هل ستلعب لجان الحقيقة دورا ايجابيا في انتهاكات حقوق الإنسان في السودان ؟

في ندوة  العدالة الدولية التي أقامتها منظمة وايامو مع المجموعة الافريقية للعدالة والمساءلة في جامعة آغا خان في التاسع عشر من مايو الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي، أشار بعض المتحدثين إلى الفرص والتحديات في جمع الأدلة على الفظائع الجماعية التي ارتكبت في العديد من الدول بما في ذلك السودان. 

 

في واقع مثل السودان الذي شهد حروب اهلية كثيرة، يطالب كثيرون بتكوين لجان للحقيقة للكشف عن الجرائم التي ارتكبت في اقليم دارفور بغرب السودان، وجنوب كردفان ’’ جبال النوبة‘‘ اضافة الى اقليم النيل، لا يتوقف الامر هنا وحده، بل التحقيق يشمل كل الفئات الاخرى من ناشطين وسياسيين، وطلاب جامعات الذين لقوا حتفهم في ظروف غامضة في فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، والفترة التي تلتها. 

 

لجنة الحقيقة هي  لجنة مكلفة بتحديد وكشف أخطاء الماضي التي ارتكبتها الحكومة (أو بحسب الظروف، الجهات غير الحكومية) على أمل حلّ النزاعات التي خلفها الماضي، و  تنشئ بعض الدول الخارجة من فترات الاضطرابات الداخلية والحروب الاهلية أو تلك الخارجة من الديكتاتورية لجان الحقيقة تحت مسميات مختلفة. 

 في البحث عن الحقيقة،  و إتمام المصالحات، تكون للجان الحقيقة آثار سياسية،  فهي تتخذ القرارات باستمرار عندما تحدد أهدافًا أساسية مثل الحقيقة، والمصالحة، والعدالة والذاكرة، والاعتراف بأخطاء الماضي، وتقرر كيف ينبغي تحقيق هذه الأهداف، ومن هم الذين يجب أن تُحقق احتياجاتهم. 

في حقيقة الأمر، تركز لجنة الحقيقة على الأحداث الماضية، وليس الأحداث الجارية، تحقق في نمط من الأحداث التي وقعت طوال فترة زمنية معينة، ثم  تتناقش بشكل مباشر، وواسع مع السكان المتضررين، وتجمع المعلومات عن تجاربهم، هي هيئة مؤقتة مفوضة بشكل رسمي من الدولة قيد المراجعة لوضع تقرير نهائي. 

 

التسوية السياسية وإيقاف الحرب 

يرى عيسي كمبل عضو التحالف الديمقراطي للمحامين بالسودان  أن لجان الحقيقة والمصالحة هي طريق جديد ينظر له من خلال التسوية السياسية ، وكيفية تشكيل الحكومة الانتقالية، وأن الهدف من العدالة الانتقالية، تتمثل في عودة الدولة  تطبيق القانون، وإيقاف الحرب الاهلية. 

يضيف عيسي ان تحقيق العدالة الانتقالية يقع علي عاتق الدولة، ويمكن الاستفادة من الورش التي اقيمت في هذا الشأن، ان الحرب في السودان خلفت واقع سياسي ومعطيات جديدة. 

يناشد عيسي الاخذ بكل المبادرات الايجابية التي تقود الي تحقيق اهداف العدالة الانتقالية في السودان،  واضافة محتواها الجديد لتلك الورش، والسودان يسع الجميع، والجميع يشارك في نهضته وتعافيه بدون اقصاء لراي. 

يوضح عيسي ان لجان الحقيقة غير معلومة للسودانيين، ويتمني ان يري مثل هذا المشروع النور، اذ بامكانه ان يناقش جوهر المشكلة التي تعيق العدالة الانتقالية في البلاد. 

 

الفرص والتحديات في جمع الأدلة على الفظائع الجماعية 

 منعم آدم المحامي  ومدير برنامج الوصول إلى العدالة يشير الي اهمية وآليات  جمع الادلة التي تساعد علي التحقيق في انتهاكات حقوق الانسان،  والبحث عن معلومات محددة تسهم  في تحقيق الهدف المنشود للعدالة التي يطلبها ضحايا الحروب في السودان، والمح الي احداث مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.  

يضيف ادم  الدور المساعد والمحوري الذي يقوم به المتطوعين في جمع المعلومات،  ويجب ان يتلقوا  تدريبات اساسية، بعضهم  يتلقي تدريبات بسيطة لجمع المعلومات المتوفرة علي مواقع التواصل الاجتماعي، والعملية الاولي جمع الادلة، والعملية الثانية كيفية التحقق من هذه الادلة. 

اشار الي خطورة المعلومات المضللة هذه الايام،  ويري انها  منظمة بطريقة جيدة من قبل طرفي الصراع، والمتدربين في هذا المجال يجب  ان يتلقوا تدريبات، حول كيفية التاكد من المعلومة، والخطوة التي تلي ذلك هي التحقق، وهي تتطلب بعض المعرفة التقنية، ليس كل الباحثين والمراقبين بامكانهم القيام بالتحقق. 

العالم مكان مفتوح 
بينما يطالب  نيما ميلانينيا  المستشار الخاص لسفير الولايات المتحدة  للعدالة الجنائية الدولية بالجمع بين التحقيق التقليدي والرقمي، اضافة الي قيمة واهمية المصادر المفتوحة، وجمع الادلة، وفي هذا القرن، والعالم اصبح لا يؤمن بالحدود  او الجرائم التي ترتكب في ظل حكم ديكتاتوري او نظام فوضوي. 

يناشد نيما  القضاء بإنشاء نظام حقيقي لمحاكمة المجرمين، ثم القبول بالعدالة بشكل عام،  في العصر الحالي،  يمكن وصول إلى المعلومات الي الجهات الفاعلة،  في السابق، كانت عملية الحصول علي صورة تستغرق وقت اطول، ويعقبها اتصال مع المصور لتقديم طلب الحصول عليها، والان بامكان الافراد التقاط فيديوهات، وصور ونشرها علي مواقع التواصل الاجتماعي.  

يقول نيما ان  منظمات المجتمع المدني، والجامعات اصبحت محور للعدالة الخاصة، لانهم جزء من عملية التحقيقات التي يقوم بها الافراد والمنظمات، وان جمع المعلومات والحفاظ عليها، يقود الي  تقديم القضايا  الجنائية  الي مؤسسات القضاء الدولية والاقليمية. 

رفع الحصانات المطلقة عن القيادات العسكرية 

يقول المحامي محمد عبدالله من ولاية شرق دارفور ان لجان الحقيقة  تلعب دورا محوريا في تحقيق العدالة الانتقالية  حالة السودان مثلا،  ولكن قبل البدء فيها، هناك عوامل يجب أن تتوفر من ضمنها عملية الشفافية، والمصداقية،  مع وجود  اجهزة عدلية مستقلة، وغير منحازة لجهة ما. 

  يطالب بوجود  منظمات مجتمع مدني فاعلة، ومستقلة بعيدا عن  اجهزة الدولة، ولابد من تفكيك الجيوش المتعددة، ورفع الحصانات المطلقة عن القيادات العسكرية، مثال لجنة الحقيقة والمصالحة  في جنوب افريقيا بعد سقوط دولة الفصل العنصري ’’ الابرتهايد‘‘.

 يوضح محمد ان الحكومات المتعاقبة جلها مشاركة في الانتهاكات التي حدثت للضحايا، فابتالي لا تستطيع تقديم نفسها  كمتهم، حتى القوى السياسية مشاركة بصوره مباشرة، ويقول ان دولة جنوب افريقيا خرجت من ظلام الفصل العنصري بنجاح اهداف لجان الحقيقة والمصالحة. 

 

جان الحقيقة ليست انكارا للعدالة 

يوضح المحامي والحقوقي نبيل اديب   قد يتم  تحقيق العدالة بوسيلة مختلفة، وقد يبدو إختيار لجان الحقيقة إسقاط لخيار اللجوء للعدالة، وهو بالفعل كذلك، ولكن ذلك الخيار ليس إنكاراً للعدالة، بل هو تحقيق لها بوسيلة مختلفة، ويقول اديب ان  العدالة لا تتحقق بالعقاب وحده. 

يضيف نبيل أن العقاب يمكن تحقيقه بنشر الجرائم، وأسماء مرتكبيها،  وإن كان ذلك لم يكن نهجاً عاماً للجان الحقيقة والمصالحة،  فبعض اللجان إمتنعت عن ذلك، ولكن بعضها نشرت الإنتهاكات بأسماء فاعليها، ومنها لجنة جنوب أفريقيا التى قامت بذلك وهو النهج الذي يري  أن تقوم لجنة الحقيقة والمصالحة السودانية عليه. 

يطالب نبيل  أن تنشئ الدولة لجنة الحقيقة بقانون يخولها التحري في إنتهاكات حقوق الإنسان والتي تكون أجهزة الدولة أو موظفوها، والحركات المعارضة قد تورطت فيها فى فترة معينة، ويصر ان هذه اللجنة يجب أن تكون رسمية و يكون لها صلاحية فحص المعلومات الرسمية، وسماع الشهود ، وتشجيعهم علي الادلاء بالشهادة.   يطالب نبيل ان تكون لهذه اللجنة  فاعلية، لأن إنشاءها بواسطة الدولة يحمل إعترافاً من الدولة بتورطها في الإنتهاكات في فترة ماضية وقبولاً لإصلاح ذلك الوضع، وفيه تطمين للشهود بأنهم لن يتعرضوا للأذى نتيجة لإدائهم لشهاداتهم. 

جنوب افريقيا نموذجا 
بينما يضيف  الناشط الحقوقي ادم هارون  تشكلت لجنة الحقيقة والمصالحة لجنوب أفريقيا عام 1995 في أعقاب الفصل العنصري، قرر الجنوب افريقيون قيام  جلسات الاستماع الرسمية في  1996، يقول هارون ان حزب المؤتمر الوطني الافريقي بقيادة نيلسون مانديلا  الذي دعا الي كشف الحقيقة حول سنوات الفصل العنصري، وايضا طالب بالعفو عن العديد من مرتبكي الجرائم. 

يوضح ان خطوة المؤتمر الوطني الافريقي، قادت الي  انشاء  لجنة «الحقيقة والمصالحة» المختلطة بقيادة المطران ديزموند توتو، وفي تلك الفترة كانت ثلاث لجان، هي لجنة انتهاكات حقوق الانسان ولجنة العفو، اضافة الي لجنة اعادة التأهيل والتعويض. 

يضيف ان اللجان تهدف الي الكشف عن الحقيقة المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان في ظل الانظمة العسكرية والقمعية، واعطي مثالا، خاصة في امريكا اللاتينية، وفي بوليفيا انشأت لجنة وطنية للتحقيق في حالات الاختفاء عام 1982 بناء علي الجمع بين القطاعات المختلفة في المجتمع بعد انتهاء الحكم العسكري، في حقيقة الامر ان اللجنة لم ترفع اي تقرير. 

صعوبة التنبوء عمل اللجان في السودان  
من الصعب التنبؤ على وجه اليقين،  بما إذا كانت لجنة الحقيقة ستعمل في السودان، حيث أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نجاح مثل هذه المبادرات، ومع ذلك، كانت لجان الحقيقة فعالة في بعض السياقات في معالجة مظالم الماضي، وتعزيز المصالحة، وتحقيق قدر من المساءلة. 
في السودان، تم إنشاء لجنة الحقيقة في عام 2020 كجزء من اتفاق سلام بين الحكومة الانتقالية والجماعات المتمردة ’’ حركات الكفاح المسلح ‘‘،  وقد كلفت اللجنة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال النزاع المستمر منذ عقود في البلاد، ويشكل إنشاء اللجنة خطوة إيجابية نحو معالجة مظالم الماضي وتحقيق المصالحة. 
ومع ذلك، فإن نجاح اللجنة سيعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك استقلاليتها، وإدراج وجهات نظر متنوعة، وتوافر الموارد والدعم، واستعداد المسؤولين عن انتهاكات الماضي للمشاركة والتعاون،  وقد تكون هناك أيضا تحديات في تنفيذ توصيات اللجنة، وضمان إقامة العدل.
بشكل عام، في حين أن إنشاء لجنة الحقيقة هو تطور إيجابي، إلا أنه سيتطلب جهدا مستمرا، والتزاما، ودعما من جميع أصحاب المصلحة لمعالجة إرث مظالم الماضي في السودان بشكل فعال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *