المبعوث الأمريكى والقفز فوق الحقائق والمنطق

المبعوث الأمريكى  والقفز فوق الحقائق والمنطق

محمد بحرالدين ادريس
[email protected]

لا شك فى ان الشعب الأمريكى الذى يقف اليوم على رأس الشعوب المدافعة عن حقوق الأنسان ومتعاطف مع قضايا الضعفاء والمتحدين فى العالم لا يشعر بالسعادة إزاء التصريحات الجوفاء التى تشكك فى مصداقية تلك المحرقة البشرية التى أوديت بحياة أكثر من ثلاثمائة ألف دارفورى ، فالشعب الذى خرج فى شوارع وساحات نيويورك وواشنطن ومدن أخرى تعبيرا عن رفضهم للأبادة التى يتعرض لها الشعب فى دارفور ، وأسس منظمات وجمعيات للتضامن مع الضحايا  أعتقد أنه ليس بمقدوره السماح لأحد لا للأدارة التى فوضته ولا لمبعوثي هذه الاداره أن يمس شعرة من المبادى والقيم التى جعل من الشعب الأمريكى شعب عملاق وجعلت من أمريكيا دولة عملاقة تتذعم سيادة العالم من وراء البحار

لست أدرى ما أذا كان المدعو أسكوت جريشن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي فى السودان عندما أطلق تصريحاته الصبيانية وعبر صراحة بعدم وقوع ( أبادة جماعية ) فى دارفور كان مصاب بعمى الألوان بحيث يحجب رؤيته للأشياء ولكنه في أى حال من الأحوال قد أرتكب خطأً جسيماً سيظل يطارده طيلة مسيرته فى السودان وما بعد السودان

ومن المثير للأنتباه أن الرجل لم يتعلم من حجم الأستياء واحباط المشاعر الذى أصاب أهل دارفور والأستهجان الذى واجه تصريحه من داخل أمريكيا وخارجها  ففى خطوة تهدف الى إطفاء الشرعية على هذا النظام المتهالك قال بشكل صريح ليس هنالك ما يجعل بقاء السودان فى قائمة الدول الراعية للارهاب وطالب الكونكرس الأمريكى برفع العقوبات المفروضة على السودان، فهل جريشن على العلم بأن من ضمن العقوبات المفروضة على السودان هى حظر بيع الأسلحة على السودان ، وهل يعلم ان تلك الأسلحة هى التى تهتك بالحياة فى الأقليم دارفوروالجنوب وتقتل الأبرياء وهل يعلم ان تلك الأسلحة هى ذاتها التى تقصف أقليم سيدروت من خلف الجدار العازل وهى ذاتها التى تستخدم بأيدى متطرفة

قد يتساْل المرء الى أى معيار  استند  كريشن فى اطلاق مناطحاته المشوهه  والى اي حد يمكن ان تؤثر على المجريات الأوضاع المتأزمة أصلا فى السودان أعتقد أن الأجابة ليست صعباً فكلنا يعلم ان المبعوث الامريكى الذى تم تعيينه قبل أقل من أربعة أشهر لم يخط قدمه الى تلك المخيمات البائسة التى أختارها الفارين من الجهيم  ولم يسمع منهم بشكل الذى يؤهله للحكم على الأشياء وليس لديه حجج ما يدعم خطواته الساعية لبراءة النظام من القائمة الأمريكية لدعم الأرهاب وبالتالى تندرج تقديراته فى حكم تقديرات سياسية أكثر منها تقديرات قائمة على الحقائق على ارض الواقع مع ذلك لا يمكن تجاهل التداعيات الخطيرة التى تنجم عن سقوط لسان اسكوت جريشن ومن المؤسف أنه يحاول ربط ذلة لسانه بكونكرس وهنا يكمن الخطر الاكبر

ان التساؤل الذى يطرح نفسه هنا هل تصرف جريشن بصفته الشخصية عم حصل على فتوى من الادارة الأمريكية  للتعامل مع السودان على هذا النهج وخصوصاً ان أستراتيجية الادارة الامريكية الجديدة للتعامل مع قضايا السودان لا سيما دارفور يشابه الغموض على رغم من اصرار اوباما على التذكير العالم بعدم نسيان  الابادة التى تعرض لها  شعب دارفور من خلال  رسالته الموجه الى العالم الأسلامى من جامعة القاهرة وخطابه فى غانا الا أنه من خلال مطالعة السياسة الامريكية تبدو هنالك ثمة ما يؤكد بروز اصوات تنادى بمرونة فى التعاطى مع الحكومة السودانية ولكن ليس هنالك ما يشير بوضوح ان المبعوث الامريكى يبنى تصريحاته أنطلاقةً من هذه الأعتبارات لأن فكرة التعامل مع النظام السودانى بهذه الكيفية فكرة مكروهة لغالبية صانعى السياسة الأمريكية والمعارضيين الأمريكيين على حد سواء ولعل ما ذهبت عليها هيلرى كلينتون وسوزان رايس والاخرون فى رفضهم لتصريحات قريشن هو معيار تأكيد لهذا الأتجاه وعلى أى حال فأن التفسير الملائم لهذه التساؤلات هو ان اسكوت جريشن قد خط أولى خطواته على عتبة الهاوية والفشل وضرب بإلتزماته على عرض الحائط ونسي او تناسى أنه مفوض للاستماع الى كل الاطراف وهذا ينم على جهل مطلق بمعطيات السياسة وعدم إعتياد على التعامل مع الشؤون الدولية وقلة الخبرة فبدلا من الأستفادة من الفرص فى ضغط على النظام للتنازل عن تعنته فى أحلال السلام وإنتاج أدوات وضع أفضل لكل السودانيين والمساعدة فى التغيير الذى ينشده السودانين تعمل سياسات المبعوث الأمريكى على تفاقم الأزمات فهو يسعى الى أقامة الحواجز أمام الحلول بدلا من إزالتها

أن التحدى الأكبرالذي يواجهنا كأبناء دارفور هو كيفية التعامل مع الرجل مشكوك فى مساعيه وحرر شهادة البراءة للنظام من التهم الابادة الموجه أليه ومارس مهامه بأنحيازية مطلقة وإنتحازية غير مبررة وحشر نفسه في زاوية لا يحسد عليه وأستناداً على هذه المعطيات علينا التفكير في طبيعة علاقتنا وتعاملنا معه  ،حتى ولو ان جريشن قد ذكر فى وقت متأخر ان فهمه قد تم اساءته فى الكونكرس فعلينا ان لا نعطي أى الأشارة له تدل على انه مرغوب فيه ومن أجل ذلك علينا ان نتبنى سياسة أكثر تشدداً تجاهه ،حسناُ فعلت حركة العدل والمساوة عندما اصدرت بيانا حملت ماّخذها العشرة على اسكوت جريشن وطالبت الأدارة الأمريكية بتغيره بشخص اّخر أكثر إلماما وأدراكا بالواقع فى السودان ،

غير ان السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيفية فهم الدوافع الأمريكية وأستراتيجيتها الاّنية بشكل أعمق فى السودان ورؤيتها للعملية السلمية ونظرتها للأوضاع الأمنية والأنسانية فى دارفور أعتقد أنه طبقاً لهذه الأسئلة نحن بحاجة الى تطوير فهم عميق فى ما يتعلق بتعاملنا مع النوايا الأمريكية و يجب ان لا ندخر جهداً فى كسب الأصوات الأمريكية دون أنقياد وراء الشعارات التى ترفرف من هنا وهناك لأن السياسة ليست من نصيبها المثاليات والأخلاقيات

من المحزن ان نرى أنه فى كل مرة نتوقع من أمريكا موقف أكثر حسما وجدية بشأن دارفور حتى نتفاجا العكس وكم من المخيف ان يظل شخص مثل جريشن مبعوثا لامريكيا فى السودان ويدير الأمور بشكل صبيانى دون أي خبرات فهنالك بون شاسع ما بينه  والحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *