بثينة تروس
من أعظم مزايا سرعة العالم المعلوماتي الكوكبي انه فضاح لزلات اعدآء الإستنارة المتسترين تحت عباءة وهم أنهم هم أصحاب الوعي، ولكن حين يكتبوا تنفلت سخائم نفوسهم، وينكشف قصورهم الفكري وقبحهم المستوطن، في مناطق اللاوعي، ما بين موروث حادث وقديم، لم تتسن له وسائل التربية الصحاح، لترويض تلك الحيوانات الرابضة غير المؤدبة.
فِي معظم الأحايين، تجد أنّ ادقّ الموازين حساسية لقياس تلك الحالات، هو علاقتهم بالمرأة، ما يعتقدونه ، ما يعيشونه من تناقض في علاقتهم بها ما بين طمعٍ مستعلن وخوفٍ مستبطن، وتسلط ، وبين الرغبة والاشتهاءات، وغيرها من نواقص العلاقة السليمة بين الرجل الحر والمرأة الحرة.
فلقد رأينا انسلال كاتب من بينهم كسهم مسموم داعماً لما أسماهم ( نشطاء التواصل الإجتماعي) وموجهاً صوت اللوم لأمانة حزب الأمة القومي ببريطانيا، ومحرضاً لمكوناته بامتهان النساء في بلد الديموقراطية واحترام الحريات، ناصحاً لهم في عباءة رجل دين بـ (تجهيز طرح نسائية لضيوف الامام) لستر عورات روؤس هؤلاء النساء، اثناء إلتقاط بعض الصور الفوتغرافية في حضرة الامام.
فقد جهل هذا الكاتب، متقمّصا عباءة رجل الدين، انه لم يسب معشر هؤلاء النساء الفضليات وحسب، إنما سب النساء طرا، بل أكثر من ذلك فقد سبّ الإمام نفسه من حيث أنه أراد توقيره. ثم أنه، يا لعجز التسبيب، وضعف العلل (عدم الاكتراث للموروث القيمي في هذه اللقطات )…. ( لما حوته من تفاصيل مثيرة)…. (حيث يرى النشطاء ان هذه اللقطات لم تتوافق مع المعايير المتعارف عليها سودانيا، ومزاج الشارع السوداني المحافظ،) انتهي
يا للعجب!! لمتباكي الموروث القيمي!! الم يتابع حكاوي نشطاء التواصل الاجتماعي، وهم يتناقلون عملية (اغتصاب كاملة لامرأة لاحولّ لها ولاقوة) في رابعة نهار خرطوم حكومة الاخوان المسلمين في تصاوير حية، لم تهتم لحرمة نشر ( تفاصيل الإثارة) او تراع (مزاج الشارع السوداني) في الدولة الاسلامية، ولمن فوت عليه الغرض أن يتذكر ويُذكر أن الموروث القيمي السوداني، حافل بإكرام النساء، لم يسألهن قبل دولة المتأسلمين بزيادة الاثواب مقابل العفة فلقد كان جميع رجالهن مقنع الكاشفات، يعيشون الحديث النبوي في اللحم والدم ( عفوا تعف نسائكم) اذ ان المجتمع المتربي رجاله، محفوظات نساءه.
ثمّ، الم يشق هؤلاء النشطاء درباً لمسيد متصوفة، في نهارية شمسها تلهب ظهور الخيل، ويستعيذ منها المتبطر في النعم او سروا في ثلث ليل ينامه الغافلون فشهدوا ( صورهن الحية) وجمالهن وسط مسيد الشيخ والحيران، دينهن ( الكسرة) كاسيات بأعراف اثوابهن تتلألأ مساير شعرهن، يمس عليهن الفقير مطيباً لخاطرهن، ومستغفراً من تعبهن، فيدهن غباش كفيه المسبحات بذكر الله بأطيب زيوتهن صائحاً الله عليك يابت الشيخ !! و لا يستر جمال أجسادهن غير بالي ثياب وعرق الصلاح ولم نجد من الرجال من شهر فيهن سلاح الحجاب ، وانهن يعيبن الشيخ، مكانته، ورمزيته الدينية او تفقه في ان جهنم جل سكانها من النساء بل نحن شعباً تربي رجالنا علي تأديب مشايخهم لهم بقولهم ( ان الصلاح امراة) و(الرجل الصالح يألفنه النساء والصيد)..
وحين رأينا صور السيد الصادق المهدي تلك التي جمعت بينه وبين سيدات فضليات فاعلات بينهن إعلاميات، وجميعهن مهمومات بشئوون الوطن، ومشاكل انسانه، وحاملات لألوية الوعي باجتهاد وبصرامة وجدية، اذ شغلن به، واشركنه مساحة بين دوام حياتهن، وأعباء أسرهن، وهموم أكل عيشهن في بلدان لا تعرف معني التوقف الا في الأكفان، من اجل هذا جميعه هن حقيقات وجديرات بالاحترام.
حينها رأينا الامام وسط الحسان، من هن بعمر بناته وحفيداته في مدينة الضباب، ولم نشعر بغير (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) انه حب الاوطان، اما شخص السيد الصادق المهدي ، فهو حقيق بالحب، وجدير ان يتنافس ويتدافع حوله المتنافسون والمتدافعون،
فهو زعيم لأمة بكاملها الا اذا ارتضت تلك الأمة فعلياً غير ذلك ، وأنجب لهيب معاناة تلاتة عقود من حكم الإسلامويين، خيارات ناضجة لزعماء سياسين خرجوا من رحم التغيير، أنجبوا الديموقراطية والدستور الذي يحفظ حق المواطنة المتساوية للجميع، وهيأت تلك الديموقراطية جو الحريات ومنابر اتاحة الوعي.
وعن شخص السيد الصادق المهدي الحق اقول، فهو زعيم شهدناه متحضراً، لذلك رفقته للنساء ليس فيها ما يعيب قدره، فهو مجداً في مواكبة الترقي الإنساني، حريصاً علي إتقان أدوات العولمة، وفوق ذلك سياسياً لم يتواني وهو بعمر الثانية والثمانين من الركض كشاب في ثلاثين عمره ( حفظه الله)
مدارياً الاعتلالات الصحية بعناية فائقه فيجملها، كعناية بائع الورد في انتقاء انضرها وأكثرها جذباً للإنسان ،
مستميتاً في الحضور الدائم في قضايا الوطن يجول جنبات العالم ويصول، مواجه بالاعتراض الصارخ ، والاتفاق المتهادن، حول تلك السياسات كحال كل الزعماء السياسيين في العالم.
اما التلكؤ بحجج البرتوكول والعادات والتقاليد، ( والحشمة والوقار في ملاقاة الامام) والوصاية علي النساء في تفصيل ماذا يدثرن وماذا يظهرن والتباهي بالإعجاب بنموذج ايران، والدول الاسلامية والعربية، يا لضعف الطالب والمطلوب .
ونلاحظ تجاوزهم لحكومة المشروع الاسلاموي السوداني بالرغم ان حكامه أكثر حماساً للمشروع من نماذج دول الخليج وبقية الدول الاسلامية فلقد حاولوا إرجاع عقارب التطور لكي يعيش كل الشعب ماضي القرن السابع، وعلي قمة ذلك تربعت قوانين النظام العام المذلة والمهينة للمرأة.
وبالرغم من ذلك هاهن اخوات نسيبة باحجبتهن وبراقعهن، والمجاهدين من اخوتهم ، لم تعصمهم طول اللحي ، وضرب تلك الحجب، من سوء الاخلاق، والفساد والكذب بالدين.
كما فات علي حماة الامام بنماذج البروتوكولات، ان هنالك نساء زعيمات يعرفن قدر قيمتهم وإنسانيتهم ، ولايتنازلن عن حقهن في اتخاذ قراراتهن، او يجعلن (قطعة من القماش) تكن ميزاناً لعقل مفكر وراشد يغير مجري سياسات دول عظمي باكملها ، رفضن ثقافة فرض ارتداء الحجاب عليهن ولو لحين طقس اقامة البروتوكلات.
ومن سخرية الأقدار على راس تلك القائمة، رئيسة وزراء إنجلترا تريزا ماي، وكذلك فعلت المستشارة الألمانية وعضو الكنيسة الإنجيلية أنجيلا ميركل.
كما نصبت قامَتَها مديدة سيدة امريكا الاولى سابقاً ميشيل اوباما، في حضرة الملك سلمان، صافحها طابور من رجال الشرف ، من الأمراء ورجال الدين في البلاط الملكي حيث دار ( الوهابية) و سياط ( المطوعين) .
اما ميلانيا ترامب، فقد سخرت منهم اجمعين حين ارتدت الحجاب لبابا الفاتيكان، و كشفت شعرها لزعماء الاسلام، والدول الاسلامية في السعودية، من الذين استقبلوها وزوجها استقبال الفاتحين.
وهكذا لم يفعل حماة الدين الذين أطلوا علينا من بلاد الفرنجة ، سوى ان فضحوا جهلهم بالدين، اذ ان مطلوب الله تبارك وتعالي، ان يبلغ النساء مقام عزهن، وكرامتهن، فيصرن قيمات علي أنفسهم ، رائدات في المجتمع. متساويات في الحقوق والواجبات، لهن حق حريتهن وكامل اختياراتهن، مسئولات عن تبعة أزيائهن ، جزء اصيل من إنسانيتهن، وحق خالص مكتسب وعي، وجهد ثورات المطالبة بالحقوق، لا منة، ولا هبة رجال قصر او حكومات عاطلة وباطلة.
ومن نافلة القول انهم مسئولات امام خالقهن قوله تبارك وتعالي ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) صدق الله العظيم
ثم ان ان الذين يمقتون الجمال الإنساني، للاسف لم تشفع لهم ، إقامتهم ببلدان (النساء) ودولة الحقوق، و الدساتير الانسانية، التي آوتهم حين لفظتهم دولهم الاسلامية، من ان يترفعوا من التدخل في حرية الاخر ، ويتعلمون ابجديات الديموقراطية، ( كل نفس بما كسبت رهينة)، فتراهم يعاملون المراة انها عورة، ان تخيرت ما ترديه ، وعورة ان تحدثت، وعورة ان تصدرت مجالس الساسة، تداخلت رؤاهم النفسية، في ارجاعهن لحفرة الوأد، ما بين الوهم والحقيقة، يغشاهم العشى الليلي نهارا، ويبصرون ليلاً بلا رقيب ولاحسيب
وتصور لهم أوهامهم انهم حراس الفضيلة، لكن في حقيقة الامر، انهم تخيفهم النساء السافرات العفيفات، من اللائي لم يجعلن عليهن سلطان من امثالهم من الأوصياء، وسارن غير هيابات او عابئات بسقط المتاع في مسيرة القافلة الكونية نحو فجر الانسانية، الواعدة بالإخاء والسلام والمحبة ، والجمال، وبالتأكيد عجلة التطور لا تعيقها مخيلة الرجال القاصرين عن مواكبة عصر المراة وسيادة القانون .
علي اي حال ان الذين يضيقون مواعين الحياة، ويجففون مجاري الانسانية ، لايفعلون سوي انهم يخرجون من. مخابئ طبقات نفوسهم عطن موروث سلفي، وعداء للمرأة سافر، ينجلي مهما حاولو دثاره بغطاء الدين ودعاوي المثاقفة، وقيود العادات والتقاليد، والبرتوكولات.
وتظل الاسئلة تنكش قشرة الادعاء حتي تنضج عقول المجتمعات المتأخرة، وتحصد بنار الوعي
الي متي يتم ارهاب النساء بحجة الدين؟
الي متي يحق لأنصاف الرجال ادعاء الكمال؟
الي متي يتم استضعاف النساء باسم التقاليد والعادات والموروث؟
الي متي يظل الرجال قصر بازاء التحديات التي تعيقهم من ان يكونوا شقائق النساء؟
الي متي يهابون الدستور الذي يساوي بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات؟