حسن اسحق
الاصولية هي ادعاء الحقيقية المطلقة وفرضها علي الاخرين (روجيه غارودي).لقد انتشرت الايدولوجيا الاسلامو عروبية في السودان بواسطة اجهزة الاعلام الرسمية المقروءة منها والمرئية،وبفضل هذه السيطرة،استطاعت ان تجد لها موطأ قدم،وبث سمومها المغطاة بالدين والعمل علي تفريق المواطنين علي اساس الدين واللون والعرق،واعطاء انطباع مزيف عن واقع السودان المعروف بتنوعه،وخلق اساطير وقصص وهمية عن الاصول والانساب في السودان،والعمل علي تكريس الخطاب العروبي والاسلاموي بصورة متكررة حتي يرسخ في ذهنية المواطن،بان الوطن لا ينتمي له الا العروبيون والاسلامويون وحدهم.وهي احدي الاشكاليات التي يجب ان نعري حقيقتها وتوضحيها وتعريفها للكل حتي نعلم حقيقة السودان العظيم الذي يحكمه اقزام.
واجهزة الدولة الاسلاموعروبية تعمل دون كلل وملل،بان الدين عامل توحد هذا الوطن،ولكننا نري العكس،ونحن فهمنا تصور الدين الاقصائي،وكل الاديان في مفهمومها العام،وما تروج له في منابرها،انها لا تهدف الي احداث مشاكل،واختلاق فروقات بين البشر،وانما جاءت لتعلمهم القيم الاخلاقية،والعمل سويا،ثم توحد بينهم،وهذه القيم الاخلاقية موجودة في كل الاديان،وكذلك في الهندوسية والبوذية،وكونفوشيوس يقول،لا تعامل الاخرين بما لا تريد ان يعاملوك به،اذا كان هذا هو النموذج الكونفوشيوسي يدل علي سماحة المعاملة،فما بالك في الاديان التي هبطت من السماء التي يصوغ خطاباتها الجهلاء وعلماء السلطان لتمرير سلطوية الدين في المجتمع المتعدد؟،وهنالك نموذج الا وهو تجربة الاسلاميين في السودان،والمفاصلة الشهيرة بينهم وخروج المسكوت عنه.عندما صرح مفكرها الترابي،اولئك الذين لقوا حتفهم في الجنوب المستقل،لن يتمكنوا من مقابلة حور العين،عندما تحين ساعة النتائج الربانية،وانهم ماتوا،كما يموت كلب الصيد اثناء مهمته غير مأسوف عليه .وهذه هي النقطة المهمة التي يجب ان تثار وبصورة واضحة،اذا كان قبطان الجبهة الاسلامية هو من يصرح بنفسه مثل هذا التصريح،نحن علي يقين ان الدين لم يكن يوما من العوامل التي ساعدت علي استقرار البلدان،لان معظم مايدعون انهم علماء او رجال دين،كانوا يقفون بجانب السلطة السياسية،وبقية الناس تكتوي بنار الظلم والطغيان ،ويجمل رجالات الدين وعملاءه نظامهم القمعي بتفسيرات نصية مبتورة من اجزاءها الكلية لخدمة سلاطينهم ومواقعهم..
ونكرر السؤال مرة اخري،اذا كان الدين عامل توحيد،لماذا تتصارع الجماعات الاسلامية في كل البلدان الاسلامية والعربية،ويقاتل بعضهم بعضا،وتوجد مقولة يرددها السلف دون خجل،اذا التقا مسلمان القاتل والمقتول كلاهما في النار،وتكرر بمناسبة ودون مناسبة،ويتقاتل السنة والشيعة،وكلهم مسلمون ،ولكن الاختلاف مذهبي،والان في السودان عندما سقطت ورقة التوت التي تغطي زيفهم وخداعهم ،انتقلت الحرب الي الارض التي كانت تكسي الكعبة،وتتدعي حكومة المركز،بان هذا استهداف للبلاد،وايادي اجنبية،تريد ان تجعل من دارفور حصان طروادة لتحقيق مكاسب الصهيونية والغرب.
وحتي اسرائيل هذه التي نسمعه عنها في اجهزة الاعلام الرسمية لم تقتل مواطنيها وتغتصبهم وتهجرهم ،وتأتي ببدلاء من دول اخري كوافدين جدد.واجهزة الاعلام المركزية تعمل جاهدة،بان مايحدث في غرب السودان،هو من صنع الغرب،ولكن معسكرات النزوح واللجوء ومنظمات الاغاثة الدولية تكذب كل تلك الادعاءات ،والدولة التي لاتستطيع ان توفر الحماية لمواطنيها لا يحق لها السيادة .
الاصولية في الدولة السودانية تصوغ كل الخطابات علي انها حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش والحوار والجدل البناء،وتفرض مسلماتها بصورة عفوية وتلقائية ،والحوار فيها غير مسموح به ، الا في حدود الممكن،واي شخص تجرأ علي الحوار والسؤال سيكون مصيره القتل والنفي من البلاد،وكما يقول روجيه غارودي في موضوع الاصولية (هي ادعاء الحقيقة المطلقة وفرضها علي الاخرين).والسودان في حاجة ماسة الي خطاب انساني ودول علمانية تعلي من شان المواطنة،لا تفرق بين المواطنين بسبب الدين او العرق او اللون ،ومحتاجين الي نزعة انسانية في بيئة فقدت معني الانسانية،ومجتمع معرفي يؤمن بحرية التعبير والفكر.ومجتمع انساني منفتح متقبل للاخر المختلف .
نواصل
[email protected]