اربعينية الراحل بشير بكار

كان شاهد عيان على الاستاذ فى يوم زينته والحشر ضحى  18 يناير 1985

(ان لنا لسانا اخر غير هذا اللسان

وان لنا مكانا اخر – غير جهنم والفردوس
ان احرار القلوب احياء بروح اخر
وان جوهرهم الصافى من منجم اخر)

(رباعيات مولانا جلال الدين الرومى (230)

المنجم الذى كشف عن الجوهر الصافى للراحل المقيم – بشير عيسى بكار- هو حزمة ادب السالك فى طريق محمد : سجاادة التلت – ونار المجاهدة —  فى خلوة (الليل) – وفى (جلوة النهار) وسط الجمهور مصدر الالهام والطاقة الفكرية المتجددة – فمنذ ان عرف الراحل بكار قواعد السلوك والسير الى الله (تقليل الطعام – وتقليل الكلام – وتقليل المنام)  — فقد جسد الراحل هذه القواعد السلوكية فى الدم واللحم – كان مقتصدا او زاهدا فى الكلام – كان يتحدث فى حياته (وفى مماته) بلسان اخر (على قول مولانا جلال الدين الرومى) يلهج بلغة ابلغ من الحروف – بلسان الحال – صدقا وامانة وكرما وعطاءا.
   فى شهر يناير الماضى كنت اجلس فى اجتماعات مغلقة طويلة مع الاخ (معتصم احمد صالح) مقرر المؤتمر العام لحركة العدل والمساواة عندما كنا نعد للمؤتمر السادس  لحركة العدل والمساواة – فجاءت سيرة الراحل بشير بكار فتحدث عنه (الاخ معتصم) بعفوية شديدة حديث العارف به – والاخ معتصم هو الاب الروحى  لنشاط الدارفوريين فى امريكا – ولنشاط حركة العدل والمساواة فى امريكا – تحدث الاخ معتصم عن الراحل (قبل ما يحل يوم شكره) – بانه زعيم حقيقى – تحدث عن ادبه وخلقة وعلمه  وحسن استماعه واقتصاده فى الكلام – وعن وطنيته – واخلاصه لما يؤمن به.
وعلى صلة بالموضوع – فقد تلقيت عزاءا وشهادة فى الدوحة من الكاتب والصحفى (بابكر عثمان) مراسل جريدة الراية القطرية فى القاهرة فى بدايات التسعينات  من القرن الماضى – التقى بالراحل بكار فى القاهرة بصفته نائب رئيس التجمع الديمقراطى المعارض فى امريكا بترتيب من الاخ بدر الدين عثمان موسى — واجرى معه حوارا مطولا نشر بالدوحة بجريدة الراية  — وشاهدنا هو ان اكثر ما لفت اللماح بابكر عثمان فى شخص الراحل بكار هو ادبه وعلمه وخلقه وتواضعه – فالراحل بكار كان فصيحا وبليغا حين يتحدث بلسانه – ولكنه كان دائما  يتحدث ( بلسان اخر افصح) وابلغ —  يصعب على الواصفين التعبير عنه – لانه نتاج منجم اخر هو منجم الليل —  الذى يعين السالك على الانحصار ويحرره من  تشتيت الثنائية – ويضعه فى دائرة (التوحيد) والفرار الى الله الواحد — فيسمو السالك من دنيا الاسباب الى النظر للمسبب — من منطقة ثنائية الجزرة والعصى  — وجهنم والفردوس على قول العارف بالله مولانا جلال الدين الرومى فى ابياته النورانية الشعشعانية اعلاه – الى الانشغال بالمنعم.
جمعة حسن (كتاب مرقوم)
مطبوعة فى ذاكرتى صورة بشير بكار بالعراقى البلدى فى بيت الاخوان (ب) بالثورة الحارة الرابعة وهو يخدم الضيوف بنفسه – ويشرف بنفسه على حلقات العشاء ورقاد الضيوف. فبيوت الاخوان فى الحركة الجمهورية تعتبر مدرسة من مدارس السلوك والتسليك تحتاج الى دراسة متانية .
 وفى الذاكرة ايضا ونحن نتحدث عن بيت الاخوان (ب) صورة بكار وهو يعتنى (بالكتاب الجمهورى) – فمنزل الاخوان (ب) هو مقر (المطبعة الجمهورية) – و (مايسترو) المطبعة هو المرحوم (جمعة حسن) –  وما ادراك ما جمعة حسن؟! فالكتاب الجمهورى الذى من خلاله شكل الجمهوريون اكبر تحدى للاسلام السياسى السودانى خلال الستينات والسبعينات وثمانينات القرن الماضى كان خلفه (جمعة حسن)  + سكان بيت الاخوان (ب)  — وفى ذاكرتى صورة بكار وهو يتابع انتاج الكتاب  من الالف للياء ويعمل بيده على (البرش) على الارض و شاهدنا من كل هذا الكلام ان (المنجم) الذى انجب الراحل بكار هو عبارة عن حزمة من انماط السلوك – تكمل بعضها البعبض لتعطينا انسانا بمواصفات بشير عيسى بكار.   
بشير بكار– شاهد العيان ليوم زينة الاستاذ :
يوم 18 يناير 1985 كان يوم (خلود) الشهيد محمود محمد طه – حيث جرى تنفيذ حكم الردة   بالاعدام مع الصلب على الاستاذ الشهيد —  لا لشئ سوى بسبب (منشور هذا او الطوفان) الذى اعلن ففيه معارضته لقوانين سبتمبر 1983 وطالب بالغائها لانها تجعل المواطنين الجنوبيين (مواطنين من الدرجة الثانية) وتهدد وحدة البلاد (وقد صدقت قراءته) —  الجنوبيون قالوا فى لحظة الحدث (لقد مات الاستاذ محمود من اجلنا).
الراحل بشير بكار كان احد شهود العيان فى مدرجات سجن كوبر يوم زينة الاستاذ الذى ظل يدعو بالتى هى احسن وقد الف عشرات الكتب اهمها (الرسالة الثانية) (طريق محمد) و (رسالة الصلاة) و (تطوير شريعة الاحوال الشخصية) و (القران ومصطفى محمود) وكتب تلاميذه اكثر من 150 منشور فى بيان الفكرة الجمهورية  — ولكن الشهيد محمود ثحدث على المقصلة فى (ضحى 18 يناير 1985) بلسان اخر – لسان الحال – ولاية الشجاعة – كان الشهيد (ارجل من السفاح النميرى) – وسوف يدخل النميرى التاريخ من الباب الخلفى بوصفه السفاح الذى اعدم شهيد الفكر الاستاذ محمود – وسيبقى الاستاذ محمود فى سجل الخلود مع العظماء – وسبيقى الرمز الفاضح  لبؤس الاسلام السياسى  عموما والسودانى بصورة خاصة فى جانب الحريات – وحرية التفكير والضمير بصورة اكثر تحديدا.
بشير بكار كان شاهد عيان (من داخل ساحة تنفيذ الاعدام مع الصلب فى سجن كوبر) فى ضحى 18 يناير 1985 – يوم ( زفة الاستاذ) الى سجل الخود – بقولة الحق امام السلطان الجائر وبذك نال الاستاذ ارفع درجات الشهادة واكرمه الله بوسام  (ورفعنا لك ذكرك)  — لقد شهد بكار هذا المقام – فصاح امام الجمهور قائلا : (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)  — وقد صدق الاخ الراحل بكار (ما قتلوه) – فسيظل الاستاذ حيا وشاهدا حتى فى زمن الربيع العربى على ان (الاسلام السياسى هو (المشكلة) و ليس (الحل) بسبب ( الانيميا ) بل (لوكيميا) الحريات  (حرية الاعتقاد ) و(حرية الفكر) و (الحق فى تفيير الراى) و ( حرية الضمير).
 لقد خرج بشير بكارمن تجربة مشاهدة جريمة اغتيال الفكر والمفكرين وهو اكثر ايمانا بمناهضة الاستبداد – وقد كرس حياته للنضال من اجل هموم الجماهير وقضايا المهمشين
 واستعادة الديمقراطية – والشهادات التى نقلناها فى صدر المقال صادرة عن شهود تعرفوا عل الراحل من مسرح نضاله من اجل استعادة الديمقراطية – ومن اجل  نصرة قضايا المهمشين الذين دفع الاستاذ محمود حياته فداءا لنصرة قضيهم.
ابوبكر القاضى
الدوحة
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *