فساد اليوناميد امتداد لفشل امبراطورية الامم المتحدة .

محمد حسين
[email protected]
خلال الشهور القليلة الماضية أزيح الستار عن حقائق مفجعة كشفت مدى فشل و فساد البعثة الهجين للامم المتحدة و الاتحاد الافريقى بدارفور التى تعرف اختصارا بيوناميد. لقد استطاعت الناطقة السابقة باسم البعثة عائشة البصرى تثبت بان اليوناميد تواطأت مع الحكومة السودانية و تسترت على جرائم ارتكبت بواسطة الجيش السودانى و مليشات الجنجويد ضد المدنيين فى دارفور . و ليس غريبا ان البعثة التى تاسست بناء على قرار مجلس الامن رقم 1769 الصادر فى 31 يوليو 2007 ان تصبح امتداد لسلسلة طويلة من اخفاقات بعثات حفظ السلام الدولية و التى هى انعكاس لفشل لازم الامم المتحدة فى العديد من المجالات لاسيما مجال صيانة السلام و الامن العالميين. الشئ الذى يجعلنا لا ننظر الى فشل بعثة اليوناميد بمعزل عن اخفاقات المنظمة الدولية السابقة و هى عديدة منها على سبيل المثال بعثة السلام فى البوسنا , فى يوليو 1995 و تحت هجمات الصرب هرب جنود حفظ السلام من معسكرهم تاركين خالفهم 20 الف لاجىء بمعكسر مجاور من غير حماية فضلا عن معداتهم العسكرية, فاتاحوا بذلك فرصة للصرب الذينلم يتوانوا عن قتل 7.800 لاجىء بوسنى و اغتصاب الاف النساء بما فى ذلك القاصرات. من سكان ذلك المعكسر .و رغم احراز بعثات حفظ السلام للعديد من النجاحات الا ان اخفاقاتها الكارثية كلفت البشرية ملايين الانفس البريئة.
و من امثلة الفساد المالى المرتبط بالامم المتحدة منها تلك التجاوزات المالية التى ارتكبت ابان اشراف الامم المتحدة على البرنامج العراقى المعروف بالنفط مقابل الغذاء و الذى ثبت فيه تورط اشخاص مقربين من الامين العام السابق كوفى عنان بما فيهم ابنه كوجو. و ليس سرا فى دهاليز برج المنظمة فى نيويورك ان القائمين على ادارة عمليات حفظ السلام (دى بى كى او) متورطين حتى النخاع فى ممارسات فاسدة مرتبطة بعقودات و عطاءات المشتروات الخاصة ببعثات حفظ السلام الدولية و التى تبلغ قيمتها السنوية بلايين الدولارات..
منذ العام 1948 نشرت الامم المتحدة اكثر من خمسين بعثة دولية فى جميع انحاء العالم , تنوعت ما بين حفظ السلام او التقصى او المراقبة .و الحالية منها حوالى ستة عشرة بعثة دولية تبلغ تكلفتها المالية لاثنى عشر شهرا ابتداء من 1 يوليو 2014 ,حوالى 7.06 بليون دولار امريكى. العديد من تلك البعثات الدولية فشلت فى تحقيق اهدافها المتمثلة فى حفظ السلام و الامن و تعزيز الاستقرار فى تلك البلدان و ما حدث فى البوسنا و روندا ولازال يحدث فى دارفور كان نتيجة حتمية لضعف و عجز اصحاب القبعات الزرقاء الذين اكتفوا بمراقبة الموت فى العديد من الحالات . ان فشل البعثات الدولية فى تحقيق اهدافها يعتبر انعكاس طبيعى لفشل المنظمة التى انشاها الحلفاء تحت تاثير نشوة انتصارهم فى الحرب العالمية الثانية, و منذ مؤتمر سان فرنسسكو جرت مياه كثير تحت الجسر فرضت واقع مغاير يتطلب اعادة النظر فى امتياز حق النقض (الفيتو) . الذى مكن الصين حليفة الخرطوم من الاعتراض على قرارات عديدة متعلقة بالشان الدرافورى كانت سبب فى الحد من صلاحيات بعثة اليوناميد بما فى ذلك الاعتراض على مشروع قرار فرض عقوبات على الخرطوم..
لقد ولدت اليوناميد كسيحة نتجية لتداخل طائفة من الاخطاء و الضغوط منها ان مجلس الامن كان قد اساء تقدير الكارثة الانسانية فى دارفور بترك جهود احتواءها ضمن نطاق مسؤوليات الاتحاد الافريقى الذى نشر بعثة اولى تفتقر للامكانيات و الخبرة, فى وقت اكدت فيها التقارير الواردة من على الارض وقوع جرائم جسيمة ترتقى لمستوى الابادة الجماعية كما صرح بذلك موظفون دوليون فضلا عن اعتراف الولايات المتحدة, ان عدم الاستجابة السريعة من مجلس الامن الدولى للحد من اثار الكارثة الانسانية فى دارفور لا يقل بشاعة عن اخفاق الامم المتحدة و المجتمع الدولى فى روندا , الا ان المؤسف حقا بعد عشرة اعوام من تلك الكارثة الانسانية تكررت ذات الجرائم و تكررت ايضا ذات الاخفاقات الدولية.و الغريب فى الامر بروز اسم كوفى عنان فى الحلات الثلاثة روندا و البوسنا و دارفور.
ان فشل عنان ابان توليه منصب مساعد الامين العام لعمليات حفظ السلام بين 1993 – 1996 فى اقناع منظمته و العالم الاول الذى كان قد تاذى بما جرى للجنود الامريكان فى الصومال الدور الاكبر فى ان تترك الامم المتحدة حوالى مليون روندى يواجهون الموت, و فى حالة دارفور كان كوفى عنان قد صار ارفع شانا فى الامبراطورية الاممية بعد ان تولى منصب الامين العام لدورتين من يناير 1997 الى ديسمبر 2006 ,لقد كان عنان الاكثر اصرارا على ان تترك الامم المتحدة مسؤولية ملف دارفور للاتحاد الافريقى وفق مزاعم ربما موضوعية حول تعزيز دور المنظمات الاقليمية فى حفظ السلام و الامن الا ان تلك المبررات كانت فى الحالة الخطأ و الزمن الخطأ.
ربما ما حدث فى روندا كان سريعا جدا رغم ان ذلك لا يشفع للمنظمة التى كانت على علم بسيناريوهات التحضير للابادة كما كشف ذلك قائد البعثة الجنرال الكندى روميوا فى كتابه مصافحة الشيطان, لكن لفترة تعدت العشرة اعوام من بداية المجازر فى دارفور و بعد سبعة اعوام من نشر بعثة اليوناميد ما زالت الحكومة تستهدف متعمدة استئصال شأفة المدنيين من الافارقة. رغم ان الازمة فى دارفور بعمرها الطويل منحت مجلس الامن الدولى فرصة ليصحح اخطاءه الا ان شيئا لم يحدث و حتى لجنة التحقيق التى شكلت مؤخرا لتقصى اتهامات اليوناميد بالتواطؤ مع الحكومة السودانية جاءت نتائجها تفتقر لادنى معايير المساءلة و المصداقية كما قالت السيدة عائشة البصرى التى اعتبرت تقرير اللجنة امتداد للتستر على اولئك المتنفذين فى ادارة عمليات حفظ السلام .
و بالرجوع الى ارهاصات نشأة بعثة اليوناميد الهجين , نجد انها كانت محاولة عجولة لاجل امتصاص ضغوط الراى العام العالمى و تدارك فشل بعثة الاتحاد الافريقى الاولى(اميس) الشىء الذى ربما جعل مجلس الامن يتجاهل ملاحظات و توصيات الخبراء التى ابدوها قبل نشر البعثة المشتركة, و كان من بينهم من تنبأ بفشل ذلك الهجين اذا لم ياخذ مجلس الامن تلك الملاحظات على محمل الجد. فى وقت مارست الصين ابتزاز و تهديد باستخدام الفيتو. و رغم ان البعثة الهجين انتشرت بعد موجة الابادة الجماعية الاولى الا اذا نظرنا الى الجرائم التى ارتكبت فى حق المدنيين مؤخرا بواسطة جنجويد الدعم السريع فيما عرف بالابادة الثانية و تاملنا فى ذات الوقت ردود فعل البعثةالهجين التى ضمت حتى نهاية العام 2012 حوالى 18 الف جندى و ثلاثة الف شرطى و الف موظف دولى و اكثر من الفي موظف محلى فضلا عن خمسمائة متطوع , لا يجد المراقبة تفسير لعجز بعثة بهذا الحجم كما لا يلاحظ اى فرق فى الاستجابة ما بين بعثة الاتحاد الافريقى الاولى و البعثة الهجين,رغم تمتع الاخيرة بامكانيات اكبر و صلاحيات اوسع .
رغم انخفاض عدد الضحايا بفارق درجة فى عهد اليوناميد الا ان فى العديد من الحالات اثرت اليوناميد الفرجة على فظائع الجنجويد واكتفت باعداد التقارير التى هى ايضا ثبت ان بعضها كانت غير دقيقة. و بذلك يعتبر امجلس الامن شريك لا يختلف عن الجنجويد فى زيادة معاناة المدنيين و المشردين فى دارفور من خلال الفشل المستمر فى تفعيل و اصلاح اليوناميد التى بلغت ميزانيتها السنوية لمنتصف العام 2012 و منتصف العام 2013 حوالى 1.708.748.400 دولار امريكى فى وقت تتضاعف فيه معاناة المشردين داخلين بسبب الانفلات الامني مع تزايد مضطرد فى شح المساعدات الانسانية . و بالنظر الى تدوهر الاوضاع بشكل مستمر فى دارفور رغم تمتع اليوناميد بتلك الامكانيات الضخمة يتاكد و من غير مواربة حقيقة واحدة مفادها ان بعثة اليوناميد بحالتها الراهنة فقدت الاسباب الموضوعية لوجودها فى دارفور. ما لم تمنح تفويض باستخدام القوة لحماية المدنيين و تنفيذ توصيات لجنة الخبراء التى قيمت اداء البعثة فى اوقات سابقة.. .
لقد اتاحت لى وظيفة سابقة التعرف عن قرب على امبراطورية الفساد السياسى و المالى و الادارى على مستوى البعثة التى ترتبط كمثيلاتها من بعثات حفظ السلام بمصالح متداخلة و معقدة بين قيادتها على مستويات عليا, الا ان الفساد السياسى لبعثة اليوناميد ذات صلة بدائرتين الاولى ادارة عمليات حفظ السلام و الثانية مفوضية الاتحاد الافريقى احدى مؤسسات الاتحاد الافريقى اكبر منتدى للدكتاتورين فى العالم, ان اولئك المتسلطون على شعوبهم من زعماء الاتحاد الافريقى لم ينفكوا من استغلال المؤسسة الافريقية غير النزيهة لخدمة مصالحهم على المستويين الدولى و الاقليمى ..وكان اسوء تلك الادوار لعبها الدبلوماسى النيجيرى السيد ابراهيم غمبارى بعيد توليه ادارة البعثة فى يناير 2010, كان غمبارى الذى انتهت ولايته اكثر من روج لفرية استتباب الامن فى دارفور و تبنى بشكل مشبوه التسويق لوثيقة الدوحة التى اعتبرها الفرصة الامثل لتحقيق السلام فى دارفور كما ادعى الا ان الواقع كشف ضعف تلك الوثيقة وفضح ممارسات غمبارى الذى كان على ما يبدو غير مبالى بمعاناة البؤساء من ضحايا مليشيات الجنجويد.
لقد الدكتورة عائشة البصرى بشجاعة نادرة النقاب عن قذارة المؤسسة التى كان قد تراسها غبمارى, و اكدت. بالادلة الدامغة تورط اليوناميد فى التلاعب فى تفاصيل تقارير الاعتداءات على المدنيين فى كل من طويلة و هشابة , سقلى وكتم و جبل عامر و غيرها من الاعتداءات الحكومية على جنود البعثة , لذلك ليس مستغرب ان جميع تلك الاعمال القذرة كانت فى عهد ادارة السيد غمبارى, الذى عمل جاهدا على ما يبدو فى التستر على جرائم الخرطوم و تواطأ بشكل مفضوح ضد الضحايا الذين منح تفويض حمايتهم. و على ما يبدو ان محمد ابن شمباس يسير على درب سلفه, و بما ان العديد من جرائم النظام فى دارفور قد تم توثيقها كما تم اخطار مجلس الامن بمدى بشاعتها الا ان شىء لم يحدث فكان ايضا من المتوقع ان تلك التقارير المتلاعب فيها حتى اذا نقلت الحقيقة مجردة سوف يكون مصيرها التجاهل المخزى الذى كان سبب مباشر فى اطالة امد المأساة فى دارفور , ورغم ان مسئولية التلاعب فى التقارير تقع مباشرة على عاتق المسؤول الارفع فى البعثة السيد غمبارى الا ان ذلك لا ينفصل عن المصالحة المتشابكة داخل امبراطورية الامم المتحدة التى وثق غمبارى لعلاقات متينة بمفايتها بعيد انضمامه الى طاقم السكرتارية العامة للامم المتحدة سنة 1999 . و التى كان ليس غريبا عليها بحكم وظيفته كمندوب دائم لنيجيريا فى الامم المتحدة., كما هو معروف ان نيجيريا تلى اثيوبيا فى قدرة التاثير على مؤسسات الاتحاد الافريقى.
و فيما يخص الفساد الادارى على مستواه الادنى فى اليوناميد. تكشف العديد من الامثلة عن حجم الهوة الساحقة ما بين اهداف البعثة و مماراسات الفساد التى حولت البعثة الى شبكة من الاعمال القذرة تتكسب من بيع الوظائف مقابل الرفقة الجنسية او المال . اعرف العديد من الموظفين و الموظفات الدولين و المحليين الذين يعملون بتلك الامبراطورية كانوا قد حصلوا على تلك الوظائف مقابل رشوة جنسية طويلة الامد او التنازل عن مرتب شهرين., و لفترة تزيد عن عام تجولت بين جميع مكاتب البعثة المنتشرة فى دارفور, لاحظت خلالها الاف من العطالة يعبثون باجهزة الحواسيب و يحصلون على مرتباتهم الكبيرة نهاية الشهر و كانوا اشد حرصا على ان لا تحرمهم الحكومة السودانية تجديد تاشيرات دخولهم للسودان لان حدوث ذلك يعنى فقدان وظائفهم التى عرف الامن السودانى كيف يبتزهم بها, و هذا ليس انتقاصا من قدر و جهد اولئك المخلصون الذين تفانوا ولازالوا فى اداء مهامهم الوظيفية بكل انسانية, و مع ذلك يمنحك تعدد تلك الوظائف الدولية ذات الاسماء الرنانة و المهام الصغيرة فى اليوناميد استعداد نفسى على تقبل ان يقدم لك احدهم نفسه على انه موظف دولى متخصص فى نظافة الاحزية العسكرية.
اذاعت قناة العربية يوم امس تقرير عن جرائم الاغتصاب فى تابت قالت فيه ان الاكاديمى و الناشط الامريكى اريك ريفز حصل على معلومات تؤكد وصول وفد اليوناميد الى قرية تابت بشمال دارفور التى كانت مسرح لاخر جرائم النظام فى دارفور و ان وفد البعثة تمكن من استجواب اربعة اشخاص من سكان المنطقة حول تقارير اغتصاب القوات الحكومية ل 200 سيدة و طفلة فى الاسبوع الماضى. قبل ان تجبر القوات الحكومية وفد البعثة على الخروج من البلدة, الا ان البيان الصادر من البعثة حول هذا الشان اتهم الحكومة بمنع وفد التحقيق من بلوغ تابت لذلك البعثة ليست على علم بما جرى فى تابت. و اذا صحت معلومات اريك ريفز نستطيع القول ان مثل هذه الممارسات التى تتعارض مع اهداف الامم المتحدة كما جاءت فى الميثاق تجعل من الامم المتحدة بفشلها المستمر اكبر خطر على امن و رخاء العديد من الشعوب. لا سيما بعد وقوع بعض مؤسساتها العليا تحت سيطرة الامبريالية العالمية او بسبب تلك التى صارت مسرح لنوع جديد من الحرب الباردة او بسبب الفساد الذى ينخر مؤسساتها فانها فى جميع تلك الحالات لا تمثل مصالح الشعوب المستضعفة فى العالم الثالث.
محمد حسين
10 نوفمبر 2014
المصادر
1. UNAMID fact sheet
2. Foreign policy magazine
3. Kofi Annan CV
4. DPKO page
5. قناة العربية
6. موقع حريات
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *