عالم عباس وجيله، عفوا(1-3)

صلاح شعيب
ما حظيت، إلى الآن، برؤية الشاعر عالم عباس عيانا قط، إذ حظيت برؤيته عبر حروفه الجزلة. ولم أكتب عنه من قبل رغم كتاباتي عن المئات من مبدعي الشعر، والغناء، والتشكيل، والمسرح، والنقد. ربما يرى “فاشريون” أن ذلك بعض تقصير لا يجوز من جانبي نحو مبدع يتحدر من الإقليم. وإذا عرفوا أنني أصدرت كتابين لمبدعين تتحدر أصولهما من منطقة الشايقية، ولم أسطر حرفا إلى الآن عن الروائي إبراهيم إسحق الذي يتحدر، أيضا، من الإقليم نفسه، لعدوا ذلك تماهيا مني مع المركز، أو استلابا نحو أقنوم الجلابة. وهناك غيرها من العبارات الجديدة التي أعادت الجدل المثير حول حدود علاقة الكاتب بمنطقته الثقافية التي نشأ فيها. ولكن ربما يأتي دفاعي بكل بساطة أننا حتى قبل الإنقاذ لم تكن تحركنا الانتماءات القبلية، أو المناطقية، وإن حركت قليلين في المواقع القومية للانحياز إلى مبدعي مناطقهم. ولكن كانت علاقة المرء الثقافية، وغير الثقافية، وما تزال، مع رموز الوطن المجيدين لا تقوم على هذا النوع الجديد من الخلفيات المتصلة بشؤون الحرب والسلام في البلاد. وما حق للمنطقة أن تصادر سعي فردها إلى استطعام ثمرة العقل أينما سقطت من أشجار مناطق أخرى. وعالم وإسحق ذاتهما وجدا الاعتراف الأدبي من المركز الثقافي، وحفهما بأوشحة، وتكريم، وجوائز، وتقلد الاثنان أعباء رئاسة اتحاد الكتاب السودانيين في خطوة رمزية لها ما بعدها من فضائل.
قصدت بهذه المقدمة الإشارة ضمنيا إلى أن هناك مستجدات جديدة حول دور الكاتب، وغاية عمله في ظل رياح الأزمات التي تعسفت إزاء عموم النسيج الاجتماعي السوداني، وناشت مجال الثقافة، والأدب بنشاب (الإثنوسة) كما كان يستخدم هذا التعبير استاذنا أحمد الطيب زين العابدين، رحمه الله. فكثيرون الذين هم في الحقل الثقافي، وقد ووجهوا بأسئلة تتعلق بالربط بين انتماءاتهم المناطقية، ومعتقداتهم الفكرية، أو الايدلوجية، والدينية كذلك. ولعل أكثر الناقدين تطرفا رأوا أن القناعة بفكرة القومية العربية ما كانت لتشمل أصدقاء لنا ينتمون إلى وطاويط، ومحس، ونوبة جبال، وزغاوة، وبجا، وبرنو، وبعض كثير. وعلى هذا الاساس نظروا إلى عبد العزيز حسين الصاوي، وصديق تاور كافي، وحامد حجر، وبكري خليل، وعدوهم مستلبين أكثر من كونهم قفزوا مجتهدين فوق عشائريتهم لينتموا إلى الفكرة مثل انتماء الآخرين للشيوعية والحركة الإسلامية. وهنالك جمل ساخنة من التعنيف المجاني في الأسافير شككت في صدق انفتاح الذين تعقلت أنفسهم هذه الخلفيات الفكرية، بوصف أنها الأقدر على معالجة الواقع الذي ينتمون إليه، متجاوزين بذلك الموقف خلفياتهم العشائرية، أو القبلية، أو المناطقية. وربما لحق أمر التعنيف أيضا، او الاتهام بخيانة المنطقة، أولئك الذين يؤمنون بأفكار إلحادية، ورأوا إن كنت منتميا إلى بيت أرباب العقائد، أو تنتمي إلى رعاة خلاوى همشكوريب، أو زريبة أبونا البرعي، فما حق عليك أن تؤمن بالجدلية المادية، أو ذلك الضرب من التغريب، والتشريق. وهم هنا كأنما يرون أن التعقل يورث من بيت إلى بيت. ومعنى ذلك أن قدرة الإنسان في تثوير حياته ضد عقلية أمته – السالبة كما يتصور ـ أمر لا يدخل ضمن حقوق العقل في تأكيد حريته. وكذلك يعتقدون أن الفرد الناشط في إصلاح بيئات التخلف محكوم بالانغلاق على موروث تفكيره المجتمعي فحسب.
ولكن على كل حال كنت أرى ضرورة لتحيزنا المكشوف نحو مشروع مصطفى الثقافي، وهو الشايقي الأصل، ووردي النوبي، ومشروع قرنق الدينكاوي في حلمه بتحقيق سودان جديد يحل مسألة العلاقة بين الدين والدولة، والتفاوت بين المركز والهامش، ويضبط الدولة في سياقات تنموية عادلة، ومتوازنة، وعملية. كان ذلك الانحياز إلى هؤلاء المجيدين في مجالهم قد تم بناء على أننا سودانيون في المقام الأول، ومتساوون في التعقل، والشوف، والتذوق، والمفاضلة. والأبلغ من ذلك يجمعنا تراث من الماضي، وحاضر معاش في بعدنا، وجوارنا، ومصير غير مرئي. فضلا عن المشتركات الثقافية، والحلم النبيل بإصلاح الدولة المركزية، كل فرد من خلال جهده المعتقد فيه الصواب. وفي هذا فكلنا مسؤولون عن مواقفنا أمام الشعب، والإله، والضمير.
وفي المقام الثاني كنا نرى أن العقل مثل الضمير. أينما بوصلك نحو الحق تبوصلت. فضميرك يقف مع أخيك، أو ضده، في حدود صحة أو خطأ موقفه. وليس وفقا للعلاقة الجينية التي تربطك به. ولو كان الأمر كذلك لما وقف النبي في صف وابو لهب في صف آخر بينما السيوف في قعقعتها المشهدية تتبارى في ذلك الموقف الرهيب. ومن هذه الزاوية كنا نرى في حميد، والقدال، وهاشم صديق، وكمال الجزولي، هم الأقرب إلي ذهننا الثوري، كونهم لمسوا أزمة وجودنا بالكثير من التصاوير الإبداعية الثورية. وذلك حكم الوقت، ولا مهرب من فروضه.
كان البحث عن سقوف أعلى لمفردات الحق، والخير، والجمال، ترفدنا أبعد من الإحساس بضرورة مشاطرة الذين هم أقرب إلينا بالانتماء. ومع ذلك كنا ننظر لعالم عباس، وإبراهيم إسحق، وعمر إحساس، في إطار تنميتهم لذهننا الجمالي أكثر من الثوري. ومن هذا المقام كانت أولويتنا كجيل هي الحلول العاجلة لمشاغل الذهن المتصلة بالقضايا القومية لا الجمالية وحدها. وكنا نرى أن الفكر ليس هو في فضاء المنطقة التي أتيت منها فحسب، وإنما هو مسكوب هناك على ممشى التلقي الإنساني. وبرغم محمد الحسن سالم حميد الذي أغرقنا في بحر دميرته الشعرية إلا أننا كنا نستمتع لماما، ومن بعيد، بقصيد عالم:
أجيؤك في المساء المخضل بالرعشات
محمولا على جنح الوسامة
هذا زمانك أن تظل حبيس من تهوى
وبينكما علامة
أن تنبضا وجدا وتحراقا
ومسغبة تمد جذورها عمقا
الى يوم القيامة
-2-
نعم الزمن كفيل بكبح جماح بحث، وحماس الأجيال المتعطشة لأداء دور وطني، وللكشف عن قدراتها على تجذير الإبداع، والتبديع. وحتى المشتغلين في السياسة شوتهم جمرات البحث عن دور في الاسهام المجتمعي. وتراهم يهيمون من واد إلى آخر. بعضه ليس بذي زرع، أو ثمر، وإنما حصرم. فأبناء جيلنا، وما قبلهم، من الإسلاميين، والبعثيين، والشيوعيين، والذين كانوا يتطرفون في مواقفهم نلاحظ الآن أنهم يميلون أكثر إلى نوع من الهدوء في النظر إلى الواقع. وهكذا نسهل أمر قراءة الواقع وما يتكتب عنه من فكر، وأدب، وشعر. بل إننا أحيانا نعيد قراءة موسم الهجرة إلى الشمال، وقصائد السياب، والاستماع إلى “عازف الأوتار” التاج مصطفى وملهمته، وصخرة” العاقب وحبيب عمره. وهكذا نقارن “موت دنيا” و”إنهم بشر” و”من نافذة القطار” وإنداية” الطيب محمد الطيب بمعارف جديدة اكتسبناها مع مرور الزمن. وهذه هي خاصية شغل الثقافة، وقدرته على الانفتاح. وهذا الشغل ليس سوى إعادة تجديد لمعيار النظر النقدي باستمرار. ومن هنا يبقى تحول الكتاب من موقف إلى آخر أمرا طبيعيا، ومن حدة وتطرف في النظر إلى تمهل في اصدار الاحكام القيمية أمر متوقع. وربما لاحظنا أن عددا من النقاد البنيويين، والمنبهرين بقصيدة النثر، والمؤمنين بمسرح التجريب، والمخاصمين للحروفية التشكيلية التي يقضي فيها البروفسير شبرين، أو الراحل حسن الهادي، أو عتيبي، سحابة يومهم قد عادوا الآن إلى تقديم أعمال تستفيد من جماع التجربة الإنسانية في هذه المجالات حتى يؤكدوا خصوصية عملهم، وتجذره على تربة الخصوصية التي لا بد أنها مطلوبة في الذات المبدعة. ومرة قال لي شبرين: “..شايف حسن موسى بيقدم حاجات بديعة في “الحروفية” التي نازعنا بحدة حول ضروراتها التي حكمتنا”!
ومع ذلك ما تزال الرؤية إزاء الجمالي الثوري، أو الثوري الجمالي، ما تزال تحكم جيلنا، وبعضا من الأجيال الماضية، وكثيرا من أبناء الجيل الجديد. ما كانت أولوية كثيرين منا وستظل فصل الجمالي عن المعرفي إلا بعد أن تقادمت سنوات حياتنا لنعيد قراءة التجارب الابداعية التي هضمنا أشكالها، ومضامينها. بل ونشكك فيها بمفاهيم ديكارت، وجاك لينهارت، وتشومسكي، في إطار محاولات الجرد بناء على معارف الحداثة، وما بعد الحداثة. ولكن بالرغم مما مثله حصاد مصطفى، وعركي، ومحمد الامين من ارتباط بالثوري، والجمالي، إلا أن ذلك قد حبسنا في منطقة حرمتنا من معرفة الإضافات الموسيقية التي بذلها الملحن البرنجي أحمد زاهر وحده. فعلى لحنه استندت بدايات الجابري، وعركي، وزيدان، ولمنى الخير، وآخرين. والجابري نفسه أضاف كما، وكيفا. خصوصا في أعمال “هات يا زمن”، و”الجريف واللوبيا” للصادق إلياس. وهناك عمر الشاعر، وعبد اللطيف خضر، ومابيلا أميقو، وزنجران عبد المعين. ومع الزمن صرنا نعيد الموقف، ونراجعه، ونقاربه، حول الجانب الجمالي الذي احتوته قصائد عالم عباس، وترجمات وكتابات د. أحمد الطيب في الثقافة، وترجماته المسرحية، وفرنقبية مريم أمو وعبده كيوكا، وطمبور بلاص، و”لالاية وبعيبيشة” الكردفاني القح صديق عباس، والتنقيب في مغارة عبد السلام نور الدين الفلسفية، وكريستالية كمالا وشداد، وإضافات ناجي القدسي في مقامات اللحن السوداني. بل عدنا لنجد أن حقيبة ود الرضي الذي ما كان من اولوياتنا كانت تستبطن “در ومدام”:
يلوحن لي حماماتن
همن عيني غماماتن
بريدن شوقي لي لماتن
هياب رعاب جمال فاتن
ولا شي في الادب فاتن
تتوق الروح لشوفاتن
وارجف حين موافاتن
سكينة تجلى فصادن
قلوب الادبا مرصادن
قنابل ترمي قصادن
فهن صادنه ما صادن
-3-
ثمة علاقة للسياسي السوداني القبيح بإنتاج الجمال، وإلا لما خرجت علينا هذه المشاريع الإبداعية سعيا إلى هزيمة احتيال رهط كبير من السياسيين. بشكل، أو بآخر، يمكن القول إن ابداعنا كما طيور الفينيق، إذ تخرج من رماد القبح المركزي. و”لما طارت في الفضاء رددت أنغام رضا”، وأجنحتها خلقت ذلك الأزيز الجميل في موسيقا النهر الخالد. وعلى الجانب الآخر ثمة مشاريع جمالية، مثل مشروع عالم، راهنت صبرا على استيقاظ الجمال المحض من كل التجارب بما فيها تجارب السياسي. ولقد كان عالم جماليا حاذقا إلى أن أخذته أهوال السودان عموما، ودارفور بالخصوص إلى مناخ للتثوير الشعري. وبالتالي يضاف ديوانه الجديد – أوراق سريّة من وقائع ما بعد حرب البسوس ـ إلى تلك التجارب الشعرية التي قدمت عصارة الموقف السياسي مخلفا بالجمال.
ذروة هذا التحول في موضوع عالم يطرح سؤالا: هل ينبت شعر خارج تربة السياسة؟! والمدعاة لهذا التساؤل أن السياسي حاضر دوما. إذ يتسربل غازلا الشعر، والصوف، به في نهاراتهما، ومساءاتهما، وأحلامهما الوردية، وكوابيسهما، وفي تحركهما في مجال العالم الجوي، وفي كسب سبل عيشهما، إلخ. ربما يجيب النقاد المحترفون بالكثير من انتاج الاسئلة إجابة عن السؤال، وقد يتوالون، ويتمايزون، حول الامر. ولكن حسبنا طرح الاسئلة، وعلى النقاد الجياد، والخيار، الذين ينطلقون من مدرسية في التحليل، أو التفكيك، التكرم بتوفير الإجابات لنا بناء على فرادة دور الناقد في قيادة الناس إلى الوعي الجمالي. وعلى هذا الاساس ربما ينسف عيسى الحلو، أو العيدروس، قولنا بتحولات عالم عباس الجديدة من أساسه، ومن ثم يكون القول مثلا إن دواوين عالم السابقة هي الموقف السياسي عينه. بل وربما يرى ناقد آخر لها أنها تعالج عمق السياسي، ما دام أن الشاعر الذي ينمي في حوزات “الجمال الشعري المفترض فقط” حري بأن يكرم، كونه يقدم “كشكول معرفة” للطالب، والموظف، والديكتاتور. والأخير هذا ربما تستفزه المهنية العالية في صوغ المفردات، ويؤوب إلى ضميره، وقد يستقيل بثقله..ربما، ربما!
ومثال عالم عباس بتحولاته الجديدة نحو مزج السياسي بالجمالي – إن صح الزعم لدى النقاد – ينطبق على قطاع عريض من مبدعين يتنوعون في مواقفهم من السياسة، تورطا فيها بالسلب، أو صمتا إزاء تجييشها لشياطين الأنس لصالح استمرارية سلطة ما، أو خوفا من سلطة “تسجل أراضي” الكآبة في نفوس الناس، وتطأ بـ”بوتها” الجمالي في المهنيات التي تضطلع بها الدولة من حيث ترنوا إلى المحافظة عليه، في حد شكله، وصون عاداته.
ولكن على كل حال يعود جيلنا للتساؤل عنا، وهو الذي استغرقه الانحياز لغناء الحبيبة الوطن، ومسرح نبتة حبيبتي، ودراسات عبدالله بولا، وحسن موسى، وحيدر إبراهيم، وشعر محجوب شريف، وتجليات مسرح الدوش في (يا عبدو روق)، وحفريات ذو الفقار حسن عدلان التجريبية في النص المسرحي، ومحاولات الخاتم عبدالله، والسماني لوال في (مأساة يرول)، ومحطة التلفزيون الأهلية، وصحافة وشعر محمد نجيب محمد علي، وطفابيع بشرى الفاضل، والنقد المسرحي للسر السيد، وإخراج أسامة سالم البديع لمسرحيات الأستاذ عبد الله علي إبراهيم التي تمثل علامة فارقة في مسار تحديث المسرح. وهو ذا الجيل الذي له سهوم، أو رميات: غناء عقد الجلاد، وبنيويات أحمد طه أمفريب، ومعاوية البلال، وعبداللطيف علي الفكي، وصلاح الزين، وأسامة الخواض، ومحمد النعمان، وتألق يحيي حسن الطاهر، وأبو القاسم قور، في مساءلة كبار المثقفين، وشعر الصادق الرضي، وطلال دفع الله عبد العزيز، وتشكيل سيف الدين اللعوتة، وطارق نصر، وسرد عبد العزيز بركة ساكن، وقصص أحمد الملك، وقص عصام عيسى رجب، وبحوثات عبد المنعم عجب الفيا، وأشعار يوسف الحبوب، وروايات وبحوثات أبكر آدم إسماعيل، مثالا، والمعذرة للضيق.. وهكذا لا بد أن هناك منطقة من خلالها يستند كل مبدع على منصة للتخيير بين موضوع مشروعه الثقافي، وكذلك شكل الصياغة، وموقفها من كيفيات التحديث: أهو في إطار الموروث، أم ليس بالضرورة أن يسحق الموروث محاولات المغامرين مثل عبد المنعم شوف، وجماعته، أو عبدالله صوصل الذي أراد أن يقيم مسرح الرجل الواحد ليلغي فكرة المسرح الإغريقي، أو السودانوي الصوفي عاصم الطيب القرشي الذي هام عشقا في “القبة البلوح قنديلا”، أفادنا الله بجاهه، وبراعته في غناء قمز، ووطاويط، وبرتا، الأنقسنا:
تبو…لو سوا
لاقوهو متراكزين
رجال يكفو العين وما بدورو الشين
يغنو للهميم..يغنو للرزين
الزين وسيفو سنين
حجر الصواقع الفي سماهو رزم
المابدخلو الهم
هوي يا عيال
لعلك ترى استاذنا عالم أن عاصم قرشي كأنه أجاب..فقد كان وردي محقا حين سأل، على ذمة الناقل:
ليه حد ما ألحن
ألقى نفسي
ما طلعتا من الزول الاسمو
كرومة ده؟
ولكن إلى أي مدى يمكن للموروث المركزي أن يخنق وردي نفسه، وليس شرحبيل، وعاصم نفسه، وعثمان النو، وموسى أبا، وإلى حد ما محمد الأمين في الإطار اللحني، ومعروف أن محاولات الخروج عن نص الحقيبة وإطارها اللحني بدأها إسماعين عبد المعين بلغة دارفورعالم عباس نفسه؟!:
يا أم قرقدي كدي جبدي
كان يبقى زي حقي دي
يا أم قرقدي واقف دود
جيبي شعر الخيل رقّدي
ولكن للأسف لم تسعف ماكنيزمات المركزية الابداعية عبد المعين في تمرده حينذاك، وإن نجح عبر “جابو لي سرو” و”قابلتو مع البياح” و” بنات الريل” و”يوم بيوم نبع الكمبا”. سوى أن الماكنيزم تطور ليسعف شقيق عالم عباس: حافظ، والذي كتب “والله نحنا مع الطيور”، واسعفت أيضا زملاءه صلاح حاج سعيد، ويحيي فضل الله، وقاسم ابو زيد، وعاطف خيري، وهؤلاء كسروا عمود “الأغنية الأمدرمانية” طق، كما قال صلاح احمد ابراهيم عن شعراء التفعيلة.
أردنا القول فقط إن اسئلة الثقافي شائكة، واحكامه القيمية مثيرة دائما للأسئلة والحوار معا، وتعقيد الحوار نفسه. ومن هنا تبدأ الرحلة الشاقة لباحثين في شأن شعر عالم عباس الذي أنشأ هذا الجدل. ذلك مدخل إليه. ويستمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *