أزمة نواب الجنوب بالبرلمان .. في طريقها للانجلاء أم استعصت على الحل؟

أزمة نواب الجنوب بالبرلمان .. في طريقها للانجلاء أم استعصت على الحل؟!

ماهر أبوجوخ
على عكس توقعات عديدة سادت الفترة التي سبقت انطلاقة أعمال الدورة البرلمانية الحالية التي بدأت في الرابع من أبريل الجاري بإمكانية حل أزمة نواب جنوب السودان، فقد شهدت الجلسة الافتتاحية التي خاطبها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير غياباً كاملاً لنواب الجنوب بما في ذلك نواب حزب المؤتمر الوطني، عقب تمسك رئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم الطاهر –والذي هو رئيس الهيئة التشريعية القومية المكونة من نواب المجلس الوطني ومجلس الولايات- بإسقاط عضوية نواب الجنوب إنفاذاً لنص المادة على المادة (118-2)

غازي صلاح الدين - الأمم المتحدة صور ، ماورو كاسترو

أما المعارضون لهذه الخطوة فيتمسكون بتفسير اتفاقية السلام الشامل التي حددت نهاية الفترة الانتقالية ومؤسساتها بعد ست سنوات من بداية الفترة الانتقالية في السادس من يوليو القادم، بجانب القرار الذي أصدرته مؤسسة الرئاسة في يناير الماضي عقب استفتاء جنوب السودان والقاضي باستمرار كل المؤسسات الدستورية واستمرار تمثيل مواطني جنوب السودان فيها حتي التاسع من يوليو 2011م.

إمكانية إيجاد حل للقضية

وبالرغم من غياب نواب الجنوب من المشاركة في الدورة البرلمانية التي افتتحت أعمالها رسمياً في الرابع من الشهر الجاري بعد إسقاط عضويتهم، فإن التوقعات تشير لاتخاذ مؤسسة الرئاسة في اجتماعها المقرر عقده في السابع من الشهر الجاري قراراً يقضي باستمرار عضوية نواب الجنوب، ولعل هذا الأمر ألمح له رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الوطني د.غازي صلاح الدين في تصريحات صحفية عقب الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية بإمكانية إتخاذ الرئاسة لهذا القرار.

اتيم قرنق: حل أزمة نواب الجنوب ستتم إما عن طريق مؤسسة الرئاسة أو اللجنة المشتركة بين الشريكين.

أكثر من 100 نائب

يمثل نواب الجنوب الـ121 بالبرلمان ما يقارب ربع النواب، إذ يمثلون 24،2% من إجمالي نواب الهيئة التشريعية القومية المكونة من 500 نائب، حيث يتكون المجلس الوطني من 450 نائباً أما مجلس الولايات فيتشكل من 50 نائباً.

د.رياك قاي - صورة : سفاري السودان

تنفيذ قرار إسقاط عضوية نواب الجنوب بالهيئة التشريعية القومية سيؤدي لفقدان ممثلي الولايات الجنوبية العشرة بمجلس الولايات والبالغ عددهم (20) نائباً لعضويتهم بالإضافة إلي 101 نائباً ونائبة من المجلس الوطني من ممثلي ولايات جنوب السودان بينهم 3 نواب جنوبيين من مقاعد بشمال السودان.

التقسيم الحزبي لمقاعد نواب الجنوب موزعة بواقع 93 مقعداً للحركة الشعبية لتحرير السودان، 6 مقاعد لحزب المؤتمر الوطني ومقعدين للحركة الشعبية لتحرير السودان -التغيير الديمقراطي التي يرأسها د.لام أكول.

أما ابرز الشخصيات الموجودة ضمن قائمة النواب الجنوبيين فهم النائب الأول لرئيس المجلس الوطني –الشخصية الثالثة في الترتيب القيادي بالهيئة التشريعية القومية بعد رئيسي المجلسين- أتيم قرنق، ونائب رئيس مجلس الولايات ريمي أولير أتورونق، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني انطوني جساك جاك، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية جوزيف جاستين مارونا، ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني د.رياك قاي.

الحل عند جهتين

يشير نائب رئيس المجلس الوطني والقيادي بالحركة الشعبية وكتلتها البرلمانية اتيم قرنق إلي أن قضية نواب الجنوب باتت قضية سياسية، وقال لـصحيفة (السوداني) بأن القضية مرتبطة باستمرار اتفاقية السلام والتزاماتها بين الطرفين حتى التاسع من يوليو القادم، وذكر أن حلها سيتم إما عن طريق مؤسسة الرئاسة أو اللجنة المشتركة بين الشريكين.

لمزيد من المعلومات إقرأ : بعد رفض لجنة التشريع البرلمانية للدستور المنقح… هل أخطأ وزير العدل؟

وذكر أن موقفهم بالتمسك بعضوية نواب الجنوب في البرلمان نابع من التزاماهم لنصوص اتفاق السلام والدستور الانتقالي سيما مع وجود قضايا مرتبطة بتنفيذ الاتفاقية كتكوين مفوضية أبيي التي تشكلها الرئاسة ويصادق عليها البرلمان وأضاف:\”دعنا نفترض أن الرئاسة اتفقت على إجراء استفتاء أبيي في ابريل الحالي أو مايو القادم فكيف ستتم إجازة أعضاء مفوضية استفتاء أبيي في ظل برلمان قومي لا يمثل فيه الجنوبيين، هل سيجاز من البرلمان الذي سيصبح يمثل الشمال فقط، أما تجاز بشكل منفصل لكل من برلماني الشمال والجنوب أم تعقد جلسة مشتركة لبرلماني الشمال والجنوب لإجازة هذه المفوضية ؟!\”، وشدد بقوله:\”الاتفاقية والدستور تقولان أن مؤسسات الفترة الانتقالية حتى التاسع من يوليو القادم ونحن متمسكون بهذا الأمر\”.

الدوافع والخيارات

اتيم قرنق

واعتبر قرنق أن دوافع قرار إسقاط عضوية نواب الجنوب من البرلمان القومي، تتمثل في سعي المؤتمر الوطني لعدم إكمال فك الارتباط بين الشمال والجنوب بشكل سلس نسبة لتحميله لمسؤولية الانفصال من قبل الشمال، وأنه –أي الوطني- يهدف عبر هذا الأمر لتصوير الجنوبيين بمظهر العدوانيين ولذلك اختاروا خيار الانفصال.

ويضيف في تعليقه لـ(السوداني) أن المؤسسات المنشأة بموجب اتفاقية السلام مترابطة في ما بينها \”ولذلك لا يمكن أن يقرر طرف لوحده فك الارتباط في جزئية واحدة، ويجب أن يتم هذا الأمر بواسطة الطرفين، وبكل بساطة إذا كان المؤتمر الوطني يعتقد بأن كل طرف من حقه أن يحل المؤسسة التي يريد، فنحن أيضاً يمكننا اللجوء لهذا الخيار ونتحلل من التزامات كثيرة مشتركة ملقاة على عاتقنا حتى التاسع من يوليو القادم لأننا نريد أن نثبت للعالم بأن المؤتمر الوطني هو المبادر في التنصل عن تلك الالتزامات\”.

“للجنوب الحق في وقف التزاماته بالمقابل”

من جهته يقول القيادي بالحزب الاتحادي الأصل د.على السيد المحامي –وهو رئيس سابق للجنة السلام والمصالحة في البرلمان المشكل عقب اتفاقية السلام الشامل- بأن الجنوب سيكون محقاً إذا أوقف كل الالتزامات التي تليه في حال استبعاد نواب الجنوب من البرلمان.

القيادي بالحزب الاتحادي الأصل د.على السيد المحامي

وأوضح السيد في تعليقه لـ(السوداني) تلك الإجراءات التي يمكن اتخاذها قد تشمل إيقاف ضخ البترول أو القوات المشتركة، منبهاً في ذات الوقت لوجود عدد من القضايا العالقة التي تستوجب حسمها بين الطرفين حسبما جاء في المادة (67/3) من قانون استفتاء جنوب السودان.

واستدل بالمادة (67/2) من قانون استفتاء جنوب السودان والتي تنص على\”في حالة تصويت شعب جنوب السودان لخيار الانفصال ، تطبق الحكومة في نهاية الفترة الانتقالية أحكام المواد 69(2) ، 118(2) ، 145(1) و226(10) من الدستور\”، باعتبارها توضح أن الإجراءات الخاصة بالانفصال تطبق في نهاية الفترة الانتقالية، وقال:\”صحيح أن القانون يجب أن لا يصادم الدستور، ولكن القانون يمكنه تفسير ما جاء في الدستور\”، وأضاف:\”طبقاً لهذا فإن الحديث عن نهاية عضوية نواب الجنوب بالبرلمان وعدم أحقية تمتعهم بعضوية البرلمان القومي في الدورة البرلمانية التي ستبدأ في ابريل هو أمر غير صحيح\”.

تعمد أم فهم خاطئ؟

واعتبر قرنق الخطوة التي اتخذها الطاهر وتمسكه بإسقاط عضوية نواب الجنوب، ليست شخصية كما تبدو في ظاهرها وإنما تعبر عن توجهات موجودة داخل (الوطني) وهو يؤدي دوره في إطار عملية تقسيم الأدوار.

باقان اموم - الأمم المتحدة صور، تيم

لكن السيد بدأ غير متفقاً معه في هذا التحليل حينما ربط قرار إسقاط عضوية نواب الجنوب بخطوة سابقة تمثلت في إيداع وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة لنسخة منقحة من الدستور الانتقالي حذفت منها المواد الخاصة بالجنوب عقب إعلان نتيجة استفتاء الجنوب، معتبراً تلك الخطوة –أي تقديم الدستور المنقح- مرتبطة بالفهم الخاص للطاهر القائم على مغادرة النواب الجنوبيين لمقاعدهم وعدم العودة إليها مجدداً في الدورة البرلمانية التي تبدأ يوم غدٍ، وأردف:\”وبالتالي فإن تقديم الدستور المنقح واعتماده يقفل الباب بشكل نهائي أمام أي خطوة قد تقود لعودة النواب الجنوبيين للبرلمان مجدداً\”.

وأضاف السيد:\”يبدو أن هذا رأي خاص لرئيس المجلس ويبدو أيضاً أنه مخالف لأراء بعض قيادات حزبه التي ترى أن مؤسسات اتفاقية السلام الشامل تستمر حتى نهاية الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم\”.

لكن قرنق استنكر أسلوب الطاهر تجاه نواب الجنوب بأنه غير متحضر مؤكداً عدم سعيهم أو لجوئهم لاستخدام العنف سيما أن الجنوبيين طالبوا بحق تقرير المصير ومارسوه بشكل متحضر للتعبير عن إرادتهم وتطلعاتهم واختتم حديثه بالقول:\”لو كان مبني البرلمان موجود في أرض محايدة لما استطاع أن يمنعنا من الدخول إليه، وهو شخص لا يحترم القيادات الأخرى ولعل ما تعرض له الرفقاء باقان اموم وياسر عرمان أمام مقر المجلس قبل أكثر من عام أكبر دليل على هذا السلوك\”.

 من الدستور الانتقالي لسنة 2005م والتي تنص علي أنه: \”في حالة التصويت للانفصال من قبل مواطني جنوب السودان، تُعتبر مقاعد الأعضاء الجنوبيين في الهيئة التشريعية القومية قد خلت وتُكِمل الهيئة التشريعية القومية بعد إعادة تشكيلها على هذا النحو أجلها لحين الانتخابات القادمة\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *