فى البدء أترحم على أرواح الشهداء من عشيرتى أولاد عمران والزيود , وأرسل التعازى الحارة لكل الأسر المكلومة والأيتام والأرامل , وخالص الأمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين , نسألى الله تعالي أن تكون آخر الأحزان.
إنّ هذه الحرب الضروس والعدد المهول من القتلي والجرحى لأمر مدبر ومخطط له سلفاً ولم يكن صراعاً عادياً بين قبيلتين حول الأرض والمرعي كما يروج له البعض , فحكومة الخرطوم وأجهزتها الأمنية وحكومة غرب كردفان وأبناء المسيرية بالحزب الحاكم هم الذين قتلوا أهلي الزيود وأولاد عمران بمؤامراة دنيئة ومكشوفة لكل صاحب بصر وبصيرة , ولكن يقينى دوماً أن عيال الجنيد لقادرون على تجاوز الإبتلاءات بكل قوة وعزيمة وثبات لأنهم أمة لا تهزمها المحن وأحوال الزمان وأقداره وإنها جبلت على التحديات والمخاض العسير وحتماً ستنتصر وتضمد الجراحات والآلام وتبنى مستقبلاً واعد بإذن الله .
إنّ الأحداث الدامية التى وقعت فى غرب كردفان وقضت على الأخضر واليابس , وإختارت أشجع الفرسان من الشباب وأبسلهم لم تأت محض صدفة أبداً بل عمل مدبر بإحكام وسياسة حكومية بإمتياز أدواتها أبنائنا للأسف وقد أشار لهم عمر البشير فى خطابه بالأمس دون أن يسميهم ولكننا نعرفهم واحداً تلو الآخر , لأنّ الهدف من هذه المؤامرة هو إفناء المسيرية كعنصر من الوجود والقضاء عليهم بعد أن تم إستخدام كثيرون منهم فى مليشيات الدفاع الشعبي والقتال بالوكالة فى جنوب السودان وجبال النوبة سابقاً , إلا إنهم وخلال الحرب الأخيرة بجنوب كردفان 2011م رفضوا أن يلدغوا من ذات الجحر مرة أخرى فى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل , وعلموا جيداً أن صفوة الإنقاذ لا دين لها ولا قيم أو أخلاق ومبادىء .
بعد أن غيّض الله لولاية غرب كردفان موارداً بترولية تقدر بأكثر من 80% من إنتاج السودان من النفط والذى أصبح نقمة بدلاً أن يكون نعمة على شعوب الإقليم , إستخدمت الحكومة سياسة الأرض المحروقة والإفناء الذاتى للشعوب حتى تستأثر بموارد البترول دون أن يطالبها أحد بمستحقاته فى التنمية وعوائد البترول , فعمدت إلى خلق الصراعات القبلية والفتن وتغذيتها بالكراهية مصحوبة بتسليح أطراف عدة , وأدخلت المسيرية فى حروب إستنزاف مع جيرانهم ومع بعضهم البعض حتى تكتمل خطة الإفناء الذاتى , وقد نجحت نوعاً ما فى إستنزافهم عسكرياً وبشرياً ومادياً , وخلق حالة صراع دائم ينتهى ليتجدد مرة أخرى أكثر عنفاً ودموية , وهذه الصراعات لها علاقة مباشرة بقضية أبيي التى تنازل عنها عمر البشير لجنوب السودان ولكى لا يقف المسيرية عقبة أمامه وإدخاله فى حرب مع جنوب السودان لا يريدها فلابد من إختلاق هكذا صراعات وشق الصفوف لتضعضع قوتهم العسكرية والمادية ودق إسفين فى الوحدة الإجتماعية فيما بينهم حتى يصحوا ذات يوم ويستفيقوا من صراعاتهم ليجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع وليس أمامهم إلا الإستسلام والرضوخ.
إنّ هذه الخطط والسياسات التى وضعتها الأجهزة الأمنية للمؤتمر الوطنى ومراكز دراساته الإستراتيجية تمضى بنفس التسلسل الزمنى الذى وضع لها ولكن شاءت أقدارهم التعيسة أن نكتشف ما يقومون به قبل فوات الأوان , وإستخدام المدفعية الثقيلة والقاذفات الصاروخية التى لا تتوفر إلا لجيش نظامى وليس بمقدور أى مواطن عادى أن يشتريها وإن توفرت له القدرة المالية هى دليل لتورط الدولة فى هذا الصراع وإلا من أين أتى المواطنون الذين لا يتعدى تسليحهم الكلاشنكوف وجيم 3 بأسلحة مثل الرباعى والثنائى والكاتيوشا والمضادات للدروع؟!!.
إنّ موقف حكومة غرب كردفان والوالى أحمد خميس وأركان حكومته هم شركاء ومساهمين فاعلين فى قتل أهلنا بعدم تحركهم لنزع فتيل الأزمة التى يعلمون إنها سوف تقع لا محالة وصمتهم بعد أن وقع المحظور وسقوط المئات من القتلى والجرحى إلا دليل إثبات بتورطهم ورضاهم عما جري لإكمال مخطط أسيادهم فى الخرطوم .
إنّ مؤتمر العلاقات العامة الذى عقد بمدينة النهود هو زراً للرماد فى العيون حتى لا نذهب بعيداً بعقولنا ونكتشف ما يخططون له وراء الغرف المغلقة , فهذا المؤتمر لم يخاطب الجزور الحقيقية للأزمة بل إكتفى بمخاطبة إفرازات الأزمة من تعويضات ودفع الديات وتناسي العنصر الأساسي فى الأزمة حتى يضمن شرارة إشتعالها أكثر مرة أخرى ضراوة من ذى قبل , فغياب وتغييب عنصر الشباب عن المؤتمر رغم أهمية وجودهم والسماع لوجهات نظرهم , لعلمنا التام بأنهم سيشعلون الحرب إذا لم تكن مخرجات المؤتمر تلبي طموحاتهم وهم وقوداً لأى حرب وقتال, قد نبه كثيرون لذلك الأمر ولكن لا حياة لمن تنادى.
إنّ ما يسمون أنفسهم بقيادات المسيرية فى المؤتمر الوطنى أمثال حسن صباحى الذي إمتلك بقدر قادر آلاف الأفدنة من أراضى المراعى والتى تم تخصيصها سابقاً كمشاريع زراعية للدفاع الشعبي وبعد إتفاقية نيفاشا 2005م حولها لمصلحته الشخصية بإيعاز من حكومة الخرطوم كمكافأة لخدماته الجليلة والتى تحمل إسم مشروعين زراعيين , الأول باسم مشروع صباحى (اسم عائلته) والثانى باسم مشروع ناصح (اسم خشم بيته)!! ويذكر بأنه إستلم من خلالها مليارات الجنيهات كتعويضات من أموال البترول دون وجه حق سوى إنه مؤتمر وطنى وينفذ توجيهات التنظيم حتى لو كانت على حساب جماجم أهله ولأن (عمر البشير مبسوط منو)!! , أما حسين حمدى الذى يقال إنه إستولى على ال 2% نصيب الولاية من عوائد البترول حسب نصوص بروتكولات نيفاشا 2005م وحولها لحساباته الشخصية والمقربين منه , ولأحد يعلم أين ذهبت أموال البترول وفيما أنفقت !! ولكم أن تتخيلوا ولاية تنتج أكثر من 80% من بترول السودان لا يوجد بها شارع ظلط ولا مستشفي به أبسط مقومات العناية الطبية للأمراض العادية ناهيك عن وجود مشروعات تنموية ومصادر مياه نقية وغيرها , والمدعو عيسى بشرى الذى ركله النظام وأستغنى عن خدماته بعد أن إستنفذ كل أغراضه وتركه جيفة تعافها الكلاب يسعى بشتى السبل للعودة إلى بريق السلطة والمناصب والإمتيازات حتى لو عبر القبيلة ومعاناة أهله ولو قضوا جميعاً ولم يفضل منهم (فارك نار)!! , إنّ هؤلاء الأقزام ومن على شاكلتهم أمثال عمر سليمان والدرديرى محمد أحمد والخير الفهيم وكل خوازيق المؤتمر الوطنى من أبناء المسيرية والإدارات الأهلية المسيسة والمدجنة (أمراء الحرب) هم أس البلاء ومصدر الفتن ما ظهر منها وما بطن يجب محاسبتهم وكشف أفعالهم وممارساتهم الدنيئة والوضيعة , هم مساءلون أمام الله والشعب والتأريخ عن كل الدماء التى سالت والحقوق التى ضاعت ونهبت وكل ما يواجهه أهلنا من تهميش وقتل وإحتراب وضيق فى العيش وفقر وبطالة رغم ما تحويه أرضهم من خيرات وفيرة تسع كل السودان إذا أحسن إستخدامها وتوزيعها.
إنّ صور القتلى والتمثيل بالجثث التى جابت كل أرجاء المعمورة فى سرعة البرق بكل ما تحمل من إهانة وذل وحط للكرامة الإنسانية وإستخفاف بحرمة الموتى , تحمل رسائل عدة وإستفهامات عديدة ومضامين كثيرة ,فإن الطرف الذى صورها ونشرها عبر كافة الوسائط ومواقع التواصل الإجتماعى هو الطرف المستفيد من إستمرار الحرب وإشعال أوارها حتى تقضى على الأخضر واليابس وأن لا يكون هنالك أى أمل فى الصلح وإصلاح ذات البين , لأن الشخص الذى قام بعملية التصوير وبهذه الدقة والإحترافية والتركيز على الصور المؤلمة مع السرعة الفائقة فى نشرها على أوسع نطاق لابد أن تتوفر له وسائل التصوير وخبرة فى التعامل مع التكنولوجيا , وإن هذه الوسائل والخبرة لا تتوفر لرعاة بدو أغلب تعاملهم مع جهاز الراديو وليس لهم نصيب من التكنولوجيا وتفاصيلها وعلى أحسن الفروض جهاز تلفون محمول لا يتعدى سعره بضع جنيهات , لأن همهم الأوحد هو رعاية أبقارهم ومواشيهم والبحث عن الرزق الحلال و ليس إمتلاك التقنيات الحديثة التى تحتاج إلى خبرة ولو قليلة للتعامل معها ومعظمهم أميون لا يعرف أحدهم (الواو الضكر) , فلا يستقيم عقلاً أن يكون قوماً بهذه الصفات هم من قاموا بعملية التصوير ونشرها , فإن من قام بهذه العملية المسيئة للضحايا وزويهم وللإنسانية هى أجهزة النظام الأمنية التى تشرف على تفاصيل تنفيذ خطة الإفناءلصب الزيت على نار الإنتقام والثأرات.
أدعوا كل العطاوة وأخص منهم الزيود وأولاد عمران بوقف الإحتراب ونزيف الدم الذى يؤلمنا ويقتلنا فى اليوم ألف مرة ومرة وضرورة تناسي المرارات والثأرات كما تناسينا سابقاتها بكل إقدام وبسالة , لنؤسس لواقع جديد ومستقبل أفضل بلا دماء ودموع , ولتكن هذه المصيبة نقطة تحول كبري فى حياتنا فيها نحدد أهدافنا ووسائلنا وقد عرفنا من هو العدو ومن الصديق , فأكبر إنتصار يمكن أن نقدمه لأهلنا وبلدنا هو أن نقطع الأيادى الملوثة التى تؤذينا وتقدم لنا السلاح لنقتل بعضنا بعضاً أو جيراننا وأشقائنا من القبائل بدل أن تقدم لنا الحرية والحقوق والتنمية والمحبة والسلام والإستقرار.
يجب أن نعى الدرس جيداً ونعتبر من عبر التأريخ ونتعلم من معاناتنا ومخاضنا العسير ..لنا تأريخ حافل بالأمجاد والبطولات فرجاءً لا نورث أجيالنا تأريخ الخزى والعار والأخ يقتل أخيه من أجل حفنة تراب أو نعيم زائل.
حفظ الله السودان وشعوبه الصابرة
محمد عبد الرحمن الناير
1 ديسمبر 2014م