1- العبودية والرق والإسترقاق ؟
لم تحدث اي معركة ولم تقم اي حرب ولم تتفجر أي ثورة ضد العبودية والاسترقاق في العالمين العربي والاسلامي ، كما حدث في عدة بلدان اخرى على مر التاريخ . مثالاً وليس حصراً ، فقد قامت الحرب الاهلية الامريكية بسبب محاربة العبودية والاسترقاق ومؤوسسة الرق . بدأت الحرب الاهلية في عام 1861 بإنفصال 11 ولاية جنوبية عن الاتحاد الفيدرالي ، وكونت الولايات الكونفدرالية الامريكية في مقابل الولايات المتحدة الامريكية . إستمرت الحرب الاهلية بين الولايات الكونفدرالية والولايات الاتحادية لمدة 4 سنوات وحتى عام 1865 .
انتصرت الولايات الاتحادية على الولايات الكونفدرالية ،
وتم إلغاء العبودية والإسترقاق من الدستور الامريكي في الولايات المتحدة الامريكية .
وبعد 152 سنة مما تعدون ، تم تتويج هذا الانتصار في يوم الثلاثاء 20 يناير 2009 ، بتنصيب اوباما رئيساً للولايات المتحدة الامريكية . ذلك ان العبودية مرتبطة باللون والاثنية والعرق في امريكا ، كما في اغلب باقي دول العالم .
هل تتصور ، يا حبيب ، في احلامك الوردية ، ان يصير ابن مهاجر كيني اسود رئيساً لاي بلد عربي او اسلامي … إنك إذن من الغافلين ؟
يخبرنا التاريخ ان هناك القليل جداً من الجهد الفكري الذي قاوم العبودية في العالمين العربي والاسلامي ، وبالتالي لم يحتاج الامر لثورة كما حدث في امريكا .
2- العبودية في بعض البلدان العربية والاسلامية ؟
في بعض البلدان العربية والاسلامية ، وخصوصا موريتانيا ، ظلت العبودية قائمة وغير محرمة دستورياً حتى عام 1981 ، رغم صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان في يوم الجمعة 10 ديسمبر 1948 ، الذي يحرم العبودية .
في عام 1981، أصبحت موريتانيا آخر بلد في العالم يلغي الرق التقليدي ، بعد اصدار رئاسة الجمهورية مرسوماً رئاسياً يمنع الإسترقاق . لكن غياب المسآلة القانونية جعل المرسوم حبراً على ورق ، ورجعت حليمة الموريتانية لقديمها .
في عام 2007 ، أصدرت الحكومة قانونا يسمح بمحاكمة المتاجرة بالعبيد . على الرغم من هذا القانون ، فقد تم تقدير عدد العبيد التقليديين في موريتانيا بحوالي 600 الف ، أي 17٪ من السكان ، حوالي 3 مليون و500 الف نسمة . وصُنفت موريتانيا في مؤشر الرق العالمي لسنة 2014 . ولكن في يناير 2015 ، أصدرت الدولة الموريتانية قانونا يصنف الجرائم المرتبطة بالاسترقاق كجرائم ضد الإنسانية ، لا تسقط بالتقادم .
يدعي الدعاة الشناقيط في موريتانيا ان الاسلام لم يحرم الرق تحريما صريحا وقاطعا ، رغم أنه سن ما من شأنه تجفيفه ، ووسع طرق التخلص منه.
يتلو عليك الدعاة الآية 36 في سورة النساء :
… وما ملكت ايمانكم …
ملك اليمين = الرقيق .
ويشيرون لحديث نبوي :
إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم .
خولكم = عبيدكم .
دعنا نرى كيف فند الامام الاكبر المهدي عليه السلام اقوال الدعاة الشناقيط ، وبرهن على بطلانها ؟
3- الامام الاكبر عليه السلام ومؤوسسة الرق ؟ .
في كثير من منشوراته ، أكد الامام الاكبر عليه السلام على أمور كثيرة منها :
اولاً :
+ أن كل ما لم يرد في القرآن والسنة مثل : الرق والاسترقاق ، زيارة الأولياء والأضرحة ، والعويل في المآتم هو من قبيل البدع الضالة، وأن من بين مهامه واهدافه الرسالية في السودان إزالة البدع ، وإحياء الدين ، وإعادته طاهراً مطهراً كما كان في دولة المدينة .
ثانياً :
+ العبودية لرب العباد ، وليس العبودية للعباد .
ثالثاً :
+ ذكرنا الامام الاكبر عليه السلام إن القرآن أكد أن الأصل في الإنسان الحرية وليس العبودية . فالإنسان منذ بدأ الخليقة كرمه الله تعالى ، وأسجد له ملائكته ، وأعطاه القدرة على التعلم وحرية الاختيار ، وميزه على بقية خلقه بالعقل ، ورفاهية ان يقول ( لا ) ، كما جاء في 10 البلد ( وهديناه النجدين ) .
هديناه = دللناه إلى .
النجدين = الطريقين ، وعلى الانسان ان يختار في حرية مطلقة اي الطريقين يسلك ، بدون إملاءات ، فهو حر وليس عبداً .
إذن إسترقاق الانسان لاخيه الانسان خروج عن هذا الأصل .
وقد اعتبر القرآن جنس بني آدم ممن كرمهم الله في هذه الأرض ، واعطاهم الحرية ، فقد ولدتهم امهاتهم احراراً وليس عبيداً ، كما جاء في الآية 70 في سورة الإسراء :
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ …
والحرية هي من لوازم هذا التكريم، لأن الإنسان بالرق يفقد كل معاني التكريم ، بصيرورته عبداً.
وبالتالي يحارب القرآن والدعوة المهدية الرق والاسترقاق وإستعباد الانسان لاخيه الانسان .
رابعاً :
+ يقول الامام الاكبر عليه السلام إن القرآن لم يشرع الرق ولم يأمر به ، فلم تأمر آيات القران ولا الحديث الصحيح بإسترقاق الانسان لاخيه الانسان ، و أكد ذلك المعصوم في حجة الوداع حيث قال :
( أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) .
وصدق المعصوم ، وصدق الامام الاكبر عليه السلام .
4-موت العبودية بالنقاط وليس الضربة القاضية ؟
بعد عام 2015 ، ماتت العبودية في موريتانيا ، وقبل ذلك بعد عام 1948 في اغلب الدول العربية والاسلامية موتاً بطيئاً ، وتم دفنها وكانها طفل غير شرعي ، دون صلاة عليها ، ودون ضجيج ، ولا حس ، ولا خبر ، ولا نقاش ، ولا مظاهرات تُطالب بشرعية او مشروعية … فقط وحصرياً لان العصر والحداثة قالا بذلك . التعليم والثقافة والصناعة والحياة الحديثة لم تجعل لظاهرة العبودية معنى واقعياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية . بل صارت ظاهرة العبودية محرمة دستورياً ، وتلقائياً ، في كل الدول العربية والاسلامية .
ثم فجاة وفي يوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2017 ، أذن مؤذن في طرابلس عاصمة ليبيا بوجود مزادات علنية ودلالات لبيع الرقيق ، وعلى عينك يا تاجر ، في مزارع خارج طرابلس .
كيف حدث ذلك ، يا حبيب ؟
5- تقرير قناة “سي إن إن” الأمريكية ؟
في يوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2017 ، نشرت قناة “ سي إن إن ” الأمريكية
(CNN)
تقريراً وشريط فيديو ، يوضح بالصوت والصورة المزادات العلنية في طرابلس لبيع الرقيق من الافارقة ، وبينهم سودانيين .
تفضل بمراجعة الفيديو والتقرير الذي اصدرته قناة “سي إن إن” الأمريكية على الرابط ادناه :
http://edition.cnn.com/videos/world/2017/11/19/paris-protest-libya-slave-trade-cnn-report.cnn
لتقريب الصورة ، دعنا نستعرض ، كمثال ، مسيرة الشاب الدارفوري عبدالرسول من الحرية في حسكنيتة في دارفور إلى الرق والعبودية في طرابلس في ليبيا . وتجد عشرات الالاف من الشباب امثال عبدالرسول من نيجيريا ، مالي ، النيجر ، تشاد وباقي الدول الافريقية ، ولهم نفس قصة عبدالرسول المأساوية .
يهرب عبدالرسول من قريته فاراً من جنجويد الرئيس البشير الذين ولغوا في الابادات الجماعية ، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في دارفور . يجمع عبدالرسول مدخرات اهله ، ويتوجه إلى ليبيا في طريقة لاوروبا عن طريق البحر . يسلم عبدالرسول مدخراته لمهرب ليبي ، مقابل تهريبه لايطاليا عبر البحر ، كما فعل اقرانه من قبل .
في الاثناء ، شدد الاتحاد الاوروبي مراقبة قوارب المهربين الليبيين الصغيرة التي تحمل عبدالرسول واقرانه الفارين من جحيم بلادهم إلى الحرية والامان في اوروبا . دعم الاتحاد الاوروبي خفر السواحل الليبي دعماً مقدراً ، فقلت رحلات المهربين عبر البحر من ليبيا . وجد عبدالرسول نفسه محاصراً في ليبيا ، في قبضة المهرب الليبي ، الذي يعده ولا يفي بالترحيل . إستنفد عبدالرسول جميع مدخراته ، حتى البسيط الذي يمكنه من الرجوع لحسكنيتة . يستمر عبدالرسول في العيش في خيمة المهرب ، وياكل من طعامه وهو فتات . تتكاثر ديون عبدالرسول عند المهرب الليبي ، الذي يحمله مع آخرين لدلالة العبيد في بعض المزارع خارج طرابلس ، لبيعه كما المواشي لإسترداد دينه عليه .
يقف عبدالرسول ، والدلال بجرسه بجانبه ، ويده على كتفه كما توضح الصورة في الفيديو المرفق .
ينادي الدلال على عبدالرسول بانه شاب قوي ويجيد الحفر والزراعة .
يرفع مزارع ليبي يده عارضاً 200 دينار ليبي لشراء عبدالرسول . يزاود مزارع ليبي آخر ويعرض 300 دينار ، والدلال يقرع بجرسه على رأس عبدالرسول . تنتهي الدلالة بأن يعرض مزارع ليبي 600 دينار لشراء عبدالرسول اي ما يعادل 400 دولار .
يجر عبدالرسول رجليه خلف سيده الجديد ، وهو ذليل وصاغر ، وعيناه مثبتتان على الارض .
في نفس اليوم شرائه ، يبدأ عبدالرسول عمله في مزرعة سيده الجديد ، كحفار ، مقابل السكن في كوخ في المزرعة ، وفتات طعام بئيس ، وبدون أجر .
وتستمر الدلالة بالجرس مع بقية ( العبيد ) الأفارقة ، بينما يلعب اطفال الليبيين كرة الشراب بالقرب من الدلالة ، و بينما ياكل الليبيون الطعام ويمشون في الاسواق ، ويثرثرون ويضحكون ، وكأن دلالة العبيد شيئاً عادياً وبالزبادي كمان … الامر الذي يشكل قمة التراجيديا ، في ملهاة تحاكي ملهاة دانتي الإلهية .
تحدث هذه التراجيديا ، ولا تزال مستمرة في مزارع طرابلس ، ومزارع أخرى لم نقصصها عليك في ليبيا :
+ في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لتعيدنا لاسواق النخاسة في روما القديمة .
+ والمجتمع الدولي لا يحرك ساكناً ، حتى تفجير قناة “سي إن إن” الأمريكية للمأساة في يوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2017 .
+ احتج رئيس جمهورية النيجر لدي حكومات ليبيا الثلاثة في بيع مواطنيه عبيداً في اسواق النخاسة الليبية ، ولاذ الرئيس البشير بصمت الشماتة في مواطنه عبدالرسول ومثله معه من شباب دارفور .
+ تحدث هذه الماساة في عاصمة ملك ملوك افريقيا ، الذي حول منظمة الوحدة الافريقية إلى الاتحاد الافريقي ، وكان يجاهد في جعل الاتحاد الافريقي كالاتحاد الاوروبي بعملة واحدة هي الدينار الافريقي ، وبحرية التنقل والعمل والتملك في دول الاتحاد الافريقي ، وبجعل الافارقة كلهم جميعهم شركاء لا أجراء ، أحراراً وسادة لا عبيداً وأرقاء .
وصدق المعري :
أترومُ من زمنٍ وفاءً مُرضياً…
إنّ الزّمانَ، كأهلِه غدّار.
تقِفونَ والفُلكُ المُسخَّرُ دائرٌ …
وتقدِّرونَ فتَضحكُ الأقدار .