بسم الله الرحمن الرحيم 00
نعم لتصريحات سلفاكير لأن عوامل الوحدة الحقيقية غير موجودة !
عبدالغني بريش اللايمى / / أمريكا
(( دعا سالفا كير رئيس جنوب السودان السبت 31 اكتوبر 2009 الجنوبيين الى التصويت لصالح استقلال جنوب السودان خلال الاستفتاء المقرر في هذا الصدد عام 2011، معتبرا ان بقاء السودان موحدا سيجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية 0
وقال كير في كلمة القاها في ختام قداس اقيم في كاتدرائية القديسة تريزا في مدينة جوبا عاصمة الجنوب
السوداني “ان مهمتي تقضي بقيادتكم الى استفتاء 2011. ان هذا اليوم قريب جدا واني على ثقة باننا سنشارك فيه 0
واضاف مخاطبا المواطن الجنوبي “عندما تصل الى صندوق الاقتراع سيكون الخيار خيارك. هل تريد التصويت
للوحدة لتصبح مواطنا من الدرجة الثانية في بلدك ؟ الخيار خيارك 0
وتابع كير قائلا “اذا اردت التصويت للاستقلال، فستصبح عندئذ شخصا حرا في بلد مستقل. سيكون الخيار
خيارك وسنحترم خيار الشعب )) 0
هذا التصريح هو اوضح تصريح حتى الآن يصدر عن سلفاكير رئيس حكومة الجنوب والنائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير بخصوص استقلال جنوب السودان من عدمه ، ويأتي هذا الكلام بعد التوتر الذي شاب علاقة الشريكين في حكومة ما تسمى بالوحدة الوطنية وانسحاب الحركة الشعبية مؤخرا من البرلمان السوداني احتجاجاً على التصرفات غير الناضجة من جانب حزب المؤتمر الوطني 0
هذا التصريح يعكس بالضرورة التهميش الذي يتعرض له الجنوبيين شركاء حزب المؤتمر الوطني داخل الحكومة ، فإذا كان هذا هو حال الجنوبيون وهم في داخل ما تسمى بحكومة الوحدة الوطنية اليوم ، فكيف سيكون حالهم إذا قالوا نعم لوحدة السودان دون ان تكون هذه الوحدة جاذبة لهم ( أي إذا استعجلوا وقالوا نعم لوحدة الأراضي السودانية قبل ان يحسن الشماليين سلوكهم ويعيدوا بناء السودان بناءا يقوم على المواطنة ودولة القانون والتعددية اللغوية والثقافية وغيرها ؟ ) 0
ان إعادة تحقيق الوحدة السودانية وقيام جمهورية سودانية ديمقراطية متحدة تحتاج الى عمل خارق للعادة وربما لمعجزة الهية ، لأن السودان بوضعه الحالي لا يجسد للوحدة التي تنشدها كل شعوب السودان ، باعتبار أن السودان بمساحته المليون ميل ليس جزءا وجسدا واحدا ولا روح واحدة ، إنما عبارة عن ” لمة ” شعوب تم تركيبها على بعضها البعض تركيبا عشوائيا ، وهذه حقيقة لا زيف ولا غموض فيها 00 فمثلا من يدعي انه جاء من صحراء جزيرة العرب حيث قساوة الحياة وسبي النساء وقتلهن دون رأفة ورحمة ، وحيث الحروبات القبلية القبلية التي لا تنقطع 00 الخ ، لا يمكن ان يكون شعوره ومصيره كشعور ومصير من عاش حياة هادئة في طبيعة خضراء مملوءة بمعاني الحضارة والثقافة 00 الخ ، كيف يتساوى الناس في السودان في مصيرهم وشعورهم – وبينما كانت بعض الشعوب السودانية تكفاح وتناضل للتخلص من حكم الاستعمار الأجنبي كانت بعضها تهرول لتحميه وتوفر له ملاجئ آمنة ! ، كما ان بعضها أيضا اعتبرت الثورات التحررية التي قامت في بعض اجزاء السودان لطرد الإستعمار الخارجي تمردا وخروجا على القانون والنظام ! ، كما ساهمت بعضها مع الاستعمار التركي لجمع ” العبيد ” في بعض مناطق السودان لبيعهم في مناطق مختلفة من العالم ! 00 فهل نلوم سلفاكير مارديت على تصريحاته الانفصالية الصريحة ومطالبته شعب جنوب السودان باختيار الاستقلال بدل الوحدة حتى لا يكونوا مواطنين من درجة ثانية ؟ 0
إن جملة من المتغيرات حدثت في العالم بعد خروج الاستعمار الخارجي وظهور حركات التحرر الوطني التي أطاحت بالعقليات البدوية والبربرية الوحشية في اجزاء مختلفة من العالم ، غير ان العقلية السودانية المرتبطة بالبيئة الصحراوية والتي سيطرت على مقاليد الأمور في البلاد قاومت عوامل التغيير والتجديد ، ورفضت التعامل مع القضايا والأوضاع السياسية ، بأبعادها الدولية والإقليمية والمحلية بطريقة جدية ، لكنها أصرت على تطبيق مفاهيم الفرقة والشتات بين السودانيين ، كفرض لغة البداوة وثقافة الصحراء والاسلام وقوانينه على جميع اهل السودان دون اعتبار لخصوصياتهم 0
إن السودان اليوم يمر بفترة أكثر غموضاً من أي فترة مضت ، الشيئ الذي يخشى معه صوملته ، حيث التقاء الكوارث وبروز القضايا المزمنة والمتشعبة ، وانتشار العجرفة والبربرية التي تمارسها حكومة حزب المؤتمر بعقليته الشمولية الإقصائية ، وظهور زمرة من السودانيين الشماليين ” دعاة البداوة والصحراء ” الداعيين بالعودة إلى التقاليد العروبية العنصرية وكره كل ما هو حضاري أي ” غير عربي ” ليصبح السودان متاهة ، وهذا ما ترفضه اغلبية اهل السودان الذين يرتبطون به تأريخياً وحضارياً ! 0
اننا مع الوحدة ، ونرفض تقطيع السودان الى دويلات صغيرة لا تستطيع كل منها حماية نفسها وشعبها من الدول الكبيرة ، لأن بالوحدة وحدها استطاعت الشعوب الراقية والمتقدمة ان تزدهر في كل المجالات ، وبالفرقة والشتات وحدها دمرت دولاً وشعوباً باكملها 00 لكن أي وحدها نريدها ونبغيها ؟ انها بالطبع ليست الوحدة المزيفة التي تقوم على الغش والتضليل والخداع كما هي في السودان اليوم حيث فيه المواطنين مقسمين إلى سُود من درجة أولى//ثانية ( سُود الشمال من درجة أولى – وسُود الجنوب ومناطق أخرى من السودان من درجة ثانية ) ، إنما نريدها وحدةً تقوم على العدل والمساواة والمواطنة ودستورية القوانين ، واحترام التعددية الثقافية واللغوية والدينية 00 الخ ، وبدون توفر الشروط المذكورة فإن تحقيق أي وحدة حقيقية في السودان ستكون امراً مستحيلا 0
ان تصريح سلفاكير مارديت حول دعوته للجنوبيين بالتصويت لصالح استقلال الجنوب في استفتاء عام 2011 ، لم يأتي من فراغ ، بل جاء بعد ان توصل الى نتيجة مفادها ان الوحدة المزعومة ليست فيها ما يجذب الجنوبيين إليها ، فعقلية سُود الشمال الاقصائية هي نفسها لم تتغيير ، هذه العقلية لم تتوقف بعد عن ممارسة الكذب والخداع والتضليل ، ما زالت تسعى جاهدة الى تطبيق القوانين الإسلامية على كل السودان رغم ان اتفاقية نيفاشا لا تنص على ذلك ، ما زالوا يشعلون النيران والفتن في جنوب السودان بتمويلهم للمليشيات الإرهابية لزعزعة استقراره وأمنه وسلامته 00 لذا كان نداء سلفاكير مارديت لشعبه لاختيار الانفصال ! ، لان الوحدة التي يتحدث عنها ناس المؤتمر الوطني وغيرهم من سُود الشمال ستؤدي حتما الى نتائج كارثية ستكون فيها الجنوبيين مواطنين من درجة ثانية 0
سُود شمال السودان ما زالوا عاجزين عن متابعة ومسايرة ما حدثت من مستجدات ومتغيرات في العالم ، انهم مازالوا يتمسكون بعاداتهم الجاهلية التي لا تساير روح العصر ، وقفوا حجرة عثره في طريق الوحدة الحقيقية للسودان الوطن ، وبسبب هؤلاء عان السودان من انحطاط شامل ترجع خارطته الزمنية إلى فترة الغزوات والهجرات البدوية الجماعية الى بلادنا ، جاءوا بمساوئهم ووباءهم وجربهم ، تمسكوا بمنطق الانتماء إلى الأمة العربية ” أضحوكة الأمم ” وكان التخلف والتأخر والرجعية 0
ان سُود شمال السودان سيتحملون كامل المسئولية إذا انفصل جنوب السودان عن شماله ، ولذا نطالبهم قبل حدوث هذا ان يقوموا بإتخاذ خطوات جدية تقنع الجنوبيين بالتصويت لصالح الوحدة ، ومن هذه الخطوات الضرورية جداً هي / تنفيذ كل ما وردت في اتفاقية نيفاشا من نصوص بحذافيرها دون أدنى تأخير / استثناء غير المسلمين من قوانين الشريعة الإسلامية في الشمال / مساواة اللغة العربية بغيرها من اللغات المحلية / اطلاق الحريات العامة في كل ارجاء السودان / استحداث مناهج التعليم في السودان والغاء المواد التي تثير الكراهية بين الناس/ تدريس المواد الأساسية بلغات ” العِلم ” 00 الخ ، اما اذا فشلوا القيام بهذه الخطوات التي تمهد لبناء السودان بناءا جديدا معافاً من الأمراض والآفات العنصرية البغيضة فحدث الإنفصال ، فستنعكس نتائجه الكارثية المدمرة ليس فقط على جنوب السودان ، بل على مناطق أخرى من السودان وسيكون سُود الشمال أكثر المتضررين 0
[email protected]