عثمان ميرغني : اذا تأجلت العملية الجراحية الاصلاحية سيصل الشعب السوداني الى مرحلة ارحل
(حريات)
هناك دلائل تشير الى خلافات وسط الاسلاميين ، استطلعت (حريات) عدداً من الاسلاميين المعروفين باستقلال الرأي ، وتنشر شهاداتهم تباعا .
ونشرت بالامس افادة البروفسير الطيب زين العابدين وتنشر اليوم افادة الاستاذ عثمان ميرغني .
افادة الاستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة (التيار) :
( .. إذا كان المقصود بصراعات الإسلاميين صراعات العام الحالي ، أي فترة مابعد الإنتخابات،فهذه ليست صراعات بالمعني الحقيقي لصراعات ، بل يمكن أن نطلق عليها (حراكاً) ، لأن الصراع كان في الفترة التي أعقبت إنشقاق حزب المؤتمر الشعبي على المؤتمر الوطني،في ذلك الوقت كان هناك صراع حقيقي ، وصل مرحلة إستخدام السلاح والإعتقالات المضادة ، لكن الذي يحدث الآن أقرب للحراك والتنافس ، لدرجة يمكن أن نطلق عليه التشاكس،وهو تشاكس مطلوب ، لان افتراض الإنسجام التام في أي حزب أو مجموعة – بحيث لا تكون اختلافات او توترات بينها – هو إفتراض ضد منطق النفس البشرية.
الذي يحدث الآن نوع من الحراك ، إذا سار في المسار الرشيد ، بمعنى أن يتم داخل المؤسسات وليس حول الأفراد، فمن الممكن جداً أن تنجم عنه تغييرات على مستوى البلد.
أما مآلات هذا الحراك الذي أشرت إليه فتتوقف على عناصر كثيرة جداً . فهناك مشكلة كبيرة تعاني منها الحركة الإسلامية وهي مشكلة السلطة والتي أصبحت عبئاً كبيراً جداً عليها ،لأنها أدخلت نمط تفكير جديد داخلها ، فاصبح عدد كبير من أعضاء الحركة الإسلامية أقرب للموظفين الذين يؤدون أدواراً نمطية وأدواراً ديوانية مكتوبة ومرسومة حسب الطلب،وإختفى الشكل القديم الطوعي للحركة الإسلامية ، والذي كان يحمل في كثير من الأحيان إرادة عضوية الحركة الحقيقية مما يفرض أحياناً على القيادة نوع المسار الذي يجب أن تسلكه . الآن أصبحت هناك حركة إسلامية رسمية مسجلة ، يرأسها أو أمينها العام علي عثمان محمد طه ، وهي تنظيم قصد منه أن يكون في أقرب نقطة من السلطة، يساند السلطة في صمت شديد ، دون أن يشذ أو يكون له رأي، بل مجرد عصا يتكئ عليها الحزب ( المؤتمر الوطني) أو تتكئُ عليها الحكومة ، دون قدرة فعلية على التأثير في مجريات الأحداث، وينحصر نشاطها في إصدار بيانات فى مسافات متفاوتة تعبر عن مواقف تجاه القضايا العربية وليست السودانية، كقضايا خارج الحدود ، وبشكل نمطي يمنعها من التأثير المباشر في الأحداث.
وفي الإتجاه المضاد ، هناك ايضا حزب المؤتمر الشعبي وهو أيضاً حركة إسلامية منظمة ولها كوادر، وتعتبر حركة جريئة ولها قدرة على الحراك ، لكنها حتى الآن تعيش في حالة الصراعات السياسية والحسابات الخاطئة ، بمحاولة الدخول في معارك مع المؤتمر الوطني والسلطة لحسابات سياسية في معظمها خاطئ ، لذلك أصبحت ضعيفة لدرجة ما ، لكنها في كل الأحوال موجودة بصورة مؤثرة.
يبقى بعد ذلك الجسم الأكبر من الحركة الإسلامية الذي تم تحييده تماما الآن ، وصار خاملاً وعاطلاً ، لا يؤثر ولا يتأثر بما يدور في الساحة، وعدداً منهم رأى ألا يكون جزءأ من الصراع السياسي الحادث بين شقي الحركة الإسلامية ( الوطني والشعبي) ، لذلك أصبح عدداً كبيراً منهم معطلاً دون أن يكون له مردود سياسي.
وأقول ان هذه الفترة أقرب لأن تكون فترة تصحيحية ، بمعنى أن هناك عدداً كبيراً من الإسلاميين ، في مختلف المواقع، أقصى يمين المؤتمر الوطني وأقصى يسار المؤتمر الشعبي وفي الوسط ، إبتعدوا عن العمل السياسي ، ولهم رؤية إصلاحية في كامل أوضاع البلاد وفي أوضاع الحزب والحركة . وأصبحت هذه القوي الإصلاحية تستمد قوة دفع مما يحدث في العالم العربي حول السودان،وهناك إحساس بأنه لتجنب (تونسة) أو (مصرنة) في السودان يجب أن يكون هناك إصلاح.هذه المحاولات التصحيحية بها شقين أحدهما فكري والآخر سياسي ، لكن الأصعب هو الشخصي الذي يمس القيادات الموجودة في السلطة، في تقديري أن هناك رهان على الزمن،إما أن تتم هذه العملية الجراحية الإصلاحية بصورة سريعة جداً، وتتبدل السيناريوهات المتوقعة في السودان ، أو تتباطأ العملية إلى أن تصبح غير ذات جدوى ،لأنها إذا تباطأت بقدر معين فقد تسبقها الأحداث ويصل الشعب السوداني إلى مرحلة (إرحل)..
… أما الفساد فهو أحد البنود المهمة جداً للمساعي الإصلاحية،لأنه تحول من مجرد فساد فردي إلى فساد مؤسسى ، وصار يؤثر على كيان الدولة ويهزها بصورة كاملة، لذلك هو على رأس البنود المطروحة) .