق المقبول والمراد الوصول اليه  فهيّا أيها الرفاق لنْشعِل  بأيدينا ثلاث شموع لثلاث سنين خلت من عمر استقلالنا لدولتنا الوليدة  والحبيبة  ونردد مجدداً أنشودة الأمل المبتغاء بصوت جهير مسموع رغم ما يظهر  علي أسارير وجوهنا من حزن نحاول جاهدين عابثين اخفائه  أو تجاهله ولكن هيهات كون  تفضح وجوده  جروح  تنزف حالياً في جسد الوطن  وأرواح  بعض أبريائنا  تزهق ظلماً  هناك في عدد من مدننا و قرانا   نتيجة لمعارك حرب العبث والضياع “حرب الداحس والغبراء” ما تركت ولن تترك   وراءها سوي أنين ونحيب أصحاب القلوب  الكسيرة الحياري من النسوة الثكالي والصبية اليتامي  وكل ما يقتلُ في الفؤاد المشاعرَ الجميلةَ والنبيلةَ ويُسيّلُ بدل عنها علي المآقي غزارةَ الدموع … 
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *