من نحن نريد اسقاط النظام الى القصر حتى النصر

نحو رتق الفتق وجبر الكسر فى الوطن
من نحن نريد اسقاط النظام الى القصر حتى النصر

الجزء الاول: لماذا لا تدوم النظم الديموقراطية فى السودان (محذوف).
الجزء الثانى: كيف نستعيد الديموقراطية فى السودان
الجزء الثالث: كيف تدوم النظم الديموقراطية فى السودان (محذوف).

المدخل
يرى الدكتور محمد طه بدوى – قسم العلوم السياسية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية – أن الدولة القومية المعاصرة بحكم طابعها المؤسسي تنقسم إلى مؤسسات سياسية، وأخرى غير سياسية، تبعا لاختصاص كل منهم وأنه من الطبيعي أن تخضع المؤسسات غير السياسية في أداء وظائفها لسيطرة المؤسسة السياسية، وذلك لسببين أولهما : ما تتميز به المؤسسة السياسية من تمتع قراراتها بصفة العمومية، ثانيهما : ضمان تحقيق التعاون والانسجام والتكامل بين هذه المؤسسات على اختلافها في خدمة استقرار المجتمع واستمراره وتحقيق أهدافه العليا .
ويأتي موقع المؤسسة العسكرية ضمن مؤسسات الدولة غير السياسية، نظراً لكونها تقوم بوظيفة غير سياسية قوامها الذود عن أرض الوطن ضد أي أخطار قد تهدد أمنه واستقراره واستمراره، بعبارة أخرى هي مؤسسة إدارية بحته فنية صرفه ينحصـر دورها في إدارة الحرب دون اتخاذ قرار الحرب ذاته، ذلك أن قرار الحرب يعد عملا سياسيا من اختصاص المؤسسات السياسية ولاسيما التشريعية منها، بينما تقع مهمة اختيار الطرق الفنية المناسبة لتنفيذ هذا القرار على عاتق العسكريين، لذلك يمكن القول أن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة إدارية يتولاها فنيون مهمتهم تنفيذ قرار الحرب وليس اتخاذه (الحكومات العسكرية في العالم العربي – فتحى سيد فرج – الحوار المتمدن – العدد: 2625 – 2009 / 4 / 23 ).
الانقلابات شائعة في جوار السودان الافريقى والعربى، فبين عامى 1952 و 2000 ، شهدت ثلاث وثلاثون بلدا 85 محاولة معروفة. وكانت معظمها ضد الأنظمة المدنية ولكن 27 منها كانت ضد أنظمة عسكرية. وقد تراجعت الانقلابات فيما بعد 2000 الى حوالى الخمس محاولات. وقد حدثت إنقلابات عسكرية في جميع الدول العربية قاطبة، منذ استقلال هذه البلدان حتى الآن، وقد شهد بعضها أكثر من إنقلاب، وربما كانت الإنقلابات العسكرية العربية فاتحة عهد ومثالا لبلدان العالم الثالث التي اقتبست النهج العربي في الإنقلابات، فقد استهلت العراق الإنقلابات العسكرية عام  1936 ثم تلتها سوريا 1949 و مصر 1952  والسودان 1958 .
نال السودان استقلالة كأوّل بلد أفريقي جنوب الصحراء، ونال كذلك سبق ان يكون اول بلد يحدث فية انقلاب فى افريقيا جنوب الصحراء. وقد  عد ذلك فى حينة مجافيا للتقاليد البريطانية النى اسس عليها الجيش السودانى (الانقلابات العسكرية فى السودان- د. حسن الحاج على احمد – جامعة الخرطوم –ورشة التنوير المعرفى). كغيرة من دول العالم الثالث عامة و الاقطار الافريقية خاصة عانى السودان مما سمى الدائرة الجهنمية، الدائرة الشيطانية و الدائرة الشريرة من الانتقال من الديقراطية النيابية الى الديكتاتورية العسكرية، او كما وصفها د. منصور خالد بمتلازمة التناوب المدني – العسكري للحكم إنطباعاَ بأن آليات الوصول إلى الحكم هي الاستفتاء الشعبي (الانتخابات)، الانقلاب العسكري ، ثم الانقضاض الجماهيري على الحكم العسكري عَبر ما درجنا على تسميته بالثورة او بالانتفاضة اى العصيان المدني والاضراب العام ، ثم انحياز الجيش إلى الشعب، إما كقوة مساعدة داخل الجيش (أكتوبر 1964م) أو بمشاركة مباشرة (أبريل 1985م) (التغيير السياسي في السودان /-صحيفة الأخبار السودانية-  Sunday, 07 June 2009). و يتلو ذلك تحقيق التحول الديمقراطي عبر نظام يقوم على الديمقراطية التعددية واسترداد الحقوق المدنية (حرية التجمع، حرية التعبير، حرية الضمير)، ثم التداول السلمي للسلطة (الانتخابات).
فمن مجمل سنوات الاستقلال الـ 54 خبرالسودان خمسة عشر عاماً من الديقراطية فى أربعة حقب ديمقراطية منذ الاستقلال الوطني عام 1965  (الحقبة الديمقراطية الاولى 1953- 1958 ، الحقبة الديمقراطية الثانية 1964-1969 ، الحقبة الديمقراطية الثالثة 1986-1989). وادار الجيش الشأن السياسى فى سنوات الديكتاتورية العسكرية الاولى (1958-1964) واطاحت بة ثورة اكتوير، الديكتاتورية العسكرية الثانية (1969-1985) واطاحت بة انتفاضة ابريل.و الديكتاتورية العسكرية الثالثة (1989-    ) والذى اتى كاسحا من ضمن ما كسح ميثاق الدفاع عن الديمقراطية ( 17/11/1985م ) والذى وقعة ممثلوا (18) حزباً واتحاداً بالاضافة إلى المجلس العسكري.  يتحدث ميثاق الدفاع عن الديمقراطية في ديباجته ” في مواجهة بقايا مايو ممثلة في الجبهة القومية الاسلامية” ويشمل التعهدات الاتية”نرفض رفضاً مطلقاً أي توجه لاقامة دكتاتورية عسكرية ، “نتعهد باتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة لمقاومة أي اعتداء على الديمقراطية” ، ” اعلان الاضراب السياسي العام والعصيان المدني فور الاعتداء على النظام الديمقراطي” و “نتعهد بأن يتحول التجمع الوطني إلى جبهة مقاومة شعبية فور أي اعتداء على الديمقراطية”.
نشأت معظم الاحزاب الرئيسية فى وقت متقارب فى الاربعينات من القرن الماضى فى ظل النضال ضد الاستعمار وشاركت جميعها باساليب متفاوتة فى ذلك. وقد تزامل معظم قادتها الذين جاءوا من القطاع المدينى ( ما اطلق علية لاحقا  القطاع الحديث) فى المدارس والجامعات سواء داخل او خارج السودان. وقد خرجت كافة هذة الاحزاب من مؤتمر الخريجين الذى انعقد  فى 12  فبراير 1938م ومثَّلت مرحلة جديدة في تطور الحركة الوطنية السودانية وضمت كافة التيارات  والاتجاهات وقد فصل كتاب ومؤرخين عدة على دور الطائفتين ( الختمية والانصار) فى استقطاب الاجنحة المختلفة و كذلك توجة كثير من المثقفين الى الارتكار على الابنية الطائفية الجاهزة فى تحقيق طموحاتها السياسية. ( انظر كتابات  منصور خالد،  حسن عابدين،  محمد سعيد القدال،  أحمد خير المحامي، محمود محمد طة، حيدر ابراهيم، محمد عمر بشير، على عبد اللة عباس والمقالات الاسفيرية اخيرا عبدالله الفكي البشير و احمد ضحية و اخرون كثر)
وقد واجهت الحياة السياسية السودانية بعد ان نالت استقلالها بعد فترة الحكم الذاتي اثر اتفاقية وقعت في القاهرة في كانون الثاني عام 1953م تمهيداً للاستقلال الكامل فى1956 ، العديد من التحديات والاسئلة والمهمات التى  شكلت جوهر الصراعات التى قادت الى الدائرة الجهنمية. وعلى الرغم من ان هذة التحديات تختلف حسب كل حزب سياسى او موقف المؤلف الفكرى، الا ان هناك اتفاق عام على ان مهمات المرحلة كانت تتطلب جهوداً كبيرة للنهوض بالبلاد وتحقيق التنمية الاقتصادية و تعزيز المبادئ الرئيسة التي تقوم عليها الديمقراطية:  استقلال القضاء وسيادة القانون وضمان الحقوق الاساسية وحرية الفكر والمساواة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز بين ابناء الشعب .
هذة الدائرة انتهت الى قذف السودان الى الترتيب رقم 147 حسب دليل التنمية البشرية 2009 ، وكما هو متوقع ضمن الفئة الأخيرة، “البلدان التي لا تتمتع فيها الصحافة بالحرية” وجاء تصنيفه في المركز 168 من مجموع 195 بلدا هذا العام 2009 (تقرير مؤسسة “فريدوم هاوس” أو”بيت الحرية” الأمريكية، عن مؤشر حرية الصحافة في العالم لعام 2009) و 176/ 180 دولة فى الشفافية وحاز على لقي اكبر دول العالم فى عدد النازحين وعلى اطول حرب اهلية فى التاريخ الحديث وانضم بجدارة الى قائمة الدولة الفاشلة فى المرتبة الثالثة من 60 دولة بعد الصومال و زيمبابوى (يستخدم المصطلح من قبل المعلقين السياسيين والصحافيين لوصف الدولة التي فشلت حكومتها في القيام بمسئولياتها. ولجعل التعريف أكثر دقة، فقد قام صندوق دعم السلام وهو مؤسسة بحثية مستقلة بوضع بعض الخصائص لوصف الدولة الفاشلة: فقدان السيطرة الفعلية على أراضيها، عدم القدرة على تقديم قدر معقول من الخدمات العامة وعدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فعال في المجتمع الدولي) وكذلك 172/178 فى قائمة الدول المصنفة من حيث مستوى تفشي الفساد فيها (منظمة الشفافية الدولية : “مؤشر مدركات الفساد” لعام 2010.)
 

المقدمة
المبحث عن الديقراطية- كسؤال معرفى – قديم فى ذهنى، كان عارضا فى سنوات الشباب كجزء من الانهماك فى العمل السياسى اليومى و مؤثرا موضوعيا على حياتنا وكان اقرب لما اوردة منصور خالد – السؤال دوماً هو: “من الذي يتحمل المسئولية عن ضياع، أو إضاعة الديمقراطية؟” وذلك لاننى كنت ابتدر السؤال وانا جزء فاعل فى التحرك، اى اننى داخل اللعبة منذ ان خرجت وانا لم ازل غضا غريرا فى سن الثالثة عشر الى الشوارع ونحن نهتف يسقوط عبود الى ان احلت الى المعاش للصالح العام عدة مرات فى عهود اخرى.
فى بداية تسعينات القرن الماضى قذفت بنا الدائرة الجهنمية الى القاهرة كجزء من النخبة التى قصدتها الديكتاتورية الثالثة باسلحة سبل قطع العيش والارزاق والتى شملت فى طياتها كل الاطياف السياسية خارج حلبة سادة المشروع الحضارى واسلمة المعرفة واخيرا فاصلى الجنوب. وكجزء من احساسنا بحجم الفجيعة والكارثة من الدائرة الجهنمية و كبداية لتصدى اخانا د. حيدر ابراهيم للتعامل معرفيا مع هذة الظاهرة المستدامة فى نظم ندوة تقييم الديمقراطية في السودان، 4-6 يوليو 1993 مركز الدراسات السودانية فى القاهرة.
وكانت المغصة من اننا شعب شفاهى قد قادت  د. حيدر ابراهيم لانشاء مركز الدراسات السودانية فى القاهرة لعل وعسى، وارى انة حرك كثيرا من الرواكد وكان رائدا للنهضة الثقافية فى  توجهها الى النسخه السودانوية بعد مدارس المستعربة الاوائل  من جمعية أبوروف وجماعة الهاشماب (أولاد الموردة) والتى عرفت فيما بعد بمدرسة الفجر ولاحقا طبعتها الآفروعروبية بتجلياتها الأدبية في مدرسة الغابة والصحراء ومن ثم اخيرا السودانوعروبية (انظر الدراسة المحكمة للدكتور محمد جلال هاشم: السودانوعروبية، أو تحالف الهاربين:المشروع الثقافي لعبد الله على إبراهيم في السودان وسنعود للمبحث لاحقا). ودفر المسعى النبيل بعد ذلك مشاريع رائدة  اخرى من دار عزه ومدارك وتولت القيادة فى نهاية القرن الماضى الانترنت و وليداتها من المواقع الاسفيرية ( واشهرها سودانيزاون لاين، الراكوبة وسودانايل كامثلة فقط)  و كتاب الوجوة ( فيس بوك)  وتويتر وهلماجرا)
كان تساؤلى الاكبر عن الديقراطية داخل الاحزاب ودورها فى تخريب الديمقراطية فى السودان وان البدء بالاصلاح يبدا من دمقرطة الحياة السياسية السودانية وفى مقدمتها الاحزاب. لكن السؤال لم يبارح ذهنى طوال هذة السنوات واتاح لى عملى ان اطلع على نظم سياسية مختلفة فى اعلى مستويات السلطات فيها واشترك فى ندوات عالمية و ورش عمل و ابحاث ومحاورات عديدة والسفر فى الفضاء الاسفيرى لقراءة ما تجود بة اروع العقول السودانية تحليلا و كتابة وعبر البريد الالكترونى ولكنى لازلت ابحث عن المعادلة التى تصلح لنا. لامندوحة لنا ان اردنا ان نرد الامر بشكل منهجى ان نطرح بادى ذى بدأ الاسئلة التى تساورنا وتقلق  منامنا وتطير النوم منا، ونعالجها من جوانبها العديدة مستعينين باكبر قدر من الوثائق المحققة و الروايات المتفق عليها – مع الوضع فى الاعتبار ان السودان ليس لدية توثيقا مؤطرا وقانونا لكشف المستور. 
ورغم ان حبرا كثيرا سال و اصدرت كتب و عقدت ندوات و محاضرات مما يجعلنا نظن انة لم يعد فى الكنانة سهم او لباحث متردم او قول لقائل، لكن رغم ذلك فقد عزمنا على الخوض مع الخائضين عل وعسى نوقف هذة الدائرة ان تنداح وتعود لنا الديمقراطية عائدة وراجعة. ولسوف ننحو فى خوضنا لهذا الامر ان نحاول مراجعة وتقديم المتوفر من الاراء عن السؤال الحائر والمستمر لماذا لا تدوم النظم الديموقراطية فى السودان؟  
وسوف نتعرض لاراء القوى السياسية المختلفة والمنظمات الافليمية سواء ما جاء فى وثائقها الحزبية او اسهامات زعمائها وكتاباتهم، وسوف نعتمد فى تحليلنا على الايتاء بالجديد الذى لم يقل او قيل فى معرض مناقشة قضايا اخرى وان متصلة بالموضوع. وكذلك سوف نهتم بايراد المراجع كافة ونشير احيانا لكتابات تناولت الزاوية المعينة بالتفصيل لفائدة المستزيد والحشرى فى المعرفة. ثم نحرص ان نورد اشهر الكتابات فى هذا الشأن من النخبة الثقافية علها تعين فى استكناة هذا السر الذى حير البشر فى السودان وذاع وعم القرى والحضر فى انحاء العالم العربى والافريقى والعالم ثالثى.
اما التحديات التى كانت ولازالت مطروحة على قيد البحث وتم نقلها من محاضر الانظمة الديمقراطية الى محاضر الانظمة الديكتاتورية لتكون هى قاصمة ظهر الانظمة جميعها وسبب احتلال البلاد هذا الوضع المتدنى فى كافة مؤشراتة اذا قارناة بالدول التى نالت استقلالها معنا مثل مصر وماليزيا وكوريا و الفيتنام وليبيا ، فيمكن ان نحصرها فى:  نظام الحكم والدستور، الهوية  الوطنية ، سياسات التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد.
وقد لخصت هذة القضايا فى البرنامج الذي أقره التجمع في مؤتمر  القضايا المصيرية، والتى شكلت اقترابا شاملاً من قضايا السودان التي ظلت  تُرحَل من نظام إلى نظام، ومن عهد إلى عهد. لهذا يصح القول أن فصائل التجمع كانت قد عقدت العزم على أن تعالج مجتمعة الأخطاء التي ارتكبتها فرادى، وهى:
1. حق تقرير المصير كحق أصيل وأساسي وديمقراطي للشعوب (وليس فقط لجنوب السودان).
2. المساواة الكاملة بين أهل الأديان، والاعتراف بتعدد الأديان واحترامها، ومنع أي فعل يحرض على إثارة النعرات الدينية أو العرفية
3. ابتناء كل الحقوق السياسية والمدنية على أساس المواطنة.
4. وضع برامج للفترة الانتقالية تتناول الاقتصاد، السياسة الخارجية، برامج إزالة آثار نظام الجبهة القومية الإسلامية، ميثاق العمل النقابي، قانون الصحافة والمطبوعات. (د. منصور خالد :الإنقاذ: من إعادة صياغة  الإنسان إلى إعادة صياغة السودان)
سوف تحاول هذة الدراسة قدر جهدها ان تخضع كل المسلمات لفحص دقيق، وبشكل موضوعى وغير متحيز و كتقديم للولوج فى هذه المراجعة من مدخل مصطلحي محكم ، نوضح فيه اطارنا النظري و المعرفي الذي نناقش فيه ديمومة النظم الديموقراطية فى السودان هو جماع ما تعارفت عليه الانسانية – بمختلف اديانها وثقافاتها واوطانها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية ونظرياتها الاقتصادية في هذا الوقت من التاريخ واودعته في وثائق اساسية وهو عقد اجتماعي بين اطراف الامة يرتكز علي الديمقراطية التمثيلية (النيابية) بكافة اشكالها وحرية القضاء والاعلام وحقوق الانسان . هذه القيم الحاكمة والمبادئء الاساسية لنظرية السلطة تتجاوز الاديان الغالبة وتستوعب بداخلها منظور الوحدة في التنوّع كبديل لبوتقة الانصهار. هذة المبادىء التي اتفقت عليها البشرية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط االديكتاتورية في اصلها البروليتاري او المستبد العادل او الطائفي او العسكري، ولكن هذا لا يمنع تباينات النظريات الاقتصادية من الاقتصاد الحر في شكله الامريكي او انظمة الرفاة في اشكالها الاوربية ومفاهيم العدالة الاجتماعية والتفاوتات السياسية من المكونات الطائفية والاحزاب الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والمحافظين في مختلف الاشكال .
وقد تواضعت الوان الطيف السياسي السوداني من احزاب وتنظيمات ومجتمع مدني ونخبه سياسية – عدا سادة المشروع الحضارى واسلمة المعرفة ومفرطى الوطن- الي الوصول الي عقد اجتماعي اساسه الديمقراطية السياسية القائمة علي دولة المواطنة المدنية وكافة الحريات المدنية بعد استيعاب كاقة التحليلات العميقة والمستفيضة التى تبلورت فى ارجاء العالم الاسلامى لدور الدين فى المجتمع وتخليص مفاهيم فصل الدين عن الدولة من اسقاطاتها الفقهية ووصلها بالمجتمع المعاصر وقضاياة وتجاربة. وفى هذا برز فى السودان طائفة من السلف والخلف من النخبة رواد الاستنارة و السماحة على جانبى النهر من العلمانيين و الاسلاميين.
 

الاسلام السياسى
نشأت في الاربعينات في بعض مؤرخيها وفي الخمسينات في التاريخ حسب ما اورد الترابي في كتابه (في اسس.. التطور) ولكن بلورة الافكار وتطور مناهجه ورؤياه السياسية، خاصة كيفية الوصول الي السلطة كانت من انتاج الترابي والقادة السياسيين المقربين منه تطويرا لدعوة الامام حسن البنا ودعوة ابو الاعلي المووودي وفي وقت لاحق الاستاذ سيد قطب.
عند التعرض للاسم الذى اصطكة تيار الاخوان المسلمين السودانى ليطلق على نفسة ما اصطلح علي تسميته “الحركة الاسلامية السودانية” خاصة ما بعد انقلابها الناجح في يونيو 1989. ولكنها حملت تسميات متعددة لكل عصر فمن دمغها بحركة الاخوان المسلمين عند بداية ظهورها، الى جبهة الميثاق الاسلامى بقيادة الترابى بعد اكتوبر الى الاتجاة الاسلامى فى عهد مايو، الجبهة الاسلامية القومية بعد ابريل 1985 والمؤتمر الوطنى بعد حل الجبهة ثم انقسامها الى الوطنى والشعبى. هذا المقال سيدرج علي اسمائها التاريخية ولكن سنطلق عليهم كحركة اسم الاسلام السياسىى.
ويطرح الاستاذ أمين حسن عمر: ” ونحن نستخدم مصطلح الحركة الإسلامية بالمعنى السياسي الذي يشير إلى الجماعة السياسية التي نشطت في الساحة السياسية بأسم الأخوان المسلمين وجبهة الميثاق والجبهة الإسلامية القومية ثم حركة الانقاذ . ولا شك أن مصطلح الحركة الإسلامية بمعناه الاجتماعي أوسع من ذلك بكثير . فهو يشمل الجماعات الإسلامية التي تسعى من خلال المناهج التربوية أو الفكرية أو السلوكية لتحقيق الامتثال للتعاليم الإسلامية والإلتزام بالأحكام الإسلامية . وقد ارتبط تاريخ الحركة الإسلامية من لدن تأسيسها بمشروع مناهضة الإستعمار ثم مناهضة التبعية وطرح خطة العودة للإلتزام بالإسلام والاحتكام له طريقاً للنهضة الحضارية الشاملة . (الاستاذ أمين حسن عمر : مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان:
www.sudansite.net/2009-06-21-19-57-33/mainmenu…/583–e– )
ويوضح الامام الصادق المهدى ” المؤتمر الوطني صاحب هذه التجربة هو امتداد للجبهة الإسلامية في السودان وهي إحدى تشرنقات حركات النخبة ذات المرجعية الإسلامية في السودان، وقد أطلقوا على أنفسهم اسم «الحركة الإسلامية السودانية» ادعاءً محضاً، ذلك أن الإسلام عريق في السودان سبقهم وعاصرتهم فيه كيانات أكثر جماهيرية وأبلغ صلة بالإسلام من ناحية الإخلاص له ولرفعته”. والامام الصادق المهدى: ميزات المصير الوطنى فى السودان، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة 2010 )
وهناك تسميتان دارجتان فى الشارع السياسى: الاسلاموية وقد درج عليها الدكتور عبدالله جلاب أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة ولاية أريزونا الأمريكية.  وكما يرى  مصطفي عبد العزيز البطل: غربا باتجاه الشرق:عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين فان لفظة  “الاسلاموية” لا اصل لها في اللغة العربية الا انها اصطلحت طريقها الي القاموس السياسي العربي بتدرج و تؤدة خلال العقدين الماضيين، ويظن الاستاذ مصطفي البطل ان الدكتور حيدر ابراهيم علي هو صاحب السهم الاوفر في توطين و توطيد ذلك المصطلح في لغة و بيئة الحوار الوطني في السودان ( ازمة الاسلام السياسي،١٩٩١).  و يبدو للاستاذ مصطفي البطل ان لفظة الإسلاموية اطلقت تجاوزا في المبتدأ ثم اصطلاحا بأخِرة بغرض التفريق بين النهج الإسلامي العام المتعلق بالعقيدة من ناحية، والنهج السياسي الخاص القائم على إختيار ايديولوجية  سياسية تقوم على فهم معين للإسلام من ناحية اخري، و قد استتبعت ذلك بالضرورة ظهور الحاجة الي التفرقة بين المسلمين من معتنقي العقيدة الإسلامية كديانة اجمالا، و المسلمين الناشطين في تيارات الإسلام السياسي، كجماعات الإخوان المسلمين، التي تدعو إلي إقامة نظام سياسي اسلامي من منطلق رؤي و منظورات الجماعة او الحزب تخصيصا . ) الدكتور عبدالله جلاب : جمهورية الإسلامويين الأولى: تطور وتحلل الإسلاموية في السودان عن دار أشقيت أحد الدور البريطانية للنشر الأكاديمي في مجال الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية )
اما الاسلام السياسى فقد عرفها حيدر ابراهيم كحركة اجتماعية تعمل فى شكل مجموعات منظمة تنتسب للاسلام الاصيل – كما تقول – وتفترض امتلاكها نظرية شمولية ورؤية كاملة لكل جوانب الحياة الانسانية حسب المقولة الشائعة ” الاسلام دين ودنيا ودولة” (د. حيدر ابراهيم: ازمة الاسلام السياسى، الجيهة الاسلامية القومية نموذجا، مركز الدراسات السودانية)
وعرف بشير نافع الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، الإسلام السياسي فى ورقة “الإسلام السياسي: ملاحظات حول الجذور وتعدد التعبيرات” حيث حصرها في المسعى الذي يقوم به الإسلاميون بطرق سلمية من أجل الوصول إلى السلطة في بلدانهم. أما الباحثة بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن راشيل شنللر فقد أكدت بدورها في ورقتها “السياسات الأميركية تجاه الإسلام السياسي” على أنه لا يوجد تعريف موحد عند الأميركيين للإسلام السياسي. وأشارت إلى أن الإسلام السياسي كما تفهمه وتعرفه وزارة الخارجية الأميركية هو “التشابك بين الدين والسياسة، بين المسجد والوزارة”.(  ندوة بحثية 23 – 24 من فبراير/شباط 2010 ،الدوحة تحت عنوان “الإسلام السياسي: خيارات وسياسات”.)
الطريق الى الانقاذ
توفرت الظروف لبناء تنظيم الجبهة الاسلامية القومية خلال المواجهات مع نظام مايو سواء معارضة الطلاب للنظام او الانقلابات الفاشلة التي شاركت فيها فى اعوام  1973 وعملية 1977 او في اطار التحالفات مع القوي الوطنية الاخري .ولكن اهم منجزات هذا البناء كما يراها الدكتور الترابى كان ان بدات ثورة تنظمية ثم ادخال عملية التخطيط ” وفي هذه المرحلة وفي الفترات أيضًا فرغت الحركة لنفسها ونظامها. ففي الهدأة بعد شعبان 1973 وبناءً على الثقة بالذات التي استشعرتها الحركة منها، بدأت ثورةٌ تنظيمية هائلة طوَّرت التنظيم، من حيث تقسيم وظائف العمل الإِسلامي وترتيب إدارات الجماعة التي تتولاها، ومن حيث تعميم الهيكل الكلي لنظام الجماعة وصياغة الخطط الكلية السنوية لحركتها. وفى كلمات الدكتور حسن الترابى “وكانت هذه هي النهضة التنظيمية الحقيقية للجماعة، لأن غالب ما سلف من تدابير مراجعة للتنظيم إنما انصب على التعديلات الدستورية. أما هذه المرة فقد طُوِّر التنظيم ليستدرك تخلفه عن استيعاب المستجدات في حركة الجماعة ونضجت النظم الإِدارية الحركية. ” وتوسيع مشاركة النساء ومن ثم انشاء المنظمات الاسلامية المختلفة مثل منظمة الدعوة الاسلامية ، والجمعية الطبية السودانية ” وفي هذا العهد بدأ وعىُ الحركة بمكانة الجنوب من السودان، وذلك ببصيرة النظر الاستراتيجي لمِآلات السودان وبتجربة الاتصال الأوثق بالدولة والمجتمع. ولما اعتمدت الحركة استراتيجيةً إيجابيةً نحو الجنوب تقتضى استيعابه في المشروع الإِسلامي السوداني لا إهماله ولا فصله، توجهت عناصر من الحركة لتأسيس «منظمة الدعوة الإِسلامية» تبشيرًا منهجيًا يخاطب المناطق غير المسلمة في السودان بالدعوة والخدمة الاجتماعية ليدخلوا في ملة الإِسلام..” حتى اكتمال بناء التنظيم الحديدي القائم على القيادة الكارزمية والمفكرة والمنظرة “كل امور التفكير والتدبير” وجماعة عليها التنفيذ والطاعة” .
و اشار د. جلاب ان التربية السياسية لعناصر الحركة  كانت قد كرست أيديولوجية وممارسة شمولية تقترب من طقوس “عبادة الفرد” في داخل التنظيم  و في العقل الجماعي للحركة فلا تكاد ترى الأحداث إلا في إطار شخص الزعيم.  وقد يكون لهيمنة و تأثير الشموليات الأخرى في الفضاء التاريخي السوداني دورها في تأطير مثال الشخصية القائدة، لذلك فأن المؤلف يذهب إلى أن المدخل لفهم تعقيدات الأمر لا يقف عند خصوصية تجربة الإسلامويين وإنما يضع تجربة الإسلامويين في مكانها الطبيعي كاحد النماذج الموازية في الفكر والنهج الشموليين للتجارب الاخري التي عرفها التاريخ.  هذه الحالة الشمولية اذن لم تكن بالأمر الجديد الذي ظهر بعد إستيلاء الحركة على الحكم  و إنما كان خصيصةً راكزة متأصلة في روح التنظيم و جسده،  و الذي استجد بعد الإنقلاب انما هو الإنتقال بتلك الشمولية من محيط التنظيم الخاص إلى المحيط السوداني العام.  و قد هيأ الإنقلاب لذلك بالإستيلاء على جهاز الدولة و تسخير أجهزه السلطة التنفيذية القمعية ممثلة في آليات البطش الامني، القديمة والمبتكرة، فضلا عن الاعلام  و مالية الدولة في اتجاه ما عرف في المصطلح الاسلاموي باسم خطة “التمكين”. (عبدالله جلاب: جمهورية الإسلامويين الأولى: تطور وتحلل الإسلاموية في السودان: دار أشقيت. وقد بنى الترابي نظريتة ان حركتة  بمثابة القائم والقيم علي الاسلام والشريعة في اطار الدولة الاسلامية.
رغم ان قوانين الشريعة الاسلامية السودانية ( المعروفة بقوانين سبتمبر 1983 السيئة السمعة ) لا ينسبها بشكل مباشر لحركتة كما يعبر عنها شخصيا (وكان آخر هذا العهد هو عهد الشريعة في السودان. ولم يكن تطبيق الشريعة في حسبان الحركة وهي تُصالح النظام، وإنما توخت رخصة الحرية لتبنى قاعدتها وقوتها وفق المقتضيات الاستراتيجية الجديدة. ولكن الاسلام السباسى وقفت ورائها بشكل قوي وفعال وزيّن له أن يحشد الشعب لمبايعته إماماً للمسلمين اثناء الحكم العسكري المايوي كما استعملت هذه القوانين في ابتزاز وتعطيل وتسويف كافة المحاولات لكل القضايا المعلقة للوطن من مشكلة الجنوب والحرب الدائرة حولها و تصفيه اثار النظام المايوي وبناء نظام وطني وديمقراطي بعد سقوط النظام .
عندما انعقد المؤتمر التاسيسي للجبهة القومية الاسلامية بعد انتفاضة ابريل 1985 وفي ظل عداء كبير من القوي السياسية المختلفة والجماهير الشعبية التي اسقطت النظام والمنتظمة في التجمع الوطني (انعكس هذا في تعرض ندواتهم للقذف بالحجارة في الجنوب وجبال النوبة ودارفور والتي اتهم فيها التنظيم بالتجارة في قوت الناس اثناء مجاعة 1985 في دارفور) كما استطاعت القوي السياسية (المنظمة فيما عرف بتحالف  قوي الانتفاضة) اسقاط ممثلي الحركة الاسلامية في انتخابات كافة النقابات.
لكن كان تحت الاكمة ما ورائها وكانت الحركة الاسلامية قد تمكنت من بناء البنية التحتية الازمة لتحويلها الي السيطرة علي السلطة فماذا كان الوضع انذاك جاء المجلس العسكري الانتقالي المكون من 15 ضابطا من ضباط الحكم المايوي المؤيد بشكل عام لتوجيهات الحركة الاسلامية ، وقد كان هذا الناتج النهائي لسنوات من العمل وسط القوات المسلحة سواء بشكل مباشر أي عن طريق الدورات التدريبية في افريقيا العالمية ؟؟؟ وقد استطاعت الجبهة القومية الاسلامية ان تفرض كثيرا من تصوراتها حول الغاء قوانين سبتمبر ، تصفية اثار مايو، المحاكمات والانتخابات خاصة القوي الحديثة.
عسكر السودان
على سفوح جبال كررى شمال امدرمان في الثانى من  سبتمبر 1898م شاهد الجيش الإنجليزي المصري أمامه في ذلك الصباح أكبر حشد عسكري شهدته إفريقيا منذ الحروب الصليبية ، فيما عدا بضعة آلاف يحملون البنادق كان الأنصار جميعاً مسلحين بأسلحة بدائية من القرون الوسطى تمثلت في السيوف والحراب والفؤوس والسكاكين ، وكثير منهم كان يحمل ترساً ، وبعض الأمراء كانوا يلبسون الدروع الحديدية . فقد الأنصار في معركة أم درمان أكثر من 15 ألف جندى سودانى وجرح  16  ألف فى ساعتين بفعل الأسلحة الرشاشة الثقيلة وقذائف الهاوتزر التى استعملت لأول مرة فى الحرب ضد الفرسان والمشاة و لم ينكص أى سودانى على عقبيه رغم المجزرة و الموت المحقق. كانت خسائر كتشنر ضئيلة للغاية . فقط ثمانية وأربعون قتيلاً وثلاثمائة واثنان وثمانون جريحاً . إن المقارنة ممتنعة في تلك المعركة . لكن جورج استيفنـز أحد المراسلين الحربيين البريطانيين الذين كانوا في رفقة الحملة أوجز ما حدث ذلك الصباح شمال أم درمان : ” لقد كان رجالنا رائعين ، ولكن الأنصار فاقوا حد الروعة . إنه لأضخم وأعظم وأشجع جيش قاتل ضدنا أبداً . لقد قاتلوا من أجل المهدية وماتوا فداء للإمبراطورية الضخمة التي أقاموها وحافظوا عليها زمناً طويلاً “،  كما شهد بحياد – ضابط الفرقة الشاب الليفتينانت ونستون سبنسر شرشل ، الذي كان يراسل الصحف بمقالات عسكرية – بإنصافه للرجال «الشجعان الذين قاتلوا بشرف واستشهدوا بشرف («حرب النهر» لمؤلفه ونستون تشرشل ترجمة عز الدين محمود – دار الشروق بالقاهرة بعنوان «تاريخ الثورة المهدية والاحتلال البريطاني للسودان). هذا الجيش الغازى هو الذى استمر فى حفظ الامن الداخلى واغتيال الخليفة و ضم دارفور وحماية الحدود حسب الاتفاقية حتى نهاية الحرب العالمية  الاولى عام 1918 . وقد تأثر الشاعر والكاتب الانجليزى روديارد كيبلينج ( 1865- 1936 ) بهذا الصمود  أيما تأثر ونظم قصيدته الشهيرة التى أقر فيها بأن السودانيون (لم يهزموا وانما قهرتهم الآلة ).
اندلاع ثورة  1919 المصرية ، القى بثقلة على مشاعر السودانيين ، خاصة حركتة المتعلمة  والضباط والجنود فانتشرت التنظيمات والاندية الاجتماعية والتى شكلت ستارا للتحركات السياسية (اندية الخريجين 1918،  اتحاد السودانيين 1918، جمعية القبائل السودانية المتحدة 1921 ) ثم تطورت الى تاسيس جمعية اللواء الابيض بزعامة على عبد اللطيف 1924 وتمرد المدرسة الحربية وصولا الى تمرد الوحدات العسكرية السودانية بقيادة الابطال: عبد الفضيل الماظ، حسن فضل المولى و ثابت عبد الرحيم.
كان ثلث الجيش الذى غزا السودان ستة كتائب من المحاربين السودانيين الأشداء الذين تم تجنيدهم عبر السنوات من الرقيق الذين تم اسرهم من المناطق المختلفة فى السودان. وقد كان لهولاء -الارقاء السابقين المنبتين كما اطلق عليهم- القدح المعلى فى قيادة الحركة الوطنية ما بين الحرب العالمية الاولى حتى 1925. تلك الفترة كانت الفرصة الهامة الاولى للسودانيين لوضع اساس متين للتعايش فى ظل تنوع فعال ولكن هيمنة الاستعلاء العرقى والذى كرستة الاتجاهات التشريعية للمستعمر مثل الحكم الغير مباشر (قانون سلطات شيوخ القبائل) وانشاء المدارس فى مناطق النفوذ القبلى لاستيعاب ابناء  واحفاد وحلفاء الزعماء التقليدين – شرعت الحكومة الاستعمارية بعد 1924 تعمل كما لو ان الطبقة والتى شجعتها ابتداء و حظيت بالتعليم الحديث باسرها عدوها اللدود الذى يجب ان ترصد حركاتة وتقلم اظافرة حفظا للاستقرار السياسى. وتم انشاء  قوة دفاع السودان عام 1925 والتى تكون ضباطها فى الاغلب من ابناء وزعماء القبائل والعشائر والطوائف الدينية و تجنيد الجنود من الارقاء السابقين وابناء  الهوامش.
ولكن الحركة الوطنية العارمة التى انتظمت البلاد فى الاربعينيات  و ضمت الطلاب وسط من ضمت، استمرت ترفد الجيش وتحافظ على التداخل بين الفضاءات المختلفة. هذا بحد ذاتة لم يكن ليقود البلاد للتاريخ المفجع الذى ينتظرها لولا بدء العمل المنظم الذى بداتة تيارات اليسار والتيارات الاسلامية منذ نهاية الاربعينات- متاثرة بمنابعها المصرية والعالمية-  والذى هدفت من ورائة للوصول الى السلطة، اى اصبح جزءا من نظرية الحكم.
هذا التلاقى و التداخل والتاثير بين الحركة السياسية و الجيش السودانى – والذى سيظل سمة تلازم فضاء الحياة  السياسية السودانية منذاك ولاحقا- دفعت المستعمر لانشاء قوة دفاع السودان 1925 كنسخة محلية من الجيش البريطانى ولتدين بالولاء والطاعة لحاكم عام السودان وعزلها من التجمعات المدنية سواء بابعادها جغرافيا او تمييزها ومتابعتها الدقيقة الصارمة.
عسكر الاخوان
استعير هذا العنوان من الاستاذ حيدر طة احد ابرز الكتاب الذين بداوا فضح المخططات التدميرية لنظام الانقاذ واكثرها احاطة بموضوعها والتوثيق المستند على ادلة موثقة (الاخوان والعسكر: قصة الجبهة القومية والسلطة فى السودان، مركز الحضارة العربية للاعلام والنشر، يناير 1993 )، واورد كثيرا من المعلومات الهامة. يرجع الاستاذ حيدر طة دخول فكرة تسلل الاخوان الى الجيش عند تسلل الضابط الاخوانى ابو المكارم عبد الحى المسئول عن الجهاز الخاص للاخوان المسلمين فى مصر الى السودان عام 1955 ونقل الخبرة والتجربة الى الاخوان السودانيين. وكعادتها فى العمل مع الطلاب بدات العمل فى الدرسة الحربية واستطاعت ان تضم فى صفوفها المرحوم بشير محمد على ( لاحقا احد وزراء نميرى)، السيد عبد الرحمن فرح (رئيس جهاز امن السودان ابان الفترة الديمقراطية عن حزب الامة والتى عجزت عن حماية الوطن و انحاز نائبها الى الانقلابيين الجدد) والسيد عبد الرحمن سوار الدهب( لاحقا رئيس المجلس الانتقالى بعد انتفاضة 1985 ).
ورغم ان الاستاذ حيدر طة يورد ان هؤلاء تركوا التنظيم مبكرا، الا ان الادوار التى لعبها السيد عبد الرحمن فرح والسيد عبد الرحمن سوار الدهب بعد ذك تحتاج لتوضيح. فارتباط المشير عبد الرحمن سوار الدهب بمنظمة تابعة للجبهة الاسلامية القومية ولها دور فى انقلاب الانقاذ يحتاج للجان تحقيق توضح لهذا الشعب كيف تدار امورة وكيف تنتهك عهودة. طريق طويل سار فية الاسلام السياسى منذ ذلك التاريخ فى اختراق القوات المسلحة تحت انف واذن قادتة الذين اما مروا على التنظيم فى عمرهم او كجزء من التدبير السياسى او اشياءا اخرى بعد عصر البنوك والشركات القابضة. 
الانقلابات فى السودان
اغتنت ما يمكن ان نسمية  المكتبة  العسكرية بتصدى نفر من الذين عملوا فى صفوفها للكتابة عن تجربتهم بموضوعية (مذكرات الفريق محيى الدين احمد عبد الله ، محمد محجوب عثمان: الجيش والسياسة في السودان: مركز الدراسات السودانية 1988، ؛ كتاب السيد عصام ميرغنى طة: الجيش السودانى والسياسة، السيد السر احمد سعيد: السيف والطغاة، القوات المسلحة السودانية و السياسة،  ومساهمات عبد العظيم عوض سرور والسيد عبد الرحمن خوجلى عن علاقة الحزب الشيوعي بالصراعات المسلحة)  وايضا كتاب اخرون مثل محمد احمد كرار عن الانقلابات العسكرية في السودان ؛ كتاب د. محمد سعيد القدال: الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو ودراسة الأستاذ حيدر طه عن الأخوان والعسكر: قصة الجبهة الاسلامية والسلطة فى السودان.
اول محاولة انقلاب كانت نتاجا للتاثير المباشرلانقلاب الضباط الأحرار في مصر عام 1952م بقيادة الرائد عبدالرحمن كبيده عام 1957 لكنه أثناء تجنيد المؤيدين تم اكتشافه وألقى القبض عليه ومعه عدد من الضباط. ونورد هنا قائمة المحاكمين والمبعدين من ضباط وضباط صف وطلاب تحرك 1957م والتى سنراها لاحقا فى كثير من الانقلابات الفاشلة والناجحة: الصاغ يعقوب كبيدة ، الملازم عمر خلف الله، البكباشي أحمد عيسى، البكاشي أحمد ابوبكر، البكباشي عبد الحفيظ شنان، الصاغ أحمد البشير شداد، الصاغ الطيب المرضي، الصاغ تاج السر مصطفى، اليوزباشي عوض أحمد خليفة، اليوزباشي جعفر محمد نميري،اليوزباشي أحمد محمد أبو الدهب، اليوزباشي محمد خير محمد سعيد، بابكر عوض، محمد أحمد حسن جحا و حسين خرطوم دارفور.
تبعها انقلاب 17 نوفمبر 1958 بقيادة الفريق ابراهيم عبود وكان القائد العام للجيش وظل في الحكم حتى أطيح به بثورة أكتوبر 1964م. محاولة انقلاب الأميرالاي عبدالرحيم شنان 4 مارس 1959 وتمت تسوية الأزمة. وكذلك محاولة انقلاب يونيو 1959م أبطالها أيضاً الاميرالاي شنان والاميرالاي محي الدين أحمد عبدالله وقد فشلت المحاولة وحكم على الاثنين بالإعدام لكن عدل إلى السجن المؤبد وشملت المحاكمات 32 ضابطاً. محاولة انقلاب علي حامد وكبيده 9 نوفمبر 1959م وفشلت المحاولة وقد نفذت أول أحكام بالإعدام في عدد من قادة المحاولة. محاولة انقلاب الملازم أول خالد الكد 28/12/1966م وأحبطت المحاولة من مهدها. انقلاب 25 مايو 1969م وواستمر الرئيس جعفر محمد نميري في الحكم حتى أطيح به في انتفاضة 16 ابريل 1986م. نقلاب 19 يوليو 1971م ونفذه تحالف الشيوعيين والقوميين العرب وكانت نتيجته فادحة.
جاء بعدها انقلاب المقدم حسن حسين عثمان 5 سبتمبر 1975م وبعد فشل المحاولة اعتقل قادة الانقلاب وحكم على سبعة منهم بالإعدام. وتعددت في عهد مايو محاولات الانقلاب وفشلت جميعها. انقلاب 30 يونيو 1989 استولى على السلطة بقيادة العميد عمر أحمد حسن البشير ويتدبير الجبهة الإسلامية القوميه. وجرت محاولة انقلاب في رمضان 1991م وتم إعدام 28 ضابطاً بدون محاكمات.
الجيش والولاء
طرح السيد السر احمد سعيد (: السيف والطغاة، القوات المسلحة السودانية و السياسة) تساؤلا يشكل المدخل الاساسى  والرئيسى لعلاقة العسكر والسياسة على اثر احد المنعطفات التاريخية للجيش السودانى عقب مذبحة بيت الضيافة والتحقيق مع الضباط  لمعرفة مدى ولائهم لسلطة مايو، حيث تسائل الكاتب عن ولاء الضباط والجنود هل للسلطة ( سلطة مايو فى هذه الحالة) ام الدولة ام الوطن ام للشعب.
سنحاول ان نجيب على الاسئلة الصعبة  حول قضايا الولاء وحدود الدور الذى يجب ان يلعبة الجيش فى المنظومة السياسية والادارية والوطنية وكيفية اعادة الجيش ليصبح ذو دوراستراتيجيى فى حل مشاكل الوطن ضمن الاطار العام. ان افضل المداخل للمقاربة لهذة التساؤلات سيكون محاولة تتبع تداخل المنظمات و التيارات السياسية و العسكر على مدى التاريخ  السياسى السودانى الحديث. سنحاول مقاربة مسالة الولاء ونحاول ان نجد الاجابة لسؤال السر احمد سعيد من خلال تناول رأيين يمثلان وجهات النظر المختلفة فى تعامل فضائى العسكر والسياسة طوال السنوات، وهما رايان جديران بالتامل اذا شئنا التعامل بجدية مع وضع مستقبلى مستدام للقطاعات المختلفة من المجتمع السودانى المؤثرة على السلطة ونظام الحكم.
الراى الاول جاء فى عرض السيد عصام ميرغنى طة ( الجيش السودانى والسياسة) وهو من افضل الكتب التى توفر مرجعا ممتازا للباحثين فى شئون الجيش السودانى والذى يصف القترة بين 1925-1957 بانها كانت فترة استقرار الاحترافية الوطنية الاولى والاخيرة للمؤسسة العسكرية السودانية منذ تاسيسها- اى ان تبرع فيما انشات من اجلها (حفظ الامن وحماية الحدود) وكما تفعل كافة المؤسسات المناظرة.
اما الراى الثانى فقد تعرض لة  د. حسن مكى فى دراستة ( الحركة الاسلامية السودانية -1969-1985 –تاريخها وخطابها السياسى) الى تناول قضية تدخل الجيش فى السياسة كجزء من تطور حركة الاسلام السياسى السودانية فى صراعها مع نظام مايو واشتراكها فى عدة انقلابات فاشلة او الغزو من الخارج كشريك صغير. ويرى الكاتب ان الجيش السودانى  اعيد تاسيسة لاستعادة الدولة المهدية ومن ثم يصبح حتميا ان يداوم الاستيلاء على الدولة. ولكن الدكتور مكى لة راى مخالف حول الجيش المحترف- الجيش الوظيفى- ويعرض راى حركة الاسلام السياسى السودانية نحو الجيش والتى التزمت بها حتى استطاعت تطبيقها فى الجيش السودانى  منذ انقلابها فى 1989 . ان الجيش لابد ان يكون عقائديا يقوم على قيم الجهاد ونصرة الاسلام وبسط الشريعة- كما اسماه الفلسفة القتالية الاسلامية. واذا كان الجهاد اصيح شبة مستحيل فى ظل الظروف الحالية والوضع العالمى الحالى – وقد حاولت ذلك ايران والسودان قبلا – ونصرة الاسلام تدخلا فى الاوضاع الداخلية للدول الاخرى لم يبق الا ان يعمل الجيش لبسط الشريعة والذى يبدو غريبا ان يترك تنظيم سياسى يرتكز على انفاذ الشريعة على محاربية للعمل الفكرى والسياسى ويصبح بلا دور او يتبنى المعارضة.
وقبل ان نتوغل فى هذا الميدان الموحش و الغامض والسرى سنتعرض للصورة وكيف تبدو عند انحصار دور الجيش فى دورة الوظيفى من خلال تناول  د. منصور خالد (عسكرة الحكم….. السياسة بأسلوب آخر، صحيفة الأخبار السودانية ، Sunday, 07 June 2009 ) ” فالذين يستنكرون توغل الجيش في السياسة يفترضون، فيما يبدو، أن جيش السودان هو الجيش الأمريكي أو الهندي أو النرويجي. تلك الجيوش تلتزم بعقيدة عسكرية من بين عناصرها قبول السيطرة المدنية على المؤسسات الضاربة، أو مؤسسات العنف المنظم، في ذات الوقت الذي تلزم فيه الحاكم المدني أن ينأى بالجيش كمؤسسة عن الصراعات الداخلية. لهذا لا يجرؤ سياسي مدني على إقحام الجيش في الصراعات السياسية الداخلية حتى في الحالات التي يضطرم فيها العنف ويشتد ويعجز البوليس عن إيقافه. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، لا تستعين الدولة مطلقاً بالجيش عند محاولتها بسط الأمن الداخلي حتى إن عجزت الشرطة وأجهزة إنفاذ القانون الأخرى عن وقف تردي الأمور. في تلك الحالات تلجأ الدولة إلى أجناد الولايات المتحدة (US Marshals) وهم فرقة شبه عسكرية تعتبر من أجهزة إنفاذ القانون، وتعمل تحت إمرة وزير العدل حتى لا تكون هناك شبهة في انتسابها للجيش رغم طابعها العسكري ونوع تسليحها.”
مسئولية الحلقة الشريرة
التساؤل الاخر جاء فى فى كتاب السيد عصام ميرغنى طة كجزء من تحليلة لتدخل الجيش فى السياسة، يقول المؤلف: «خلال معظم تلك الحقب الزمنية والسنوات الماضية كان الجيش السوداني في صدارة الاحداث السياسية التي صاغت تاريخ السودان الحديث، والذي ادخل الجيش السوداني في مستنقع السياسة، لتبدأ «الحلقة الشريرة» التي اشتهر بها السودان: اسقاط حكم مدني ديمقراطي بانقلاب عسكري، فانتفاضة شعبية تهدف لاستعادة الديمقراطية السليبة، ويواصل المؤلف: ان هذه «الحلقة الشريرة» تمثل نتاجا مشتركا لخيبة الانظمة الديمقراطية من جهة، وتغول الجيش السوداني من جهة اخرى. فالانظمة الديمقراطية فشلت في قيادة البلاد بانتهاج حكم ديمقراطي معافى قادرعلى تحقيق طموحات الجماهير في الاستقرار والتنمية، وادخلت الوطن في أزمة سياسية متلاحقة عبر نصف قرن من الزمان، كانت تنتهي دائما بفتح الطريق لتدخل الجيش، ان انظمة الحكم الديمقراطي منذ استقلال السودان 1956، تتحمل المسؤولية كما يقول المؤلف في عدم اكمال اية دورة حكم ديمقراطي، وهي الفترة التي تعارف عليها العالم في التداول الديمقراطي للحكم، وفي متوسطها اربعة اعوام، اذ سرعان ما ينقض نظام عسكري لاجهاض التجربة الديمقراطية دون اتاحة فرصة للجماهير للحكم عليها، وعلى السياسيين الذين قادوها، والذين اخفقوا في تنفيذ وعدهم لناخبيهم. وانحى المؤلف باللائمة على الاحزاب السياسية، فعوضا عن الدفاع عن النظام الديمقراطي، تتسارع دائما الى تأييد القادمين الجدد، الذين انتزعوا منها السلطة قسرا، مما يعكس عدم القناعة الكاملة بالنظام الديمقراطي من قبل القائمين على أمره، وهو اثبات دامغ على تمكن نزعة انتهازية واضحة تحاول الحصول على المغانم من كعكة السلطة العسكرية الجديدة.
السيد عصام ميرغنى طة يلقية على انظمة الحكم الديمقراطي منذ استقلال السودان 1956، وعلى الاحزاب السياسية وسنرى السيد الصادق المهدى يلقية على الجيش وتتراوح المواقف بين هذين الموقفين. سنحاول نحن ان نبذل جهدنا فى تطوير ما جاد بة الاخوة ونتقدم خطوة فى تقديم تحليل لكافة العوامل التى ادت بالسودان لهذة الكوارث من متلازمة الديمقراطية والعسكر. 
انقلاب إبراهيم عبود نوفمبر 1958
الفريق إبراهيم عبود يعد الأيام والساعات ريثما يحل موعد إحالته للتقاعد من منصبه قائداً عاماً للجيش السوداني، وكان أقصى حلمه أن يحصل على ترخيص من بلدية الخرطوم لفتح محل تجاري صغير يسترزق منه، ويجعله ملتقى لأصدقائه لاجترار ذكرى معارك الحرب العالمية الثانية التي كان أحد ضباطها الفوارس. لكن الله قدّر غير ذلك. فقد استدعاه رئيس الوزراء وزير الدفاع الأميرالاي (العميد) عبدالله بك خليل في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 1958، وأبلغه بأن المماحكات السياسية بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بلغت حداً لا يطاق، بل باتت تهدد الأمن الوطني، خصوصاً الخلاف حول قبول أو رفض عرض قدمته الولايات المتحدة لتقديم معونة إلى السودان.
وفوجئ الفريق عبود برئيس الوزراء يأمره، بصفته وزيراً للدفاع بالاستيلاء على الحكم، وتشكيل حكومة عسكرية – مدنية لتسيير البلاد إلى برَّ الأمان. كان الفريق عبود يكاد يعانق عامه الـ 60 من العمر حين جاءته السلطة تجرجر أذيالها على صوت “البك” الهادر. إلى أن اندلعت ثورة 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1964، التي أطاحته. سمع هتافات الجماهير الغاضبة على سياسة «الأرض المحروقة» التي اعتمدتها حكومته لحسم تمرد جنوب السودان المستعر منذ العام 1955، فخرج من مكتبه وسأل أعوانه: ما هذا؟ فردوا عليه بأنهم متظاهرون. سأل: يحتجون على ماذا؟ فأجابوا بأنهم «ما عايزينكم تحكموهم». فقال بعفوية شديدة: طيب إذا هم مش عايزينا نحن قاعدين هنا ليه؟
جمع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الذي يرأسه، وأبلغهم بأنه قرر الدخول في مفاوضات مع قادة المظاهرات، وسيتخذ قراراً بحل المجلس الأعلى، وعودة الجيش إلى ثكناته، حقناً لدماء السودانيين. وحين أذاع قراره الخاص بالتنحي، سأله رئيس وزراء الحكومة الانتقالية التي ستتولى السلطة إذا كان لديه أي طلب خاص حتى تلبيه حكومة الثورة، فأجاب بعد إطراق أن توافق الحكومة على أن يمكث نجله الذي يدرس في إنكلترا في منزل السفير السوداني في لندن، لأن راتب التقاعد لن يسمح له بتغطية كلفة إسكانه.
لم تسنح فرصة لتحقق حكم الفريق عبود بفتح محل تجارة صغير. لزم داره المتواضعة في الخرطوم، لا يلتقي سوى أقاربه. وحرص على اقتناء مستلزمات بيته بنفسه، حتى ذهب يوماً لشراء الخضار، ففوجئ بالمواطنين يحتشدون حوله، يهتفون بصوت واحد: «يا عبود ضيعناك وضعنا معاك»، فامتنع عن رحلات التبضع حتى وفاته في منزله عام 1983 )معاوية يس : عبود ونميري والبشير… نهايات ومصائر..أي مصير ينتظر قائد محفل تفتيت السودان؟؟                                   
http://www.alrakoba.net/news.php?action=show&id=12248.)
هذا الجزء لم يكتمل بعد
الدستور الديمقراطى المؤقت والعسكرى الدائم والرايح
لا تنتوى هذة الدراسة الخوض فى مسائل الفقة الدستورى فلهذة رجال وعلماء اغنوا السودان وغيره من الدول بعلمهم وهو مجال لا ادعى العلم بة سوى القراءة المعمقة لدراسات الفحول من علماءنا و التسيار فى عالم الانترنت عند تحضير هذة الدراسة. الغرض هنا النظر فى كيف ان الدستور والصراع حولة  كان  تعبيرا صادقا عن الازمة، فمهام ما بعد الاستقلال من المستعمر (نظام الحكم ، الهوية  الوطنية ، سياسات التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد) ظلت بلا حلول ومن ثم بقيت  من المؤثرات على ديمومة الديمقراطية وان كل وجهات النظر والاراء كانت تتحرى اسر خباء الدستور فى بداية الامر ونهايتة. فكل انقلاب ياتى تكون اول قراراتة تعليق الدستور و اصدار المراسيم الدستورية المؤقتة  لحين يشاء لها الهوى ومن ثم منح الشعب الديمقراطية موديل المجلس المركزى او الحزب الاوحد او الحزب الجامع لوضع الدستور الدائم – والدايم اللة- . ثم تصل روح الشعب الحلقوم فيخرج الى الشارع ويسقط النظام العسكرى ويروح الدستور فى الف داهية ثم يتجمع اهل الحل والعقد ويتفقون على تاجيل النظر فى الدستور حتى انتخاب جمعية تاسيسية ويتبنون دستور 1956 الانتقالى تعديل الثورة المعنية (دستور السودان المؤقت المعدل سنة 1964م) (تعديل) 1966م 1968م ، دستور السودان الانتقالي لسنة 1405هـ و يشمل التعديل الصادر في عام1985م و دستور جمهورية السودان الصادر في يوليو 2005م ). تنتخب الجمعية التاسيسية و تمضى السنون و الدستور المقترح يتلوى بين اللجان والعقدة الاساسية هل الدستور اسلامى ام لا و يحدث انقلاب اخر. حدث هذا فى لجنة الدستور بعد الاستقلال ثم بعد اكتوبر 1964 ثم بعد الانتفاضة فى 1985م واخيرا بعد نيفاشا فى 1985.
ذلك رغم الدعاوى الشائهة عن اتصاف السودانيين بالتسامح، او الاختلاف الذى لايفسد للراى قضية و تعايش الاحزاب فى البيت الواحد وكثير من الترهات السائدة سواء فى السودان او عند الجيران. فما فائدة التسامح الذى لايؤدى لتنازلات واتفاقات و ما جدوى التعايش اذا كان بارتايم وفاولات وضرب تحت الحزام ثم تعذيب و قتل وسحل واغتصاب وبيوت اشباح و قصف بالدانات و الطائرات بين الفينة والاخرى. اصدق الامثال اننا نتراوح عبر السنوات من دستور ديمقراطى مؤقت دائم وعسكرى دائم مؤقت يطير مع الريح عند مغادرة العسكر خشبة المسرح وخلع صولجان الحكم.
الدستور يرجح أنها كلمة فارسية الأصل يُقصد بها الأساس أو القاعدة، و عند انتقالها إلى العربية حافظت على ذات المعنى . و بصورة مبسطة فإن الدستور هو أبو القوانين  و لا يجوز أن يخالفه أي قانون آخر. و يليه التشريعات (القونين العادية) و تصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان) أو من مجالس الثورة، ثم (اللوائح ) و هي التي تنظم العمل في مؤسسات الدولة. و يتم وضع الدساتير اما عن طريق  منحة من الحاكم لشعبه او التعاقد او بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب او لجنة معينة من السلطة الحاكمة.
ونود هنا ان نوضح لبسا ربما يساور بعضنا من ان الدستور يحتم وجود نوع معين من القوانين وهذا غير صحيح. فقد ينص على ان الشريعة الإسلامية مصدر أساسيى للتشريع  – كما فى دساتير مصر، قطر، الكويت، الامارات، اليمن، ليبيا، الاردن- وتؤخذ القوانبن من مصادر فرنسية او غربية او محلية. اذن القوانين –خاصة الجنائى- هو المدخل الذى كان يدفع بة الاسلام السياسى فى العالم الاسلامى وذلك لاجازة قوانين ومن ثم وضع تفسيرها هى للاسلام والذى تراة التفسير الاوحد الصحيح.
وهذة قائمة بالدساتير وشبهها:
1. الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م
2. الأوامر الدستورية – فترة الحكم العسكري 1958 – 1964م
3. دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964م) وتعديل سنة 1966م وتعديل سنة 1968م
4. (وثيقة رقم 1) أمر جمهوري رقم 1 الصادر في 5 مايو 1969م
5. الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة  1973 م
6. دستور السودان الانتقالي لسنة 1405هـ و يشمل التعديل الصادر في عام1985م
7. المرسوم الدستوري الخامس   ( المجلس الوطني الانتقالي ) لسنة 1991م
8. دستور جمهورية السودان 1998
9. دستور جمهورية السودان يوليو 2005م
من بلاد كثيرة فى العالم تذخر بالتنوع الدينى والعرقى والثقافى والتنموى ليس من بلد ارتبطت فية مسالة الدستور بالهوية الوطنية وعدم حسمها مثل السودان، فالاختلاف  الدينى والعرقى فصل الجنوب والاختلاف العرقى والثقافى والتنموى يمكن ان يفصل الغرب او الشرق او يدفعنا نحن النوبيون – بناة حضارة هذا الوطن و قوميوة – ان نبحث عن مخرج عن الدولة الإسلاموعروبية او السودانوعروبية
ربما يكون السودان من اكثر الدول تغييرا لدستورها وهى قرابة ال 12 دستورا منها الدائم ومنها المعدل ومنها المؤقت (في البحث عن دساتير وقوانين السودان … بقلم: محمد عبد المجيد أمين الجمعة, 11 أيلول/سبتمبر 2009 20:03، -sudanile   ) واصدق تعبير عن عدم القدرة الوطنية للوصول الى ثوابت مرجعية و متلازمة التناوب المدني – العسكري للحكم المدورة وعدم الاستقرار السياسى فيها.
طرحت المذكرة التي قدمها الخريجون للحاكم العام البريطاني عام 1942م اثني عشر مطلبا: احتوت المذكرة على مقدمة وعدد من المطالب هي: إصدار تصريح مشترك في أقرب فرصة من الحكومتين الإنجليزية والمصرية بمنح السودان بحدوده الجغرافية حق تقرير المصير بعد الحرب مباشرة وإحاطة ذلك الحق بضمانات تكفل التعبير عنه في حرية تامة كما تكفل للسودانيين الحق في تكييف الحقوق الطبيعية مع مصر باتفاق خاص بين الشعبين المصري والسوداني، إنشاء هيئة تمثيلية من السودانيين لإقرار الموازنة والقوانين، إنشاء مجلس أعلى للتعليم أغلبيته من السودانيين وتخصيص ما لا يقل عن 12 في المائة من الموازنة للتعليم، فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، إلغاء قوانين المناطق المقفولة ورفع قيود الاتجار والانتقال عن السودانيين داخل السودان، إصدار تشريع لتحديد الجنسية السودانية، وقف الهجرة إلى السودان فيما عدا ما قررته معاهدة سنة 1936م، عدم تجديد عقد الشركة الزراعية بالجزيرة، تطبيق مبدأ الرفاهية والاولوية في الوظائف، وذلك:بإعطاء السودانيين فرصة الاشتراك الفعلي في الحكم بتعيين سودانيين في وظائف ذات مسئولية سياسية في جميع فروع الحكومة، قصر الوظائف على السودانيين، وأما الوظائف التي تدعو الضرورة لملئها بغير سودانيين فتملأ بعقود محدودة لأجل يتدرب في أثنائها سودانيون لشغلها في نهاية المدة، تمكين السودانيين من استثمار موارد البلاد التجارية والزراعية والصناعية ، إصدار قانون لإلزام الشركات والبيوتات التجارية بتخصيص نسبة معقولة من وظائفها للسودانيين ،وقف الإعانات لمدارس الإرساليات وتوحيد البرامج التعليمية في الشمال والجنوب.(نقلا عن كتاب: فيصل عبد الرحمن علي طه: الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السوداني- دار الأمين- القاهرة- 1999م ص 145-146).
كان منها مطلبان يشملان مشاركة السودانيون في تصريف شئون البلاد السياسية بصفة استشارية في بادئ الأمر وإصدار تصريح مشترك في أقرب فرصة ممكنة من الحكومتين الإنجليزية والمصرية يمنح السودان بحدوده الجغرافية حق تقرير مصيره بعد الحرب مباشرة، وإحاطة ذلك الحق بضمانات تكفل حرية التعبير عن ذلك الحق، حرية تامة كما تكفل للسودانيين الحق في تكييف الحقوق الطبيعية مع مصر باتفاق خاص بين الشعبين المصري والسوداني.”
وكونت الجمعية التشريعية 1948-1953م بمقتضى تشريع صدر من الحاكم العام عن طريق التعيين. وكونت الجمعية التشريعية من حزب الامة و ابناء القبائل وعناصر استقلالية وتمثيل عمالى وبعض العناصر الادارية غير الحزبية وقاطعها دعاة الاتحاد مع مصر انذاك الأحزاب الاتحادية و مؤتمر الخريجين. بعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، فإنها قررت إعطاء «المسألة السودانية» الأسبقية بعد مذكرة عاجلة من الحكومة البريطانية تطلب فيها موافقة الحكومة المصرية على الدستور الذي أعدته الإدارة البريطانية لمنح حكم ذاتي للسودان بوجود الحاكم العام والإدارة البريطانية.. وردت حكومة مصر بضرورة التفاوض للوصول الى اتفاقية ثنائية تلبي تطلعات السودانيين.
وفي 12 فبراير 1953م تم توقيع الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان بين الحكومتين المصرية والبريطانية في القاهرة، وبذلك دخل السودانيون مرحلة جديدة، إذ مهدت لانتقال السودان من بلد مستعمر تدير شؤونه ومصيره الحكومة البريطانية الى مرحلة يديره فيها أبناؤه بعد إجراء إنتخابات عامة وبإشراف دولي لأول برلمان في السودان واختيار حكومة وطنية، ويمتلك السودان حق تقرير مصيره بعد ثلاث سنوات، وهي الفترة الانتقالية، فإما الوحدة أو الاتحاد مع مصر أو الانفصال أو الاستقلال أو الانضمام الى مجموعة الكمونولث، ولكن الأهم في اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان انها أكدت على وحدة السودان بحدوده الجغرافية. (الراى العام : التحليل السياسي: المشهد السياسي لأخطر فترة بالسودان: محمد سعيد محمد الحسن)
كون الحاكم العام لجنة من خارج أعضاء الجمعية التشريعية تكونت عضويتها من أغلب الأحزاب السودانية والجنوبيين والمستقلين وفوض لها وضع توصيات لدستور الحكم الذاتي. لم تستطع اللجنة تكملة مهمتها وقد انحلت في جلستها الأخيرة لاختلاف بين أعضائها ولكن توصياتها قد ساعدت الجمعية التشريعية على وضع دستور الحكم الذاتي.  وكونت الجمعية لجنة دستور الفترة الانتقالية – الحكم الذاتي – برئاسة القاضى ستانلي بيكر. ومن سخريات القدر أن يكون ذلك الدستور وليداً طبيعياً لمؤسسات قالت عنها الحركة الوطنية السودانية، على لسان الزعيم إسماعيل الأزهري، ”لن ندخلها وإن جاءت مبرأة من كل عيب”.
استقى روح الدستور من الدساتير الغربية وشكلة ومحتواه من الدستور الهندى وصيغ فى لغة سهلة و مباشرة وذات طابع عام ويتناول مفاهيما اساسية ومبادى عامة، فابو القوانين ليس برنامجا حزبيا ، كما سنرى فى معظم الدساتير اللاحقة ، وجاء محكم الصياغة ومختصرا ليكون فى متناول الشخص العادى باعتبارة الوثيقة الحقوقية الاهم فى حياتهم. وهناك اهمية فى صياغة الدستور بشمولية وسهولة واحكام لانها لابد ان تخاطب تطلعات كل فرد فى المجتمع وتحفظ الحق الاعلى لكل طرف وتيار وطيف وتكوين وبنية اجتماعية دون تغول على حقوق الاطراف الاخرى. وكذلك لتحافظ على الديمومة النسبية للدستور، اذ ان هنالك صعوبة فى الاتفاق على الدستور وتعديلها فى النظم الديموقراطية، وتترك التفاصيل والتوضيحات والشروحات للقوانين المختلفة ( التجارى، الجنائى ..الخ) وكذلك للوائح ذات السهولة فى الوضع والقرار والمراجعة.
نص الدستور على الملامح الاساسية الصالحة لحكم السودان ديمقراطيا: فقد نص على الفصل بين السلطات: استقلال القضاء وجعلة حارسا للدستور، مبدأ حكم القانون وتقنين الحريات العامة. الاهم من ذلك انة تفادى ما سيصير الاشكالية التى ستجر الوطن الى الكوارث والدمار، اشكالية مصادر التشريع، وجعلت السلطة التشريعية مصدرا للتشريع. ولم ينص دستور الحكم الثنائي 1953 على طبيعة الدولة لأن البلاد كانت  لازالت مستعمرة وكذلك لم يعالج قضايا التنوع الثقافى.
دستور الحكم الثنائي 1953  بعد ادخال التعديلات الملائمة أصبح دستوراً للسودان المستقل في 1/1/1956، تم اقرارة فى اجتماع الجمعية التاسيسية وضم الاجتماع ممثلى الاحزاب التقليدية والتى تنهض على تراث دينى عميق فى تاريخها سواء المهدية او الختمية ولكنها لم تجد اى تناقضا بين تدينها واشباع الحاجات الروحية فى حياتها او فى مجتمعها، ووضعت فى الفصل الثاني من الدستورتحت البند:  حرية الدين والرأي وحق تأليف الجمعيات ان يتمتع جميع الأشخاص بحرية الاعتقاد وبالحق في أداء شعائرهم الدينية بحرية بشرط ألا يتنافى ذلك مع الآداب أو النظام العام أو الصحة كما يقتضيها القانون كما لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آراءهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون . كما جاء فى الحقوق الأساسية (حق الحرية والمساواة) ان جميع الأشخاص في السودان أحرار ومتساوون أمام القانون ولا يحرم أي سوداني من حقوقه بسبب المولد أو الدين أو العنصر أو النوع فيما يتعلق بتقلد المناصب العامة أو بالاستخدام الخاص أو بقبوله في أية وظيفة أو حرفة أو عمل أو مهنة أو بمزاولتها .  وحكم بة السودان في جميع فترات الحكم الديمقراطى ودستوراً للديمقراطية الثانية بعد أكتوبر 1964 (دستور 1956 معدل 1964)، ودستوراً للديمقراطية الثالثة بعد مايو. ( تاريخ التطورات الدستورية في السودان 1956-1969- فدوى محمد الحسن محمد عبده)
عندما تسلم عساكر 1958 الحكم  من رئيس الوزراء انذاك السيد عيد اللة خليل، كانوا قادة جيش نظامى محترف تربوا لسنوات طويلة على الضبط والربط والاوامر والولاء للحاكم و كان بيانهم الاول هو النموذج الذى ستتنوع منة كافة البيانات الاخرى. ولانهم يعرفون حدودهم ومتصالحين مع النفس اصدروا اوامر دستورية : جمهورية السودان ديمقراطية، السيادة فيها للشعب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو السلطة التشريعية العليا في السودان و خول لرئيسه جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وقيادة القوات المسلحة السودانية . اما  الأمر الدستوري رقم (3) لسنة 1958م فقد تم بة  تعطيل الدستور المؤقت  وحل البرلمان السوداني القائم بموجب أحكام الدستور المؤقت للسودان ، حل جميع الأحزاب السياسية ويبطل قيام أي حزب سياسي جديد  ولكن  تستمر جميع القوانين المعمول بها قبل تعطيل الدستور المؤقت للسودان معمولا بها ما لم تلغ أو تعدل بواسطة أية سلطة مختصة .  بدا من 1964 وعند سقوط النظام العسكرى ستتبنى الانظمة الديمقراطية الدستور الانتقالى لعم 1956 و فى 1985 بعد سقوط نظام المشير نميرى تم تبنى نفس الدستور الانتقالى وجزئيا بعد اتفاقية نيفاشا 2005. 
يمكن تفسير هذه الظاهرة ان الثورات والانتفاضات التى تقود لتغيير النظام تقوم بها القوى المدنية المنظمة فى المدن خاصة العواصم وذلك لانها تواجة ايضا قوى مدنية هى الجيش. وفى تلك الفترات يتحلل افراد الشعب من ارتباطاتة القبلية والطائفية والجهوية ضد عدو مشترك حجر عليهم حقوقهم.  وفى هذا الجو المشحون عاطفيا و سياسيا تسيطر التنظيمات الخفيفة الوزن انتخابيا ( احزاب، نقابات، منظمات اهلية…الخ) على الشارع وتقودة. ولانها قوى مدنية ( اتحاشى استعمال لفظ قوى حديثة لما لها اسقاطات سياسية سيئة ومضرة كما سوف نناقشها لاحقا)  ومتعلمة وتعرف حقوقها ومكتسباتها جيدا تعيد البهاء الى دستور 1956 الانتقالى الذى بعموميتة و الحريات فية يمثل افضل المكاسب لديها. هناك جانب اخر فى المسالة تتمثل فى ان الدساتير السودانية منذ 1953 لم يشترك الشعب فى نقاشها، ثانيا ان هذة القوى تاريخيا ليس لديها – والحديث هنا عن مجموع الشعب- ثقافة قانونية كبيرة ولم يبذل جهد من قادتها بتعميق مفهوم الدستور وايضا ان التغييرات الكثيرة والمتنوعة – والتى جميعها لم تلامس القضايا الاساسية للوطن – افقدت معنى الدستور المصداقية التى يستحقها.
ترضخ الاحزاب ثقيلة الوزن الانتخابى، والتى كانت جماهيرها المدنية مشغولة باسقاط النظام وجماهير الارياف ترزح تحت مظالم القرون، حتى تعيد ترتيب نفسها لان طبيعة الارتباط بها مختلفة عن القوى المدنية. فغالب بنائها ابنية حديثة مركبة على اساس طائفى، وارتباط جماهيرها بها ايدلوجى وليس تنظيميا كالتكوينات المدنية  لذلك تحتاج الى وقت حتى تستعيد زمام المبادرة  وتلف جماهيرها حولها وتحول الاساس الايديولوجى الى حركة تنظيمية وبذلك تقلب الطاولة على القوى المدنية وتنتتزع المبادءة خاصة مع الانتخابات النى تجرى سريعا. حدث هذا بالضبط فى اكتوبر 1964 مع جبهة الهيئات. وقد تم فى 1964 تبنى الدستور بحذافيرة. كان هذا منطقيا وموضوعيا، فالرجال الذين اجازوا دستور 1956 هم نفس القادة. والقوى الجديدة التى قادت المظاهرات والاضرابات وبرزت بعد اكتوبر وتصدرت الحكم ( اليسار، النقابات وقوى الهامش)  كانت تهتم بالشق  الاقتصادى الاجتماعى للدستور.
اما فى ابريل 1985 فقد خاضت جميع الاحزاب معارك النظام لسنوات طويلة وتعلمت من درسها وكانت تتابع حركة الشارع والشعب وتشارك ورغم تفتتها تنظيميا الا انها استفادت من تحالفها مع قوى مدنية عقائدية – الاتجاة الاسلامى –واستطاعت تكوين مجموعاتها – والتى كانت حكرا على اليسار قبل انقلاب مايو 1969- وسط القوى المدنية واصيحت موجودة فى النقابات والمنظمات المختلفة ولذلك كانت القوى اقرب الى التوازن. ادى هذا للتفكير الاستراتيجى للاحزاب الطائفية فى الانتخابات بعد عام الى تاجيل معركة الدستور انذاك.
بعد سقوط نظام المشير المغفور لة نميرى اعيد الاعتبار الى دستور 1956 ولكن تم الاحتفاظ بجزء من الدستور الموروث من الحكم العسكرى  تحت بند مصادر التشريع اضافة الشريعة الإسلامية والعرف مصدران أساسيان للتشريع والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم. ورغم انة كان قد تم دمغ القوانين التى صدرت بموجب دستور 1973 اوصدرت فى سبتمبر 1983 بالقوانين السيئة السمعة وانها لا تساوى الحبر الذى كتبت بة، الا انه لم تلغ بل جمدت، لكن تمت اضافة اغرب بند تحت المسمى  التزام الدولة والتى عادة تعالجها القوانين ” تلتزم الدولة استجابة لنداء  ثورة رجب بتحقيق الأهداف الواردة في الميثاق الوطني وعلى وجه الخصوص : تصفية آثار النظام المايوي، تأمين نظام الديمقراطية النيابية وحماية أجهزتها ومؤسساتها الدستورية ،إنقاذ الاقتصاد الوطني وحمايته ومحاسبة الذين تســـببوا في تخريبه ،إنقاذ المواطنين وحمايتهم من جشع الطبقات الطفيلية وإصلاح أجهزة الخدمة العامة .”
وكانت الحجة الاساسية ان قوانين مايو ستصفى لاحقا  وفى الحقيقة كانت  هذة مخارجة لكى لاتضطر احزاب مبنية على الطوائف الدينية ان تخسر المعركة مع الاسلام السياسى والذى تعرف جيدا مصادر قوتة وامكانياتة الاقتصادية والحشدية والاختراقية التى بناها طوال عشر سنوات تحت ظل مايو وفى غيابهم جميعا.
برغم ان الديكتاتورية العسكرية الثالثة  لم  تنتهى تماما ولكن هزمت نصف هزيمة فاصدرت دستور 2005 الانتقالى من خلال الية شبة ديموقراطية وبذلك غيرت البرنامج الحزبى للجبهة الاسلامية القومية المسمى الدستور الدائم  1998 . وان احتفظت فى مصادر التشريع “تكون الشـريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشـريعات التي تُسن على المستوي القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان. يكون التوافق الشعبي وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده ومعتقداته الدينية التي تأخذ في الاعتبار التنوع في السودان، مصدراً للتشريعات التي تُسن على المستوي القومي، وتُطبق على جنوب السودان أو ولاياته.”
جاء دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م كنتاج لتوازن قوى متعددة ولاتفاقيات متنوعة ( اتفاقية نيفاشا، الشرق، سلام السودان)  وأجازة المجلس الوطني في جلسته رقم (24) من دور الانعقاد التاسع بتاريخ 30 جمادي الأولى 1426هـ الموافـــــــــق السادس من يوليو 2005م وتكون الدستور من ستة عشر بابا وست جداول ملحقة.
وبعكس 1964 و 1985 فقد مثل هذا الدستور( اذا كان يمكن ان نطلق علية هذا الاسم حقا) وثيقة حقوقية لكنها ايضا احتوت على  برنامج عمل تفصيلى للمرحلة الانتقالية لمدة ستة سنوات. ولان هذا حدث غير مسبوق فى تاريخ دساتيرنا فسوف نتناولة بتفصيل مدقق:
ثانيا: تم الاتفاق على كافة القضايا التى ضمنت فى الدستور اثناء مفاوضات نيفاشا وكجزء من اتفاقية السلام الشامل. وجاء التفصيل الذى لم يترك شاردة ولا واردة فى مهام الدولة ومسئولياتها وكيفية ادارتها – وجعلها اقرب الى وثائق السياسات والاستراتيجيات الوطنية او وثائق الفريق المشترك لتقويم الاحتياجات للفترة الانتقالية والذى تعدة منظمات الامم المتحد والبنك الدولى للبلدان بعد النزاعات- متعمدا وبارادة سياسية مصممة خاصة من طرف الحركة الشعبية لتحرير السودان .
ويفسر لنا الدكتور منصور خالد احد ابرز مهندسى الاتفاقية هذا التوجة ” فالإتفاقية، إذن ، هندسة دستورية لإعادة تصميم وتشكيل وبناء السودان حتى يصبح وطناً آمناً لجميع أهله من بعد ما مسهم من ضراء. لهذا ففي الإلتزام بمثل تلك الإتفاقية منجاة من الهدر والتلف اللذين ظل السودان يعاني منهما نصف قرن من الزمان، كما في التهوين من أمرها، ناهيك عن النكوص عنها ، عودة إلى مآزم أنهكت الوطن. ولعله لو اصطحب القارئ عند دراسته للإتفاقية تفصيلات النقاش الذي إكتنف كل بند من بنودها، والتحليل الضافي للظروف التي قادت إلى تدهور الأوضاع في السودان في الماضي، لانتهى إلى أن الإتفاقية هي نقش (epitaph) على ضريح ثقافة سياسية احتكرت المسرح السياسي قرابة نصف (قراءة في أزمة وطن مزمنة ..السودان حلقات نشرت بجريدة الراى العام ؟ .. بقلم: د. منصور خالد)
ويواصل د. منصور خالد:”  وأظن أن هذا الدستور بخلاف كل الدساتير. وهذا هو السبب في ان الدستور استفاض كثيراً في قضايا لا تستفيض فيها الدساتير. وهذا الدستور يعالج كل المشاكل التي كان السودان يعاني منها منذ الاستقلال، القضايا المتعلقة بالوحدة لأن الوحدة أرسيت الآن علي أسس جديدة، بأن تكون وحدة طوعية خاصة وحدة الشمال والجنوب والقضايا المتعلقة بنظام الحكم والذي كان موضوع خلاف منذ اكتوبر 1964م” “ظل السؤال مطروحاً: كيف يحكم بلد بحجم السودان؟ هذه القضايا حُسمت للمرة الأولي بأن منحت مناطق السودان المختلفة سلطات غير مسبوقة وأيضاً القضية المتعلقة باقتسام الثروة، ليس فقط بين الجنوب والشمال وإنما بتوزيع الثروة القومية علي كل أنحاء السودان، وبالقدر الذي يمكن مناطق السودان المختلفة من أن تبني نفسها. فهذه القضية أيضاً عولجت بطريقة حاسمة وبضمانات بأن يتم التوزيع العادل وبموجهات محددة.. كيف نقتسم الثروة؟ وما هي آليات اقتسام الثروة وعلي رأسها الارتقاء بمناطق السودان المختلفة الي أعلي متوسط للتنمية موجود في السودان أي أن يحدث توازن بين المناطق المختلفة”
وحول علاقة ان الدستور الانتقالي يستند علي دستور 1998م المختلف علية: ” أولاً بالنسبة للقول بأن هذا الدستور يستند في بعض مواده الي دستور 1998م استطيع القول بأن دستور 1998م يستند في بعض مواده الي الدساتير السابقة، لأن هنالك أشياء في الدساتير لا يختلف عليها الناس، مثل طريقة العمل في الإنجاز التشريعي، وكيف تجاز القوانين، والقوانين المالية والمراحل التي تمر بها والقضايا المتعلقة بتخويل السلطات.. فكل هذه الأشياء تشترك فيها كل الدساتير.. لكن في الدساتير توجد أشياء أساسية مثل نظام الحكم .. فالذي جاء به هذا الدستور يختلف عن كل الدساتير فيما يتعلق بقضية نظام الحكم.. وقضية اللا مركزية التي لم يشهدها السودان من قبل والأشياء المتعلقة بكيف توفر الموارد لمناطق السودان المختلفة لكي تدير نفسها بنفسها.. لأنها إذا أعطيت سلطات بدون أن تعطي موارد مثل ما كان الحال في الماضي.. فتلك المسألة ستخلق تعقيدات،.. وكذلك الأشياء المتعلقة بحقوق الإنسان فإن وثيقة حقوق الإنسان التي وضعها الدستور الانتقالي لم يشهدها أي دستور في السودان من قبل.. إذاً فهنالك نقلة كبيرة في هذا الدستور من الدساتير التي سبقته. ” (الخرطوم ـ القدس العربي- كمال حسن بخيت:
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1121126016
ثالثا: هذا الدستور عدة رئيس الجمهورية عمر البشير: الاعلان الثانى لاستقلال السودان ووصفة جون قرنق زعيم  الحركة الشعبية لتحرير السودان:  مولد الجمهورية السودانية الثانية)  فى الباب الأول: الدولة والدستور والمبادئ الموجهة حيث عالج تعدد الثقافات واللغات و العناصر والأعراق والأديان.وان السودان:وطن واحد جامع تكون فيه الأديان والثقافات مصدر قوة وتوافق وإلهام. وكذلك قضايا اللغة: جميع الُلغات الأصلية السودانية لغُات قومية يجب احترامها وتطويرها وترقيتها. يجوز لأي هيئة تشريعية دون مستوى الحكم القومي أن تجعل من أي لغة قومية أخرى، لغة عمل رسمية في نطاقها وذلك إلى جانب اللغتين العربية والإنجليزية.
الدستور الديمقراطى المؤقت والعسكرى الدائم والرايح
أصبح الصبح في اليوم الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1969م والعالم كله يستمع إلى موسيقى القوات المسلحة من إذاعة جمهورية السودان بأم درمان، وتكرر تنبيه توقع البيان الهام الرسمي من القيادة العامة للقوات المسلحة. أذاع البيان العقيد انذاك جعفر محمد نميري مُعلناً إستلام السلطة بواسطة القوات المسلحة، إنتهت مرحلة الديمقراطية الثانية في السودان لتبدأ مرحلة الحكم الدكتاتوري الثاني باسم القوات المسلحة. كان ذلك تتويجا لسنوات من البناء  الطويل لتنظيم الضباط الأحرار والذى كان قد بدا مسيرتة فى  أول خلية في سلاح الاشارة بزعامة البكباشي يعقوب كبيدة ، البكباشي محمد عيسى و البكباشي محمود حسيب وآخرين واشتركت فى عدة انقلابات.
ونتابع مع الامام الصادق المهدى الصورة انذاك: ” في الستينات كانت الحركة الإسلامية عالميا في انحسار…كانت الحركة السياسية السودانية بصدد وضع دستور البلاد الدائم، ووجد الطرح الإسلامي تجاوبا واسعا من كل القوى السياسية حتى التي لم تكن تقول بفكر إسلامي. ووضعت مسودة لدستور البلاد ونصت على قيام نظام إسلامي ملتزم بالتشريع الإسلامي. ولكن رغم قوة ذلك الاتجاه والسند الشعبي المؤيد له فان تلك المحاولة الجادة قد أجهضت للأسباب الآتية: اقترن وضع الدستور بتنافس حاد على رئاسة الجمهورية فقامت تيارات صراع حزبي هزت النظام السياسي كله؛ لم تستوعب الأحزاب الكبيرة المتغيرات التي طرأت على الساحة السودانية منذ حكم الفريق إبراهيم عبود وما تلاه من ثورة شعبية هائلة. وبدأ كأن الأحزاب الكبيرة تستغل أغلبيتها العددية لترجع بعجلة البلاد للوراء”. “عندما صوتت الجمعية التأسيسية في عام 1965 لإبعاد نواب الحزب الشيوعي من عضويتها تعاطف معهم جزء من الرأي العام في القطاع الحديث لا انتماء للشيوعية ولكن لاعتبارهم رمزا لدعاة عدالة وتجديد في جسم سيطرت عليه في نظرهم الوصاية والمحافظة: لقد توجس قطاع هام في الرأي العام السوداني في القطاع الحديث خيفة من الدستور المزمع وظن أن ذلك الدستور سوف يضفي على القديم وعلى المظالم الاجتماعية صبغة الإسلام ويكرس السلطة في يد قيادة سياسية محافظة. هذه المخاوف هي التي خلقت المناخ السياسي الذي سبق حركة الخامس والعشرين من مايو. هذا المناخ صحبته ثلاثة عوامل خلقت تحالفا تولى قيادة الحركة وألغى مشروع الدستور المزمع.(الامام الصادق المهدى: النظام السوداني وتجربته الإسلامية
www.umma.org/umma )
ويقدم معاوية الزبير الطيب قراءة اخرى: ” حكومات الائتلاف بين الحزبين الكبيرين الاتحادي والأمة لم تول اهتماما لقضايا السلام وإيقاف الحرب بقدر اهتمامها بالصراع على كراسي الحكم بين الحزبين. وقد دفع هذا الصراع أطرافه للاستعانة بالإخوان المسلمين القوة الناهضة آنذاك، التي كانت تطالب بالشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي، ولكسب ودهم والاستقواء بهم في مواجهة الآخر انعقدت سوق مزايدة حول الدستور الإسلامي انتقلت إلى أروقة البرلمان وهناك نشب سجال بين دعاة الدستور الإسلامي والنواب الجنوبيين المنادين بالعلمانية”. ” المناداة بالدستور الإسلامي كان من أدوات الصراع التي حاولت بها القوى الحاكمة القضاء على المعارضة اليسارية وتحجيم الرفض الجنوبي. هذه القوى التقليدية تناست مشكلة السودان الأولى الحرب في الجنوب ووجهت الضربة القاضية لتوصيات مؤتمر المائدة المستديرة، ما أدى إلى توتر سياسي واحتقان في الجنوب هيأ الأوضاع لاستيلاء الجيش على السلطة في مايو/ أيار 1969م ما عرف بانقلاب جعفر محمد النميري.( معاوية الزبير الطيب: من الاستقلال إلى السلام: موقف الحكومات السودانية المتعاقبة من مشكلة الجنوب
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E29003D6-9E01-48C9-8E53-A36981BE61AF.htm )
اصدر الانقلاب الأمر الجمهوري رقم 1 الصادر في 25 مايو 1969م الذي اعطي البلاد لقبا جديدا: جمهورية السودان الديمقراطية وحل مجلس رأس الدولة ( السيادة) ومجلس الوزراء والجمعية التأسيسية ولجان الخدمة المدنية والانتخابات وخول الحكومة الجديدة جميع السلطات التنفيذية والتشريعية ، وجعلها مسئولة مع مجلس قيادة الثورة عن جميع شئون الدولة. واصبح من سلطات مجلس قيادة الثورة أن يقيل ويعين الوزراء علي أن يمارس هذه السلطة بعد التشاور مع رئيس الوزراء.
كما صدر الأمر الجمهوري رقم 2- قانون الدفاع عن السودان الذي نص علي الاعدام أوالسجن عشر سنوات لكل من يحاول اثارة معارضة في وجه نظام الحكم أو يخطط لمهاجمة أعضاء مجلس قيادة الثورة وذمهم، لأن ذلك يعتبر مثيرا للفتن ، وسواء كانت هذه الأعمال عن طريق رفع الشعارات أو المواكب أو المظاهرات أو المطبوعات أو الصحف أو الكراريس أو الاذاعة والتلفزيون، ويطال هذا القانون كل من يحاول الدعاية لحزب من دون اذن مسبق من مجلس قيادة الثورة، والذين يشتركون في اضطرابات تنظم من اجل عرقلة الاقتصاد، علي أن يحال المخالفون علي المحاكم العسكرية، وتطبق عليهم النصوص المناسبة في القانون الجزائي، واعلن المرسوم أن جميع أعمال مجلس قيادة الثورة هي اعمال سيادة، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن والاستئناف أمام المحاكم، ومن حق مجلس قيادة الثورة أن يسرح من يشاء من الدوائر الحكومية من دون أن يكون خاضعا لللاجراءات التأديبية، وفي وسع الحكومة، بناء علي توصية وزير الداخلية ولاسباب تتعلق بالامن العام أن تقيد حرية أى شخص وتحصره في اى مكان داخل الاراضي السودانية، من دون أن يحق للشخص المعني استئناف اى قرار كهذا صادر بحقه. وتم اعتقال قادة الحكومة والاحزاب السابقين: تم اعتقال الصادق المهدى، وادخل اسماعيل الأزهري السجن، ووضع محمد احمد المحجوب قيد الاقامة الجبرية .. الخ.كما وجهت الاتهامات الي ثلاثة وزراء سابقين : احمد السيد حمد، عبد الماجد ابوحسبو، احمد زين ( وزراء التجارة والداخلية والمواصلات)، وقدموا لمحاكمات.
الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة  1973 م
جاء الانقلاب ليقطع الجدال حول الدستور الدائم فى السودان والذى هو حال الديمقراطيات فى كل العالم والذى كانت النقاشات حولة قد قطعت اشواطا كبيرة. ونود هنا ان نوضح هذة النقطة لاننا كسودانيين لابد ان نصل الى وضوح كامل حول اليات العمل الديمقراطى والتى نعتقد ان كافة الاطراف لم تصل اليها بعد. الديمقراطية هى فى الحلول الوسط والتراضى والحدود الادنى من الاتفاق- او كما اشتهر القول ان الديقراطية فن الممكن-  ونظن ان مكونات المجتمع السودانى اثبتت مرارا وتكرارا قدرتها على فاعلية هذة الخاصية منذ بداية حركتة السياسية فى مؤتمر الخريجين و مؤتمر جوبا والاستقلال والعمل المشترك ضد انقلاب عبود وتجربة اكتوبر. حتى عندما تطرفت الديمقراطية بحل الحزب الشيوعى، لم تستطع نفى الحزب من الوجود او نفية من الخارطة السياسية وجاء الى الجمعية التاسيسية من باب الانتخابات وظلت منظماتة وجرائدة وتاثيرة السياسى على النقابات لان هذة هى الاليات التى تفرضها الديمقراطية. وسنفصل فى هذا ايما تفصيل.
كان هذا العصر – منتصف الستينات- قمة بروز الناصرية وقد لجمت احزابها الليبرالية منذ قيامها وتخلصت من الاخوان المسلمين وحلت الاحزاب الشيوعية المصرية وخلا لها الجو السياسى الداخلى و بدات فى ثوبها التوسعى الاقليمى، فهى بلا منازع – سوى السعوديين- تقود العالم العربى، تحارب فى اليمن وتنظر لبوابتها الجنوبية التى كانت بين يديها لقرون مضت، مصدر حياتها المائية و حديقتها الخلفية. وفى الخلفية الحزب الذى يرتبط بها تاريخيا وذخيرتها لوحدة مرتقبة – الحزب الوطنى الاتحادى-لا يستجيب لاطروحاتة لبناء الدولة العربية القومية.
كانت الصورة المرجوة واضحة فى ذهن الاطراف التى صعدت للسلطة صبيحة ذلك الصباح، وادى الصراع الذى اندلع بعد ذلك الى نهاياتة المنطقية والتى تكررت فى التاريخ منذ ابو جعفر المنصور وابو مسلم الخراسانى والرشيد والبرامكة  فى بداية الدولة العباسية حتى مثالهم الحى انذاك عبد الناصر.
اعتمد النظام الجديد منهجا  متكررا فى التاريخ – تمسكن حتى تتمكن- سيسير علية حتى سقوطة فى ابريل 1985 وان كان سيزداد خبرة وفاعلية اعطتة ستة عشر عاما من الحكم وتازيم القضايا المتازمة اصلا، نهج ابرزة تاج السر عثمان: ” واجه الحزب الشيوعي بعد انقلاب مايو، ظروفا معقدة وصعبة، لم يواجهها من قبل، فكان هناك الصراع المركب أو المزدوج: ضد السلطة الانقلابية والصراع الفكري داخل الحزب، وزاد من تعقيد هذا الصراع تبني الانقلابيين لاجزاء كبيرة من برنامج الحزب وتعيين شيوعيين في مجلس قيادة الثورة صبيحة الانقلاب وتعيين وزراء شيوعيين بصفتهم الشخصية ودون اعطاء الحزب الحق في تحديد من يمثلونه، مما يعني نسف استقلال الحزب تمهيدا لتصفيته، هذا فضلا عن فرض ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية باسم التقدم والاشتراكية!! أى – اذا جازاستخدام لغة اليوم – أن الانقلابيين اخترقوا اجندة الحزب الشيوعي وتبنوها وافرغوها من مضمونها” . ( تاج السر عثمان:  وثائق معاوية ابراهيم(سورج) حول الحزب الشيوعي السوداني: الأربعاء, 13 أيار/مايو 2009 19:25sudanile  ).
ويرى الامام الصادق نفس الراى: ” وفي حالتي الشرعية الشيوعية والشرعية الناصرية تبنى النظام سياسيات اقتصادية اشتراكية أكثر تطرفا من برنامج الحزب الشيوعي السوداني نفسه مزايدة علية وتنافسا معه في كسب تأييد الشارع اليساري السوداني.هذه المزايدة نصح بها المنشقون على الحزب الشيوعي لإحراج حزبهم وتجريده من ملابسه”. (النظام السوداني وتجربته الإسلامية)
وانتهى الصراع فى 19 يوليو 1971 وقادة الحزب الشيوعى معلقين على المشانق وحزبهم مطارد، حلقة من الصراع انتهت بالحزب خارج الحلبة لوقت سيطول ونفية من الجيش ليعيد النظر لاحقا فى هذا التواجد عام  1977 (السيد عصام ميرغنى طة: الجيش السودانى والسياسة) ويتخذ احد اهم واخطر القرارات وان كنا نعتبرها من ما يسمى القرارات الصائبة تقنيا واخلاقيا ولكن خاطئة سياسيا لانها ستفتح الطريق لاستيلاء مجموعة ذات نفوذ محدود عسكريا معظمهم من اسلحة غير قتالية ومدنيين وتختطف خطة تحرك جيش المذكرة و القائد العام ورئيس هيئة الاركان وعصام ميرغنى اعضاء فى تنظيم الضباط الاحرار منذ أوائل الثمانينات في  القرن الماضي و تستولى على السلطة بسهولة و ببساطة كقطعة الكيك.           
الطريق الى الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة  1973 م
عندما انتهت فصول ما بعد انقلاب يوليو 1971 الشيوعى كان طبيعيا – فى ظروف الحرب الباردة وضغط حرب الجنوب وتفكيك الناصرية بواسطة الساداتية- ان يتجة النظام سريعا الى اليمين وتؤتى المسالة ثمارها عقب مشاورات سرية وعلنية وبرعاية إمبراطور إثيوبيا هيلا سلاسي وفى الثالث من مارس 1972 وقع الرئيس جعفر نميري  علي  “اتفاقية اديس ابابا   ” والخاصة بجنوب السودان .  وأقرت الاتفاقية الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي كإقليم واحد مكون من ثلاث ولايات، وبموجب الاتفاقية دمجت قوات حركة الأنانيا الجنوبية في صفوف الجيش السوداني. وقد أدت الاتفاقية إلى إنهاء الحرب وعم الاستقرار في كل الوطن لأول مرة منذ اندلاع التمرد. ولكن الاتفاقية لم تقد إلى تغيير جذري في هيكل السياسة السودانية فقد كانت اتفاقية تؤمن لحد ما حقوقا سياسية ديمقراطية فى الجنوب و شمال محروم تماما من هذة الحقوق.
وكعادة الديكتاتور العسكرى فى البحث عن الشرعية مع فقدان الشرعية الأخلاقية – سيادة حكم القانون، التزام قواعد الحكم الصالح مثل الصدق والشفافية- فقد كان التوجة تقنين السلطة الوليدة و تسييجها بالقانون، اى التوجة الى الدستور. وكالعادة ايضا فان الديكتاتور العسكرى يفترض ان النظام الذى انشاة هو دائم وابدى- على الاقل حتى وفاتة.
عندما تلفت النميرى حولة كان قد التف حولة حواريين امتلات بهم الساحة السودانية، اطراف النخبة السودانية التى تمتطى الاحزاب ذات البناء الطائفى فى سنوات الديمقراطية والالتفاف حول المستبد العادل او الديكتاتور العصرى. توافد على الساحة كبار رجالات المثقفين والبروفسيرات وحملة الشهادات العليا وتزاحموا على باب السلطان الرئيس القائد – مايطلق عليهم بعض الكتاب ” افندية السياسة ” ووصفهم الأكاديمي البريطاني تيم نبلوك بالتكنوقراط المحايدين ووصفهم د. جلاب  بالتكنوقراط غير المحايدين. على راس هؤلاء كان ثلاثة من المع واذكى نتاجات النخبة السودانية بعد الاستقلال د. منصور خالد والمغفور لة  جعفر محمد علي بخيت  والسيد بابكر عوض اللة و عاونهم بدر الدين سليمان وزكى مصطفى وقد شاركهم المغفور لة النذير دفع اللة كرئيس لمجلس الشعب. وسيسيج هؤلاء النظام الجديد  بترسانة معمقة من القوانين التى جعلت من النميرى الحاكم المطلق وركزت كل السلطات فى يدية وحرمت كل معارضية من اى نفس. هذة النخبة التى سيصليها نارا ذات لهب د. منصور خالد وقد اختار ان يسحب ظلالة عن بلاط الحاكم حتى لايعلقها وساما وحيث سار فى طرق بعيدة فى سلسة كتبة خاصة النخبة السودانية وإدمان الفشل.
يمكن ان نلاحظ بسهولة اثر الاضطراب الشديد الذى ساد فى تلك السنوات على الدستور فالدولة التى ارادت ان تمضى فى مزايدة الشعارات الاشتراكية التى استند عليها فى انقلابة بداية وتضمنها الدستور فنهلت من دستور الناصرية ومثل القادمون الجدد مركز تاثير، فالجنوب يريد تقنين الاتفاقية فى الدستور. وكان فى بال الحاكم تامين السلطة ووضع كل السلطات تحت قدمية فى لجام محكم. وفى البال ايضا المعارضيين الذين يحتمون بالدول التى تدفع نحو الاسلمة و القوى الغربية التى كانت انذاك ترى الاسلام ترياقا ضد خطاب الشيوعية واليسار المستشري فى النطاقين العربى والافريقى. والفقهاء ذوى الثقافة الغربية والذين نهلوا من الانظمة الغربية ويودون التعبيرعنها فى هذا الوليد الجديد وتضمين الدستور بعض المفاهيم التى ستقرب النظام اليتيم فى توجههة نحو الغرب فى الانفتاح المرتقب واحلام الرخاء الاقتصادى وقد كانوا فى الانتظار كما نرى راى المغفور لة د. خليل عثمان  احد اعمدة الراسمالية السودانية واحد اقطاب السياسة الصناعية السودانية وبتاريخ: 11-6-: 1969 “من: السفير، الكويت: الى: وزير الخارجية: “امس، جاء لزيارتي رجل الاعمال السوداني الذي يعمل هنا، في الكويت، د. خليل عثمان.   قال لى انه تحدث مع نميري، زميله في الدراسة.  وكسب ثقته، واثر عليه تأثيرا كثيرا.  ويريد منه ان يطور السودان بالتعاون مع الغرب، وليس بالتعاون مع الشرق. وقال انه واجه نميري وتسعة من اعضاء مجلس قيادة الثورة.  وسألهم في تحدي: لماذا اعترفتم بالمانيا الشرقية؟  ماذا ستقدم لكم دولة شيوعية فقيرة؟  لماذا لا تتعاونون مع اميركا كما يتعاون معها الكويتيون والسعوديون؟  … وقال ان نميري طلب منه ان يجرى اتصالات مع البنك الدولي لتمويل مشاريع استثمارية في السودان”.
الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة  1973 م
كل هذة التيارات كان لها دور فى وضع الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة  1973 م الموصوف بالدائم وقد حققت لكل تيار جزءا من مفاهيمة:
اولا: تركيز السلطة فى يد رئيس الجمهورية: فالنظام جمهورى رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية ويشارك في السلطة التشريعية ويعمل بموجب تفويض مباشر من الشعب عن طريق استفتاء ينظمه القانون. مسئول عن صون الدستور واستقلال الوطن وهو يعين رئيس للوزراء كما له حق عزله أو قبول استقالته متى ما رأى ذلك وكذلك الوزراء. ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى لقوات الشعب المسلحة وقوات الأمن وهو الرئيس الأعلى لجميع أجهزة الخدمة العامة. وكذلك يعين رئيس الجمهورية ويعزل رئيس وقضاة المحكمة العليا وقضاة الاستئناف وقضاة المحاكم الأخرى.
ثانيا: التنظيم الفرد: ” تقوم جمهورية السودان الديمقراطية على أساس تحالف قوى الشعب العاملة المتمثلة في الزراع والعمال والمثقفين والرأسماليين الوطنيين والجنود وفق ميثاق العمل الوطني . الاتحاد الاشتراكي السوداني هو التنظيم السياسي الوحيد في جمهورية السودان الديمقراطية.
ثالثا: ضمن “اتفاقية اديس ابابا  “فى الدستور: ” يقوم نظام للحكم الذاتي الإقليمي في الإقليم الجنوبي على أساس السودان الموحد وفقا لقانون الحكم الذاتي الإقليمي للمديريات الجنوبية لسنة 1972 والذي يعتبر قانونا أساسيا لا يجوز تعديله ألا وفقا للنصوص الواردة فيه” .
رابعا: ضمن بعض افكار الفقهاء ذوى الثقافة الغربية حول الحريات والحقوق والواجبات: ” الناس في جمهورية السودان الديمقراطية متساوون أمام القضاء والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو العنصر أو الموطن المحلي أو الجنس أو اللغة أو الدين . تكفل للمواطنين حرية الإقامة والتنقل وفق أحكام الدستور والقانون . لحياة المواطنين الخاصة حرمة وتكفل الدولة حرية وسرية الرسائل البريدية والبرقية والهاتفية في حدود القانون” . ولكن حوصر هذا بتضمين قانون الاعتقالات “يجوز للسلطة التشريعية بموجب قانون أن تحدد :(أ) الحالات التي يجوز فيها اعتقال أي شخص اعتقالا تحفظيا أو تحديد إقامته أو منعه من التنقل لأسباب تتعلق بأمن الدولة وسلامتها أو بالنظام العام أو بالآداب أو بالصحة العامة أو بتوفير الخدمات والمواد الأساسية أو بمكافحة التهريب . (ب)  مدة أو مدد الاعتقال أو تحديد الإقامة أو المنع من التنقل”.
خامسا: كما تحايل على ” تخضع الدولة لحكم القانون وسيادة القانون أساس الحكم . تكون ولاية القضاء في جمهورية السودان الديمقراطية لهيئة مستقلة تسمى الهيئة القضائية”. بمنح رئيس الجمهورية “يعين رئيس الجمهورية ويعزل رئيس وقضاة المحكمة العليا وقضاة الاستئناف وقضاة المحاكم الأخرى على الوجه المبين في الدستور والقانون” .
سادسا: مصادر التشريع: جاء التشريع فى هذا المجال متراوحا بين القادم الجديد للساحة: الجنوب  وبين سحب البساط من الاحزاب الطائفية والتى تتخذ من الاسلام سبيلا للمعارضة فماذا قال الدستور: 1) ساوى بين الشريعة الإسلامية والعرف وجعلهما مصدران رئيسيان للتشريع والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم.2) جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية لجمهورية السودان الديمقراطية. 3) المساواة فى حقوق الدين” تعامل الدولة معتنقي الديانات وأصحاب كريم المعتقدات الروحية دونما تمييز بينهم فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم في هذا الدستور كمواطنين ولا يحق للدولة فرض أية موانع على المواطنين أو مجموعات منهم على أساس العقيدة الدينية .
كانت هذة اول مرة ترد فيها الاشارة الى الشريعة كمصدر للتشريع كما ترد فى بعض الدساتير العربية اذ تنص 13 دولة  أن الإسلام مصدر التشريع بينما 7 دول تعتبر الإسلام فقط دين الدولة وأن دولتها دولة إسلامية بينما لا يشير دستور دولتين بالمرة إلى الدين الإسلامي (
http://gafsajeune.ahlamontada.com/t945-topic ) لكن ظلت القوانين السائدة هى قوانين مختلطة.
فقط عندما احس النظام بعد سنوات بالتهديد المباشر وتناثر المجموعات التى كانت تناصرة (فحرب الجنوب اشتعلت من جديد وفى صفوفها احد اعمدتة السابقين – د. منصور خالد- والمصالحة مع الاحزاب التقليدية وصلت الى طريق مسدود ولم يبق لة سوى حزب خفيف الوزن ولكن الاعلى صوتا والنقابات قد تحالفت ضد النظام) استدعى القوانين التى رفض الشعب السودانى سوى ان يطلق عليها ” قوانين سبتمبر”.
ونتابع مع الامام الصادق المهدى والذى استطاع من خلال تجربة مريرة وقاسية وطويلة دعمها بالدراسة والتحصيل والزام النفس بالتامل المعمق فى التجربة السودانية من تطوير مفهوم كامل ومتقدم النظر فى دور الاسلام فى حياة المسلمين في ضوء اجتهاد جديد يراعي تغيرات الزمان والمكان والإنسان والذي يجمع بين الأصالة – رغم ان لدى تحفظات على المنهج العام فى تحرك الامام السياسى ومنهجهة التوفيقى جدا والمضر احيانا والتى اوردت قبلا انها قد تكون قرارات صائبة تقنيا واخلاقيا ولكن خاطئة سياسيا.
يقول الامام الصادق المهدى ” وفي عام 1982 بعد آخر انتفاضة شعبية وقعت في يناير 1982م أصدر النظام قانونا قمعيا جائرا سماه قانون الطمأنينة إضافة إلى قانون أمن الدولة لتقوية القبضة القانونية على الشعب. وقانون الطمأنينة هذا شبيه بقانون العيب الذي استنه الرئيس المصري أنور السادات وهو قانون فضفاض ويمكن في نظره أن يكون أي عمل مهما كان بريئا جريمة تستحق العقاب “.. هذه القرارات التي كشفنا عن ظروفها هنا فاجأت السودانيين جميعا بل فاجأت أعوان النظام أنفسهم. ورغم هذه الحقيقة حاولت أجهزة الآلام أن تدعي أن ما حدث كان متوقعا وكامنا في وثائق النظام وسياساته المعلنة ولم يكن وليد لحظاته وظروفه “. ( لمراجعة تفاصيل اكثر ونقد مفصل لقوانين سبتمبر 1983 راجع: الامام الصادق المهدى: النظام السوداني وتجربته الإسلامية
www.umma.org/umma )
المراسيم الدستورية لسنة 1989م
في صبيحة يوم 30 يونيو عام 1989م أطل العميد انذاك/ عمر حسن احمد البشير، من خلال التلفزيون، وأذاع البيان الأول: ” إن القوات المسلحة ظلت تترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة وبأن من أبرز مظاهر فشل الأحزاب السياسية بقيادة الأمة تحقيق أدني تطلعاتها في الأرض، لقد عايشنا ديمقراطية مزيّفة ومؤسسات دستورية فاشلة، وتزييف إرادة المواطنين بشعارات برّاقة مضللة وشراء للذمم والتهريج السياسي، وحتى رأس الدولة لم يكن الامسخاً مشوهاً… أن العبث السياسي قد افشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارة النعرات العنصرية والقبيلة حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة إنسانية.. وتدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وارتفعت الأسعار بصورة مذهلة، واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم؛ إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها مما جعل كثيراً من أبناء الوطن يعيشون على حافة الفقر والمجاعة.وادي خراب المؤسسات إلى انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمّة متسولة تستجدي ضرورياتها من خارج الحدود. وانشغل المسؤولون بجمع المال حتى عم الفساد كل مرافق الدولة، مع استشراء التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً يوماً بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة.لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية وقد أصبحت الحزبية والمحسوبية والفساد سبباً في تقدم الفاشلين في قيادة البلد . لقد كان السودان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعوب الصديقة وإنه اليوم أصبح في عزلة تامة. والعلاقات مع الدول أضحت مجالاً للصراع وفقدت البلاد كل أصدقائها في الساحة الإفريقية. وقد فرّطت الحكومات في بلاد الجوار الأقرباء. وتضررت العلاقات مع أغلبها”.
الطريق الى دستور جمهورية السودان 1998
عندما امتطت الجبهة القومية الاسلامية سدة الحكم  الغت فى المرسوم الدستوري الأول لسنة 1989 العمل بالدستوري الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 1985م ونصبت  ثورة  الإنقاذ الوطني كتعبير عن الشرعية السياسية والدستورية الممثلة للإدارة العامة للشعب في جمهورية السودان. ولكن  تستمر الهيئة القضائية وسائر المؤسسات الدستورية غير السياسية القائمة قبل العمل بهذا المرسوم، كما تستمر القوانين ويستمر وكلاء الوزارات ومديرو المصالح والمؤسسات والموظفون غير السياسيين القائمون بحكم القانون، وذلك كله حتى يجري فيه أي تعديل وفق أحكام هذا المرسوم  أو القانون.
اذن استمر العمل بقوانين سبتمبر التى كانت قد سال حبر كثير منذ  فرضها النميرى فى سبتمبر 1983 والتى وبرغم اتفاق القوى السياسية – عدا الاخوان المسلمين كما كان اسمهم انذاك- والذى وضعتة فى دستور السودان الانتقالي لسنة 1985: ” تلتزم الدولة استجابة لنداء ثورة رجب بتحقيق الأهداف الواردة في الميثاق الوطني وعلى وجه الخصوص  وهى تصفية آثار النظام المايوي آثار مايو ولكن لم تتحقق هذة التصفية وتراوحت المواقف المختلفة للاحزاب تفرد فيها حزب الامة واليسار بموقف واضح.
اما الاتحادى الديمقراطى- حزب الديمقراطية والليبرالية ففد وقع فى ظل ما وصفة د. عبد الله علي ابراهيم: ” وانعزل الاسلاميون في صحبة الاتحادي الديمقراطي وحده عن مؤتمر التجمع الوطني لانقاذ الوطن (مارس 1985) ومؤتمر كوكا دام (مارس 1986) اللذين اجازا ذلك الالغاء. وجاء وقت هجر الاتحاديون موقف التمسك بقوانين سبتمبر في ملابسات غيرتهم من الحركة الاسلامية التي نافستهم في الموقع الثاني في البرلمان وفي الزلفى للسيد الصادق المهدي في حزب الاغلبية “. “.( د. عبد الله علي ابراهيم: الحركة الاسلامية وشريعة سبتمبر: اعادة اختراع النميري
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=print&board=5&msg=1043802003&rn=
ويوضح الامام الصادق المهدى: ” حزبنا كان يريد أن يلغيها ( يقصد قوانين سبتمبر) ، ووقف ضد إلغائها الحزب الحليف معانا، وقد قالوا إنه لا يمكن إلغاؤها إلا بعد أن نقدم لها بدائل، وكنا نشتغل في البدائل لكننا اتفقنا على تجميدها كحل وسط ، وقد جمدت لفترة ، ولكني لم يكن لدي أدنى تردد في إلغائها إلا أنني لا استطيع إلغاءها بأصوات حزب الأمة، فهو ليس له أصوات أغلبية، وكان في الجمعية عندما تأتي أي قضية من هذا النوع هناك أصوات الجبهة الإسلامية القومية والاتحادي الديمقراطي ، ونعم الاتحادي حليفنا ونحن كنا قد اشترطنا في التحالف بيننا وبينهم انه من اللازم إلغاء قوانين سبتمبر ولكنهم لم يوافقوا ولذلك جمدناها .” الصادق المهدي في حوار صريح وبلا رتوش لـ ( الأخبار): الفتاة المجلودة ضربت ضرب غرائب الابل فى 
http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=21421:2010-12-16-19-41-36&catid=43:2008-05-30-16-11-36&Itemid=67 )

يتفق كثير من السياسيين والمتابعين للشان السودانى على ان  دستور 1998 قد اجيز بطريقة مضطربة وغامضة. وتتفق الاراء انة كانت هناك  لجنة قومية برئاسة مولانا خلف الله الرشيد اتفقت على مسودة دستور للعرض على المجلس الوطنى انذاك ( اسم تلفيقى لما من المفترض انة الجمعية التاسيسية التى تناط بها اجازة الدساتير فى النظم الديمقراطية) لكنه لم ير النور واجيز بدلا منة دستور مختلف.
كتب على اسماعيل العتباني فى الرأي العام عدد السبت 9 يونيو 2005 في عموده : تحت الضوء ما يلي : ” إلا أن هذا الذي لفه الإجماع هو الدستور الذي كونت له لجنة قومية جامعة برئاسة مولانا خلف الله الرشيد والذي تراضى الشعب السوداني على مسودته ولكن الترابي أبى إلا أن يحمل تلك المسودة ويذهب بها الى (وادمدني) لثلاثة أيام عمل فيها تبديلاً وتغييراً وترقيعاً ورجع بها من هناك بمسودة مغايرة تماماً ودفع بها الى مجلسه الوطني.  ” ” ولكن عقلية الدكتور الترابي التي قامت على دستور أسماه الدستور الإسلامي وصاغه بنفسه وفرضه بنفسه ثم لم تمض عليه بضعة أشهر إلا وأراد أن يعدله باستحداث منصب رئيس وزراء وباستحداث تعديلات في باب الحريات وغيرها خدمة لجدول أعماله الخاص في صراعه مع الرئيس البشير ونائبه الأول وجعل الدستور (ملعبة) ومطية لطموحه السياسي وولهه بالقيادة والسلطان” .
عن دستور1998 ينوه الأستاذ أمين بناني: “أنا أقول إن الدستور الحالي بكل صوابه وخطئه هو في الواقع دستور الترابي الذي كتبه بيده وأجزناه بالإجماع – كل مقترحاتنا التي تقدمنا بها في تلك الفترة رُفضت وتخلينا عنها طلبا للإجماع حول نصوص وكنا نطمع أن نجمع على تعديله كبرلمانيين وكقوى وطنية – للأسف الدستور من خلال الممارسة برزت فيه كثير من العيوب والثغرات وهي عيوب لا حصر لها.” (عبد اللة النعيم: السودان والفداء: بطلان مفهوم الدولة الدينية: فى مشروع مستقبل الشريعة
http://sharia.law.emory.edu)
كما يوضح لنا الأستاذ غازي سليمان أن الحكومة لم تودع مسودة الدستور التي أعدتها لجنة قومية برئاسة مولانا خلف الله الرشيد وأودعت مسودة بديلة، يقول: “إذا كانت بنود المسودة الأصلية تتكون من 206 مواد فإن المسودة البديلة التي أودعتها الحكومة أمام المجلس تتكون من 145 مادة فقط، أي أن هناك مواد تم إسقاطها جملة وتفصيلا. (عبد اللة النعيم: السودان والفداء: بطلان مفهوم الدولة الدينية: فى مشروع مستقبل الشريعة 
http://sharia.law.emory.edu)
واوضح نفس الراى دكتور منصور خالد على منبر جريدة الرأي العام رصد: سلمى التجاني : ” هذا الدستور أُعد العام 1998 . كان هناك دستوران.. دستور أعدته لجنة قومية برئاسة مولانا خلف الله الرشيد لكنه دخل الدرج وخرج دستور 1998.” واورد الامام الصادق المهدي نفس الراى فى كتاب ميزان المصير الوطني في السودان .
وقد شخص أحمد عثمان سياقات الطريق الى دستور جمهورية السودان 1998  ” وفي هذا الســياق جاء دسـتور العام 1998 مقننا للدولة الدينيـة عبر أحادية مصدر التشريع، وممهدا الطريق لإستيعاب القوى الأخرى بالنظام. ولكنه بالطبع أتى في سياق صراع كبير داخل التنظيم الحاكم وبعد مايقارب العقد من النظام نتيجـة لصراع بين تيارين داخل التنظيم الحاكم أولهما تيار د. الترابي الذي يعمـل وفقـا لـهذا المخطط، والآخر تيـار البشـير الذي لايرى داعيـا لبسط أية حريـة قد تقود لخلخلة النظام الذي تمكن بالفعل وبنى دولته في غياب معارضـة فاعلـة. والأخير رأى أن مايقوم به د.الترابي مجرد ترف لاداعي له قد يقود إلى فقدان السلطـة وسقوط النظام، بإعتبار أن الوضع ليس ناضجا لمثل هكـذا مغامرات. وبهذا الفهم يكون الصراع بالفعل حول الحـريات، ولكن أية حريات؟؟ الحريات التي سوف يمنحها منحا تنظيم قد تمكن وبنى دولته وكسر شوكة خصومه وصاغ دستورا وفقا لتوجهه هو وآيدلوجياه السياسية، وبالتالي هي حريات تحت الوصاية وبالقياس الذي يحدده التنظيم الحاكم وتحت رقابته وفي غياب الفرصة للمنافسة الحرة بين من أقصي ومن حكم وبعد إعادة هيكلـة شاملـة للمجتمع ليتناسب مع رؤية د. الترابي وتنظيمه. بالرغم من ذلك لم ير تيار البشير داعيا لمنح هذه الحريات وتعريض النظام للخطر”. (أحمد عثمان: إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وتلاميذه : الحوار المتمدن – العدد: 2127 – 2007 / 12 / 12)
دستور جمهورية السودان 1998
اى كان الراى حول طريقة الشروع، المناقشات والاجازة والتى فصلنا فيها سابقا فان القرار نهاية صدر تحت توقيع الفريق الركن عمر حسن أحمد البشير في القصر الجمهوري بالخرطوم في الثلاثين من يونيو 1998م ( للسخرية يقول نص الدستور الموجود فى صفحة وزارة الخارجية فى الانترنت فى دساتير السودان السابقة انة صدر عام 1988
http://www.mfa.gov.sd/arabic/cont_leaderviewer.php– التحقق يوم 7 يناير 2011).  فما هى معالم ها الدستور:
اولا: لغة الدستور
يتفرق السودان الى اكثر من  57 و يتحدثون 114 لغة مكتوبة ومنطوقة ، 50 منها في جنوب السودان . ورغم ان التوجة العام للدولة السودانية بعد الاستقلال كان فرض العربية كلغة ووسيطة ثقافية، سواء بالقوة او النظام التعليمى او الحرمان من التطور الوظيفى و الادارى. فقد استطاع السودانيون عبر التمازج والتزاوج و العلاقات التاريخية والجغرافية ان يطوروا لغة قراءة عربية وسيطة تستعمل فى الكتابة الصحفية ونشرات الاخبار وغيرها ذات مصطلحات واضحة متفق عليها وطوروا لهجات تتفرع منها عدة لكنات حسب طريقة لفظ كل منها لمخارج الحروف. ومن ضمن هذة اللهجات عربى جوبا ولهجة غرب السودان وشرقه وشماله حيث تتواجد المجموعات الجنوبية و البجا والنوبيون. وحافظ المسلمون من السودانيون على لغة القرآن والتى صلوا بها وضمنوها امثالهم ومديحهم و زينوا بها بيوتهم. اللغة التى تم استعمالها فى الدستور الجديد كانت مخالفة لهذا الارث.
استيقظ السودانيون ذات يوم فاذا سادة المشروع الحضارى ارادوا وضع قاموس لغوى جديد يعتمد الخلط بين المفاهيم وايراد مفردات و كلمات وصفها على اسماعيل العتباني:”  ولكن الترابي أبى إلا أن يحمل تلك المسودة ويذهب بها الى (وادمدني) لثلاثة أيام عمل فيها تبديلاً وتغييراً وترقيعاً ورجع بها من هناك بمسودة مغايرة تماماً ودفع بها الى مجلسه الوطني الشئ الذي أدى الى الاستقطاب السياسي الحاد والى فضيحة التوالي السياسي والى فضيحة إدخال مصطلحات مائعة وحمالة أوجه لم يعرفها الفقه الدستوري” (على اسماعيل العتباني فى الرأي العام عدد السبت 9 يونيو 2005 في عموده : تحت الضوء).
ثانيا: الدستور الدائم افتراضيا
لم يشر الدستور فى ديباجتة او فى عنوانة اذا كان دائما او لا (كان هذا سلوكا ملاحظا فى الاداء السياسى للحركة الاسلامية السودانية وانعكس هذا كمثال عدم تقيدها باسم واحد ولكن التحرك المستمر بين كثير من الاسماء،” الاخوان المسلمين”  “جبهة الدستور ‏الإسلامي”، “جبهة الميثاق الإسلامي”، “الحركة الإسلامية في فترة نميري-“، “الجبهة الإسلامية ‏القومية”، “المؤتمر الوطني” مما يصعب المسئولية السياسية والمحاسبة التاريخية) . ولكن يدل الروح العام على ان واضعوة اعتبروة القول الفصل فى التاريخ السودانى، ان لم يكن العالم.
ثالثا:سلطات رئيس الجمهورية
وحذو النعل بالنعل كما فى دستور 1973  جاء تركيز السلطات فى رئيس الجمهورية “اختصاصات رئيس الجمهورية: يمثل رئيس الجمهورية الحكم والسيادة العليا للبلاد ، يقوم قائداً أعلى لقوات الشعب المسلحة والشرطة والقوات النظامية الأخرى ، ويختص بصيانة أمن البلاد من الأخطار وحفظ عزتها ورسالتها ، والإشراف على علاقاتها الخارجية ، ويرعى سيرة القضاء والعدل والأخلاق العامة ، ويرعى المؤسسات الدستورية ، ويعبئ نهضة الحياة العامة ، وله في ذلك الاختصاصات والسلطات الآتية وفق أحكام الدستور والقانون” فهو يعين  شاغلي المناصب الدستورية الاتحادية رئاسة مجلس الوزراء ،يختار ثلاثة مرشحين من قائمة الولاة ويكونون هم المرشحين الذين يقدمون للانتخابات العامة في الولاية و يعين رئيس الجمهورية رئيس القضاء ونوابه وفقا للقانون” .
رابعا: مصادر التشريع
كانت حكومة الإنقاذ قد تبنت في شهورها الأولى مصادر أخرى للتشريع، فبالعودة إلى توصيات مؤتمر الحوار الوطني حول الجنوب، والذي دعت إليه الحكومة حيث وانعقد لمدة ستة أسابيع (من 9 سبتمبر 1989 إلى 1 أكتوبر 1989)، والتي تبنتها حكومة الإنقاذ في اجتماع عقد بعد انتهاء المؤتمر. وقد أكدت التوصيات المقرة على أن الشريعة الإسلامية والعرف هما المصدران الرئيسيان للتشريع. كما تضمنت التوصيات عن علاقة الدين بالدولة ألا يجري النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، واعتبار السودانيين أمة واحدة يجمع بينهم حق المواطنة بما يقتضيه من تجانس وتعايش وتكافؤ، وأن تلتزم الدولة باحترام الأديان. حسم مشروع دستور 1968 مصادر التشريع في مصدر وحيد هو الشريعة الإسلامية، إذ نص على: “الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي لقوانين الدولة.” “يعتبر باطلا كل نص في أي قانون يصدر بعد إجازة هذا الدستور ويكون مخالفا لأي حكم من أحكام الكتاب والسنة إلا إذا كانت تلك المخالفة قائمة في جوهرها قبل إجازة الدستور.”
 خامسا: حق التنظيم
” كما يوضح لنا الأستاذ غازي سليمان: ” أن الكارثة الحقيقية فى دستور 1998 فهي إسقاط المادة 41-1 من المسودة الأصلية التي تقول “للمواطنين الحق في التجمعات وإنشاء التنظيمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية” وينوه الأستاذ غازي إلى أنه قد تم إسقاط هذه المادة واستعيض عنها بالمادة 27-1 وتقول “للمواطنين حق التوالي والتنظيم لأغراض ثقافية أو اجتماعية أو مهنية ولا تقيد إلا وفق القانون”، وهو ما يراه دليلا واضح على الارتداد عن مبدأ إقرار حرية التنظيم السياسي والتداول السلمي للسلطة والرجوع عن التعددية والإصرار على النظام الشمولي. (فى عبد اللة النعيم: موقع مستقبل الشريعة: السودان والفداء: بطلان مفهوم الدولة الدينية
http://sharia.law.emory.edu ).
اثر انتخاب عمر حسن أحمد البشير عام 1996 رئيساً للجمهورية لمدة خمس سنوات وبعد الصراع المتوقع – من دروس التاريخ الطويلة فى العالم وفى تجربة النميرى فى السودان- بين جناحى السلطة العسكرى والمدنى، انقسمت الحركة الإسلامية بعد ما يقارب نصف قرن على تأسيسها إلى حزبين «المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي  في الرابع من رمضان عام  1999م ووقوع  ما عرف المفاصلة بين الإسلاميين. حل البشير البرلمان عام 1999 وأعلن حالة الطوارئ و تم دثر الدستور ودفنة بعد اقل من عام حتى مجىء دستور 2005 الانتقالى.
لماذا تعثر تشريع الدستور الاسلامى فى عهد دعاة الدستور الاسلامى
كان بديهيا ان يتجة نظام الانقاذ الى اجازة الدستور الاسلامى، فقد كان الافتراض، ان الذين عملوا طول عمرهم فى هذة الدعوة وقدموا الشهداء وذاقوا السجون والتشريد وكافة انواع ” الابتلاءات”، انهم قد تجهزوا لهذا التحدى وان فى جعبتهم على الاقل مشروع دستور او مسودة. خاصة وان السودان خاض نقاشا واسعا، اشتركوا فية:  فى الستينات ابان التحضيرات لوضع الدستور الدائم وكذلك فى نهاية الثمانينات لنفس الفعل. لكن يبدو ان التنظيم الذى استلم السلطة لم يكن جاهزا فقد تاخر وضع الدستور حتى 1998 . ولا نحسب ان الصياغة كانت هى المشكلة، فالدستور جاء اقرب الى منشور يحوى برنامج حزبى رغم ان القائمين عليها جلهم من القانونيين. وحول هذة النقطة راى د. عبد الله على إبراهيم بؤس عدتها الفكرية حائلا حقيقيا : ” وستضع الحركة الإسلامية قدمها في الطريق الصحيح متى اعترفت بفشو ثقافة الغرب وخبرته في فكرها وممارستها. ومما فاقم من هذا الفشو أن الحركة الإسلامية لم تستنبط برنامجاً حضارياً إسلامياً بديلاً لما تواضع عليه الغرب لبؤس عدتها الفكرية …. ولما كان الفكر لا يحتمل الفراغ فقد تداعى الفكر الغربي ومثاله ليملأ هذا الفراغ في مشروع الإسلاميين. (د. عبد الله على إبراهيم: الحركة الإسلامية بين الانفتاح والانغلاق:  ورقة قدمت لسمنار “قضايا وإشكالات الدولة الإسلامية المعاصرة” مؤسسة فردريش إيبرت بالخرطوم في أغسطس 2006 ).
سوف نبدا هذا النقاش بعرض ما امكن من الاطروحات التى حاولت مقاربة هذا الموضوع من عدة وجهات نظر ولكن سنبدا من تناول التعارض البين الذى حدث فى تسلسلها التاريخى فى الحكم بين ما تنادى بة من قيم العدل والرحمة والتدين و الصدق والتسامح الديني دولة التنوع وما فاضت بة سنوات الحكم مما جادت بة اقلام كثيرة ممن كانوا داخل نسيج الاسلام السياسى.
وقد تحدث فى هذا فى أشارة لاشكالية العلاقة بين الدولة والتنظيم بعد أزمة المفاصلة، د. التيجاني عبد القادر احد أبرز الشخصيات التي أسهمت في صياغة مشروع الحركة الإسلامية، وحينما استلمت حركته السلطة بادر بسكب عصارة علمه من أجل تقديم أنموذج الدولة الإسلامية، لكن يبدو أن زهده وخبرته مكّناه من تقييم تجربة الإسلاميين في الحكم منذ وقت مبكر والحكم عليها من موقع المراقب الحصيف بعيداً عن التعقيدات التنظيمية الملزمة، لذلك فضل التمرد على سلطة الحركة الإسلامية وربما على التزاماتها التنظيمية طالما أنها أصبحت لا تتوافق مع قناعاته، وبحسب إفادات المقربين منه فإن أول خطوة اتخذها في هذا الاتجاه هي قراره بمغادرة البلاد إلى ماليزيا، والثورة ما زالت في سنواتها الأولى، إلى أن استقر بدولة الإمارات، وظل يتابع ويراقب المشهد السوداني من خارج الحدود، ويقدم قراءته المثيرة للجدل، والحال كذلك كان قبل أربعة أعوام حينما كسر حاجز صمت الكتّاب الإسلاميين عندما قام بتقديم رؤية نقدية للدولة عبر سلسلة من المقالات ابتدرها بعنوان: (العسكريون الإسلاميون أمناء على السلطة أم شركاء فيها) وختمها بمقالات: (العسكريون الإسلاميون شركاء في السلطة أم مالكون لها)؟ وحظيت هذه الكتابات بردود فعل كبيرة، وربما خضعت للدراسة والنظر من أهل السلطة وقتئذ، خاصة أنه نبّه إلى سيطرة الأمن على دولة الحركة.
” إن تجربة الحزب المركزي القابض من خلال لجنة مركزية على الدولة تجربة سياسية طبقت في المعسكر الاشتراكي وهذه التجربة عليها ملاحظات من حيث النظرية والتطبيق وقد أثبت التاريخ عدم جدواها ولا أظن أن احداً في اطار الفكر الاسلامي التقليدي أو المعاصر يقول إنه إذا نشأت دولة إسلامية تكون القبضة فيها للحزب الاسلامي بالطريقة ذاتها التي طبقت في الاتحاد السوفيتي، بل إن أدنى قراءة للتاريخ السياسي الاسلامي تشير الى أن تجربة المسلمين قائمة على مؤسسات المجتمع, إذ أن مؤسسات المجتمع الاقتصادية والتعليمية لها نصيب وافر في إدارة وتنظيم الحياة العامة, وإن الدولة الاسلامية لها دور ولكنه ليس الدور الأوحد وإن الحزب السياسي له دور ولكنه ليس الدور المركزي القابض مطلقاً وإن هناك تداخلاً وتلاقياً وتلاقحاً في بعض الدوائر ولكن لا الدولة تهيمن وتقبض على المجتمع بصورة كاملة ولا المجتمع الاسلامي هو المجتمع الخامل بالصورة التي يخطط لها في كل صغيرة وكبيرة وإنما هو مجتمع حي ورائد يتولى كافة شؤون حياته “. (د. التجاني عبد القادر في حوار متجدد : جريدة الاحداث العدد 189 – السبت 12 أبريل 2008)
ولكن يرى د. عمر الخير إبراهيم ” بعد 16 عاماً من الانفراد بالسلطة خلصت الحركة الإسلامية في للسودان إلى أن حكم الإسلام ليس في تثبيت نصوص في الدستور وإنما في قدرة الداعين له على وضع حلول عملية تحقق مصالح المواطنين والوطن وتحفظ أمنهم وسلامتهم ووحدتهم “تؤمن الحركة الإسلامية في السودان بأن وجود دستور إسلامي للبلاد يمكن أن يضمن لها إعادة تأسيس المجتمع والدولة ومؤسساتهما على مبادئ وقيم الدين الحنيف. فالدستور مناط به وضع الأسس الكلية لتنظيم حياة المجتمع وفق القيم والمعتقدات الدينية السائدة فيه.. … فالصراع حول الدستور ظل فقط في قمة أولويات القوى السياسية الباحثة عن السلطة ولم يكن في يوم من الأيام همّاً للمواطن، لذلك مثلت مواد الدستور ونصوصه في أغلب الأحيان مجال صراع بين التيارين العلماني والإسلامي من جانب وبين من هم داخل السلطة وخارجها من الجانب الآخر. ” (د. عمر الخير إبراهيم: نظرات فى الفكر والممارسة: أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة سنار بالسودان
http://www.ashorooq.net)
يورد الباحث أحمد عثمان وفق تحليل مختلف: ” فالواضح هو أن الإنقسام/ المفاصـلة – على عكس مايقول الكثيرين- ليس صراعا على السلطــة مجردا من البعـد الفكري والآيدلوجي، بل هو صراع عليهـا متجذرا في صـلب الخـلاف الفكري حول طبيعــة المشـروع الحضاري الذي نادت به الجبهـة الإسلاميـة القوميـة وآليـات إستمراره وحمايته”. ” فمن الواضح أن د. الترابي برغم أنه قد بنى التنظيم الأقوى لرأس المال الطفيلي في السودان، إلا أنه إستمر في التفكـير كبرجوازي صغير يتأرجح مابين شموليــة وإستبداد ودعوة للحريات من مواقع السيطرة عبر ثورة تقيض له نشر حرياتـه وبناء مشروعـه من أعلى، في حين أن التيار الآخر من المدنيين والعسكريين داخل التنظيم، قد حسم خياراتـه الفكريـة والعمليـة وربط نفسه لمرة وإلى الأبد برأس المال الطفيلي ومصالحه. ومن الطبيعي أن لايقبل رأس المال الطفيلي شريكـا أو منافسـا أو معارضا مهما كان مستوى ضعفـه، وشراستـه في المستوى السياسي، تضاهي وربما تفوق شراستـه في المسـتوى الإقتصادي حيث أغلق الطريق تماما أمام الرأسمـال المستثمر في العمليات الإنتاجيــة وأنهكــه تطفلا حتى كاد أن يطيح به تماما”. ” ولعل هذا أيضا يفسر إكتشافات بعض تلاميذه من مثقفي التنظيم أمثال د. الأفنــدي المتــأخرة، بأن هنالك سوبر تنظيم قائم على تحالف مالي عسكري كان يعمل طوال الوقت داخــل الجبهـة الإسلامية القومية وضد توجهاتها. فوجود سوبر التنظيم المذكور الذي يشكل عصب التنظيم بإعتباره الممثل الحقيقي لرأس المال الطفيلي الذي سخر التنظيم لمصلحته أمر طبيعي. (أحمد عثمان: إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وتلاميذه : الحوار المتمدن – العدد: 2127 – 2007 / 12 / 12)
تناول د. عبد الله على إبراهيم فى مقال شيق هذة الظاهرة من واقع العشوائية ” ومن أميز المفاهيم التي استجدت علينا مؤخراً في تحليل انغلاق الحركة الإسلامية هو مفهوم العشوائية. وقد جاء به الأكاديمي الأمريكي الأسود المسلم عبدو مالقم سيمنون في كتابه: في أي صورة ما شاء ركب: الإسلام السياسي ومآل البندر في السودان (جامعة شيكاغو للنشر، 1994). وهو كتاب ألحفت على الإسلاميين تعريبه ونشره منذ استعرضته لمجلة “الإثنوغرافي الأمريكي” (مجلد 55، العدد رقم 2) وفي تنويهاتي العديدة له في الصحف السيارة. فقد جاء سيمنون لدراسة موضوع كتابه بدعوة من الحركة الإسلامية بعد إنتفاضة إبريل 1985 لينصحها عن التغير الديمغرافي والثقافي لمدينة الخرطوم الذي قد يؤثر على إرث المدينة الثقافي العربي الإسلامي. قال سيمنون إن الحركة الإسلامية تعاني من عشوائية تلبستها ولا برء لها منه. وعرَّف هذه العشوائية بأنها تحويل أجندة سياسية لا معنى لها إلى نظريات متفائلة لإدارة التطور الإجتماعي. فقد ساغ للحركة بهذه العشوائية أن تزج بأجندتها السياسية الشاطحة في الممارسة العملية: أب جزم. وسبب ذلك أنها أصبحت مؤسسة مكتفية في ذاتها ولذاتها صَعَّرت خدها حتى للإسلام الذي كان مرجعها أول مرة. فزعمها تمثيل أغلبية سكان القطر، أي المسلمين، ومواردها الغراء من استثماراتها العديدة، خَيّل لها أنها مما لا يحتاج إلى حليف أو مٌكَمِل”. “وانتهت الحركة الإسلامية بذلك إلى مدابرة للتاريخ أو قطيعة معه لأنها ظنت أن أسترايجيتها مما يمكن إقحامه في مجرى الممارسة العملية متى شاءت بغير التفات لشرط الزمان والمكان. فالتغيير يقع، بحسب ظن الحركة، متى قالت كن فيكون. وما انقلاب 1989 الذي ارتكبته في رابعة النهار إلا شاهداً عدلاً على عشوائية الحركة وثمارها المرة “. ”
وتعمق  الأستاذ صبري الشفيع في كتابه من هو الدكتور حسن الترابي . . ومن هم جماعة الرابع من رمضان؟ (الخرطوم 2006) في هذه العشوائية واستوفاها. فقال إنه وقع في يقين الحركة الإسلامية أنه يكفيها أن تدعو لحاكمية الله فتسود بين عشية وضحاها لا يعتورها زمان ولا يصادمها مكان”. ” فقد  استقر عند الحركة أن السودان المستقل لم يقم على أصول ثقافته الراسخة بل على سطح نظم مستجلبة مقاليدها بيد شريحة من قيادات متعلمة سماها الترابي يوماً “الطبقة الخطية”. وهذه عقيدة يلتقي فيها مع الترابي مفكرون معادون للاستعمار مثل فرانز فانون. ولكن الترابي لم يحترز احتراز هؤلاء المفكرين الذين لم يستهينوا بهذه النظم المستجلبة ولا بنفوذها الجبار بين الطبقة الخطية. فالترابي يرى في غربة هذه النظم ضعفاً سيعصف بها متى اكتشفنا أصالتنا من جديد. وكأن أصالتنا نفسها قد سلمت من تأثيرات قوية ومتراوحة من هذه النظم السطحية المستجلبة. ووقع الترابي بذلك في خطأ الحركة الوطنية العلمانية التي قال إنه ورثها. فقد ظنت تلك الحركة العلمانية أن الاستعمار فترة سطحية لم تعلق بنا منه سوى أوشاب يسيرة ومتى زال صار بوسعنا أن نستأنف تاريخنا وكان الاستعمار لم يكن: أمة أصلها للعرب أوللإسلام “. 
جاء الدكتور بيتر نيوت بقول حول المأزق السوداني كان بوسع الحركة الإسلامية استثماره لتنزيل الشريعة الإسلامية بلطف وذكاء وكفاءة لا يجد حتى الخصم اللدود بداً من اعتباره. فقد قال نيوت إن المأزق السوداني يكمن في أن الشكوى من فساد قوانين موروثة من الاستعمار مثل السماح قانوناً بشرب الخمور أو البغاء لا يؤدي إلى تغيير تلك القوانين وإصلاحها كما في دول أخرى كثيرة بل إلى المسارعة في الدعوة إلى تغيير طبيعة الدولة أي إلى أسلمتها” (د. عبد الله على إبراهيم: الحركة الإسلامية بين الانفتاح والانغلاق:  ورقة قدمت لسمنار “قضايا وإشكالات الدولة الإسلامية المعاصرة” مؤسسة فردريش إيبرت بالخرطوم في أغسطس 2006.
ويتناول الكاتب البارز د. عبد الوهاب الأفندي التناقض الصارخ بين الشعارات والممارسة منذ البداية  ” ولكن التصدع العلني للحركة الإسلامية كشف فوق ذلك عن انهيار أخلاقي شامل لم يكن الانشقاق سوى آخر حلقاته. فقد كانت الحركة أفرغت نفسها من محتواها الأخلاقي حين داست على محظورات كثيرة في سبيل الوصول إلى السلطة والتمسك بها، فيما يشبه العملية الانتحارية. وعليه فإن الانشقاق لم يكن هو السبب في سقوط الحركة، بل مجرد الإعلان عنه. ” ومهما يكن فإن الرأي العام لم يكن في حاجة لشهادة الإسلاميين على أنفسهم حتى يقتنع بأنهم بعيدون عن الالتزام بما ألزموا أنفسهم به من اتباع لقيم الإسلام. فقد شهد الناس من الإسلاميين أثرة في أمور المال والسلطان، وإقصاء لمن خالف أو شك في ولائه. وقد تطور الأمر بحيث أن غالبية الإسلاميين قد وجدوا أنفسهم بدورهم في خانة المشكوك في ولائهم، حيث أصبح الولاء المطلوب ليس لله ورسوله وقيم الإسلام، بل لمن بيدهم الأمر. وفي هذا الصدد فإن التشكك فيمن يعتقد فيهم صدق التوجه الإسلامي يكون أكبر لأنهم على الأرجح لن ينصاعوا لكل ما يطلب منهم من أمور قد تخالف ضمائرهم.” د. عبد الوهاب الأفندي: الممكن والمستحيل في إنقاذ الإنقاذ
www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3679
وربما ساعد مواقف الحركة الإسلامية السودانية من الدولة الوطنية، المواطنة والوحدة الوطنية على تباين موقفها لوصفة بالانتهازية السياسية كما اوضح  د. عمر الخير إبراهيم ” قبول الحركة الإسلامة السودانية وكثير من الحركات الإسلامية الأخرى لنموذج الدولة الوطنية يلزمها القبول بمبدأ الوطنية والقطرية وما يترتب عليهما من حقوق وواجبات محلية ودولية ” فقد قبلت الحركة الإسلامية السودانية ـ مبكرا ـ فكرة المواطنة ونموذجها المتمثل في الدولة الوطنية كأساس يتيح لها المشاركة في العملية السياسية الديمقراطية ويهيئ لها من بعد، الانطلاق إلى مراقي تحقيق الوحدة الإسلامية للمسلمين. فقد أدركت الحركة أن الواقع السياسي والاجتماعي الموروث لن يكون من السهل تغييره ما لم يتم الإعتراف به أولا. وأن القدوم إلى الواقع بنصوص مثالية لن يفلح في إحداث النقلة المرادة له، بل قد يسهم في خلق جفوة بين الحركة والمجتمع يصعب معالجتها وتعود نتائجها سلبا على الإسلام كعقيدة دينية لاحقا. ” وربما كان هذا يفسر لنا مشاركة الحركة الإسلامية ـــ عبر واجهاتها السياسية المختلفة ـــ في خوض كل الانتخابات التي تمت في كل الأنظمة الديمقراطية. بل شارك الإسلاميون في كيانات المعارضة التي كونت لمحاربة الأنظمة العسكرية التي أسقطت الحكومات الحزبية المنتخبة وحكمت البلاد بالقوة العسكرية ــ (نظام عبود/ نظام النميري) ـــ مطالبة بعودة الديمقراطية والنظام الديمقراطي.
هو اتجاه النظام لإنشاء المحكمة الدستورية لأول مرة في تاريخ السودان بدلاً من أن تكون دائرة في المحكمة العليا للهيئة القضائية، تأكيداً على علوية الدستور وضمان الحريات العامة وسيادة القانون. الحركة الإسلامية السودانية:نظرات فى الفكر والممارسة (د. عمر الخير إبراهيم: نظرات فى الفكر والممارسة: أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة سنار بالسودان
http://www.ashorooq.net )
قضايا الحكم فى السودان
القضايا الجوهرية
فى هذا الفصل سنتناول وبالتفصيل القضايا التى اعدها جوهرية وحاسمة فى مسارات حكم البلاد ابان العهود المختلفة. والتى ربما شكلت اساسا لعدم دوام الديمقراطية وتعسرها الدائم ان تشق طريقها. واورد هنا مقطعا مطولا من مقال د. عبدالوهاب الأفندي فى موقع الراكوبة نقلا عن القدس العربى اللندنية بعنوان: ضروب الإقصاء ومطالب المواطنة: حديث مستأنف حول إشكالات بقاء الدولة السودانية  يوضح مانرمى الية بالحكم وانواعة: ” ففي كل النظم غير الديمقراطية، هناك طبقة حاكمة تمارس السيادة على بقية أهل البلاد الذين لا يرتفعون بهذا السبب عن مقام الرعية. ففي الدول الملكية، تنحصر السيادة في الأسرة المالكة، وفي النظم الاستبدادية تكون للحاكم الفرد، وفي الأوليغارشية، تكون السلطة للأقلية الحاكمة، وفي الأرستقراطية يكون الأمر لطبقة النبلاء، وهكذا. أما الديمقراطية فهي النظام الوحيد الذي يكون فيه كل المواطنين (نظرياً على الأقل) أعضاء في الطبقة الحاكمة، ومتساوين في المواطنة. وعليه فإن أي سلطة فعلية تنفيذية أو تشريعية تكون خاضعة لسلطان جماعة المواطنين، وخادمة لهم لا سيدة عليهم. ولا بد أن تبرر هذه السلطة كل أعمالها للشعب، وتكون خاضعة للمساءلة أمامه، وبالتالي للخلع والإبعاد إذا لم يرض عنها الشعب. وهذا هو مقتضى مقولة حكم الشعب لنفسه”. (د. عبدالوهاب الأفندي: ضروب الإقصاء ومطالب المواطنة فى موقع الراكوبة نقلا القدس العربي اللندنية، 23/11/ 2003)
ثقافة الاقصاء
نود ان نبدا الاشارة هنا الى احدى السمات العامة التى حكمت ولازالت تتحكم بالحياة السياسية السودانية بميسمها الاليم و سنطلق عليها ثقافة الاقصاء ونقصد بها هنا بالمعنى السياسى واقرب المعانى لما نقصد جاء فى مقال السيد يوسف  ” الرغبة الجامحة لفئة أو شريحة ما للاستئثار بالسلطة، التي تؤدي إلى رفض الآخر وإلغائه وادعاء العصمة والكمال والبراءة والنظافة، وربما يلعب (التحجر الأيديولوجي) دوراً في انتشار ظاهرة الإقصاء وتسيدها، إذ يؤدي احتكار الحقيقة والصواب وادعائهما، إلى الإقصاء والإلغاء بل حتى التكفير، ناهيك بتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني تربوياً وإعلامياً وثقافياً، وتعرض هذه المؤسسات نفسها لآليات الإقصاء والإلغاء.( مقال السيد يوسف، الحوار المتمدن – العدد: 1516 – 2006 / 4 / 10 
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=61824“.)
لاهمية الموضوع فى مبحثنا فسنورد بعض المفاهيم العامة من وجهات نظر مختلفة للنظر للاقصاء فقد نظر لها أبكر أدم إسماعيل من وجهة الهوية الوطنية ويرجع  نزعة الهيمنة والإقصاء المتشددة الى: البطرياركية الأبوية القائمة على التشدد العرقي: نمط الاقتصاد الريعي العشائري (الطفيلي) والنزعة الاستبدادية المتشددة (أبكر أدم إسماعيل : جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان
http://dozna.ahlamontada.com/montada-f1/topic-t78.htm )
 يستعرض الاستاذ احمد ابراهيم ابو شوك فى مقال ممتاز فى موقع المعرفة التابع لقناة الجزيرة ” ظهر تياران للإجابة عن سؤال الهوية المأزومة: أحدهما يتبنى طرحاً صدامياً، لأنه يرى في الترويج للهوية “الإسلاموعربية” دعوة لتفكيك دولة السودان الموحدة، بينما يقدم التيار الآخر طرحاً وفاقياً، يزاوج بين الهوية والمواطنة” ويرى انة يأتي في مقدمة أنصار الطرح الصدامي أولئك الذين يطعنون في شرعية الهُويَّة السودانية المنشودة وفق هدي المشروع الحضاري، الذي يعُدُّونه مشروعاً إقصائياً وكارثياً على وحدة السودان؛. يرى الكاتب ان التيار التوفيقي ينقسم إلى عدة تيارات ثانوية ” يتصدرها تيار الدولة الوطنية والتنمية والتيار التوفيقي الثاني يتمثل في تيار الهُويَّة والديمقراطية، والذي يعزي أحد أنصاره، الأستاذ عبد العزيز الصاوي، فشل إنجاز مشروع الدولة السودانية في المقام الأول إلى عجز “النُّخبة السودانية في تأسيس مشروع الديمقراطية، الذي هو صنو لمشروع التنمية، كما أثبتت التجارب العالمية في الهند وماليزيا أما التيار التوفيقي الثالث فيزاوج بين المواطنة والهُويَّة “السودانوية” التي لا تمييز فيها لأحد بسبب العنصر، أو الدين، أو اللغة، أو الثقافة، أو الجهة. “( الاستاذ احمد ابراهيم ابو شوك : موقع المعرفة التابع لقناة الجزيرة  بعنوان :الهُويَّة السودانية بين رهان الوحدة وسيناريو الانفصال    
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/363D42FD-A530-42C0-A8DF-790A64ADECFC.htm
الأستاذ محمد الحبر يوسف نظر لها من زاوية الصراع الحضارى اعتبرها: “نفي الآخر وإقصاؤه سمة ملازمة لكل ثقافة غالبة تعمل على بسط سلطانها ، وتدعيم نفوذها، دون اعتراف بحق الآخرين في الخلاف. ومن طبيعة هذه الثقافات أنها تعمل -ما وسعها العمل -على إخضاع خصومها والمخالفين لها ، وقد حدثنا القرآن الكريم حديثا طويلا عن الصراع الذي خاضه الأنبياء مع أقوامهم. والثقافة الغالبة في عصرنا هذا تمضي على ذات الطريق الذي سلكه أؤلئك الجبارون من قبل ، غير أن التقدم العلمي الهائل ، قد وضع في يد هذه الثقافة المعاصرة أدوات عديدة مكنتها من ممارسة هيمنتها وطغيانها بصورة أسوأ بكثير مما عرفته البشرية عن قوم نوح وعاد وثمود! ، ويتجلى هذا في الاتفاقيات الدولية ذات الطبيعة الثقافية التي لا تراعي خصوصيات الشعوب وتقاليدها، ومع ذلك يراد لكل بلاد الدنيا أن توقع عليها بلا تحفظ أو تلعثم ، وإلا فإن سيف العقوبات مسلط على الرقاب. (الأستاذ محمد الحبر يوسف فى موقع السودان الاسلامى
http://www.sudansite.net/2009-06-21-19-50-13/2008-10-08-09-40-46/629  )
واخيرا تناول د. عبدالوهاب الأفندي فى مقالة ضروب الإقصاء ومطالب المواطنة: حديث مستأنف حول إشكالات بقاء الدولة السودانية “من هنا فإن مفهوم المواطنة لا قوام له خارج مفهوم الديمقراطية، ولا تعريف له إلا بالاستناد إلى الفكر الديمقراطي. إلا أن الإقصاء الاستبدادي ليس هو النوع الوحيد من أنواع الإقصاء. فقد ظلت الديمقراطيات تمارس الإقصاء في حق طائفة من رعاياها، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تدعي أنها قامت على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنها ظلت تحرم جل سكانها من حقوق المواطنة حتى مراحل متأخرة من تاريخها، وخاصة النساء والسكان الأصليين والأفارقة الأمريكيين وبعض فئات الآسيويين، وعلى رأسهم الصينيون ومهاجرو أمريكا اللاتينية. وإذا طبقنا هذا على الحالة السودانية، فالثابت هو أن الدولة السودانية لم تمارس عملياً الإقصاء المقنن. فالقوانين السودانية ودساتير السودان ظلت تنص منذ البداية على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. ولكن هذه السياسة تحديداً هي المشكلة. فالمساواة النظرية قد تؤدي إلى تمييز عملي، كما حدث في أمريكا وغيرها حين استخدمت معايير متساوية للقبول في الجامعات والتوظيف للفئات التي تمتعت بامتيازات لقرون طويلة، وتلك التي حرمت من كل شيءhttp://alrakoba.net/articles-action-show-id-3308.htm
ويجدر بنا فى هذا المكان ان نتناول مسالة ما اعتبرها الامام الصادق المهدى فرية  الا وهى تسليم حزب الامة الحكم لعبود فى 17 توفمبر 1958 وحمل السيد عبد اللة خليل سكرتير حزب الامة ورئيس الوزراء  انذاك المسئولية التاريخية، مستندا الى وثائق ومستندات. ان سريان هذة الثقافة فى جسم الحياة السياسية السودانية يظهر جليا فى الصورة التى تفضل الامام الصادق المهدى بايرادها فى كتابة عن ان سفر رئيس  حزب الشعب الديمقراطى – المشارك مع حزب الامة فى حكومة السيد عبد اللة خليل- بدون اخطار رئيس الوزراء والشائعات حول عزم الحزبين الوطنى الاتحادى والشعب الديمقراطى على التوحد والاطاحة بحكومتة بايعاز من القاهرة وكذلك توجسة فى موقف قيادة حزبة – الامة- اديا الى اتفاق تسليم السلطة لعبود. (الامام الصادق المهدى: ميزات المصير الوطنى فى السودان، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة 2010).
قراءة اخرى للحدث جاءت من السيد  محمد حسن العمدة: “شبهة دور حزب الأمة في انقلاب 17 نوفمبر 1958. كان حزب الأمة يعاني من انقسام حاد عام 1958 بين تيار يقوده أمين عام الحزب ويرى أن مصلحة البلاد تقتضي أن يستمر الحزب مؤتلفا مع حزب الشعب الديمقراطي. وتيار أخر يقوده رئيس الحزب يرى عكس ذلك وأن مصلحة البلاد والحزب توجب الائتلاف مع الحزب الوطني الاتحادي. وكان الاختلاف حول الموضوع حادا لدرجة جمع توقيعات نواب الحزب في البرلمان لتأييد هذا التيار أو ذاك. وجاءت معلومات لأمين عام الحزب وهو في الوقت نفسه رئيس الوزراء أن الحزب الوطني الاتحادي مجتهد للوصول للحكم سواء كان ذلك عن طريق الائتلاف مع حزب الأمة أو التآمر لذلك قرر تسليم الحكم لقيادة القوات المسلحة واتفق معها على أن يكون الإجراء مؤقتا ريثما يزول الخطر الذي تصوره. التيار الآخر في الحزب وهو الأقوى اعتبر الانقلاب موجها ضده لذلك أعلن رئيس حزب الأمة بطلان الانقلاب وأعتبر أن تأييد راعي الحزب للانقلاب مبني على سوء فهم. وسرعان ما اكتشف راعي الحزب وأمين عام الحزب أن الفكرة من أساسها كانت خاطئة وتضامن أمين عام الحزب مع مقدمي المذكرة الشهيرة من ساسة البلاد. كان الانقلاب على حزب الأمة مثلما كان على القوى السياسية الأخرى (السيد  محمد حسن العمدة: الديمقراطية المستدامة 
http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=7777&page=3  )
ورغم ان معالجة المسالة من هذة االجانب مهمة وضرورية من اجل وضع الامور فى نصابها و تحديد المسئوليات الا ان هذا لن ينفى ان اعمال التحليل السياسى المتعمق فى حيثيات السياق التاريخى يبرز بجلاء الضعف القيادى والتنظيمى للمنظمات السياسية، سيادة روح الشخصنة عند رواد الاستقلال، عمق التدخلات الاقليمية وائرها فى تسيير الشان السوداتى واخبرا وليس اخرا انحصار الخلاف فيما اشار لة السيد الامام مرارا وتكرارا في من يحكم وليس كيف يحكم السودان.
مثلت  ثورة اكتوبر 1964 و بروز الجبهة الوطنية للهيئات اول الفرص الحقيقية الضائعة فى بدء دولة مستدامة  اذ ان قوى مدنية جديدة ظهرت بقوة على الساحة السياسية وتبنت ميثاقا فضفاضا تضمن شعارات عامة وكان يمكن ان يطور لبرنامج حكم عملي- اى برامج الحد الادنى المعتادة فى هذة المواقف التاريخية المفصلية-  عندما  لم يتم الوصول الى تعاقد بين القوى كافة حول القضية الجوهرية كيف يحكم وليس من يحكم السودان؟. ما جرى هو الاقصاء حاولت القوى المدنية الجديدة تطبيق يرنامج الحد الاقصى وتربصت بها القوى التقليدية الدوائر وحققت برنامجها الاقصى.
الاقصاء المركز
تمثل مسيرة الاسلام السياسى سواء فى السودان اوغيرة اقصى ما وصلت الية سيادة ثقافة الاقصاء، على المستوى الفكرى والعملى. ولانبالغ اذا قلنا ان تاريخ الاسلام السياسى فى السودان هو تاريخ العمل فى ازاحة الاعداء ونفى الحلفاء وتدميرالاصدقاء، مستندة الى فقة الضرورة تبريرا و الكذب والتزوير والمؤامرات وسائلا. بدات اول عهدها فى الخمسينات 1954 بتوزيع بيان باسم الحزب الشيوعى فى الخرطوم تدعوا فيها الناس الى التخلى عن الدين الاسلامى واسقاطة من حياة الفرد والجماعة وتنادى بحياة الشيوعية.
وقد احسن المرحوم بابكر كرار فى وصف الترابية التى اتخذت من العنف والاقصاء وسائل عملها الاساسية ” الترابية افة الحركة الاسلامية” (الاخوان والعسكر: قصة الجبهة القومية والسلطة فى السودان، مركز الحضارة العربية للاعلام والنشر، يناير 1993 ). ولا اظننى فى حاجة للمتابعة فى هذا المجال فالساحة السياسية ملاى بامثلة لا حصر لها. ولكن لان لكل شىء افة من جنسة فقد انتهى الامر بمن كانوا سادة الاقصاء والعنف اللا اخلاقى الى الاقصاء والعنف المتبادل ادامة اللة ورعاة.
عهود عدم المحاكمه
الديكتاتورية الاولى (1958-1964 )
السمة العامة الثانية التى حكمت وستحكم الحياة السياسية السودانية بميسمها الاليم حتى تعالجها الثورات السودانية سنطلق عليها ثقافة عهود عدم المحاكمه. وقد اورد الباحث القانونى الضليع السيد محجوب ابراهيم حسن فى بحثة: التشريع والتطور الديمقراطى فى السودان حتى مايو 1969 ” ان حكومة اكتوبر شكلت لجنة تحقيق قضائية لمعرفة الاسباب التى ادت الى استيلاء العسكر على الحكم ، الا ان الحزبين الكبيرن والاخوان المسلمين كانوا قد سارعوا لاعطاء عهد للعسكر بعدم محاكمتهم دون تفويض من احد. وقد تذرع المعاهدون  ” بان ما قاموا بة نبع من اعتبار دينى”. ويرجع الباحث الاسباب الحقيقية لرغبة هولاء فى حماية رؤؤس حزبية تورطت مع النظام، و الخشية من زيادة شعبية جبهة الهيئات  و سبب اخر-مبنية على ادلة ظرفية لاحقة- ان جماعة الاخوان المسلمين كانت اخترقت الجيش وفى استراتيجيتها الاستيلاء على السطة مستقبلا.) ضمن ابحاث ندوة تقييم الديمقراطية في السودان، 4-6 يوليو 1993 مركز الدراسات السودانية فى القاهرة(
كانت شعارات اكتوبر “لا زعامة للقدامى”  “التطهير واجب وطنى” “الى الثكنات”  وتدلنا تجارب العالم الاخرى ان هذة كانت احدى الفرص الضائعة فى تاريخنا، اذ فشلت الاطراف المكونة للفضاء السياسى من القوى المدنية الجديدة – نقابات، منظمات اهلية…الخ والاحزاب المختلفة الرؤى من وضع اساس متين لمنع تكرار هذا المشهد. لو كان تم هذا لكنا استاصلنا شافة المتلازمة السياسية السودانية ووضعنا الاساس لبناء ديقراطى مستدام. ونعتقد ان من بين الاسباب المهمة بين ضمن اسباب متعددة:
اولا: المحاسبة التاريخية للانقلاب ونقصد بها ليس المحاكمة الجنائية والعقاب ( والذى تم علية اتفاق موضوعى راعى منظومة القيم السائدة) ولكن المحاكمة السياسية للتمرد فى شكلة العسكرى، خاصة وان الانقلابيين انفسهم كانوا قد اعدموا بعض زملائهم الذين تمردوا عليهم. المحاسبة التاريخية للانقلاب كانت عمل سياسى للبحث عن اسباب الانقلاب تتم من خلال لجان محايدة وتعرض نتائجها على الشعب السودانى ويشترك العسكر فى هذا النقاش وربما يستدعى الامر بالانقلابيين الاعتذار للشعب السودانى وطلب الصفح ومن ثم اجراء تغييرات قانونية، ادارية، دستورية وفنية لاعادة الجيش الى دورة الوطنى فى حماية التراب الوطنى والدستور.
ثانيا: من اهم الواجبات التى طرحتها ظاهرة الانقلابات المتعددة التى حدثت خلال الستة اعوام كان واجب تصفية الجيش من النشاط السياسى والتنظيمات المتعددة التى كانت منتشرة وسطة. ولا ادرى حقيقة اذا طرح هذا فى اى اجندة او مطالب او مناقشات فلم يقع فى يدى اى مرجع يدل على ذلك.
ثالثا: كان التطهير الذى تم فى اعقاب ثورة اكتوبر وطال بعض المنتسبين للخدمة العامة قد سيج بقانون واطر عادلة وتكوين لجان محايدة للتحقيق فى دعاوى الفساد وعرضها على القضاء واشترك فيها كافة الاحزاب وفتح المجال للاحتكام للقضاء لرد الحقوق وحل الظلامات. لكن ضعف الثقافة القانونية فى المجتمع حال دون وصول المظلومين حقيقة الى المحاكم للمطالبة بحقها ولم تساعد الهيئات التى كانت تقود فى المساعدة والدعم المطلوب. لكن يبقى ان  اللجان المحايدة لم تكن محايدة بل كونت من الاحزاب التى ناوءت النظام (شوقى ملاسى من البعث، الاستاذ احمد سليمان، عن الحزب الشيوعى، الدكتور محمد صالح عمر، عن الاخوان المسلمين، والدكتور احمد السيد حمد، عن الحزب الاتحادى، وازبونى منديرى عن الاحزاب الجنوبية). وقد اورد عضو لجنة التطهير شبهة التحيزات والتصفيات ” وقدم ملاسى نماذج وامثلة محددة لممارسات محمد صالح عمر، التى دمغها بالظلم والتطرف فى مواجهة الاشخاص المستهدفين. وأعقب ملاسى تقويمه لاعمال تلك اللجنة التاريخية بحكم شامل اعلن فيه ان معظم قضايا الثراء الحرام وصور التطهير، وهو التعبير الذى كان شائعاً عهدذاك للدلالة على الفصل من الخدمة المدنية او العسكرية، التى انغمست فيها اللجنة كانت فى واقع الامر قائمة على أحقاد شخصية وتصفية حسابات بين موظفى الدولة، ونتج عنها خسارة أجهزة الخدمة العامة لعدد من القياديين المتمرسين”. (مصطفى عبد العزيز البطل: أوراق شوقى ملاسى (2) : قضاة متآمرون وصحافيون مرتشون: 
http://www.sudanile.com
الديكتاتورية الثانية (1969-1985 )
عشية الانتفاضة فى 1985
سير اتحاد جامعة امدرمان الاسلامية موكبا معارضا للسلطة في 26 مارس 1985م وبعدها دعت نقابة اساتذة جامعة الخرطوم لموكب المعارضة للنظام في يوم 3 أبريل 1985م وتم الاتفاق بين الاطراف السياسية على التوقيع على ميثاق وطني يضم كل القوى السياسية المشاركة في الموكب واعلان الاضراب السياسي و كتب السيد الصادق المهدي مشروع الميثاق الوطني وقام  بتسليمه للسيد أمين مكي مدني فأوصله للآخرين حيث وافقوا عليه وتم توقيعه مساء الجمعة 5 ابريل 1985م.
ما حدث بعد ذلك كان كلاسيكيا فقد تحرك صغار الضباط والذى كان لحد ما لازال قوميا ومتعاطفا ولكن بدلا من التصرف واستلام السلطة فقد انحازوا الى التراتبية الوظيفية والشرعية الزائفة للنظام المايوى وقادتة ومارسو الضغط  على القادة للأنحياز للشعب للتاثير على القائد العام الفريق سوار الذهب المتردد بسبب بيعته لمجدد المائة جعفر نميري.
عشية الانتفاضة فى 1985 كان الذين تدافعوا الى الشوارع فى المدن السودانية وهتفوا مليون شهيد لعصر جديد، نوعا مختلفا عن الذين طافوا نفس الشوارع فى اكتوبر 1964 وان كانت الامور قد اصبحت اكثر بؤسا وتدهورا. فى اكتوبر 1964  كانت الاحزاب لازالت منظمة كما هى بمالها وعتادها واتصالاتها بجماهيرها واساس وجود النقابات من مشروع الجزيرة والزيداب وجبال النوبة ومشاريع الشمالية والنيل الابيض والازرق فعالة ومنتجة ومنظمة، وعطبرة تضم اضخم تجمع عمالى فى البلاد والمصانع والمعامل والمهنيين  تنتظم فى نقاباتها. اما الخدمة المدنية فهى جوهرة الوطن السودانى  وكان تدخل النظام فيها محدودا جدا والحياة سهلة وميسورة والمجتمع متماسكا ومترابطا والخدمات مستقرة وان كانت محصورة فى المركز ومراكز الاطراف. كان الشارع يتكون من ثوار يريدون الحرية والديمقراطية والسلام اكثرمن القضايا الاقتصادية او الفساد.
الذين خرجوا فى 1985 كانوا شعبا منهكا يعانى قطاعات كبيرة منهم من المجاعة القاسية، كانوا نتاج نظام جردهم من الوسائل المعتادة لاسقاط الانظمة، فعطبرة دمرت تماما وجففت من روحها النضالية وفككت السكك الحديدية وشرد عمالها او اعتقلوا او دفعوا للهجرة الى الاسواق الجديدة للقوى العاملة المدربة التى انفق الوطن دم قلبة لتاهيلها وكذلك فككت المصانع والورش. وعندما لم يفلح كل هذا فقد كانت قوى الاسلام السياسى جاهزة لتحتل النقابات العمالية وتحييدها وكسر عزيمتها مستعينة بكل وسائل التخريب والتزوير والترغيب والترهيب، بما اشار الية الاستاذ المحبوب عبد السلام “وهو خلق استشرى بغير فقة ولا تقوى فى منافسات الحركة الاسلامية مع خصومها فى اتحادات الطلاب ونقابات المهن وبرعت فية الاجهزة الخاصة للمعلومات والامن، وظلت تتحالف لانفاذة وتمام نجاعتة عضوية الحركة فى الاجهزة الشعبية والرسمية لتكسب بة مقاعد الاتحادات والنقابات ،ريثما تستدير بالفوضى على نفسها فتزور ارادة قاعدتها داخل حزبها لصالح اجندة القيادة” . ( المحبوب عبد السلامك الحركة الاسلامية دائرة الضوء، خيوط الظلام تأملات في العشرية الاولي لعهد الانقاذ، دار مدارك، 2009).
مشاريع الزراعة لم تسلم من التدمير المنهجى بفضل التوجيهات المضرة والتدميرية من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى سواء الجزيرة او المشاريع الاخرى وعانت من الاهمال والفساد والعشوائية ودمرت منظماتهم ونقاباتهم وزادها ازمات الوقود والتمويل والتصحر و الزراعة الالية العشوائية. وتحول اكبر مشروع زراعى ناجح فى افريقيا والذى تركة المستعمر وحافظت علية الحكومات المختلفة قلعة من العمل والعلم والانتاج الى خرائب مدمرة وقنوات مهملة. وقد شهدت هذة الفترة اكبر موجة هجرة من المناطق الزراعية ، خاصة الجزيرة، الى ظروف عمل بائسة لزراعة جناين الخليج ورعى خيول وجمال السباقات.
كان اغلب الشارع الذين خرجوا فى 1985  شبابا انتظموا فى مدارس السلم التعليمى الذى استوردة المغفور لة محى الدين صابر من النظام الناصرى وحولت مناهجها الى الحشو والتلقين والطول، والمدارس خلت من كل ادوات االتعليم وتهللهلت الابنية وتكسرت المقاعد والادراج وتعرضت عقول السودانيين الصغار للتدمير المنظم والذى راينا من نتائجها فقر وضعف هذا الجيل وقلة المبدعين وعدم قدرتها ان تنتج خلفاء للاجيال السابقة منذ ثورة 1924 . ليس هذا فحسب، فالمعلمين هاجر الاكثر كفاءة وتدريبا ودخل سوق التعليم معلمين بلا تجهيز او تدريب مما زاد الامر سوءا على سوء.
انعكس اثر انسحاب الدولة من مسئولية الخدمات بشكل فادح على الخدمات الصحية بفضل سياسات التكيف الهيكلى المدمرة من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ، وفاقم من هذا المقاومة الجسورة والبطولية لنقابات العاملين الصحيين ، خاصة الاطباء فى نهاية السبعينات فوقع فيهم تشريدا واعتقالا وعسفا. ادى هذا الى هجرات واسعة بشكل لم يسبق لة مثيل من كافة العاملين اطباءا وممرضين وفنيين، وخلت المستشفيات والمراكز الصحية من العاملين الصحيين خاصة فى الاقاليم والارياف. وقد وصلت نسبة العاملين الى السكان الى نسب متدنية جدا بالمقارنة مع افقر الدول فى العالم. هذا الى نقص التجهيزات والادوية و كافة الاحتياجات. تعرض هذا القطاع الى اكبر الوان التامر من الاسلام السياسى، فبعد فشلهم فى السيطرة على النقابات وعزلهم منها قاموا بانشاء منظمات موازية مثل الجمعية الطبية الاسلامية والتى لعبت ولا زالت دورا تخريبيا فى المجال الطبى.
لم يسلم اهم قطاعين، كانا نتاجا لعهود طويلة من البناء العلمى، التعليمى، الوطنى والاخلاقى، هما الخدمة المدنية والجيش من التدمير المنظم، المنهجى و المخطط واخلائة من القادة والنقابيين المحنكين ومن الرموز الوطنية الشريفة والكفاءات المهنية والخبرة. فغير الصالح العام والتشريد المنظم لعب الوضع الاقتصادى المتردى دورا دافعا بهولاء الى الهجرة ليعمل القليل فى مجالاتهم الاساسية فى دول المهاجر المختلفة وحرموا من التدريب المستمر.
اذن من هم الذين تسيدوا الشارع فى ذلك الزمان وفى ماذا كانوا يفكرون وماهو احلامهم وامالهم ومزاجهم. رغم ان حبرا كثيرا سال حول الانتفاضة، وقد اطلعت على معظمة فى حينة، الا ان المكتبة السودانية لم تتصدى لانتاج دراسات تحليلية حول قضايا مثل التى نسالها الا بعد انقلاب الانقاذ والتى كان لها فضل انها دفعت النخبة للتصدى فى مواجهة نظام جاء يحمل جماعة لها فكرها الشمولى المحكم.
يقود هذا الى دور النخبة فى الاحزاب، لم توجد فى كافة احزابنا او حولها مايسمى خزان التفكير (ثنك تانك) ويقوم هذا على ان الاحزاب لها قادة ميدانيين هم السياسيين الذين ينشغلون بمتابعة التحركات اليومية ونبض الشارع وتغييراتة ولكن ليس لديهم الوقت الكافى للدراسة المعمقة واجراء البحوث وتقديم الخيارات الاستراتيجية والاولويات والتنبية الى تاثيراتها وحتى خيارات التنفيذ. ووصفهم الامام الصادق المهدى افندية يديرون الحزب وينتظرون الانتخابات. ورغم ان هولاء الافندية كانوا من اسس الحياة الثقافية ما قبل الاستقلال ولهم اسهامات كبيرة الا انهم عندما تعاطوا السياسة اكتفوا بالخطب فى منابر الجمعيات التاسيسية او اصدار المذكرات او تدبيج القصائد فى حب الرئيس.
الحزب الشيوعى الذى ضم – سواء فى صفوفة او مروا بها – اكبر حجم من المثقفين المنتجين والفاعلين كان بشكل نسبى اكثر القوى السياسية تعاطيا للانتاج الفكرى ولكن مع ضعف واضح فى عطائة فى مجال التحليل السياسى والفكرى، وربما كانت بعض مهمات الكادر المتفرغ القيام بهذا الدور ولكن هولاء قلة لايعتد بها. وانشغل معظم المثقفين بالدعك و الحركة لبناء الاشكال التنظيمية و”النقة” وامتصاص المعرفة بديلا عن انتاج المعرفة. وبخلاف نظرائهم فى مصر والشام والعراق تركوا هذا الدور لقيادة الحزب.  
سيطر التناقض الاساسى فى مبادرة خريجى التعليم العصرى فى طرح انفسهم كممثلين للتجديد الدينى والصورة العصرية فى البلاد وخريجى المدارس الاسلامية من دار العلوم والمعاهد العلمية (مدرسى العربى والدين والقضاة الشرعيين) على مسرح الاسلام السياسى وشكل معظم الفضاء الثقافى. كما سيطر الضجيج حول التناول الديماجوجى و المبتسر فى تناول ونقد وتشوية اعدائة الحقيقيين والمحتملين. ويمكن اذا راجعنا الانتاج الفكرى لكافة تنظيمات الاسلام السياسى المختلفة طوال تاريخها لوجدناة يعد على الاصابع. وانشغل مثقفى الحزب بالبناء التنظيمى حينا وخطب مجالس الشعب واللقاءات الجماهيرية وتركت ساحة العمل الفكرى و الاستراتيجى للامين العام الدكتور الترابى وكان هو مصدر كل الخطوط الرئيسية فى مسيرة الحزب. وحدث شىء شبية مع الاسلام السياسى فقد تم تهميش وتصغير والسخرية من جماعة المثقفين حسب رؤية د. التجاني عبدالقادر ” ثم أخذت ألاحظ لاحقا من خلال العديد من الاشارات والتلميحات أن «الدكتوراة» التى حصلت عليها فى السياسة قد اتخذها البعض وسيلة لابعادى تماما عن السياسة وتحويلى الى «مفكراتى»، وهذا مصطلح يستخدمه الترابى ثم يردده عدد من الأمناء الدائمين فى مكتبه التنفيذى وفى صالونه، اشارة تهكمية الى كل من ليس له تجذر فى النسيج القبلى، أو القطاع الاقتصادى، أو الأمنى، فقد كانت المرحلة كما اعتقد مرحلة تحالف استراتيجى بين دوائر ثلاث متداخلة: القبيلة، والتجارة والأمن، فمن لم يكن منضويا تحت واحدة أو أكثر من هذه الدوائر فهو اما «مفكراتى» فارغ، أو مغفل نافع بحسب اصطلاحات الشيوعيين. (د. التجاني عبدالقادر: البنية التحتية للفساد
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=121 )
   
سقوط النظام المايوى
عند سقوط النظام المايوى والذى شارك فية كافة اطراف الطيف السياسى، وكانت جماعة الاسلام السياسى والذين كانوا السند الاساسى لة طوال نصفة الاخير ثم تغدى بهم النظام فى السجون وكان هذا من حظوظ السودان السيئة. برغم ان من الصعب ان نعترف ان ماحدث فى 1985 والذى جاء كتراكم لتضحيات دموية واليمة و ظالمة من كافة قطاعات الشعب، اجهض بالكامل ولم يبق منة الا اطلاق اسم الانتفاضة والذى كان اكثر التعبيرات ذكاءا من الذين فكروا فيها. الاحزاب التى رزحت تحت نير الحكم المايوى لعقد ونصف والنقابات التى صارعت النظام ودفعث اثمانا فادحة والذين قتلوا واعدموا ولم تعرف قبورهم.
خرج الشعب الى الشارع واسقطوا النظام وبدلا من ان يستفيد القادة من هذا الزخم الذى ولدتة الانتفاضة فى الوصول بالوطن الى الغايات المرجوة واستعمال فن ادارة الثورة – التى هى علم قائم بذاتة – والتواصل بها والضغط. لكن النخبة التى جاءت من التجمع النقابي بصفته جهة محايدة وتصدت لقيادة البلاد والتى حضرت مئات ورش العمل وتاهلت بالشهادات العليا وعملت فى المنظمات الدولية لم تمتلك خطة عمل مفيدة، فالوزراء الذين تربعوا على كراسى السلطة لم يمتلكوا اى استراتيجيات عمل او خطط للمائة يوم الاولى،  جاوءا خلوا من الكفاءة الادارية والسياسية وفضلوا ” ان تكون حكومة ادارية محايدة ترسم الخطي لاعادة الديمقراطية وفق النمط الكلاسيكي .ان ترك قوانين سبتمبر على ما  كانت عليه وعدم النظر  في ترشيد التنظيم الحزبي والنقابي والصحافي بصورة تتجنب اخطاء الديمقراطية الكلاسيكية  تفريط كان  يمكن للحكومة الانتقالية كمنبر  ثوري سوداني ان تتجنبه وتمهد بذلك تمهيدا صالحا للنظام الديمقراطي القادم”. (الإمام الصادق المهدي: الديمقراطية في السودان عائدة راجحة، الطبعة الثانية).
تضمن دستور السودان الانتقالي  مطالب انتفاضة 1985 ” تلتزم الدولة استجابة لنداء ثورة رجب بتحقيق الأهداف الواردة في الميثاق الوطني وعلى وجه الخصوص : تصفية آثار النظام المايوي، تأمين نظام الديمقراطية النيابية وحماية أجهزتها ومؤسساتها الدستورية ، إنقاذ الاقتصاد الوطني وحمايته ومحاسبة الذين تســـببوا في تخريبه، إنقاذ المواطنين وحمايتهم من جشع الطبقات الطفيلية، إصلاح أجهزة الخدمة العامة  وحماية المال العام وتنظيم كيفية استقلاله” .وعرف الدستور “آثار مايو” انها تعني القوانين التي إستنها والمؤسسات التي أنشأها والممارسات التي قام بها النظام المايوي خلافا لتقاليد الحكم السليم ، وكذلك الأشخاص الذين عينوا في أي من أجهزة الخدمة العامة بدافع المحسوبية أو الذين عينوا في وظائف ممن لا تتوافر فيهم المؤهلات أو الخبرة أو الكفاءة اللازمة لها أو الأشخاص الذين يخشى من بقائهم في وظائفهم تعوق العمل أو تدهور الأداء .
الذين وقعوا على مشروع الميثاق الوطني  كانوا حزب الامة، الاتحادي الديمقراطي، الحزب الشيوعي، نقابات الاساتذة، المحامون، الاطباء، المهندسون، البنوك والصيارفه و التأمينات). وعكست المطالب رؤية هولاء فقد غاب عن الجمع نقابات العمال التى كانت فى قبضة الاسلام السياسى ونقابات المزارعين. لكن الغريب فعلا ان وجود الاساتذة والاطباء  لم يضف على المطالب احد اهم المسئوليات الاجتماعية للدولة والتى كان التنصل منها سببا لشقاء و الالام وهما: اصلاح النظام التعليمى والذى شكل ولازال يشكل احد اهم العقبات امام اى تطور للوطن منذ الاستقلال والطريق الى اى وحدة او تنوع اوالتنمية. ولم يخاطب مسالة الخدمات الصحية التى هى المدخل الرئيسى للتطور الاجتماعى واحد ابرز التفاوتات بين اطراف الوطن. النقابات التى من المفترض ان تدافع عن رفعة وازدهار مجالاتها الهامة والاساسية لحموع الشعب، خاصة الغائبين عن المسيرات والشارع وتضعها على مقدمة الاجندة، انحازت الى المعطى السياسى والمطالب السياسية كمدخل الى التغيير وبذلك رهنت ارادتها وفكرها الى المناورات التى لايعرفون عنها شيئا وتوزعوا على انتماءاتهم. وبذلك وصلوا الى اضعف الحكومات التى مرت على البلاد مع انها كانت تستند الى اكبر حجم من التاييد نالتة اى حكومة سابقة، بما فيها اكتوبر او لاحقة. 
اسوا سيناريو من الاحداث كان مابدا يتردد فى الشارع عن عودة قرنق فورا، وهذة سذاجة سياسية وبلاهة فكرية فادحة اودت بان تتحول ثورة محتملة الى انتفاضة غيرت من داخل النظام. لم يكن الصراع الشمالى الجنوبى مجرد ظاهرة مؤقتة او تعبيرا عن غضبة بل كانت انعكاسا حقيقيا لعجز النخبة عن حل كافة قضايا مابعد الاستقلال. عندما تولى التحمع النقابى والسياسى زمام الامور وتخلص من سندة الحقيقى فى استمرار ضغط الشارع ليس على النظام البائد ولكن على السياسات القديمة والتفكير التقليدى لم يمتلك سوى بعض لقاءات مع اطراف من الحركة الشعبية فى اثيوبيا. لم يتم مثلا تكوين مجموعة تنظر وتراجع مراجعة حقيقية الموروث من تاريخ المفاوضات وفكر الحركة ومطالبها العليا والدنيا ثم يتم انعقاد لقاءات تمهيدية ومشاورات للاتفاق على اتجاهات الحل المشترك، كل هذا مع اشراك الذين خرجوا الى الشارع. بدلا من هذا تمت خطوات اعلامية و استعراضية من الحكومة العاجزة والتى ارتضت ان يكون على راسها احد اركان الاسلام السياسى فى مجال الاطباء. كانت هذة احدى المفاصل المهمة التى كانت ستقربنا عما حدث نتيجة لذلك من الانفصال النهائى للجنوب.
عند الانتصار الجزئى للانتفاضة تربع قادة عسكر النميرى فى سدة السلطة (المجلس العسكري الانتقالي ليتولى الشؤون السيادية والتشريعية برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الدهب والذى دخل التاريخ بتسليم السلطة كما وعد وايضا برئاسة منظمة الدعوة الاسلامية التى سجل فية العميد عمر حسن البشير بيان انقلاب الانقاذ الاول. المجلس الذى سوف يجسر طريق الاسلام السياسى الى الوثوب للسلطة عن طريق سن القوانين المحابية لهم والوقوف ضد ما عرف بتصفية آثار النظام المايوي.
فماذا فعل المجلس العسكري الانتقالي فى الشؤون السيادية والتشريعية: جمد قوانين سبتمبر 1983م بدلا من الغائها وفتح الطريق للسودانيين لاختيار دستور يحقق لهم السلام والوحدة والديمقراطية. وتفرغ ترزيتة فى حياكة قانون انتخابى يمهد لقدوم الاسلام السياسى الذى وقد امتلك ناصية الثروة والنفوذ السياسى كان جاهزا للقفز على الديمقراطية واغرق البلاد والتجمع فى مناقشات دائرية غير منتجة. وكان من اخطر ما اجاز المجلس العسكري الانتقالي  قانون القوات المسلحة الذى جعلها شبه مستقلة من الجهاز التنفيذي في الدولة فحصر ذلك القانون السلطات في يد القائد العام وهمش وزير الدفاع لدرجة قصوى وبالتالي اضعف الصلة بين الحكومة والقوات المسلحة.
لماذا حدث ذلك؟ فالذين انجزوا الانتفاضة واتفقوا على مشروع الميثاق الوطني، عجزوا عن وضع رؤية لكيفية تحقيق ذلك. هنا لانبحث عن الاسباب التى يوردها من شاركوا وحاولوا تبرير العجز. ولابد لى من الاعتراف ان مايبدو بديهيا لى اليوم احتاج منى لعمر كامل تعمقت فية فى علم الادارة والسياسات ورسم الاستراتيجيات والعمل مع منظمات اقليمية وعالمية. ولكن هذا لايعفى القادة السياسيين الذين فوضناهم – وقطعا هذا خطا تاريخى لجيلى كلة- والذين كان فهم كيفية تحقيق ذلك من واجبهم.
الاسلام السياسى كان يعلم ان تطوير الانتفاضة الى ثورة ستنال اول ما تنالهم، فهم من بايعوا مجدد المائة وشجعوة فى الاهانة و الاعتقالات والقطع العشوائى للايدى والارجل ومن خلاف وتخريب النقابات ، كما انهم استغلوا ابشع مجاعة مرت على السودان فى 1984-1985 والتى اسميت مجاعة الهركيوليز لانها استعملت الطائرات ذات الاسم فى انجاد الجوعى  ” لما لوحظ تكرر المجاعات والكوارث فى السودان، أنشئت أعداد من المنظمات الخيرية التى تهتم بالعون الإنسانى، ولكنها تركت لأصحاب العقلية الرأسمالية التوسعية، فصار القائمون عليها فى كثير من الأحيان ينحدرون من الشريحة التجارية ذاتها؛ الشريحة التى تتخندق فى البنوك والشركات والمكاتب التجارية.( د. التجاني عبد القادر: الرأسماليون الإسلاميون، ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟) والتى انكرها المحبوب عبد السلام تماما فى كتابة دائرة الضوء ، خيوط الظلام ” والحق ان الحركة الاسلامية كانت مغيثا اساسيا فى المجاعة عبر منظمة الدعوة الاسلامية وشباب البناء ورائدات النهضة”. ويورد المحبوب سببا عجيبا ينفى فية فرية ملوك العيش – بنك فيصل الاسلامى ويعتقد ان وجود اكبر عشرة مستثمرين فى البنك هم من الاحزاب التقليدية ستقنع امثالنا من كانوا فى موقع الحدث فى دارفور وسمعوا عن هذة الفرية من المكتوين بها، وواللة هذا ضرب من الهراء و التملص والمغالطة لايجوز من الذين “لا يكذبون فى وطن نملكة”.
اليسار، خاصة الشيوعى كان قد استنفذ طاقتة فى انقلاب يوليو 1971 وظلت الاحزاب تدفعة الثمن عزلا واهمالا فقد تجاوزتة فى غزوة الخرطوم وصالحت النظام بدون ان تشركة. ورغم انة كان فى قيادة النهوض النقابى فى نهاية السبعينات، الا ان ما جمعة فى سنوات شتت النظام شمل قياداتة فى سلسلة قوائم الصالح العام. ثم صفى الحزب نفسة من الجيش واصبح مكشوف الظهر. العالم كات ايضا تغير فالناصرية اخلت مكانها للساداتية والجيش السوفيتى غزا افغانستان ضاربا عرض الحائط بكل نظريات الثورة والجماهير. عندما اطلت المسيرات ذات المزاج الديمقراطى اكثر من المزاج اليسارى، كان الحزب يتوقعها ويملك ذخيرة من اناشيد الفنان وردى وكلمات الشاعر الفذ محجوب شريف وكان فى الصفوف الاولى وقائدا مستعدا مع ابناء الشعب لدفع مليون شهيد لاسقاط النظام ولكن لم يكن يملك ما هو اهم من هذا كلة: الاهداف الرؤيوية كحدود ادنى واقصى واستراتيجية كيفية ادارة هذة الثورة لتحقيق الاهداف. ولذلك يمكن ان نقول انة شارك بشكل فعال فى قيادة الانتفاضة ولكن ترك الاخرين هم من يقررون مصيرها.
سنتناول هنا الاحزاب الطائفية الليبرالية، اذ انها فى زمن الديكتاتوريات تعلو فيها راية الخطاب الطائفى سواء الانصارية او الختمية خاصة الديكتاتوريات الاولى والثانية لظروف نجدها مسطورة فى مبحثنا هذا. وهذا طبيعى اذ انها بناء قائم اساسا على الطائفة الدينية التى استند مؤسسيها فى بنائها على الموروث التاريخى واللحمة التى تربط بينها. لكنهم ايضا استجابوا لمتغيرات العصر بقدر امكانهم وبقدر مساعدة المثقفين الذين انتموا اليها ولذلك ساهمت فى وضع اساس متين من التراث الديمقراطى العصى على الذوبان او الهجر رغم تعرضها لفترات طويلة من القهر وغسيل المخ والقمع الوحشى.
تنحو الديكتاتوريات اول ما تتجة الى فصل جماهيرهذة الاحزاب، والتى تشكل اغلب مكونات الشعب، عن قادتها، لانها مخزن المواكب المؤيدة والملجا للقادمين الجدد فى مقابل جماهير المدن ذات السقف العالى والصوت المرتفع والثورات المحتملة. فعلها النميرى حين جاب البوادى والفرقان على ظهر الكومر فى بداياتة واحتمى بالصوفية واهل الطرق وزعماء القبائل فى نهاية عهدة، كما فعلها سادة المشروع الحضارى لنسج شرعية عزت عليهم فى حشدهم فى عملية انتخابية اقل ماتوصف بة انها حققت المستحيل فى الفوز الكلى فيما نعرف فى تاريخ الديكتاتوريات والديمقراطيات حتى الربع كم.
ففيما ينشغل مثقفى الحزب فى اعادة ترتيب اوضاعهم والبحث عن مداخل للولوج الى السلطة الجديدة لاعادة تدوير انفسهم – ويمكن ان يحاول القراء فى البحث عبر الانترنت عن اسماء الوزراء واعضاء البرلمانات والمجلس المركزى ومجالس الشعب والمجلس الوطنى فى كافة العهود الديمقراطية وستجدون ان اغلب الاسماء متكررة لا يفرقها من السلطة سوى الموت الزؤام ولكنها تتكرر فى ابنائهم واحفادهم- ويوهمون القادمين الجدد انهم يحملون الجماهير التى كانت تفوزهم فى الانتخابات تحت اباطهم. اما عندما تثور الجماهير المدينية وتسقط الديكتاتورية ولا تتحقق محاكمات نورمبرج او حتى الحقيقة والمكاشفة الجنوب افريقية، فهم ايضا هناك يتلونون و يعيدون طلاء انفسهم والمصيبة ان نفس الاحزاب التقليدية تستعيدهم بنيولوك.
وتغير الوضع بعد رحيل الامام الصديق المهدى اذ كان من راى الامام الهادى المهدى ان لإمام الأنصار مطلق الصلاحيات داخل حزب الأمة وقد كان ذلك الفريق بزعامة السيد محمد أحمد محجوب على عكس راى ومسلك الامام عبد الرحمن المهدى كما اوضحت الخلافات والانشقاق الذى حدث فيما بعد فى الحزب واوضحتة رباح الصادق: “كان (تقصد الامام الصديق المهدى) من أوائل الذين أنشأوا حزب الأمة في عام 1945م وأصبح بوصفه ذاك عضوا في هيئة الحزب التأسيسية ثم انتخب بواسطة هذه الهيئة كما انتخب غيره لعضوية مجلس الإدارة أو ما يسمى الآن بالمكتب السياسي للحزب. (الصادق الهادي.. معركة في غير معترك: صحيفة أجراس الحرية : بتاريخ : الثلاثاء 2009 09:06
http://ajrasalhurriya.net/ar/news_view_1633.html) .
واستمر هذا ايضا طوال حياة السيد على الميرغنى – اذ ظل راعيا للحزب والمغفور لة السيد على عبد الرحمن فى قيادة حزب الشعب او والمغفور لة الزعيم اسماعيل الازهرى رئيسا للحزب الاتحادى الديمقراطى وطالت مع وجود المغفور لة الشريف حسين الهندى فى قيادة الحزب، ثم الت زعامة الطائفة والحزب الى السيد محمد عثمان الميرغنى. 
لذلك يجد قادة الاحزاب الطائفية الليبرالية فى الديكتاتوريات ان الجهاز السياسى الذى كان يلتف حولهم فى الديمقراطية ينفض، خاصة الفئات التى ترتبط مصالحها بجهاز الدولة مثل فئات الراسمالية وزعماء الادارة الاهلية وكبار الملاك الزراعيين وزعماء الطوائف الدينية. يتبعهم المثقفون الذين يحتاجون لبعض الوقت لاعادة تركيب المنطلقات الفكرية ومتابعة بالونات الاختبار التى تطلقها السلطة. ولا يبقى حقيقة الا افراد الطائفة التى تجد زادها الانفعالى و العاطفة فى هذة الارتباطات طوال عمرها وفى مجموعة الوكلاء والخلفاء، الذين لا يعتمدون على جهازالدولة الا بشكل قليل ولكن يعتمدون على مريديهم و احبابهم.
ربما كان الحزب الاتحادى الديمقراطى- خاصة بعد رحيل المرحوم الشريف الهندى- هو اكثر الاحزاب التى تعرضت لاغراءات النظام والتى استجابت لها ولا ابالغ اذا ذهبت ان اساس نظام النميرى كان يعتمد على تاييد قاعدة هذا الحزب، الذى تعرض كثيرون منهم للعسف والاعتقالات والتشريد. لكن العصا من الوسط التى تؤمن بها القيادة الطائفية للحزب والغموض فى المواقف وسياسة حرب العصابات فى اصدار المواقف السياسية اعطت لمن يريد الالتحاق بالنظام التبريرات. هذا وموقف الحزب المخزى من قوانين سبتمبر جعلتة من المتحمسين لقيادة المشير سوار الدهب ابن الطائفة. عندما اطلت الانتفاضة براسها كان الحزب غارقا باكملة تقريبا مع النظام وفاقدا لاى هوية ومؤيدا لقوانين سبتمبر. وهكذا دخل العهد الديمقراطى ممزقا وضعيفا وبلا برنامج مفيد. ولولا جهود بعض الليبراليين الحقيقيين داخل الحزب و تكتيكات الراحل جون قرنق لخلق تحالفات مع اطراف ضد اطراف والاستفادة من تناقضات السياسة السودانية والتى ادت لما عرف بمبادرة الميرغنى – قرنق لكان ذهب مع الريح. 
عندما تصدى ما اسماة الراحل جون قرنق مايو تو لمحاكمة العهد البائد ورموزة حدثت اكبر مهازل ما بعد الانتفاضة. فقد انتقى عددا من الرموز ككباش فداء وتمت محاكم هزلية سخيفة اقرب للتمثيليات الكابوسية وحاكمت اشخاصا وليس نظاما. لاحديث عن خرق الدستور الذى تورط فية الانقلابيين منذ البداية، ولا ذكر لدور القادة فى المجلس العسكري الانتقالي ولا حتى محاسبة سياسية للاحزاب فقد اشتركت جميعها فى خرق الدستور من انقلاب مايو فى اولها من تحالف اليسار ثم الشيوعيون فى يوليو وانقلاب 1973 ثم تحالف الاخوان والنميرى. هذا الى جانب مئات الوزراء من اعضاء الاحزاب البارزين الذين خدموا النظام باخلاص ( من اطلق عليهم السدنة والذين استطاعوا العودة الظافرة لكل الاحزاب او احتضنتهم الجبهة الاسلامية القومية).
وتحولت الاشواق الشعبية لمن يشرح لهم اسباب ما حدث لهم من افقار وتقتيل واعتقالات وعسف الحياة فاذا هى صدى بلا روح. اذا جردنا ماحققتة الانتفاضة نقول انها استعادت ديمقراطية اجرائية لاغير حكمت فيها الجبهة الاسلامية القومية فى اتجاهات سياساتنا وفى الشارع والاعلام وارزاقنا وتركت لنا الجمعية التاسيسية نستمتع بمناقشاتها فى تكوين واعادة تكوين الحكومات ذات الاسماء الرنانة.
ثقافة تاييد الانقلابات
السمة العامة الثالثة التى حكمت وستحكم الحياة السياسية السودانية بميسمها الاليم حتى نعالجها سنطلق عليها ثقافة تاييد الانقلابات،  تباينت الاسباب والعلة واحدة.  نبدا بان هناك اختلافات جذرية تحدد موقف الاحزاب الليبرالية فى تعاملها مع الانقلابات. فهى بداية ليس لديها تنظيمات داخل الجيش –مثل الاحزاب العقائدية- ولكن لديها عناصر تنتمى اما تاريخيا او انتماءا لهذة الاحزاب، ولكن حتى هذة العناصر لاتستطيع ان تواصل تنفيذ برنامج هذا الحزب او ذاك، لان هناك تناقض اساسى فى تبنى الديمقراطية. الامر الاهم ان تمويل هذة الاحزاب مرتبط جذريا مع جهاز الدولة، فالدولة هى المتحكمة فى اغلب العمليات الاقتصادية قانونيا واداريا من تراخيص اراضى وانشطة تجارية وتمويل بنوك…الخ. ويعتمد ربط كثير من القيادات القبلية والمناطقية والعناصر الراسمالية عن طريق التسهيلات التى تمنح لهم وعند تغير النظام الى النظام الديكتاتورى يستعمل نفس السلاح فى اغراء واستمالة العناصر الموالية للاحزاب او الحرمان من هذة التسهيلات. وقد اشتدت حدة تدخل السلطة تباعا مع الديكتاتوريات كما سنوضح عند نقاشها. واخيرا فان هذة الاحزاب لاتطرح برنامجا مقنعا لجماهير الوطن، غير الديمقراطية والغرق فى نقاشات مطولة وبيزنطية حول الدستور الاسلامى، لحل قضاياة الاساسية الفقر والتهميش و التنمية والتقدم. لذا عندما تنطلق الموسيقى العسكرية لا تجد هذة الديمقراطيات بيت عزاء واحد، وبالعكس فان الشارع السودانى يراودة بعض امل من ان يحقق لة النظام الجديد بعض ما يطمح الية.
تخاليط الاستراتيجيات والتكتيكات:/ من يحكم وليس كيف يحكم السودان؟ هذا الجزء لم يكتب بعد
 

موقف الاحزاب من الديمقراطية:
من يباس “لحركة الاسلامية”  الي التفريط فى الدولة
وضع الانقلاب (الانقاذ) الجميع في مأزق حقيقي احزابا وجماعات وقواتا مسلحة ووطنا وافرادا.، فالامال التي ساورت السودانيين مع انتفاضتهم الناجحة في ابريل 1985، والشعارات التي تعلقت بها جماهير الشارع. ولكن الذين “لا يكذبون فى وطن نملكة” كانوا يدبرون بليل منذ اول الايام ” أما الأجهزة الخاصة فقد تلقَّت نذر الُلجوء إلى خيار الانقلاب منذ أول العام الانتقالي، وأعادت تركيب أطِرها وفقًا للانتقال الكبير من العمل في إطار النظام الشمولي المايوي إلى الواقع الحزبي اُلمتعدد، وفي  ظلِّ انهيار جهاز الأمن القومي الذي أسسته مايو، وانَفتحت البلاد فيما يشِبه الفوضى لكل أجهزة الاستخبار الدولية والإقليمية، وتطورت حركات الهامش في الخرطوم واعتمدت خطابًا  عنصريًا مفِزعًا، فيما تصدت الجبهة الإسلامية وحدها لخطاب د. جون قرنق والحركة الشعبية، وبدت وحدها في الميدان تدفع ضده.” ( المحبوب عبد السلامك الحركة الاسلامية دائرة الضوء، خيوط الظلام تأملات في العشرية الاولي لعهد الانقاذ، دار مدارك، 2009).
فماذا فعل  الذين لا يكذبون فى وطن نملكة ” كان تفويض مجلس  شورى الحركة الإسلامية، ثم هيئة  شورى الجبهة الإسلامية قد انتهى إلى الأمين العام، الذي اختار ستًة من  كبا ر قادة الحركة وأعلامها المعروفين بساِبَقتهم وكسِبهم القيادي اُلمتصل، مثَّل سبعتهم القيادة الشرعية ذات التفويض لا تخاذ القرار السياسي الذي ينقذ البلاد ويمكِّن للحركة الإسلامية (الترابى، على عثمان، على الحاج، ياسين الامام، عوض الجاز، عبد اللة حسن و ابراهيم السنوسى) وبموجب ذلك التفويض، الذي استصحب شورى الأجهزة الرسمية والشورى غير الرسمية التي تولاَّها الأمين العام كان قرار الانقلاب لاستلام السلطة.” ( المحبوب عبد السلامك الحركة الاسلامية دائرة الضوء، خيوط الظلام تأملات في العشرية الاولي لعهد الانقاذ، دار مدارك، 2009).
فى 30 يونيو 1989استطاعت عدة عشرات من المنتسبين  لاسلحة داعمة وبلعبات بهلوانية مكشوفة الانقضاض علي مقاليد السلطة في السودان. انقلاب كان الجميع علي علم به ولان الشيء بالشيء يذكر فقد نبهني صديقي الضابط برتبة العقيد في ذات ليلة كنا نشاهد فيها الحلقة التي استضافت الرئيس عمر البشير انذاك العميد – بعد معركة ميوم – ان لقب العميد عمر البشير في اوساط اسلامى الجيش السوداني هو الريس المؤمن وان  حزب الجبهة الاسلامية القومية ستقوم بانقلاب في خلال الاشهر القادمة وقد سفهت رآيه انذاك وتصديت له بالغالى والنفيس.
في كتاب انيق من دار مدارك في العام 2010 وفي 443 صفحة جاء مؤلف الاستاذ المحبوب عبدالسلام الحركة الاسلامية ،دائرة الضوء ، خيوط الظلام  ليبتدر هذا النوع من الكتابة، ورغم ان اخرون قد مارسوا نوعا مماثلا من التناول من داخل النظام، ولكن كان هذا اول كتاب من موقع المتفق فكريا والمختلف سياسيا وهو ينحو مثل الكتابات الغربية المماثلة لتتبع الشخصيات الرئيسية المؤثرة في الساحة السياسية في التاريخ المعني ويحلل مواقفهم واتجاهاتهم وسلوكهم ، وحتي سكناتهم الدقيقة كما يفصل في الاحداث الكبري التي واجهت النظام طوال العشر سنوات التي هو بصددها، ويورد كثيرا من المعلومات التي اتاحت له ظروف تواجده معرفتها او حضورها شخصيا، ورغم ان كثير منها صعب التحقق من ادلتها الحاسمة وشكك كثيرون في صحة بعضها ، الا ان منطقها التي ابرزت به فى الكتاب وتسلسلها الموضوعي يشي بان كثير منها قد حدث فعلا ، لكن، المهم ليس الحدث نفسه بل قراءته فاي حدث تاريخي يقرأ من جوانب كثيرة ومتعددة ومنهج التحليل هو الذي يفرق .وليس غرض هذه الدراسة ان تصدق او تكذب أي من الاحداث، سوي التي اورد فيها راي في الحدث ، ولكن ما يهمني هو منهج الكتاب ككل .
واود ان اظن – وشكى لة مبررات كثيرة طوال عمرى فى السياسة السودانية منذ خرجت عام 1964 وانا لم ازل طالبا فى المدارس الوسطى اهتف بسقوط نظام عبود من اظهار غير المبطن مما فصل فية الكاتب كثيرا-هذا الكتاب هو جزء من محاولات النخبة السودانية ان تستعيد استقامتها ومسئوليتها في النظر الي دورها بنقد وتقديم شهادتهم مهما كانت دوافعها للتاريخ ، ليس بغرض تحسين الصورة او تبرئة الذمة او غسيل الاحوال – كما اشار مصطفى عبد العزيز البطل في عمله الصائب والشيق في قراءة الكتاب (مصطفى عبد العزيز البطل: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب: الحركة الاسلامية، دائرة الضوء وخيوط الظلام- 3 اجزاء)  ولكن من اجل الخروج من شرانق الانكفاء علي التنظيم “وتأمين الجماعة” “وخلوها مستورة”. هذا السلوك الذي ساد في حياتنا السياسية ما بعد الاستقلال وسمم حياتنا ومزق جوانبنا وفتق رتقنا وفرط في الوطن والذى لم يعد ببساطة ممكنا بعد الان .
مقاربتى تود ان تناقش الكاتب في رؤيته السياسية. ولاوضح هذا الامر المقاربة ستناقش نظرية السلطة عند الاسلام السياسى من حيث تنزلها في الواقع المعاش وفي تنظيرها وفكرها خاصة فكر مؤسسها وشيخها الاكبر الدكتور حسن الترابي وهي اذا تفعل ذلك ستبعد بالتاكيد عن الفضاء الفقهي والعقدي وتنحصر في فضائها السياسي ، ان هذا الفضاء هو الذي يؤثر في معايشنا ومستقبل ابنائنا وبناتنا وعلي مصير دولتنا واكل عيشنا .
الكاتب القي بحجره في البركة وله مطلق الحرية في الدفاع المستميت عن رؤيته ورسالته ونحن القراء وذوي الفكرة المخالفة المؤمنة بالديمقراطية الاجتماعية والليبراليه السياسية نحاوره في هذا المنبر لنستن فينا افقا جديدا في الحوار الايجابي والمنتج والمفيد ،علنا وهذا دور النخبة ومسئوليتها للوصول لعقد اجتماعي جديد يحترم خيارات جميع مكونات الامة ويلبي اقصي مطالب كل مجموعة  بدون التغول علي حقوق أي منها. سوف نتناول تفصيلا اقوال الكاتب المنبثة  في صفحات كتابه لنحاول اثبات ان نظرية المثال والواقع والنظرية والتطبيق لن تصمد امام تحليل نظرية السلطة لدي الاسلام السياسى القائم علي فرض نموذج ارشادي سلطاني و حياكة قميص حديدي محكم يحشر فيه المجتمع كما كان المامول من وزارة التخطيط الاجتماعي .
ولنلج هذه المراجعة من مدخل مصطلحي محكم ، نوضح فيه اطارنا النظري الذي نناقش فيه نظرية السلطة من وجهة نظر الاسلام السياسى. الاطار المعرفي الذي نحتكم عليه هو جماع ما تعارفت عليه الانسانية – بمختلف اديانها وثقافاتها واوطانها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية ونظرياتها الاقتصادية في هذا الوقت من التاريخ واودعته في وثائق اساسية وهو عقد اجتماعي بين اطراف الامة يرتكز علي الديمقراطية التمثيلية (النيابية) بكافة اشكالها وحرية القضاء والاعلام وحقوق الانسان . هذه القيم الحاكمة والمبادئء الاساسية لنظرية السلطة تتجاوز الاديان الغالبة في الدول مثل ماليزيا (60%مسلمين) اندونسيا (96% مسلمين) و مصر(70% مسلمين ) ولبنان ودول كثيرة اخري او الهند اقلية كبيرة من المسلمون تستوعب بداخلها كافة انواع التنوع والتي اتفقت عليها البشرية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط النظرية الديكتاتورية في اصلها البروليتاري او المستبد العادل او الطائفي او العسكري، ولكن هذا لا يمنع تباينات النظريات الاقتصادية من الاقتصاد الحر في شكله الامريكي او انظمة الرفاة في اشكالها الاوربية والتفاوتات السياسية من المكونات الطائفية والاحزاب الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والمحافظين في مختلف الاشكال. وقد تواضعت الوان الطيف السياسي السوداني من احزاب وتنظيمات ومجتمع مدني ونخبه سياسية الي الوصول الي عقد اجتماعي اساسها الديمقراطية السياسية القائمة علي دولة مواطنة مدنية  وحرية القضاء والاعلام وقومية الخدمة الوطنية والقوات النظامية.
ولنستطيع ان نقارب بشكل مثمر ومفيد وحواري كما طرح الكاتب ” دعوة للجميع ان يتاملوا في تاملاتنا ويفحصوا صوابها وخطئها ويكملوا نقصها ” فان مدخلنا سيبدا بمراجعه وتفحص نظرية السلطة التي مثلت توجهات الاسلام السياسى وذلك عبر اهم اطروحات الدكتور حسن الترابي الواردة فى ورقة ” الشوري والديمقراطية”  قدمت عام 1984  والعمل الثاني كتاب كتاب الحركة الإسلامية في السودان )التطور .. الكسب .. المنهج (نشر 1990 (ثم ننثني الي كتاب المحبوب علي ضوء قراءتنا للكتابين ونري مدي تطابق رسالة الكاتب مع الافكار الاساسية وبعدها نتناول العمل الثالث ونمضي قدما في مراجعة نقدية ( السياسة السياسة والحكم :النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع) والذي جاء بعد ما اطلق عليه المفاصلة ( اسم الدلع لاكل ابناء القطة لوالدهم).
نظرية التمكين لدي الاسلاميين
لا مراء في ان الاحزاب السودانية والتي نشات معظمها في نهاية الاربعينات ، خرجت كلها من رحم مؤتمر الخريجين والتي صاحب تكوينها فترة النهوض الوطني للانعتاق من قبضة الاستعمار،ويهمنا في هذا المجال من الاتجاهات الثلاثة التي برزت انذاك ، كما توصل اليها د. جلاب الاتجاه الذي توسم في نفسه معاني ومفاهيم الحداثة في اطار روئ وتوجهات ايدولوجية علمانية او دينية، وقد تجسد ذلك في جانبة الاسلامى في الاتجاهات ، الاخوانية الاسلامية و الجمهورية وفي شكله العلماني في اتجاهاته اليسارية ذات المرجعيات الماركسية والعروبية”. (الدكتور عبدالله جلاب: جمهورية الإسلامويين الأولى: تطور وتحلل الإسلاموية في السودان عن دار أشقيت. )
ويفسر د. جلاب الحركة الاسلامية كاحدي افرازات فترة الاربعينات وتطورها الي ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الاول جاء كامتداد لجماعة الاخوان المسلمين المصريين والتي تطورت للاتجاه الثاني حركة التحرير الاسلامي والتي تطورت لاحقا الي تنظيم الاخوان المسلمين والتي كانت حافظة الافكار الحداثية التي ميزت مسيرة الحركة الاسلامية لاحقا خاصة بعد تنسم د. الترابي لقيادته فى العام 1964. فكيف قرات الحركة الاسلامية ظروف نشاتها وبررت بروزها كقوة في المجتمع السياسي السوداني.
عندما واجة الاسلاميون سؤال كيفية الوصول للسلطة، واجههم السؤال حول طبيعة التنظيم والبرنامج السياسي والقوي التي يعمل وسطها. وكانت لديهم تجارب طويلة سواء من التراث الاسلامى او تنظيمات الاسلام السياسى المماثلة.  استقرت الحركة علي اسمها الاخوان المسلمون كحركة تربوية ذات دعوة اسلامية اصلاحية شاملة ولكنها واجهت اول الاسئلة المتعلقة بنظرية السلطة اثناء الحكم العسكري الاول اذ دار السجال حول ماهية الحركة “هيئة للضغط السياسي او حزبا يطلب السلطان” وقد وضحت الرؤية عند تبوء الدكتور الترابي لقيادة للحركة بعد 1964 بتاسيس تنظيم للوصول للسلطة.
بعكس الشيوعيين الذى فضلوا العمل كحزب ولف مناطق التاثير حولهم اتجة الدكتور الترابي ببناء التنظيم على الشكل الجبهوي (جبهة الميثاق الاسلامي ) المكون من جماعات وافراد وفى قلبها جماعة الاخوان المسلمين المنظمة مؤسسةً على منهاج مكتوب وضعته الجماعة وجمعت حوله الجماعات الإِسلامية والأفراد في حركة سياسية موحدة ” سوى أنها حفظت لنفسها احتياطًا في خاصة أمرها بالاستقلال عن الجبهة والتحكم فيها. واقامت حول الجبهة المنظمات الفئوية وحركات نقابية وواجهات ” وفي ذات الاتجاه لتجميع الولاء، قامت منظمة الشباب الوطني و الجبهة النسوية الوطنية، وقامت حركات نقابية وطنية وتنظيمات وواجهات لأغراض إسلامية شتى” ” وطَوَّرت الحركة ما أعدت من خطط جبهوية، بقوة ما أورثها دفعُ الثورة وكسبُها فيها. فلم تعد الحركة ترضى بالحملات التعبوية الشعبية عفوًا في المناسبات والمواسم، بل طمحت إلى أن تصبح محورًا لولاء شعبي منتظم لأول مرة، فأقامت «جبهة الميثاق الإِسلامي» المشهورة،..”. “أما جبهة الميثاق الإِسلامي فعلى الحذر في منهج تشكيلها وعملها أصبحت واجهةَ العمل الإِسلامي وحاملة الدعوة للدستور بل لكل معاني الإِسلام. وأما المنظمات الأخرى فقد كانت وطنية الواجهة، نافست التحرك الشعبي الشيوعي، وأتاحت للحركة منابرَ عملٍ غير مباشر حتى حيثما لم تكن لديها القوة لتجعلها إسلامية خالصة. (الدكتور/ حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان -التطور .. الكسب .. المنهج )
اما في تعاملها مع المنافسين في الفضاء السياسي والذي بدات تنفيذه منذ الستينات فقد تبنت الجبهة ما اصبح رؤيتها المستقبلية في اقصاء الخصوم من دائرة العمل السياسي ( حل الحزب الشيوعي ) وتطوير العلاقة مع الاحزاب الوطنية  ومنافستها علي الشعب ومن ثم وراثتها بالكامل . ولكن أكبر الحملات السياسة في عهد أكتوبر إنما هى حملة الدستور الإسلامي التي هيأت للحركة، على تواضع حجمها النيابي، أن تحمل الأحزاب على مسودة دستور 1967م ذات الملامح الإِسلامية الواسعة. وكانت حملات المعارضة البرلمانية فَعَّالةً مهما كانت المعارضة محدودةً في حجمها متحفظةً في علاقتها بالحكومة. 
كما قدم الشيوعيون الغطاء النظرى للعسكر والذى ادى فى النهاية الى ديكتاتورية النميرى قدم الاسلاميون و مفكرهم البارز الدكتور حسن الترابى التبرير الايديولوجى لنظام الانقاذ والتى تطورت بشكل مشابة. برغم من اسطورة الاسلام السياسى “البنيان المرصوص” فقد حدث لها كما حدث في كل الانقلابات السابقة منذ عبدالناصر في الخمسينيات، النميرى واليسارفي نهاية الستينيات فقد انتهي المآل الي تفكك التنظيم الذي بني علي مدي اربعة عقود لهذا الوعد – استلام السلطة – والت الامور الي عصبة الدولة ذات الشوكة باتحادها الاشتراكي او المؤتمر الوطني او كما تشاء ان تختار من صنوف التسميات التي شغلت الناس ثم ذابت في شمس الصقيعة، ورحيل النجم الساطع فى حركة الاسلام السياسى السودانية الدكتور حسن الترابى منذ 1964 فيما عرف بالمفاصلة 1999 . 
ان الدولة بمفهومها القديم وسيطرتها علي اهم المفاصل الرئيسية في المجتمع -السلطة والثروة والسلاح والاعلام – قد ذوبته نيران محارق العولمة وثورة المعلومات ، ان النموذج الاسترشادى – كما اوضحة الدكتور فاروق محمد ابراهيم منذ بداية التسعينات فى قراءة علمية رصينة لكتاب بنية الثورة العلمية – تغير بالكامل فقد تشتت السلاح من الجنوب الي الشرق الي دارفور والشمال في الطريق والثروة مواسيرها في الداخل وصنابيرها في الخارج والاعلام اصبح متاحا للجميع واصبحت الراكوبة وسودانيزاونلاين واخريات سلطات رابعة حقيقية تخشاها السلطة وترتعب منها الاجهزة السرية التي عاثت فى الوطن صلفا ورعبا وفسادا.
جاء انقلاب مايو 1969 ليشكل الخطر الاكبر علي الجبهة الاسلامية، فقد استطاع خصومهم في الحزب الشيوعي وكافة اطراف اليسار السيطرة علي السلطة ولديهم نفس رؤيتهم في استئصالهم من الحياة السياسية بالاجراءات السياسية والقانونية والعنف ومن ثم بدات اجراءات منع الاحزاب من العمل واغلاق الدور واعتقال القيادات وعزلهم من جهاز الدولة والخدمة المدنية وابعادهم من قيادة الاتحادات والنقابات ثم العمل الفكري والسياسي المنظم في وسائل الاعلام. طوال السته عشر عاما استطاع الدكتور الترابي تطوير حركته خلال سنوات عاصفة في بداياتها ونهايتها ويمكن ان نلخص اهم تحولاتها . اولا : توفرت الظروف لبناء التنظيم خلال المواجهات مع نظام مايو سواء معارضة الطلاب للنظام او الانقلابات الفاشلة التي شاركت فيها سواء عام 1973 وعملية 1977 او في اطار التحالفات مع القوي الوطنية الاخري.
ولكن اهم منجزات هذا البناء كان ان بدات ثورة تنظمية ثم ادخال عملية التخطيط “وفي هذه المرحلة وفي الفترات أيضًا فرغت الحركة لنفسها ونظامها. كما فرغت لها في عهد عبود.ففي الهدأة بعد انتفاضة شعبان وبناءً على الثقة بالذات التي استشعرتها الحركة منها، بدأت ثورةٌ تنظيمية هائلة طوَّرت التنظيم، من حيث تقسيم وظائف العمل الإِسلامي وترتيب إدارات الجماعة التي تتولاها، ومن حيث تعميم الهيكل الكلي لنظام الجماعة وصياغة الخطط الكلية السنوية لحركتها. وكانت هذه هي النهضة التنظيمية الحقيقية للجماعة، لأن غالب ما سلف من تدابير مراجعة للتنظيم إنما انصب على التعديلات الدستورية. أما هذه المرة فقد طُوِّر التنظيم ليستدرك تخلفه عن استيعاب المستجدات في حركة الجماعة ونضجت النظم الإِدارية الحركية. وتوسيع مشاركة النساء ومن ثم انشاء المنظمات الاسلامية المختلفة مثل منظمة الدعوة الاسلامية ، والجمعية الطبية السودانية. (الدكتور/ حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان -التطور .. الكسب .. المنهج )
ولما كانت الحركة قد اتخذت قضية الجنوب ذريعةً للتحريض على الثورة، فقد ظلت تقود الاهتمام بالقضية سياسيًا ودستوريًا. وكان ذلك أول اتصال للحركة بشئون جنوب السودان وإن كان اتصالًا سياسيًا نظريًا.  وفي هذا العهد بدأ وعىُ الحركة بمكانة الجنوب من السودان، وذلك ببصيرة النظر الاستراتيجي لمِآلات السودان وبتجربة الاتصال الأوثق بالدولة والمجتمع. ولما اعتمدت الحركة استراتيجيةً إيجابيةً نحو الجنوب تقتضى استيعابه في المشروع الإِسلامي السوداني لا إهماله ولا فصله، توجهت عناصر من الحركة لتأسيس «منظمة الدعوة الإِسلامية» تبشيرًا منهجيًا يخاطب المناطق غير المسلمة في السودان بالدعوة والخدمة الاجتماعية ليدخلوا في ملة الإِسلام..”
مقاربة نظرية السلطة لدي الاسلام  السياسى
سنعتمد في اول مقاربتنا لنظرية السلطة لدي الحركة الاسلامية علي ورقة الدكتور حسن الترابى: الشوري والديمقراطية: اشكالات المصطلح والمفهوم وهي ورقة قدمت بمعهد الدراسات والسياسية الاستراتجية بالخرطوم 1984. في هذا البحث يطرح الدكتور الترابي ملامح نظرية السلطة كما تبلورت علي ضوء تجربة الحزب طوال اربعة عقود وظهرت ملامح اسلوبه المميز الذي يميل لاستعمال لغة تراثية ستزداد ايغالا في التراث في كتاباته اللاحقة وصولا للاحكام السلطانية الذي يكاد يحتاج الي مصاحبة لسان العرب لابن منظور للوصول لبعض مكنوناته ، وبالرغم من انه يحمل دكتوراة في القانون من جامعة السربون فالاسلوب يميل الي التداعي والترادف والجمل الانشائية المطولة والتكرار لشرح الفكرة ويبعد بمقدار كبير عن اللغة العلمية الصارمة للكتابات التي تتناول هذه القضايا المحددة .
قدم د. الترابي عرضا وافيا وموضوعيا لتطور نظام الحكم الغربي منذ بداياته الاغريقية والرومانية ويرجع الدكتور حسن الترابى التنظير الدستورى للديمقراطية باثر اتصال الغرب بالفقة الاسلامي والسياسي والتى جاءت من ان الاجماع عند المسلمين هو اصل السلطة الارضية (بايمانهم يتبع الشريعة) واصل اسناد السلطة للولاة  عقد البيعة السياسية. هذا وجد اثرة فى مفهوم العقد الاجتماعى كاساس للمجتمع السياسى الذى يتوالى (لاحظ استعمال التوالى التى اراد فرضة بديلا عن التعددية) فية الشعب والسلطة.
وفى تناولة لتطور الديمقراطية يتناول نقائصها وينتقد الديمقراطية الليبرالية- في نفس موقع ضعفها كما الماركسية- بعجزها عن تحقيق عدالة المشاركة لتركز الثروة والمال فى طبقة معينة وحرمان الشعب منها. وكذلك لانها تؤدي للاستقطاب وتمزيق الوحدة وفراغ السلطة التي تؤدي الي الانقلابات  العسكرية. والانتخابات فاسدة ومزورة والرشاوي منتشرة.
ثم تناول تطور مفهوم الشوري في استعمالها الدارج في الفقه السياسي السوداني من اول استعمالها في قصة فرعون وموسي الي شورى النبي (ص) في القرارات اليومية والالتزام براي الجماعة . والتي قادته مباشرة الي ربط نظام الحكم بالدين، اى تحكم الدين بالسياسة والدولة والمجتمع ليست نظام اخلاقي يتمثله القائمين بامر السياسة في البلد ولكن ان الخلافة لله وبالتالي فان الخلفاء يقومون بامر الله أي حركته التي بناها في العقود الاربعة انتهي الامر الي ان الشوري من اصول الدين واعطي تبريرا لتقلد النميري امامة المسلمين كاحد انواع الشورى الدارجة .
والشوري بهذا المعني حكم ينظم بشريعة شاملة وهي نظام حياة وتعني كل الناس ليس فئة او زعماء او ائمة معينين في توزيع عادل للثروة والشوري كذلك يتولاها الشعب بعهد الخلافة من الله وبشرط الخضوع لله والالتزام بالشريعة. والشورى هى التعاون باجتماع  الراى على الامر وهى توحد المؤمنين لانها تقوم علي روح الاجماع وليس كالديمقراطية حيث ارادة الاغلبية هي الغالبة.
والفرق بين الديمقراطية والشورى: اولا ان الديمقراطية تمارس غالبا فى سياق حكم لا دينى (اى ان فصل الدين عن الدولة كفر)، ثانيا: الشورى نظام حياة  ولكن يمكن لها ايضا ان تتحول الى وسيلة للاستغلال بواسطة الاكثر ثروة، ثالثا: السيادة قى الديمقراطية للشعب وفى الشورى سلطة الشعب وفقا على الالتزام بالشريعة ورابعا ان فى الديمقراطية الهوى والشهوات السياسية متجردة من قيود الاخلاق ( وستثبت التجربة فى سنوات الانقاذ منذ يومها الاول و ماجرى بين فرقاء الانقاذ قول الامام المغفور لة محمد عبدهـ عندما زار أوروبا : وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلام بلا مسلمين )
تبلورت هذه النظرية التي قدمت مختصرة في مبحث نتاج نظرية السلطة التي تبنتها الحركة وطورتها منذ الخمسينات وصيغت كاستراتيجية شاملة في كتابه اللاحق (الكسب) والتي سنوضح اهم مكوناته وعناصره. يجيء اسلوب المولف في هذا الكتاب محافظا علي اللغة التراثية لكنها اكثر عصرية ومباشرة ذات جمل سريعة و قصيرة لحدما وهذا طبيعي فهذا المؤلف هو البرنامج السياسي للجبهة الاسلامية القومية للوصول الي السلطة وفرض برنامجها . وتجيء المخاطبة لكافة اعضاء التنظيم ودائرة تاثيرهم والمتابعين من الخارج ، لذا فهي اقل حدة وتحدي وتميل للتنازلات بعد ان اتهمت الحركة من كئيرين بالابتداع والخروج عن النص.
فالحركة اسلامية،  تجديدية وسودانية والكتاب مهم لوصول الخلف من الاجيال التي انقطعت بهم الصلة بالتنظيم في السنوات الاولى للمايوية ورصد مساهمة السلف، ثم هي تخاطب الاسلاميين خارج السودان لان الحركة عرفت بكثرة مبادراتها الفكرية والعملية التي يجدها الاخرون مبدعة او غريبة مبتدعة شاذة او توكلية رائدة . لكنها رغم ذلك بلغت من تمكين الدين اكثر من سائر الحركات وربما الاشارة لموقف بعض الاسلاميين من تطبيق قوانين الشريعة – ما عرف في التاريخ السياسي السوداني بقوانين سبتمبر 1983 في ظل نظام دكتاتوري، خاصة ان الاطراف الاسلامية الاخري في السودان ( حزب الامة ، الاتحادي ) كانت لديها تحفظات شديدة علي القوانين بل كانت معادية لها بشكل واضح .
الكتاب هو في النهاية روية شخصية للحركة من موقع القيادة وهو ما ينفيه ويوضح ان ما جاء ليس الا نتاجا لجهد رفاقه. والعالم انذاك في راي الترابي ” هكذا ازدحم العالم الاسلامي بصور الفساد والفجور في الاخلاق والاستبداد والاضطراب في السياسة والتخلف في الاقتصاد ووجوه الاستضعاف والانكسار  الدولى في وجه الصهيونية والامبريالية.
ان اهم تحليلات د. الترابي بداية تنفي كافة التيارات الاسلامية المتواجدة في الساحة ” كانت صحوة المسلمين الماضية في وجه الغزو الاوربي ردة فعل عارضة انطفات كالشهاب فركنوا بعدها الي الغرب واغتربوا كثيرا عن الله ” ثم يرسم الدكتور صورة غاية في البشاعة للوضع السياسي بعد الاستقلال ، يتناول فيه كافة الاحزاب السياسية والتيارات الوطنية ” لكن النظم السياسية والاقتصادية الغربية التي استدامها المسلمون بعد الاستقلال خيبت رجاءهم كل خيبة، فكانت طقوس الاستقلال الدولي عندهم زيفًا، وأشكال الشورى السياسة زورًا، وكانت وعود السعد والرخاء غرورًا. بل تنكَّب القادة الوطنيون لشعائر الدين وشرائعه، وتورطوا في الفشل والفساد. وأخفقت أكثر النظم في توطيد الطمأنينة والاستقرار للمجتمع أو في تأمين حرمة الوطن والدفاع عن ديار الإسلام. هكذا ازدحم العالم الإِسلامي بصور الفساد والفجور في الأخلاق، والاستبداد والاضطراب في السياسة والخيبة والتخلف في الاقتصاد، ووجوه الاستضعاف والانكسار الدولي في وجه الصهيونية والإِمبريالية. ”
اما سائر المسلمين فقد ضلت بهم السبل ” ولبث الإنجليز عقودًا من القرن العشرين يستأصلون روح المقاومة الدينية ويبسطون قانونهم وإدارتهم ومناهج تعليمهم على البلاد. فهم قد اطّروا الحياة الدينية والشعائر والموالد والخلاوى والمعاهد بوجه يُسلّمهم من الخطر، وضمنوا ولاء غالب القيادة الدينية علماءً وصوفية. وكانوا قد مكنوا للختمية حليفًا في وجه المهدية ثم استأنسوا أنصار المهدي من بعد في سبيل التوازن الماكر. ” (الدكتور/ حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان -التطور .. الكسب .. المنهج )
ويستمر د. الترابي في تفحص هذا البديل ويرجعها الي منبتها ” هكذا أصبحت الصحوة الإِسلامية قدرًا تاريخيًا غالبًا- يحاول الغرب والشرق وأولياؤهم وأدها بالتعليم اللاديني والتحديث الحضري المادي، فإذا بها تزدهر في المنابت الغربية والمعاهد الغربية كما نبت موسى في بيت فرعون. ويحاولون أن يتفهموا قوانين اندفاعها ليحتووها، فيعجزهم فهم ظاهرتها الدينية الشفافة وتخذلهم معاييرهم المادية غير المناسبة. ويعمدون إلى كبتها بالقوة بتغليظ الاضطهاد ووأد الديمقراطية إن أباحت لها سبيلاً، فما تزداد إلا صلابةً وثورةً وجهادًا، ويحرّضون على ضرب الحركات والأحزاب والمؤسسات والاُّطر التنظيمية التي تربّيها، فإذا هي منبثة في ثنايا المجتمع عفواً بأوسع من كل إطار بادية وراء كل ستار. 
ولكن وكما لاحظ د. جلاب وغيرة ان غالب اعضاء الحركات الاسلامية انحدروا من صلب التعليم المدني الحديث. وهكذا فان الحركة واجهت تحديين علي مستوي التمثيل والتغيير فهي من ناحية تعانى من الاعتراف بها فى فضائها الدينى من العلماء والمتفقهين والمتصوفة. وفي نفس الوقت فقد قدموا انفسهم كممثليين للحداثة في مواجهة التيارات العلمانية الذين يمثلون – كما يرى-  المباديء المستوردة في زيفها واغترابها.
تناول د. الترابي في مؤلفه الحركة الاسلامية في السودان والذي يعد برنامج حزبه للوصول الي السلطة ، تطور الحركة  فى مراحلها المختلفة طوال السنوات: من عهد التكوين (الأعوام 1949 إلى 1955 م) ، عهد الظهور الأول(الأعوام 1956م إلى 1959م)، عهد الكمون) (الأعوام 1959م إلى 1964م)، عهد الخروج العام(الأعوام 1964م إلى 1969م) ، عهد المجاهدة والنمو(الأعوام 1969م إلى 1977م) ، عهد المصالحة والتطور(الأعوام 1977م إلى 1984م) الي عهد النضج (الأعوام 1984م إلى 1987م.
في تناوله لتطور الدولة السودانية في القرن الثامن عشر جاء بجلاء رؤية تتبناها الحركة وسوف تشكل احد توجهاتها وطموحها ” وقد أسس محمد احمد المهدي عام 1880م صوفيًا مصلحًا ومجتهدًا ومجاهدًا بحجة المهدية المنتظرَة ،  ثورة جهادية سعت للسير بالجهاد فيما حولها من الأقاليم لتطهر الأرض وتملأها خيرًا. وما كان للإِمبريالية الغربية- وهي في أوج عاديتها- أن تترك هذا المشروع التحريري الإِسلامي يمتد في الأرض. فأحدقوا به مهاجمين الإنجليز من تلقاء مصر، والفرنسيون من الغرب، والطليان من الشرق، والبلجيك من الجنوب. وحرض الإنجليز الأحباش من الشرق، وقادوا المصريين ومن أعانهم من السودانيين من الشمال ليعيدوا فتح السودان ويئدوا الدولة الإِسلامية لبضعة عشر عامًا”.
يرجع د. الترابي نشأة الحركة الي العام 1954 وزادها انذاك تقاليد التنظيم الغربية في ترتيب اوضاعها الاساسية ومن الحركة الشيوعية بنهج التنظيم والحركة ، بل يرجع نشاة الحركة الي ” ولا ريب أن الحركة وقد نشأت في كنف معهد جامعي نظامي غربي الطابع- قد أخذت من الفكر الغربي بعض وجوهٍ لطرح دعوتها الإِسلامية ومن تقاليد التنظيم الغربية شيئًا كثيرًا في ترتيب أوضاعها الأساسية.  ولكن أخذت الحركة أيضًا شيئًا من منهج التنظيم والحركة من مصدر قد يكون غريبًا، وهو الحركة الشيوعية التي كانت غَالِبةً في الأوساط الطلابية وصَاعِدة في الوسط الحديث عامة- لاسيما أن بعض العناصر التي أسست الحركة الإِسلامية مرت قبلها بالحركة الشيوعية فاستفادت شيئًا من تجاربها التنظيمية في بناء الخلايا السرية وتربية العناصر الحركية. ثم إن المنافسة التي كابدتها الحركة الإِسلامية الناشئة في البيئة الطلابية إنما كانت أساسًا مع الحركة الشيوعية، بل يمكن القول بأن الحركة نشأت تحت وطأة الاستفزاز والضغط الشيوعي الأكبر، ولذلك أضْطُرت بعامل المقابلة ورد الفعل أن تأخذ عنها بعض التجارب التنظيمية والوسائل الحركية. ” (الدكتور/ حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان -التطور .. الكسب .. المنهج )
اذن من هو البديل الموضوعي لكافة هؤلاء ” فإذا بطائفةٍ من المسلمين يرتدّون على محاولات الاستلاب الغربي تأكيدًا لهويتهم وأصالتهم، تأخذهم العزة في دينهم بعد المسكنة. وإذا بهم يحيون أُصولهم وتراثهم ويذكرون أمجاد الأسلاف. وكانت هذه لأول الأمر مشاعر غائمة غائرة، فتولدت منها أخلاط تصورات عن خصوصية الذات، وعبرت عنا أنماط من الحمية الوطنية والقومية، واستمدت منها روح الكفاح والجهاد في سبيل الاستقلال السياسي لأوطان المسلمين. “(الدكتور/ حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان -التطور .. الكسب .. المنهج )
الاساس النظرى
ربما تعتبر نظرية الحاكمية للة (ايضا ولاية الفقية الشيعية فى صيغتها الخمينية) والحوار حولها اهم القضايا التى تشغل بال المسلمين اذ انها تتصل مباشرة بالسلطة ونوعها وحدودها. وقد جاء رصد تبلور هذة النظرية وتسربها الى الاسلام السياسى فى العالم العربى والاسلامى فى عدة مؤلفات، اهمها: خريف الغضب، محمد حسنين هيكل، مركز الاهرام للترجمة والنشر، 1988 و حيدر ابراهيم، التيارات الاسلامية وقضية الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان 1996 والامام الصادق المهدى: ميزات المصير الوطنى فى السودان، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة 2010.
منذ ان القيت من الخوارج ” لا حكم الا للة” لانهاء الصراع بين سيدنا على ومعاوية عليهما رضوان اللة، والان امتد فى الوقت الحاضر الى اكثر من عملية تحكيم ليعنى الحكم والسلطة و تستدل بالايات 44-45 -47 من سورة المائدة ( ومن لم يحكم بما انزل الة فاولئك هم الكافرون) لم يرد لفظ “الحاكمية لله ” في القرآن ولكن جاءت فى صيغة “الحكم لله” بمعنى الارادة الإلهية، وهو معنى بعيد عما اريد لها . ( حيدر ابراهيم، التيارات الاسلامية وقضية الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان 1996 ).
مع تعرض الاخوان المسلمون فى مصر للقمع والحل والتصفيات وخفوت صوتهم، برز احد كوادر الاخوان المسلمين الباكستانيين ( ابو الاعلى المودودى) وفى ظروف نشوء باكستان كانسلاخ عن الهند ومحاولة عزلها عن التاثير الهندى صاغ المودودى الحاكمية اى مصدر السلطة. ضمن المودودى فكرة الحاكمية فى كتابة المصطلحات الاربعة : اولا: حاكمية اللة فى مقابل حاكمية البشر؛ الوهية اللة فى مقابل الوهية النسان ؛ ربانية اللة فى مقابل العبودية لغير البشر و حدانية اللة فى مقابل الاعتماد على اى مصدر اخر فى تنظيم امور المجتمع. اذن الحاكمية  هى تكفير النظام القائم وتكفير حكامة والخروج علية وقتالة.  وتبنى ابو الاعلي المورودي نموذج الدولة الشمولية التي يؤسسها افراد او جماعات ملتزمة بقيم الاسلام. (محمد حسنين هيكل: خريف الغضب: بداية ونهاية عصر السادات:مركز الاهرام للطباعة والنشر، مصر، 1988 )
تسربت هذة النظرية الى السودان عبر مصر بعد ان تبنى المغفور لة سيد قطب فى كتاب معالم فى الطريق ( كان هذا الكتاب من مقررات المدارس الثانوية فى السودان فى الستينات) فى ظروف تضييق سياسى وقمع. وتوصلت كتاباتة الى تقسيم العالم الى اسلام وجاهلية ولاسبيل الى التعايش، ان مجتمع الاسلام هو مجتمع العدل والحاكمية فية للة. ويرى المغفور لة سيد قطب ان هذا الامر تقوم بة الصفوة المؤمنة ولكنها فرض عين على كل مسلم و سلاحها الانقلاب على الطبقة الحاكمة. حاول سيد قطب حل هذا التراوح بالدعوة الي التركيز علي خلق الجماعة المؤمنة وسط المجتمع الجاهل الذي يحيط بها والابتعاد عن البرامج السياسية والنشاط السياسي .
صاغ الاسلام السياسى هذة الحاكمية فى دستور1998 ” المادة 4 : الحاكمية في الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف، يمارسها عبادة لله وحملا للامانة وعمارة للوطن وبسطا للعدل والحرية والشورى، وينظمها الدستور والقانون.”
وخلافا لهذا الراى يرى الامام الصادق المهدى ” هذا الدستور الذى اجيز استصحبت المادة 4 منة مفهوم ابو الاعلى المودودى حول الحاكمية الالهية الذى يفضى الى الثيوقراطية ويتيح للبشر ممارسة سلطانهم باسم اللة. ما من مؤمن ينكر قدرة اللة الكلية، ولكن الحاكمية – السيادة- مفهوم سياسى وهى للشعب.. مفهوم الحاكمية اتخذة النظام ليضفى قدسية على اعمالة البشرية ويدعى انة يحكم باسم اللة حتى وهو ينتهك كل المبادىء الربانية المضمنة فى الشريعة الاسلامية”. ( الامام الصادق المهدى: ميزان المصير الوطنى فى السودان، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة 2010)
طرحت هذة ( الحاكمية لله )  حينا والاسلام هو الحل احيانا اخرى والتى تقود الى تطبيق الشريعة الاسلامية  كشعار وهي تعني فيما تعني: ” ان الجماعة الاسلامية لا تريد الحكم لنفسها ، مثل بقية الاحزاب والتنظيمات الاخرى .. وانما تريد الحكم لله. والهدف بطبيعة الحال، هو ان يقارن المواطن البسيط ، بين حكم الله وحكم البشر، فيختار حكم الله، ويؤيد الجماعة الاسلامية، التي تزعم انها سوف تطبقه عليه ، متى ما وصلت الى السلطة” ( عمر القراى، دستور ولاية الخرطوم، مكيدة سياسية، مقالات فى جريدة الصحافة). طبعت هذة الحاكمية التكوينات الترابية التى انشاها على مدى السنوات بعدة مظاهر.
 اولا: اذا كانت الحركة تود إعادة صياغة السودان وتأهيله للمشروع الحضارى فقد بدات بعضويتها وعملت علية حيث يتم انتقائة بدقة.  ثم تعرضة على نظام التربية الوثيق الذي اتخذته من قدوتها في مصر وهو النظام الشائع في التنظيمات الصوفية والمتمكن في التقاليد الدينية وليس نظام الحشد والتعبئة الإِجمالية فى نظام الأحزاب الوطنية الحديثة.  وكان منهاج التربية وإطارها لأول العهد نقليًا يُحاكي نظام الأُسر في تنظيم الإِخوان المسلمين بمصر، ولكنه في سياق تطور الحركة ونضجه تطورًا بعيدًا. ويمكن أن نحكي أطواره في ثلاث مراحل:  المرحلة الأولي: التزكية الفردية في الأسرة وقد اقتصرت أغراض التربية على تعزيز التدين وحفظه وتركيز الولاء. فقد كانت المناهج تعليمية تلقينية لترسخ الأفكار الجديدة. وكانت تُمارس في أُسر صغيرة مغلقة تحيط العضو بوشيجة وثيقة تجسد له انتماءه العضوي للمجموعة. وكانت الأُسر سرية لعزل العضو الجديد من علاقاته القديمة ولملاحظة الحذر الأمني الذي كان عاملًا زائدًا في تأكيد وحدة المجموعة في وجه المجتمع الخارجي. وكان يشرف على الأُسرة نقيب يتخذ صفة الشيخ المعلم ويهيمن على الأعضاء ليرشدهم وليربيهم على الطاعة لنظام الجماعة.  المرحلة الثانية: التربية للدعوة المفتوحة والمرحلة الثالثة: التربية للإِصلاح الاجتماعي.
كان الغرض هو خلق نظام من السمع والطاعة والاستعداد للتضحية و العزل عن البيئة الاجتماعية، اوالصب فى قالب عام او ما يسمى الصورة النمطية،  بحيث يكون الانتماء الحزبى اقوى من اى علاقات. وقد ادى ذلك الى تمظهر الاخوان – مثل الانصار او الختمية الذى تعرفهم من الجلابية الختمية او الانصارية- فى سلوك متشابة سواء فى الملبس، التصرف، الصوت والحديث. اكتمل بناء التنظيم الحديدي القائم على القيادة الكارزمية والمفكرة والمنظرة “كل امور التفكير والتدبير” وجماعة عليها التنفيذ والطاعة.
ويرسم د.التجانى عبدالقادر صورة عن تداخل الجديد المعاصر والقديم فى ترتيب السمع والطاعة فى تنظيمات الاسلام السياسى: ” شعرت كأننى كنت في مقابلة مع مدير لأحدى الشركات. الحديث المقتضب، والإجابات القصيرة القاطعة، وسد كل نافذة تقود الى الثرثرة في الأمور الشخصية والهموم الإنسانية الجانبية. أدركت فيما بعد حينما توغلت فى دراسة النظم الاجتماعية، أن ذلك نمط من أنماط القيادة «الرشيدة» التى تقود المؤسسات «العقلانية» الحديثة، والتى يوصى بها أصحاب نظرية الحداثة، حيث لا ينظر المدير أو صاحب العمل الى الإنسان كله، وانما ينظر فقط الى جزئه الذى يدخل في العملية الانتاجية. ويعتقد البعض أن هذا النمط من الحداثة والمؤسسية هو «السر» الذى استمد منه الترابى قوته، اذ استطاع بهذا اللون من الحيادية الباردة، والصرامة الإدارية أن يوجد ثقافة تنظيمية جديدة تقضى على ثقافة التسكع والثرثرة، وان يبنى في فترة وجيزة تنظيما محكما يتجاوز به التنظيمات اليسارية والحزبية التقليدية، أما خصومه فيرون أن مثل هذا الجفاف الإدارى هو الذى يقضى على روح الأخوة، وأن تحويل التنظيم الإسلامى الى ما يشبه الشركة يشكل انحرافا عن المنهج الذى وضعه حسن البنا “. (د/التجانى عبدالقادر – البنية التحتية للفساد
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=121  )
ثانيا: اذا كانت الحاكمية هى الاساس النظرى للحزب فهى تجيز وتبرر للعنف الذى يمارسة حزب اللة ضد حزب الشيطان وقد كان هذا جزءا من التراث المصرى ، اذ كان للاخوان المسلمين ( النظام الخاص) وهو تنظيم مسلح.  ويقول الكاتب الأردني إبراهيم غرايبة ” تعود تجربة العنف في “جماعة الإخوان المسلمين” إلى الأربعينيات عندما أنشأت تنظيماً عسكرياً لمقاومة الاحتلال البريطاني في مصر، وفي قناة السويس بخاصة، وشاركت الجماعة أيضاً في حرب فلسطين عام 1948 ولكن أعمال العنف امتدت لتشمل أشخاصاً ومؤسساتٍ مصرية، مثل اغتيال رئيس الوزراء النقراشي، وأعمال عنف أخرى استهدفت قضاة وشخصيات سياسية ومؤسسات مختلفة، وأدت هذه الأعمال إلى التضييق على الجماعة، وربما كانت هي السبب الرئيسي في اغتيال قائد الجماعة ومؤسسها الشيخ حسن البنا رحمه الله”. (الكاتب الأردني إبراهيم غرايبة: الحركة الإسلامية وما بعد العنف؟   المصدر: إسلام أون لاين). ويؤرخ لظاهرة العنف الطلابي عام 1968 بجامعة الخرطوم عندما أقام تنظيم طلاب الجبهة الديمقراطية احتفالاً تم خلاله عرض رقصة جماعية من التراث الشعبي لغرب السودان تسمى العجكو فقام طلاب الاتجاه الإسلامي بالاعتداء على المجموعة المحتفلة بدعوى ان الرقصة تثير الطاقات الغريزية مما أدى إلى مقتل احد الطلاب ومن يومها اصبحت كل المعارك السياسية مجالا للعنف .
ثالثا: فقه الضرورة: تحت هذا العنوان يجىء فصل كامل من الخلل الذى صاحب اداء الاسلام السياسى فى مجال المنظومة القيمية والاخلاقية. فشحن الاعضاء بتصنيف العالم خارجهم الى حماة الايمان وحماة الكفار وجعلهم ممثلون للاسلام  مما يتيح لهم – فى الواقع يعتبرون ان هذا حقهم الالهى- التنصل من كل الاخلاقيات. وتمتلىء المقالات و تحدث عنها قياديين فى التنظيم، خاصة بعد الانقاذ واستعمال العنف المفرط وتطور التكوينات العنفية الى المليشيات والدفاع الشعبى والدبابين. وربما يكون مقالة الدكتور الترابى هو الخلاصة المركزة للاستهانة بالخلق القويم والاستقامة السياسية  ” وكان لقائى بالبشير عشية الثورة لاودعة ان سيذهب الى القصر رئيسا وساذهب الى السجن حبيسا، ومنذئذ كنا نلتقى كثيرا منذ خروجى من السجن فى لقاءات خاصة دون العامة حتى لاينتبة العالم ان هذة الحركة حركة اسلامية اصولية فيضربوها فى مهدها. (خالد عثمان موسى: احاديث الترابى، مكتبة الشريف الاكاديمية، الخرطوم، السودان       
رايعا : تحول التنظيم الي مؤسسة اقتصادية ذات شأن وقد وصفها د. الترابي بشكل عابر “وكان هذا العهد هو عهد العمل الاقتصادي الإِسلامي الذي ابتُدر قبيل المصالحة، لكنه انفتح بعدها وأصبح كسبًا مؤسسًا من مكتسبات حركة الإِسلام في السودان – كسبًا لتجربتها في تطبيق الإِسلام ولقوتها في سبيله. وكانت طائفة من عناصر الحركة قد فُصِلوا أو عُزِلوا عن الخدمة العامة في العهد الماضي واضُطروا إلى دخول مجال العمل الاقتصادي الحر. “ولكن وصفها د. جلاب بالمؤسسة الاقتصادية الخفية بداية من ارتباطات الاسلاميين بمراكز الثروة في دول الخليج العربي وانشاء بنك فيصل الاسلامي ودخول اعضاء التنظيم في تجارة النقد الاجنبي و نشوء تجار الجبهة كطبقة تجارية جديدة او ما وصف اقتصاديا بالراسمالية الطفيلية. (الدكتورحسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان -التطور. الكسب .. المنهج )
 
الطريق الى المفاصلة وبعدها
لقد كان الانشقاق او ما عرف فى الادبيات الاسلامية بالمفاصلة عام 1999 التى شهدت الانقلاب على الدكتور الترابى وتجريدة من كافة صلاحياتة الدستورية وانقسام الاسلام السياسى الى حزبى المؤتمر الوطنى والشعبى، صاعقة حطت على الذين انخرطوا فى بناء “دولة الصحابة فى السودان” سواء من الحركيين، السوبر تنظيم اوالمثقفين اذ ارجعتهم بقسوة وبلا مواربة الى قوانين التطور الاجتماعى والسياسى والتى ما فتاؤا على انكارها وكانهم خارج التاريخ. وتنبة بعضهم الى الظلامات التى كانت تملا الفضاءات الاعلامية وسياسية العنف المفرط والشراسة وقطع الرؤؤس والارزاق – بعد ان ذاقوا بعضا ناعما منها- فظهر فى الساحة بعض مثقفيها يحاولون التنصل والتبرير ومحاولة ايجاد منفذ للتواجد المستقبلى. على كل حال يرجع الكثيرون مما تناولوا هذا الحدث الذى استقبلة السودانيين بشك عميق واطلقوا عليها التمثيلية الثانية ( الاولى هى القصر رئيسا وكوبر سجينا)  الى اتجاهين اساسيين.
الاتجاة الاول وقد تبناة مناصرى الدكتورالترابى ارجعوا الصراع الى ان اساسة الموقف من الحريات واشهر هذة الكتابات مؤلف الاستاذ المحبوب عبدالسلام الحركة الاسلامية ،دائرة الضوء ، خيوط الظلام، وترتكز الاطروحة على ان الدكتورالترابى طور نظريتة عن الحاكمية الى القول باجماع غالبية المسلمين ( أي الراي العام لجمهور المسلمين ) في أي وقت معلوم ( لتجاوز علماء الدين) ومن هذا المنطلق فان الدكتورالترابى يري ان الحكومة في الدولة الاسلامية يقع اختيارها من قبل الشعب وبناء علي الارادة الحرة لاغلبية المسلمين ولكن الترابي ايضا اعتبر الحركة الاسلامية بمثابة القائم والقيم علي الاسلام والشريعة في اطار الدولة الاسلامية. (المحبوب عبد السلام يدافع عن أفكاره في (عشرية الإنقاذ الأولى،
http://www.alhagiga.com/print.php?id=642 )
ويرجع المحبوب ان هذا الخلاف جاء حول قضيتين: اولهما: أولوية المجتمع على الدولة، وثانيهما بسط سلطة لا مركزية داخل التنظيم وداخل البلاد والتى تؤدى كنتيجة مباشرة أن الحركة تريد أن تؤسس مجتمعاً ديمقراطياً كل شخص فيه منتخب وبالتالي محاسب وأنه مجتمع يقوم بغالب وظائفه، والدولة ما هي الا بعد من أبعاده. وفى تداول الايام فقد تركزت السلطات لمجموعة الاستاذ على عثمان محمد طة، نائب الامين العام، ومن ناصرة وخلقت معادلات جديدة ” كما قلت فإن الدولة لها شروطها، وتفويض السلطة يخلق شروطاً جديدة، فإذا أسست جهازا مثل جهاز الأمن وأعطيته تفويضاً محدداً وتجاوز هذا التفويض لا تستطيع أن ترصد كل هذه التجاوزات وتصلحها في الحال إلا أن تستبدل كل هذه المجموعة بمجموعة أخرى تؤسس نظاماً جديداً له روح جديدة، يمكن أن تتماشى مع البرنامج الإسلامي، وهو أمر ليس ميسوراً وليس بهذه السهولة”.” وأن تتم مناقشة وإصلاح كل تلك التجاوزات داخلياً، وأخيراً عندما أصر على الديمقراطية منذ سنة 1996م رأى أن الإصلاح الداخلي لن يكفي، ولابد أن يكون اصلاحاً شاملاً في المجتمع، وبدل أن يظهر في شكل صراع بين قطبين في الحركة الإسلامية وكلهم يواجهون تحدياً واحداً هو تحدي الحريات لأنه ستكون هناك صحافة حرة وبرلمانات تراقب وتشرّع، وهذا البحر من الحريات كان سيغمر الصراع داخل الحركة الإسلامية ويطهر الممارسات الشاذة فيها، ولكن الطرف الآخر الممسك بالسلطة كان واعياً بهذا البحر الذي كان يريد شيخ حسن أن يفتحه بالحريات منذ فترة التوالي في 96 ولذلك قاوموها، فالإنسان إذا لم يكن ذكيا جداً وعندما يبلغ الخطر والتحدي عنقه فإنه يقاوم بغريزة الحياة، ولذلك فهم كانوا ضد التوالي السياسي بدافع هذه الغريزة”. (المحبوب عبد السلام)
اذن فان المجموعة التى انقلبت على زعيمها كانت لا تتفق حول اطروحاتة: ” الترابي فلسفته في إدارة الحركة مبنية على التخطيط الاستراتيجي (فترة المصالحة الوطنية، والجبهة الإسلامية التي بدأت في التعامل مع المجتمع)، وهو كان مخططاً ان تمضي الدولة بعد ثلاث سنوات من العسكرية الى المدنية، ولكن هذه الخطة لم يكن هنالك وعي كامل بها، كما لم يكن هنالك إيمان كامل بالبرنامج الإسلامي، فلم تنفذ الخطة كما ينبغي، وبالمقابل كان هناك شعور بأن تحدي المعارضة تحديداً كان كبيراً لأنه إذا بسطت الحريات وعادت المعارضة فستعود بأحقاد من أخذت منه الحكم ومارست عليه القهر، وستأتي بالأموال لأنها كانت متفقة مع أجندة الغرب وسيكون وقعها على الحركة الإسلامية عنيفاً فكانوا متخوفين في السنوات الثلاث الأولى، وظل هذا التخوف الى اليوم وحتى هذه اللحظة بعد عشرين عاماً ظلوا يخافون من الحريات”.( الاستاذ المحبوب عبدالسلام الحركة الاسلامية ،دائرة الضوء، خيوط الظلام (تأملات في العشرية الاولي لعهد الانقاذ)
الاستاذ أمين حسن عمر  احد ابرز منظرى النظام الحاكم يحاول ان يرد على اطروحة المفاصلين ويركز على تمسك السلطويين بنفس اطروحات المغادرين: قد أنبنت استراتيجية الحركة للاصلاح على المنهج المعتمد في علوم الاجتماع جميعاً لتحقيق التحول الاجتماعي . وهو منهج إعادة التعليم والتوعية. وذلك من خلال نقد القيم السائدة والتذكير بالقيم الإسلامية والدعوة للاستقامة عليها. فالحركة الإسلامية التي يتهمها خصومها بالأفراط في استخدام وسائل السلطان لم تعول في استراتيجيتها أبداً على هندسة المجتمع (Social engineering) وذلك باستخدام وسائل السلطة بل ان شعارها دائماً كان هو أولوية المجتمع على الدولة فالمجتمع المنشود هو الذي يكون “مجتمعاً مدنياً حقاً مبادراً ومستقلاً عن السلطة في توفير معظم حاجاته ، معتمداً على موارده وقدراته الذاتية، أصيلاً في توجهاته، مجدداً في خططه وادائه، مستشرفاً خير ما في التجارب الإنسانية… وهدف تلك الإستراتيجية هو الرقي الاجتماعي ليكون (السودان خير مجتمعات العالم النامي ديناً وخلقاً وثقافة ومعاشاً وبيئة وان يكون المجتمع مستقلاً عن السلطة في معظم حاجاته وسابقاً لها في مبادراته) فالمجتمع عبر الوسائل الطوعية هو الذي تراه الحركة الإسلامية على كرسي القيادة ( الاستاذ أمين حسن عمر  : مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان
http://www.sudansite.net/2009-06-21-19-57-33/mainmenu-28/583–e). وهذا لا يصمد مع الوقائع التى تكذبة وترينا تنظيما يريد فرض رؤيتة الخالصة على الوطن.
الاتجاة الثانى، وهذا ضم الجناح السلطوى وكثير من المعارضين، يميل الى ارجاع المفاصلة الى الصراع على السلطة بين طرفى الصراع. وسنستعرض هنا اراء بعض الكتاب والمراقبين : “ويرى الاستاذ علي عثمان محمد طه ان المشكلة عنده بدأت عام 1986 عندما انعقد المؤتمر العام الثاني للجبهة الاسلامية القومية وشهد قصر الشباب والأطفال بأم درمان مفتتح جلساته، حيث اصطف زعماء الأحزاب وقادة الرأي والمجتمع وضيوف الخارج ينظرون بعيون معجبة مبهورة لدقة تنظيم الجبهة، وهي تبدأ في جدول الاعمال في ذات الساعة المحددة في البرنامج، وإلى عمق خطابها عندما قرأ الشيخ حسن خطاباً لم يقرأ مثله من قبل ولا من بعد، يومها بدت الجبهة كعروس ولكن الشيخ شاء أن يزفها الى الصادق المهدي فيما عرف بحكومة (الوفاق). فالأزمة عنده في حب الشيخ للسلطة ولو تحالفاً منقوصاً مع حزبي الأمة والاتحادي “. (المحبوب عبدالسلام : صراع الإسلاميين في السودان ..رحلة نحو البداية: جريدة الصحاقة: العدد رقم: 52972008-03-18 )
خالد التجاني رئيس تحرير صحيفة إيلاف تحفظ على تسمية ما حدث بالمفاصلة لأن المفاصلة تعني وجود خلاف بين منهجين، وفي تقديرة أن الخلاف لم يكن حول المناهج والأفكار وإنما كان مجرد صراع مكشوف حول السلطة حدث على مستوى القمة ” كذلك ما حدث كان يعبر عن مأزق الحركة الاسلامية التي قررت الاستيلاء على السلطة بالقوة وهذا يعني أن الحركة رهنت مستقبلها وتاريخها وفكرها بقوة السلاح الذي أتت عن طريقه. وفي تقديري أن الانقلاب كان انقلاباً على الحركة وقيمها ومؤسساتها التي حُلت وليس على الديمقراطية والقوى السياسية كما يظن بعض الناس، ومنذ ذلك الحين تحولت الحركة الإسلامية من فكرة إلى لعبة سياسية كرست السلطة لدى فئة محددة تحت لافتة الحركة… و رغم حديث مجموعة (القصر) عن أنهم يريدون إبعاد شبح التسلط والازدواجية وبسط الشورى والحرية وإحداث توازن في السلطة التي تسبب الترابي في إخلالها حسب قولهم، لم تستطع هذه المجموعة بعد (10) سنوات من تحقيق هذه الأهداف وكانت هناك فرصة لتقديم أنموذج يقوم على الشورى والحرية لكن في النهاية أصبح هذا الأنموذج أسوأ وأضل وحتى الذي كان موجوداً قبل المفاصلة أصبح لا وجود له، الأمر الذي يؤكد أن الصراع كان حول السلطة وليس المبادئ (4  رمضان.. ذكرى المفاصلة …الإسلاميون.. صراع السلطة وغياب التنظيم!  رصد فاطمه مبارك
http://www.sudanelite.com/news.php?action=show&id=12291:).
د. الطيب زين العابدين من جانبة أكد أن الأطراف الإسلامية اختلفت آنذاك حول كيفية إدارة البلاد، وكان يمثل السلطة التنفيذية الرئيس عمر البشير والسلطة المدنية يمثلها د. الترابي وهي التي قامت بالانقلاب، ود. الترابي كان يحظى بتأييد السلطة القانونية والتشريعية. على مستوى الإسلاميين أعتقد أن المفاصلة أثبتت للناس أن الإسلاميين لا يختلفون عن الآخرين، فرغم ما كانوا يطلقونه من شعارات وقيم إلا أنهم يمكن أن يختلفوا ويتصارعوا حول السلطة ويظلموا، وذلك كان واضحاً منذ البداية عندما سلكت سلوك الانقلابيين واستلمت السلطة.( (4  رمضان.. ذكرى المفاصلة …الإسلاميون.. صراع السلطة وغياب التنظيم!  رصد فاطمه مبارك
http://www.sudanelite.com/news.php?action=show&id=12291:). 
وصف الأستاذ أمين بناني مشروع الدولة الاسلامية بانة الآن أصبح مشروع سلطة غابت فيه فكرة الدولة والثورة والدعوة، وما يحدث لم يخرج من كونه دعاية سياسية، امتد هذا الأثر من هزيمة المشروع الإسلامي إلى هزيمة المشروع الوطني متمثلا في معاناة الشعب والمخاطر المحدقة بالوطن. ونتيجة لما حدث لا أرى مستقبلاً للحركة، لذلك ينبغي أن نتحدث عن مستقبل السودان بعد فشل تنظيمات الحركة، حيث تحول أحدها الى معارضة ضعيفة والآخر ظل متمسكاً بسلطة ضعيفة، وكل المسألة كانت قائمة على صراعات السلطة. (4  رمضان.. ذكرى المفاصلة …الإسلاميون.. صراع السلطة وغياب التنظيم!  رصد فاطمه مبارك
http://www.sudanelite.com/news.php?action=show&id=12291:). 
الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي، احد قيادي الإسلام السياسى،  يرى فى المفاصلة”  بالتأكيد الحركة الإسلامية كانت تتوق دوماً إلى السيطرة على الحكم، وفي مرحلة من المراحل رأت أن تأتي عبر التيار العسكري بعد أن تأكد لها أن معظم الجهات التي تنافسها لن تمكنها من الوصول إلى كراسي الحكم، وحقيقة أنا من الذين شاركوا وكنت عضو شورى حركة الإخوان المسلمين في اتخاذ القرارات الأخيرة المتمثلة في عملية الاستيلاء العسكري على السلطة، هذا الكلام كان في العام (1986) وكان واضحاً أن الحركة الإسلامية أخذت قرارها بإمكانية الاستيلاء على السلطة قبل هذا التاريخ… دواعي الخلاف حقيقة هي من يحكم السودان، هي قضايا سلطوية وأنا لا أستطيع أن أنفي أن الصراع كان سلطوياً، وبالتالي هل فشلنا كإسلاميين بعد تجربة الحكم؟ لم نكن مهيئين؟ هل الطمع، وممارسة السلطة والسلطان المطلق أثرا فينا؟ بالنسبة لي لا أنفي تأثرنا بوجودنا داخل السلطة، وبالتالي في اتخاذ قراراتنا، وجاءنا الإحساس بالسلطان المطلق، حتى عندما كنا نرفع آراءنا للشيخ حسن الترابي عن كثير من الممارسات.. الشيخ حسن لم يكن يقبلها، كان يدافع عن الجهاز التنفيذي دفاعاً مستميتاً ولا يقبل أي نقد في كل هذه المجموعات، ولو كان هناك شيء نأخذه على الدكتور الترابي فهو أنه كلما نأتي وننقد ممارستنا في الحكم فإنه لا يقبل أي نقد مصوب للجهاز التنفيذي، ولا أي ممارسات أو خروج وتجاوزات في قضايا الرأي العام، والحريات وحقوق الإنسان.. لم يكن يقبل”. (الدكتور الجميعابي يروي شهادته للتاريخ حول فتنة الإسلاميين في الحكم:
http://www.almanjulok.net/t1079-topic )
ويقود الشك الذى يساور السودانيين من الخداع الذى تتميز بة الاسلام السياسى طوال تاريخها الطويل و تجربة الانقاذ اثر شيوع نظرية التمثيلية (القصر رئيسا وكوبر سجينا)   فكتب محفوظ عابدين ابراهيم: ” وتوالت الاحداث بعد ذلك الى ان انتشرت أحاديث في مجالس المدينة بأن هذا الانقسام الذي حدث في الحركة الإسلامية ماهو إلا (تمثيلية) مثل التي حدثت في الانقلاب حيث دخل (الترابي) السجن مع قادة الاحزاب والقوى السياسية” …. وبالتالي لا يوجد حل غير تمثيلية جديدة تكون جيدة الاخراج من الاولى لان الهدف في الثانية هو المجتمع الدولي وليس المجتمع السوداني مثلما كان في التمثيلية الاولي التي قضت بدخول الترابي السجن والثانية التي قضت بخروج الترابي من الحكم. وهذا الخروج من الحكم للترابي قد حقق للحكومة هدفين الهدف الاول هو رفع الضغوط الدولية والاقليمية عن الحكومة، اما الهدف الثاني من خروج الترابي جعله قريبا من القوى السياسية المعارضة بل واحيانا منسقا بعض المواقف وبالتالي عرفت الحكومة كيف تفكر المعارضة وما هي خططها للاطاحة بالحكومة وبالتالي تضع الحكومة معالجتها لافساد خطط المعارضة”…. وبالتالي كانت العودة المتقطعة لقيادات الشعبي الى الوطني جزءا من الخطة بعد ان تؤدي دورها ثم تعود وسيتفرغ الترابي الى الفكر والنشر والتأليف “. (محفوظ عابدين ابراهيم: :وحدة الإسلاميين.. الطريق الثالث، جريدة  الصحافة: 25 نوفمبر-2010) .
ولكن هناك قرءة اخرى لما حدث لا تنظر فقط الى الصراع وكانة خارج اطر التاريخ والاقتصاد والاجتماع وبتصويرة وكانة بين مجموعات تقودها افراد او بين طموحات شخصية لقادة او خلافات فى تكتيكات سياسية. القراءة الاخرى التى يقدمها مجموعة من الكتاب الاسلاميين، الدكتور عبدالوهاب الأفندي، والاستاذ التيجاني الحاج عبدالرحمن و د.التجانى عبدالقادر، وهى قراءة تتجاوز الظاهرى الى البحث عن الاسباب الباطنية التى تلعب الدور الاساسى فى الصراعات السياسية فى اسبابها الاقتصادية والاجتماعية وما تخلفة من صراعات القوى.
اول من كتب وفصل فى هذا الدكتورعبدالوهاب الأفندي واشارالى دور الجهاز الذى أطلق عليها تسمية السوبر ـ تنظيم، ” وهو جهاز سري لا يخضع لأي مساءلة من جهة أخري في التنظيم الأوسع (ما عدا القيادة العليا ممثلة في شخص الأمين العام) تحديداً لأنه أساساً غير معروف لأي جهة أخري. وقد كان هذا الجهاز هو الذى قرر ونفذ الانقلاب نفسه والذى مثل مفاجأة لأغلب من كانوا نظرياً يمثلون القيادة العليا للتنظيم. (الدكتور عبدالوهاب الأفندي : معضلة السوبر ـ تنظيم في صراعات الإسلاميين في السودان :القدس العربى بتاريخ 28/11/2006).
طرح الاستاذ التيجاني الحاج عبدالرحمن مدخلا اخر فى مقالة غنية بالمعلومات والتحليل العميق لتشابكات السلطة وعزا تحوّل طبيعة الخلاف داخل الحركة الإسلامية في 1977 من خلاف فكري/سياسي إلى خلاف مصلحي مرتبط بغنائم السلطة مصحوب بتكتلات حول بؤر إثنية وقبلية ضيقة داخل التنظيم في 1999.” التيجاني الحاج عبدالرحمن: إستقراء لصراعـات القبائـل الإسـلامية، حالة صلاح قوش
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/ar1/exec/view.cgi/4/789 )
وقد فصل د. التجاني عبد القادر، ما اجملة الدكتور عبدالوهاب الأفندي فى السيوبر تنظيم والاستاذ التيجاني الحاج عن إلخلاف المصلحي، فى سلسلة مقالات الرأسماليون الإسلاميون: مـــاذا يفعلـــون فى الحـــركة الإســـلامية؟ و العسكريون الإسلاميون: شركاء فى السلطة أم مالكون لها؟. بنى د. التجاني اطروحتة على المنهج التحليلى الذى اتبعة  المغفور لة المفكر الكبير والباحث فى الفلسفة والفكر العربي الإسلامي محمد عابد الجابرى فى مؤلفة نقد العقل العربي من اربعة اجزاء(تكوين العقل العربي ، بنية العقل العربي ، العقل السياسي العربي و العقل الأخلاقي العربي). والذى ارجعة الجابرى فى سياق تطورالتاريخ العربي الإسلامي الى ثلاثة مفاهيم: “العقيدة وتعنى عامل الدين وتخصيصاً الدين الإسلامي”، القبيلة والمعني بها العلاقات العشائرية وصلات الدم  و”الغنيمة المعني بها العامل الإقتصادي في شكله كنمط إقتصاد ريعي، والذي كان سائداً في تلك الفترة ولازال في معظم البلدان العربية والإسلامية.
يتساءل د. التجاني عبد القادر كيف بدأت العلاقة بين التنظيم والسوق؟ ” أظن أن بداية هذه العلاقة تعود الى فكرتين بسيطتين احداهما صحيحة والأخرى خاطئة. أما الفكرة الأولى الصحيحة فهى أن اصلاح المجتمع السودانى أو اعادة بنائه على قواعد الاسلام وهديه ولكن العمليات البنائية هذه لا تكتمل إلا بتنظيم دقيق ومال وفير، أما الفكرة الثانية الخاطئة فهى أن “التنظيم” لا يكون قويا الا اذا صار غنيا، ولن يكون التنظيم غنيا فى ذاته وانما يكون كذلك اذا استطاع أن يأخذ بعض المنتسبين اليه “فيصنع” منهم أغنياء” ”  وكان من نتائجها أن تولد لدينا “مكتب التجار”، ليكون بمثابة الأصابع التنظيمية فى السوق، ثم تحولت “إشتراكاتنا” الصغيرة الى شركات (كيف؟ لا أدرى)، ثم صارت كل شركة صغيرة تكبر حتى تلد شركة أخرى، ولما لوحظ أن عددا كبيرا من العضوية الإسلامية ميسورة الحال يوجد فى السعودية وفى دول الخليج الأخرى، أنشأ “مكتب المغتربين”، ليقوم بجمع الاشتراكات، ثم تحولت وظيفته بصورة متدرجة الى ما يشبه الوساطة التجارية والوكالة والإستثمار. ولما لوحظ تكرر المجاعات والكوارث فى السودان، أنشئت أعداد من المنظمات الخيرية التى تهتم بالعون الإنسانى، ولكنها تركت لأصحاب العقلية الرأسمالية التوسعية، فصار القائمون عليها فى كثير من الأحيان ينحدرون من الشريحة التجارية ذاتها “الشريحة التى تتخندق فى البنوك والشركات والمكاتب التجارية.” ثم جاءت ثورة الإنقاذ، فكانت تلك هى اللحظة التأريخية التى وقع فيها التلاحم الكامل بين الشريحة التجارية المشار اليها، والمؤسسات الإقتصادية فى الدولة، فمن كان مديرا لبنك البركة صار وزيرا للمالية والإقتصاد، ومن كان مديرا لبنك فيصل صار محافظا لبنك السودان المركزى، ومن كان مديرا لشركة التأمين الإسلامى صار وزيرا للطاقة” ” وبهذه الطريقة تم تمرير وتسويق المفاهيم الرأسمالية وتوطينها فى برامج الدولة والتنظيم.” ”  أن كثيرا منا لم يأتِ الى الحركة الاسلامية، ويفنى زهرة شبابه فى خدمتها من أجل الحصول على الثروة ولكن من أجل العدل الإجتماعى، اذ أن قضية العدل الاجتماعي هي القضية الأم التي لم ينفصل الإسلاميون عن أحزابهم التقليدية وطرقهم الصوفية، ومجموعاتهم العرقية، الا من أجلها، كما لم يتصلوا بالحركة الإسلامية الا من أجلها.
ويصل د. التجاني عبد القادر لنتيجة عبر عنها الشارع السودانى بعد الانقاذ ” الاخوان دخلونا الجامع وهم دخلو السوق” و يواصل محددا سبب الصراع “ولكن ما تقدم من سرد يشير الى أن قضية العدل الإجتماعى لم تعد هي القضية الأم في النموذج الراهن، وذلك لأن الفئات الثلاث التى يقوم عليها النموذج: الشريحة الرأسمالية المتحالفة مع القوى الأمنية والبيروقراطية فى داخل الدولة، ومع القوى القبلية فى خارجها، لم يعد لواحدة منها هم والتزام بقضية العدل الاجتماعي” (د. التجاني عبد القادر: الرأسماليون الإسلاميون: مـــاذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟
http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508520&bk=1 –  )
من موقع فكرى اخر جاءت تحليلات شبيهة  ابرزها الاستاذ تاج السر عثمان الذى يقدم مساهمات عميقة من موقع الماركسية حول ادعاءات المشروع الحضارى والتطور الوطنى العام ( يهمنا هنا دراساتة المحكمة حول تطور نشأة وتطور الرأسمالية السودانية عامة و خصائص وسمات الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية فى موقعة الفرعي  في الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2200 ) واخيرا أحمد عثمان فى عدة مقالات خاصة مقالة إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وتلاميذه : الحوار المتمدن – العدد: 2127 – 2007 / 12 / 12)
يبدا الاستاذ تاج السرعثمان بالتاكيد على مفهوم مفصلى فى ان السودان  مجتمع تسيطر الدولة على النشاط الاقتصادي فيه. ويرجع الكاتب نشئة وتوجة الاسلام السياسى الى السوق الى مابعد المصالحة الوطنية مع نظام نميرى في عام 1977 م فى وقت اصبح فية  النشاط الطفيلي هو الغالب وظهرت فئات السماسرة التي تعيش على العمولات، ووكلاء البنوك الأجنبية والشركات الأجنبية وروؤس الأموال البترولية وشركات النهب والفساد وتراجعت الرأسمالية الوطنية التي كانت تعمل في ميداني الإنتاج الصناعي والزراعي نتيجة لارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج ، وأزمة الوقود والطاقة وانخفاض قيمة الجنية السوداني …. الخ.
” وتطور تنظيم الجبهة الإسلامية من تنظيم رومانسي سلفى الى تنظيم واقعي، واصبح يضم النساء والجنوبيين ويسعى الى استيعاب كل المجتمع في داخله ! ( د . الترابي : الحركة الإسلامية في السودان ، المرجع السابق ) كما تحول في شعاراته طبقا لظروف كل مرحلة وبهدف التأقلم السياسي ( فقه الضرورة )، واصبح للتنظيم مصالح رأسمالية وتجارية وطبقية ومؤسسات وبنوك وشركات وعقارات تشكل قاعدته الضخمة والتي مولت كل نشاطات التنظيم وصرفه الكبير خلال فترة الديمقراطية الثالثة ( الانتخابات ، شراء الأصوات، الإرهاب، الابتزاز، صحافة الإثارة ، …. الخ )”.
” بعد انقلاب 30 يونيو 1989 م سيطرت الجبهة الإسلامية على الحكم ، وفى هذه الفترة هيمنت الفئات الغنية من عناصر الجبهة الإسلامية على مفاتيح الاقتصاد الوطني عن طريق البنوك الإسلامية وشركات التأمين والاستثمار الإسلامية وشركات الصادر والوارد والتوزيع والشركات المساهمة الكثيرة، والمنظمات التي تلتحف ثوب الأعمال الخيرية مثل الشهيد، السلام والتنمية، .. الخ. وتجمعت لدى هذه الفئات ثروات ضخمة”.
و يرصد الاستاذ تاج السر عثمان  مصادر تراكم الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية ويحدد بعضها  فى نهب أصول القطاع العام، التسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والإعفاء من الضرائب، الاعتداء على المال العام، المرتبات العالية لكادر الجبهة الإسلامية العسكري والمدني، الأرباح الهائلة التي يحصل عليها تجار الجبهة الإسلامية من حرب الجنوب، الذهب والبترول، تجارة العملة والسوق الأسود واحتكار قوت الناس والسلع الاستراتيجية، الاستيلاء على شركات التوزيع الأساسية، الاستثمار في العقارات والمضاربة على الأراضي، ومشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية والتوسع فى تصدير الثروة الحيوانية واستيلاء مؤسسات الجبهة الإسلامية على مؤسسات تسويق الماشية واخيرا غنائم أموال وعقارات المعارضين السياسيين. وادى هذا من الجانب الاخر الى تدهور أوضاع الفئات الشعبية نتيجة للفقر والبؤس، وانتشار الدعارة والرشوة والفساد، وغير ذلك من آثار وسياسات سلطة الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية. (خصائص وسمات الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية فى موقعة الفرعي  في الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2200 )
عالج الدكتور أحمد عثمان فى عدة مقالات فى موقعة الفرعي  في الحوار المتمدن إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان وتناولها من عدة مداخل اقتصادية وسياسية وتنظيمية. عالج اولا ما حدث من إنقسام وانة فعلي وليس تمثيليــة أخرى وشاهدة أن التنظيمين ما يزالان يصدران عن آيدلوجيا واحـــدة تبحث عن تأسيس دولــة دينيــة. كما قدم معالجة مقنعة لمصطلح النخبة الحاكمة من ما يتداول عن النخبة النيلية حاكمة الى انها نخبة طفيلية حاكمة وهى قوى معينة ذات جذور اجتماعية وطبقية منسجمة بغض النظر عن طبيعة واجهاتها و منحدراتهم الجهوية والمناطقية. وهذا يسري على الحكومات المدنية كما العسكرية. وأغلبية أبناء النيل وغالبية النخبة النيلية سواء أكان توصيفها كنخبة لأسباب معرفية أو دينية أو اجتماعية كانت ومازالت أول من يعاني القمع و التهميش. فمعتقلاتها فتحت للجميع و تعذيبها وارهابها طال الجميع، ونهبها لم يفرق بين طريق الإنقاذ الغربي و بترول الجنوب وذهب الشرق أو رطب الشمال. هذه القوى هي قوى رأس المال الطفيلي غير المعني بالعملية الإنتاجية، وغير المعني بإنسان السودان في شرقه أو غربه- شماله أو جنوبه. و يحدد ان السلطة قد إنتقلت منذ لحظة إنقلابه على الديمقراطية لأيادي التحالف بين السلطة والمؤسسات الإقتصادية والمالية للتنظيم والإجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت ذراعا هجم به على الدولة الديمقراطية واصبحت السلطة الشريان الأساسي لهذه الأجهزة لمزيد من الثروة بدلا من أن يقتصر دورها على الحماية فقط. ويرى ان الفســاد لاسبيل لمعالجتــه لأنه سمـة ملازمـة لنظام وحكومة رأس المال الطفيلي. “ولـذلك يقف الدكتور. الترابي وتنظيمه في نقدهم عند المؤسسات الماليـة التابعة للدولة ولجهاز الأمن وضرورة عدم منافستها للناس في الأسواق، ولايعممان النقد لطبيعة نشاط هذه المؤسسات نفسه. وهذا يعني أن الدكتور وتنظيمه يريدان خصخصـة هذه المؤسسات التي تمارس التطفل، وإعادتها للحزب مما يعني أنهما يرغبان في تكريس النشاط الطفيلي خارج جهاز الدولة وتحت مظلة الحزب. وهذا ببساطة يعني إعادة هذه الدورة الجهنمية وبناء تنظيم آخر للنشاط الطفيلي من الممكن أن يثب على السلطة في أي لحظة”.
من جانب اخر ارجع الدكتور أحمد عثمان أن التنظيم الذي ركن إليه الدكتور. الترابي ، وحاول أن ينتصر به، ليس هو تنظيمه العقائدي الذي قد قام بحله عقب الإنقلاب. فالمؤتمر الوطني تنظيم فتحه الترابي للإنتهازيين وقناصي الفرص وفقا لمبدأه التنظيمي المستحدث ” العبرة بمن صدق لا بمن سبق”. وهؤلاء القادمون الجدد جلبتهم السلطة ولاشك هم مناصرون لمن يقبض عليها إذ لا ولاء لهم لشيخ الحركة الإسلامية أو غيره. اما ضرب عرض الحائط للإحتكام لمبادئ ولوائح العمل التنظيمي فقد مزقة الدكتور الترابي لانة لم يحترم اى لوائح فى حياة تنظيمات التى انتهكت كل دستور وعهد ولوائح. (الدكتور أحمد عثمان إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان و مقالات اخرى فى موقعة الفرعي  في الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2022
الحزب الشيوعي السوداني: من الديموقراطية الجديدة الى الامر الواقع (محذوف)
 

موقف الاحزاب من الديمقراطية
الاحزاب الطائفية الليبرالية فى زمن الديكتاتورية الثالثة
نبدا براى الإمام الصادق المهدي “ان الاحزاب السياسية السودانية مع مافيها من ملامح الواقع الاجتماعي السوداني هياكل مفتوحة فحزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي فيهما الأنصاري وغير الأنصاري والختمي وغير الختمي بل المسلم وغير المسلم. وهي احزاب متطورة ففي المرحلة الأولى كان وراء الحزب السيد الراعي ويقود الحزب أفندية،هذا الشكل كان ملائما لمرحلة أولى. ولكن تطور الممارسة الديقراطية سلم الجميع بضرورة انتخاب القيادة ومساءلتها وأن يكون للحزب الحق في إتخاذ أي قرار داخل أجهزته فأصحاب التأييد الديني ان ارادوا المشاركة في القرار فإنما يشاركون من موقع حزبي”. (الإمام الصادق المهدي: الديمقراطية في السودان عائدة راجحة، الطبعة الثانية)
كان هذا دارجا حتى تسيد المشروع الحضارى ولانهم قد درسوا هذة العلاقات جيدا سواء فى اصلها الاسلامى ذو التاريخ الطويل او فى نشاتها وتطورها طوال الممالك السودانية- ترى هذا واضحا فى استراتيجية التمكين كما عرضها الدكتور الترابى فى: الحركة الإسلامية في السودان )التطور .. الكسب .. المنهج (. ” أما قيادات الأحزاب الوطنية ذات القواعد الدينية فقد كانت ترتاب بالدعوة إلى الإسلام قديمًا لكنها لا تبالي بالاستنصار بها على التحدي الشيوعي أما وقد أخذت الحركة تنتشر وتأتي على قواعدهم من تلقاء ذات الدين بوعي أتم وولاء أقوم، فقد ازدادت الغيرة والتوجس لا سيما بين العناصر الحزبية التي لاهم لها في الدين إلا أن تحوز به وحدها على العوام.”
نهجت الانقاذ منذ يومها الاول الى تجفيف مصادر تمويل الاحزاب السودانية من فئات الراسمالية وزعماء الادارة الاهلية وكبار الملاك الزراعيين وزعماء الطوائف الدينية و الوكلاء والخلفاء وتم فى ذلك استعمال القوانين فى مجال العملة وتغييرها. وفى الحقيقة فقد جففت مصادر الشعب السودانى باسرة لصالح شركة الاسلام السياسى ومديرها كما وصفة د.التجانى عبدالقادر” شعرت كأننى كنت في مقابلة مع مدير لأحدى الشركات. الحديث المقتضب، والإجابات القصيرة القاطعة، وسد كل نافذة تقود الى الثرثرة في الأمور الشخصية والهموم الإنسانية الجانبية. (د/التجانى عبدالقادر – البنية التحتية للفساد
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=121  ). وكان جهاز الدولة والذى غيرتة بالكامل لصالح انصارها او من استطاعت استمالتة بالمال او التهديد هو الاساس فى محاربة اعدائها. وقد عالج عدد من الكتاب والاقتصاديين تفاصيل هذة القضايا، بل ان جماهير الشعب كلة يعلم بها من واقع معايشتهم لها.
وربما كان من النتائج الملموسة التى نراها امامنا فى الاعسار الذى ضرب على زعماء الاحزاب الوطنية الليبرالية والذى استغلتة الانقاذ عندما ارادت ارجاع الحقوق الى اهلها من المساومة، وللعجب اظهارهم بمظهر المستجدين والمتبلين عليها. ووقعت فى قواعد هذة الاحزاب باغراء زعمائهم المحليين بالسلطة والمال واعادة توزيع المراكز الادارية وتقسيم القبائل وبالاكاذيب والتهريج والشتائم لقادة الاحزاب. من دان لها من المثقفين او لاك الصمت ظلوا اما من رفع الصوت فقد كان لهم بيوت الاشباح والفصل من الخدمة والتضييق فى الرزق.
ايضا اتجهت الى تجفيف منابع  مؤيدي الاحزاب الوطنية الليبرالية بعدة وسائل كان قد استعدت بارسال اعضائها الى كافة ارجاء العالم، مستغلة جهاز الدولة الديكتاتورية الثانية (1969-1985)، لتحضير الدراسات العليا فى كل الجوانب التى ستواجهها عند استيلائها على السلطة. ولابد من الاشارة هنا الى ملاحظات وردت عند الدكتور حيدر ابراهيم فى فشل المشروع الحضارى والامام الصادق المهدى فى ميزان المصير الوطنى ان الاسلام السياسى قد نال معاملة مؤيدة وداعمة وفى اسوا الاحوال معاملة ” ناعمة” ويمكن الرجوع الى كثير من الكتابات التى تناولت علاقة الاسلام السياسى مع السلطة – خاصة كتابات الدكتور حيدر ابراهيم والدكتور عبدالله جلاب: الجمهورية الاسلاموية الاولى : نشأة و تدهور الاسلاموية في السودان، صدر عن دار آشقيت في 2007.
اتبعت السلطة الديكتاتورية الجديدة عدة استراتيجيات لتطويع هؤلاء بدا من تغيير المناهج التعليمية بالكامل للعمل على الاجيال المستقبلية كدرس مستفاد من التجربة النميرية فى نسختها اليسارية. ثم تغييرات التعليم العالى وقد تم اعفاء مربى الاجيال و العالم والانسان البروفسير ميرغنى حمور وتم تعيين البروفيسر التجاني حسن الامين ( حاصل على الدكتوراة في علم الأدوية والعقاقير)، فقام فى اوائل عهدة بفصل العديد من أكفأ اساتذتها بحجج سياسية وبحجة أن بعضهم “لا يحفظ القرآن”. او لانهم رفضوا الذهاب للدفاع الشعبى للجهاد وغير ذلك. وكان ضمن احد قراراتة تحويل المركز الوحيد من نوعة فى العالم العربى الى مركز اسلمة المعرفة – شعارا لم يذهب لاى مكان-، ثم زيادة القبول في طب الجزيرة من خمسين إلى مائتين وبذلك فقد ارتكب ما يسمى بالقرار الصائب سياسيا – لحوجة السودان لمزيد من الاطباء – والخطا تقنيا لان قرار مثل هذا يحتاج لدراسات وخيارات لان الإمكانات كلها مصممة لخمسين طالب وحتى لو اراد انذاك ان يعمل على الزيادة فهناك تجارب مثل الاطباء الحفاة فى الصين ولكن هذا معول التعيين السياسى الاخرق.
عندما قارب الانقاذ قضية التعليم كانوا قد جاءوا لها وفى جعبتهم الكثير فقد كان ميدان التعليم احد اهم الميادين التى حاولوا السيطرة عليها وتجنيد الطلاب فى المدارس الثانوية ثم كافة انواع الهيمنة لحسم الصراع ضد القوى المخالفة لهم وتاهيل الاتباع الذين سوف تبتعثهم للكلية الحربية اوتسيطر بهم على اتحادات الجامعات. ولكن عندما امتطوا السلطة ورغم ان الخط العام يقوم على السيطرة على المجتمع وتنميطة، الا ان التنفيذ كان عشوائيا ودعائيا ومظهريا. كان من اول الميادين التى اراد الانقاذ اختراقها التعليم العالى، فهذا الميدان هو مصادر القلق و التهييج والاحتجاجات  فابتدع النظام فى بداياتة ماسمى بثورة التعليم العالي ولكن الثورة فى حقيقتها كانت خاوية من البرامج المدروسة او المبرمجة، سوى الرغبة الكاسحة فى اكتساب النجاحات السريعة فتمخضت عن توسع عشوائي للتعليم العالى فى ناحيتة الكمية بدون اى اهتمام بالنوعية او متطلبات العملية نفسها ترافق مع ذلك التخلص من الخصوم والذين هم عماد الاحزاب  ومحاصرتهم  وتمزيق اوصال الاساتذة والذين تعرضوا لاكبر عملية تشريد واحالة الى الصالح العام بعد القوات النظامية والى الاحلال العشوائى بعناصر موالية ولكن عديمة الموضوعية وتغليب المصلحة التعليمية.
اتجهت الانقاذ بعد ذلك الى القوات المسلحة والقوات النظامية والخدمة المدنية فسارعت باحالة العناصر النشطة الى المعاش الاجبارى ويمكن ان ندعى بلا مبالغة ان هذا كان فى الحقيقة بمثابة ما يسمى فى ادب الثورات تحطيم جهاز الدولة القديم وفية تم التخلص من من اكثر من 95% من قادة العمل ما اجتهدت الانظمة والدولة فى بنائة فى اكثر من قرن  ” وتشير أرقام رسمية الى ان اجمالي عدد الذين أحيلوا الى المعاش منذ عام 1904 وحتى العام 1989 بلغ 32419 موظفاً، بينما شهدت الفترة بين (30 يونيو 1989 و 29 سبتمبر 1999) احالة 73640 موظفاً، أي ان الذين أحيلوا الى المعاش في عهد الانقاذ يتجاوز ضعفي الذين أحيلوا الى التقاعد خلال كل العهود الاستعمارية والوطنية من مدنية حزبية وعسكرية سابقة” (صحيفة الشرق الأوسط 20 مايو 2001.)
اما من كانوا فى حاجة اليهم لتسيير دولاب الدولة حتى يحين موعد التخلص منهم بعد ايجاد البديل فقد سيقوا الى معسكرات الدفاع الشعبى، وابعدوا عن محيطهم الاجتماعى كهولا وجدوا انفسهم فجاءة مطالبين بتذوق كافة انواع المذلة والاهانة والتعدى الجسدى والمعنوى، لكسر ارادتهم فى مقاومة ما سياتى وتحطيم اسطورة السودانى الشهم، الشجاع والمقاوم. اما الشباب و مريدى الاحزاب واعضائها فقد دفعوهم بالقوة الى معسكرات الدفاع الشعبى سيئة السمعة حيث اخضعوا لكل الوان الضغوط الاسرية والاجتماعية والاذلال وارسالهم الى محرقة الحرب العقائدية فى الجنوب بدون اى استعداد نفسى او معنوى او مادى. وفى تنفيذ هذا استوعبوا الخلفاء والوكلاء وقادة القبائل وقادة الاحياء فى دفع ابنائهم الى هذة المحرقة عن طريق اللجان الشعبية.
رغم ان ادبيات الاسلام السياسى تشير كما يورد الاستاذ أمين حسن عمر الى تبنى الحركة الاسلامية استراتيجية المنهج المعتمد في علوم الاجتماع لتحقيق التحول الاجتماعي وهو منهج إعادة التعليم والتوعية. وذلك من خلال نقد القيم السائدة والتذكير بالقيم الإسلامية والدعوة للاستقامة عليها . ولكنها فى الحقيقة لم تستعمل سوى ” بيد أن إعطاء الأولوية للإقناع وإعادة التعليم عبر الدعوة لا يقلل من شأن الدور الذي تضطلع به السلطة في إحداث التغيير الإجتماعي” . هذان المنهجان صالحان بطبيعة الحال وهما مبنيان على نظريات معتمدة ولكن المعضلة تكمن فى الموازنة بينهما ” فالحركة الإسلامية التي يتهمها خصومها بالأفراط في استخدام وسائل السلطان لم تعول في استراتيجيتها أبداً على هندسة المجتمع… بل ان شعارها دائماً كان هو أولوية المجتمع على الدولة “(الاستاذ أمين حسن عمر : مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان:
www.sudansite.net/2009-06-21-19-57-33/mainmenu…/583–e– )
هذا الضرب من الهراء اللغوى لا يقنع وما تمخضت عنة التجربة المريرة ان الحركة استعملت جهاز السلطة والعنف الشرعى  فى محاولة فرض هندسة المجتمع. اولا بترويع السودانيين فى بيوت الاشباح، تصفية الخصوم العسكريين و اذلالهم بالتعذيب المنهجى وافراغ المجتمع من نخبتة القائدة وصولا الى ارض بلا قادة ليرثها القادة بلا ارض. ولكن الذى حدث ان المجتمع السودانى بمنظومة قيمة القائمة على التسامح والاستنارة والجسارة ردت كل المحاولات واوقفت تغول ما اسمى وزارة التخطيط الاجتماعى عام 1993 (وهى عادة من الوزارة الهامشية منذ انشات عام 1955 تحت مسمى وزارة للشئون الاجتماعية) لقصر نظر الديمفراطيات والديكتاتوريات والتى تنبه الاسلام السياسى لاهميتها البالغة والتي اعتبرت من اهم المناصب انذاك وعين لها كوزير الرجل الثاني انذاك للحركة الإسلامية الاستاذ علي عثمان محمد طه.” وهى وزارة مبتكرة كان الامين العام يقدر لها شانا عظيما لحركة اسلامية غايتها تحديد المجتمع وتبديلة على نحو شامل، وفق اصول ومبادىء الاسلام”. (الاستاذ المحبوب عبدالسلام: الحركة الاسلامية ،دائرة الضوء ، خيوط الظلام (تأملات في العشرية الاولي لعهد الانقاذ ). اذا لم يكن هذا هندسة المجتمع فما هو؟ 
مسارات حزب الامة 
مسار طويل سارة الامام الراحل عبد الرحمن المهدي منذ ولادتة فى امدرمان الى الشكابة فى النيل الابيض والذى جرح فية ثم الى منفاة الداخلى فى الشكابة وجزيرة الفيل لمدة تسع سنوات والاستعمار البريطانى مستهدف المهدوية فى كافة اشكالها ويفكفك فى كافة اشكالها الدينية والتنظيمية، فى هذا المحيط كون وتشرب مفاهيمة المستقبلية ، فالنظام المهدوى قد تم تمزيقة وكسرت شوكته القتالية واعيد ترتيب النظام الادارى وفى الخلفية قعقعة السلاح النارى الحديث. واهلة تحملة لمسئولية القيام بشئون اهلة وتداخلة مع افراد الشعب العاديين بعد زوال السلطة الى بناء القدرات الفكرية و الاجتماعية والشخصية التى مكنتة من اعادة بناء المهدوية الجديدة ( الانصار) واختطاط تكتيكات مناسبة للصراع مع المستعمر كانت تقوم كما عبر عنها المغفور لة عبيد عبد النور ” بالصبر والتسامح”. (مذكرات الامام عبد الرحمن المهدى، مركز الدراسات السودانية )
سمحت السلطات البريطانية للامام الراحل عبد الرحمن المهدي بزراعة أراضي المهدي في الجزيرة أبا بمنطقة النيل الأبيض في عام 1908م ، حيث كانت تلك البداية لأعماله الزراعية والاقتصادية كمدخل لبناء القوة السياسية، كما مكنتة من مد جسور العلاقات مع الانصار عن طريق وكلاء اغلبهم من قادة الادارة الاهلية. ادى قيام الحرب العالمية الاولى 1914 وحاجة الحلفاء لصوت سنى اسلامى ضد تركيا مركز الخلافة والمتحالفة مع المحور، الى تغير موقف البريطانيين منة، فاستطاع بصبرة ان يشيد تنظيم الانصار فى مختلف ارجاء السودان، خاصة دارفور وكردفان والنيل الابيض.
ورث الامام من والدة التفاعل مع ثقافة العصر وتلمس الاستراتيجيات الصائبة للتعامل مع المتحرك الاقتصادى والاجتماعى. ورغم انة لم يتلق تعليما نظاميا، الا ان استشعر اهمية دور المثقفين فى الحياة العامة وحاجتهم الى مخاطبة مختلفة عن تجمعات الانصار حول الراتب فى القرى والبوادى. ارتبط الامام بهذا المجتمع الجديد باطروحات مناسبة وبمداخل مختلفة، فساعد فى تاسيس نادى الخريجين 1918 وشارك فى اصدار جريدة الحضارة و ساند المثقفين فى مناسبات عديدة اوجدت لة موقعا فى عالم الطبقة المثقفة. وعند تكوين حزبة السياسى حزب الامة 1945 كان الامام قد استطاع بناء شبكة من الانصار الموالين فى انحاء القطر شكلت نواة صلبة وجد فيها مجموعة المثقفين الذين توافدوا علية تكاة مناسبة لتحقيق تطلعاتهم نحو تحرر البلاد والوصول الى السلطة. عند عشية الاستقلال برز الحزب وهو يتبنى الديمقراطية الليبرالية والدولة المدنية والسيادة للشعب على نمط وستمنستر مسنودا بطائفة لديها ولاء مطلق و قدرة مالية كبيرة.
الحكومة العسكرية الاولى:
ناقشنا فى فصل سابق موقف حزب الامة من ملابسات تورط الحزب فى الانقلاب وسنناقش هنا موقف الحزب من الانقلابات. اصدر الامام الراحل السيد عبد الرحمن بياناً بعد يومين فقط من الانقلاب جاء فيه (يؤسفني أن أقول إن السياسيين الذين قادوا الأحزاب السياسية قد فشلوا جميعاً، ولم تنجح أي من الحكومات الأربع التي تعاقبت على كراسي الحكم وأصيب الشعب السوداني بالإحباط وهاهو يوم الخلاص، فقد هبّ رجال الجيش وأمسكوا بمقاليد الأمور ولن يسمحوا بالتردد والفوضى والفساد بالعبث في هذه البلاد، ولقد من الله علينا برجل يقود الحكومة بالحق والصرامة فابشروا بهذه الثورة المباركة واذهبوا إلى أعمالكم بهدوء وثقة لتأييد رجال الثورة- الدعوة لحل الحزب الشيوعي السوداني … جريدة الاخبار، 19 ديسمبر 2010
http://alakhbar.sd/sd/index.php?option=com_content&task=view&id=8384&Itemid=282       
كان المغفور لة الامام الصديق عبد الرحمن المهدي معارضا منذ  البداية وراى أن النظام العسكري لا يعالج مشكلة الحكم في السودان وكان السيد الصديق خارج السودان عندما وقع الانقلاب فعاد إلى السودان مسرعاً وحدد موقفه بإدانة ما حدث ودعا إلى مقاومة الوضع الجديد. ويمكن ان نرجع موقف الامام الراحل الى نشاتة فى وسط الحركة الوطنية فقد تخرج من كلية غردون التذكارية قسم الهندسة، فى الثلاثينات وشكّل مع أعضاء آخرين لجنة الزعفران، وهي اللجنة المسئولة عن تسيير إضراب كلية غردون الشهير (نوفمبر 1931 – 31 يناير 1932م)، وهو الإضراب الذي قام للمطالبة بحقوق الطلاب في التعليم العالي الأكاديمي، وحقوق الخريجين الوظيفية، والذي ساهم الإمام عبد الرحمن –والده- بدور أساسي في إنجاح المفاوضات التي أنهته في 31 يناير 1932م. ساهم الامام الراحل فى انشاء حزب الامة ” وبهذا شهد العم المرحوم أمين التوم وهو من قادة حزب الأمة الأوائل قال: وفيما يختص بالإمام الصديق قال إنه (كان من أوائل الذين أنشأوا حزب الأمة في عام 1945م وأصبح بوصفه ذاك عضوا في هيئة الحزب التأسيسية ثم انتخب بواسطة هذه الهيئة كما انتخب غيره لعضوية مجلس الإدارة أو ما يسمى الآن بالمكتب السياسي للحزب. (رباح الصادق: الصادق الهادي.. معركة في غير معترك: صحيفة أجراس الحرية : بتاريخ : الثلاثاء 2009 09:06
http://ajrasalhurriya.net/ar/news_view_1633.html)
بوفاة الإمام عبد الرحمن المهدي في 25 مارس 1959م تمت مبايعه الصديق عبد الرحمن المهدي إماما للأنصار. تميز الامام الراحل فى معارضتة النظام العسكري بعدة اتجاهات فبدا اولا من المشاركة فى تطوير اليات للعمل الوطنى وفى تجميع المعارضة قوميا. لم يعتمد الامام الراحل على العمل الفوقى فى قيادة المعارضة ولكن خلق جوا جماهيريا عاما بعدة تكتيكات. فقد ارسل الوفود لشرح المواقف لكل الاقاليم، وقد بادر بمخاطبة النظام الحاكم بالعديد من المذكرات والتى تطور فيها موقفة من المطالبات الاجرائية ” أن تنتهي مهمة الجيش في مباشرة شئون الحكم مشكوراً علي ما أدى فيما يختص بالدفاع عن البلاد متجنبا الدخول في شئون الحكم؛ أن يتكون مجلس رأس أعلى من …الإشراف على شئون الحكم مؤقتاً؛ أن تتألف حكومة من المدنيين لحمل أعباء الحكم في البلاد؛ أن يوضع دستور للبلاد.. انتخاب هيئة لإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية”. (الوثيقة رقم 3: جهاد في سبيل الديمقراطية: مطلب الأمة: أشرف على إعداده الصادق المهدي).
تطور خطاب الامام الراحل بعد تجارب المقاومة الشعبية والاضرابات الى مخاطبة برنامجية فى الإحتفال بعيد الهجرة  1961 ” قيام حكم ديمقراطي منبثق من مبادئ الإسلام والواقع السوداني مستمد من تجارب الماضي ما يضمن للمواطنين حقوقهم في ظل قضاء نظيف مستقل يسيره تشريع عادل؛ للأفراد حقوقهم في التعبير النشر والتنظيم؛ تنظيم الاقتصاد السوداني علي أساس خطة واقعية تضمن تطوير قطاعاته العامة والتعاونية والخاصة بعيداً عن السيطرة الأجنبية حتى يتوفر الرخاء والعدالة للفرد السوداني وتصبح سيادته في بلاده حقيقة واقعية؛ وضع خطة واعية للتطوير الإجتماعي بشكل خاص على المناطق الأكثر تخلفاً حتى تنهض البلاد في كيان سوداني موحد متقدم مستمد من مثلنا العليا وروح عصرنا الحديث؛ انتهاج سياسة خارجية مستمدة معالمها من مصلحتنا الوطنية المرتكزة على مناهضة الاستعمار في صوره المختلفة والحياد في النزاع القائم بين الشرق والغرب والتعاون مع كل الدول معاملة الند لتحقيق المصالح المشتركة مع إعداد السودان لدوره الطبيعي كرابط بين أفريقيا والعالم العربي. (الوثيقة رقم 12: جهاد في سبيل الديمقراطية: مطلب الأمة: أشرف على إعداده الصادق المهدي).
لم يستعمل الامام الراحل النضال السلمى فقط ولكن استعان باستعراضات القوة المتكررة باجتماع الانصار سواء فى الاحتفال بالهجرة والمولد وقد ادت حوادث المولد عام 1961 الى اطلاق النار على تجمع الانصار. وكان من وقع هذا الحادث الاليم  أصابته ذبحة صدرية في يوم السبت 30/9/1961م واختاره الله إلى جواره وفقدت البلاد احد ابرز واحكم قادتها.
تقلد المغفور لة الامام الهادى عبد الرحمن المهدى إمامة الأنصار بعد وفاة الإمام الصديق بناء على مقترح من السيد عبد الله الفاضل المهدي. تغير الخطاب فيما بعد المغفور لة  الامام الصديق عبد الرحمن المهدى وتوجهت الى تبنى خطاب يركزعلى مخاطبة النواة الصلبة وبالتالى تركز على  المهدوية واطار تحركها الفكرى.
الطريق الى الديكتاتورية الثانية (1969-1985)
حدث اختلاف داخل حزب الأمة عند تولي المغفور لة الامام الهادى عبد الرحمن المهدى إمامة الأنصار حول صلاحيات الإمام داخل الحزب. ادى ذلك الى انشقاق الحزب بين فريق بقيادة الامام الصادق المهدى يرى أن القرارات داخل الحزب وداخل هيئته البرلمانية يجب أن تقوم على أساس ديمقراطي، مع الاكتفاء بدور راعي للإمام وان صلاحيات الإمام، لا تنقض قرار الحزب”(رباح الصادق: الصادق الهادي.. معركة في غير معترك: صحيفة أجراس الحرية : بتاريخ : الثلاثاء 2009 09:06
http://ajrasalhurriya.net/ar/news_view_1633.html)
ونورد هنا نموذجا من الجو السائد انذاك ” لقد كان اتجاهنا ان لا نحدث شرحا في عقيدة الأنصار والا ندخل في صراع حول الإمامة بل يحصر الصراع في الخلاف السياسي. .. سيتضح لها ان القيادة من السياسيين الذين قدمهم لها السيد الإمام قادة لا صلة لهم بالدين ولا إحساس لهم بقضاياهم الحيوية والمطلبية وان المسالة هي مسالة حرص على إنفراد بالسلطان ولا صلة بينها وبين تطبيق فوري للشريعة الإسلامية وعند إدراكها لهذا كله وتحت وطأة الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية ستتحرك تلك الجماهير في اتجاهنا دون تردد. ( حزب الامة: وثائق الحزب حتى 1969م،
www.umma.org )
” ان موقعنا من قضية حل الحزب الشيوعي أملته ظروف شعبية معينة ولم يكن نتيجة تخطيط محدد إذ كنا نرجئ بحث شرعية العمل الشيوعي في نطاق دستور البلاد الدائم وان الموجه التي عمت واستغلها السيد إسماعيل الأزهري بمزايداته المشهورة هي التي أقنعت الجمعية بحل الحزب الشيوعي . أما دخولنا في صراع مع القضاء فقد أقحمنا فيه دفاعنا عن سلطات الجمعية التأسيسية وقد كان هذا مؤسفا حقا أولا: لاحترامنا لاستقلال القضاء وثانيا: لتعاوننا الأكيد مع السيد رئيس القضاء بالذات السيد بابكر عوض الله ( حزب الامة: وثائق الحزب حتى 1969م،
www.umma.org )
” لقد كان الائتلاف الأول مع الوطني الاتحادي ضرورة أملتها الرغبة في الإسراع بإجازة الدستور الدائم ولمواجهة حالة عدم الاستقرار التي عمت البلاد قبل الانتخابات العامة. وكان الرأي العام في ذلك الوقت كثير التخوف من التكتلات الإقليمية فما كان سهلا على حزب الأمة إغفال ذلك وكانت بعض تلك التكتلات متخذة طابع الخصومة لحزب الأمة ومناقشته. أما الائتلاف الثاني وهو أيضا  فأن عنصر المساومة فيه يرتكز أساسا على قبول اشتراك السيد حسين الهندي في الوزارة مع انه في نظرنا مسئول عن تخريب أوضاع البلاد المالية إبان توليه لوزارة المالية في الحكومة الائتلافية الأولى وهو أيضا المسئول عن تشجيع السيد محمد أحمد محجوب للسير في درب أعوج. ( حزب الامة: وثائق الحزب حتى 1969م،
www.umma.org )
مياة كثيرة كانت قد جرت تحت الجسر لكن حتى بعد ثورة زلزلت اركان حكم عسكرى كاول تجربة فى التاريخ الحديث ربما بعد الثورة الفرنسية، لم تستطع احزاب السودان التى جاءت كنتيجة لها من دروس التاريخ. لم تنجز الفترة الانتقالية ميثاقها والذى نص على الحريات وبالتالى ولكنها حلت الحزب الشيوعى فوضعت اللبنة الاولى للاقصاء. وبدلا من تجاوز الانقلابات باجراء المحاكمة السياسية للنظام السابق اعطى الانقلابيون الحصانة فاحس الانقلابيون المحتملين بهشاشة الدولة ومنظماتها المدنية. والمحاسبة السياسية الواجبة للاطراف التى تعاونت مع النظام السابق سواء جماعاتا او افراد انتهت الى تحميل المسئولية لبعض الكباش السود فيما اسمى التطهير بدون اى حدود قانونية فوضع فى الاجندة الاحالة للمعاش للاسباب السياسية والتى توسعت الديكتاتورية الثانية فى تطبيقة وجعلتة الديكتاتورية الثالثة وباءا لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. اما ما بعد فلا استقرار فى القيادة ولكن صراعات ادت اللى دورتين من الانتخابات فى اربعة سنوات، ودعوتين دستوريتين احداهما حول دستورية حل الحزب والثانية حول دستورية حل الجمعية التاسيسية وحرب الجنوب لازالت مشتعلة وليس هناك اى افق لحلها فالجماعة مشغولون بالدستور وكم نسبة اسلاميتة. كل هذا مقبول فى اى عملية ديمقراطية بشرط ان يكون هم القادة تقديم برنامج مستقبلى يطمئن الشعب ان حياتة مؤمنة وترسل الرسائل الى الانقلابيين المحتملين ان الطريق الى السلطة سيمر على اجساد شعب مؤمن بقيادتة.
الديكتاتورية الثانية (1969-1985)
كان حزب الامة وكيان الانصار أول التنظيمات التى رفعت شعار المقاومة منذ الوهلة الاولى خاصة وان بعض مساعي التهدئة والتوفيق السياسي التى قادتها شخصيات عسكرية و مدنية فى الاسابيع الاولى للانقلاب كانت قد إصطدمت بصخرة تعنت النظام الانقلابى، لهذا فقد ظلت طبيعة العمل المعارض للنظام المايوى تصادمية منذ الشهور الاولى للانقلاب، حيث لم يمضي أقل من عام حتى وقعت المواجهات الدامية بين الأنصار ومنسوبي حزب الأمة والنظام الانقلابي فى ودنوباوى والجزيرة أبا، ثم إنتفاضة شعبان 1973، وسبتمبر 1975، ويوليو 1976، هذا بالاضافة الى عشرات المحاولات الانقلابية والتى ذكر بعض المراقبين أنها قد بلغت خمسا وعشرين محاولة بعضها لم يتعدى مرحلة التخطيط وبعضها أخمد بعد مواجهات دامية. إذا من الممكن وصف ان الحقبة المايوية بأنها حقبة ذات طبيعة تصادمية بين المعارضة والنظام الشمولى، وفى مثل هذا المناخ السياسى المشحون كان من الطبيعى أن يكون القطاع الطلابى والكوادر الحزبية فى طليعة النضال ضد الدكتاتورية.
التقى قادة الحزب منذ بداية الانقلاب في الجزيرة أبا مع قيادات أحزاب أخرى معارضة للديكتاتورية وللخط الشيوعي المعلن للانقلاب، وأرسل النظام في طلب الحوار ثم غدر واعتقل رئيس الحزب الذي أوفد للحوار. وبعد ذلك تصاعدت المواجهة حتى أدت الى أحداث الجزيرة أبا وودنوباوي الدامية في مارس 1970م والتي راح ضحيتها 907 شهيداً من الأنصار ومئات المعوقين. ” فقد ورد في محضر الاجتماع الذي تمَّ بين السيد الصَّادق المهدي وقائد الانقلاب المايوي العقيد جعفر محمد نميري أنَّ الصَّادق قد قدَّم لنميري عدة مآخذ على حكومة الانقلاب كان أولها هو “غلبة الطابع الشيوعي على الحكومة الجديدة”، وأضاف الصَّادق: “هذه هي مآخذنا على التكوين الحكومي الجديد وبناءاً عليها حدَّدنا رأينا الذي أعلناه وهو إدانتنا للعهد البائد ولفساده، وترحيبنا بالإصلاح الثوري للمفاسد واعتراضنا على طغيان العنصر الشيوعي على الحكومة الجديدة ومعارضتنا لذلك.”  ويمضي الصَّادق قولاً في ذلك الاجتماع: “إنَّنا لسعداء جداً بزوال العهد المباد فهو عهد أفسد فيه السَّادة، وأفسدت فيه أحزابهم التطبيق الصحيح للديمقراطيَّة.”  ويضيف الصَّادق في جزء آخر من المحضر: “ربما كنا الجزء الوحيد في الحركة السياسيَّة الذي علم بحركتكم قبل وقوعها بحوالي الساعة، ولكننا لم نشأ أن نقوم بعمل مضاد لأنَّنا في حالة اقتناع تام بأنَّ الوضع البائد لا يستاهل الإنقاذ.”  ويواصل الصَّادق حديثه: “وكنا نحس بالمشاكل (المشكلات) التي تجول وتدور في الجَّيش وبمشاعر كثيرين من عناصره التي تريد مخرجاً.  وغريب أن لم نعثر عليكم وتفهموا خطنا وهو إيجاد مخرج ثوري عن طريق دستوري انطلاقاً من قرار المحكمة، وعندما تباطأ القضاء وساءت أحوال البلاد، كان همَّنا تغيير موازين القوى السياسيَّة، وإنهاء الوضع القائم بأسرع ما يمكن.”  ( الدكتور عمر مصطفى شركيان: الحركة الإسلاميَّة في السُّودان (1969-1985م)” للدكتور حسن مكي: الفرق بين الزائف والواقع (2 من 6)،
http://www.sudaneseonline.com/ar/article_11097.shtml
في سبتمبر 1973م وبالاستفادة من الانفراج النسبي بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا للسلام (1972م) شارك الحزب في تنظيم انتفاضة شعبان سبتمبر 1973م التي فشلت بسببين: انعدام التجاوب العسكري معها، وتعجل بعض السياسيين. وكان الحزب قد كون بعد الانقلاب مباشرة الجبهة الوطنية لمعارضة النظام مع حزبي الاتحادي الديمقراطي والأخوان المسلمون وقد عملت على عزل النظام دبلوماسيا وتنشيط المعارضة السياسية. هذه الجبهة التي كان يرأسها رئيس حزب الأمة نظمت للانتفاضة المسلحة في 2 يوليو 1976م والتي هزت أركان النظام ولكنها فشلت في تغييره واستلام السلطة. فواجهها بقمع وحشي. ولكنه أدرك خطورة المعارضة فاقترح مصالحة وطنية وأظهر جدية في الإصغاء لمطالب التحول الديمقراطي.
حينها قبل الحزب وضع السلاح ونقل العمل للداخل في 1977م. ولكنه اكتشف أن نميري لم تكن له رغبه حقيقية في التنازل عن سلطاته بل أراد من المصالحة أن يأمن من المعارضة القوية له. سرعان ما انهارت المصالحة وأعلن الحزب فشلها في 1978م، ولكن الحزب استفاد منها في شيئين: الأول عودة عدد كبير من قيادة المعارضة من المنفي للسودان بسلام. والثاني: منح هامش كبير من الحرية السياسية سمح بعقد انتخابات نقابية في جو من الحرية النسبية لا سيما وسط المهنيين.
الهيئة القضائية التي تكونت في هذا الجو هي التي نازلت النظام. فاندفع يحاول كبحها عبر قوانين سبتمبر سيئة الصيت التي سنت في العام 1983م. تصدى حزب الأمة ببسالة لتلك القوانين كاشفا تشويهها للدين فانقض النظام على قيادات الحزب متهما لها برفض الشريعة. هكذا وفي عهد مايو اختار حزب الأمة مواجهة النظام ونالت كوادر الحزب شرف البطش بها بتهمة التمسك بالدين في أول عهد النظام، ثم البطش بتهمة التخلي عن الدين في آخره. هذه المحنة أكسبت الحزب رصيدا نضاليا كبيرا، فقد جرب خلالها كل وسائل المقاومة المسلحة والمدنية والانطلاق من مواقع خارجية لأول مرة في تاريخه واستطاعت قيادة الحزب أن تكتسب مواقع فعالة في القطاع الحديث فساهمت في التخطيط لانتفاضة أبريل 1985م وكتبت ميثاقها. كما أن فصيل حزب الأمة الطلابي كان رأس الرمح في تحركات طلاب جامعة أم درمان الإسلامية التي كتبت الفصل الأول للانتفاضة. في هذه الفترة أيضا جرت الخطوات الأولى نحو مأسسة عمل الأنصار بتكوين هيئة شئون الأنصار وصياغة دليلها التأسيسي في 1979م. (التاريخ:المراحل السبعة: التاريخ:المراحل السبعة – موقع حزب الامة القومي، 
www.umma.org/umma )
حزب الامة – اسئلة جوهرية
يمكن مقاربة هذة المسالة من السؤال الجوهرى لماذا هذة الانشقاقات فى هذا الحزب او غيرة؟ بدا تاسيس هذة الاحزاب جميعا من رحم طبقة متعلمة محدودة العدد فى خضم صراع ضد المستعمر وعلى اجنابها مؤسسات طورتها المؤسسة الاستعمارية: الطوائف الدينية ( الانصار والختمية والهندية اساسا) فى طبعتها المدعومة معنويا وماليا وسياسيا. و اعادة تركيب المؤسسة القبلية وقد جاء تبنى هذا النوع من الحكم الغير مباشر، من ملاحظات  اللورد لوقارد على قبائل الهوسا شمال نيجيريا، فقد أصدرت الإدارة البريطانية عدة قوانين لانشاء الادارة الاهلية بين  1922م الى 1932م و سورتها بالقوانين والمصادر المالية والدعم اللوجستى.
وبطبيعة الحال فقد تم التحالف بين الطوائف الدينية و الادارة الاهلية  على ارضية موحدة للجميع وهى السلطة والنزوع الى قيادة مؤيديهم الى اوضاع افضل فى حسبانهم انذاك عن طريق التعامل مع المحتل. وارضية مختلفة فى تاييد المهدويين فى كردفان ودارفور اساسا او موقع العداء لها لما تعرضت لة من عسف وقمع خاصة فى القبائل النيلية ( واول عمل قامت بة الجيوش الغازية، هو اطلاق سراح 10654 سجينا فى مدرمان- محمد عمر بشير: تاريخ الحركة الوطنية 1900-1969 : الدار السودانية للكتب).
تناول أبوذر على الأمين يسن فى سلسلة مقالات خواطر الأزمة السياسية السودانية الاحزاب السياسية ، التى تمخضت عنها نضال السودانيين المدنى منذ بداياتة فى المنظمات التى انشاتها الطبقة المتعلمة المحدودة العدد منذ الاتحاد السودانى، وبعد مسار عسير الى الاحزاب الليبرالية المعروفة اليوم الامة، الاتحادى و العقائدية الشيوعى والاخوان. جاءت وهى محملة بكل خصائص المحيط الطائفى القبلى. فنظرة سريعة ترينا بوضوح تكوينها المدينى الوسطى، فهى احزاب المركز الوسط مطعمة ببعض تمثيل من الاطراف ولكن لم تعكس البرامج المطروحة اولوياتها. الخصيصة الثابتة الثانية هى ثبات القيادات الحزبية. كل رؤساء الاحزاب ماتوا فى الرئاسة: ” وأزمة الزعامة كذلك تبرز كدليل راسخ لضعف أو غياب المؤسسية وتقسيم العمل داخل الاحزاب السياسية، وكمؤشر على رسوخ أنماط القيادة التاريخية (زعيم القبيلة – شيخ الطريقة – وفكي الخلوة .. وكل الانماط التي تورث الزعامة بالدم والنسب القريب والمباشر)، فهنا يكمن جزرها الذي يغذي استمراريتها وبقاءها ضمن المؤسسات والقوى الحديثة، كما يقدم أقوى تفسير لعدم نجاح النخبة الحديثة في خلق بدائل لها أو تجاوزها. فمنذ أن خرجنا للدنيا ونمى وعينا وبتنا نعرف ما حولنا، وجدنا قيادات الاحزاب التي ظلت على رأسها إلى اليوم!، وعشنا عهدين عسكريين (مايو –  والانقاذ) والعهدين كما الأحزاب ظل القائد فيهما باقٍ حتى نهاية ذلك العهد كما في حلة النميرى وكما هي الارهاصات مع البشير”.
يواصل أبوذر على الأمين يسن فى تناول ظاهرة الانشقاق السياسي ” يرجعها الى افرازات (تمركز) الزعامة، وغياب المؤسسية والتخصصية وتوزيع العمل ضمن وداخل الاحزاب ذاتها وبقاء الزعيم واستمرايته. ” والسلطة (حزبية أو عسكرية) والسعي إليها كان دائماً هو المنطلق المؤسس للإنشقاقات وسط القوى السياسية!!؟، فالسلطة كانت كل شئ بالنسبة للأحزاب والقوى السياسية (التقليدية والحديثة) للدرجة التي لاتستدعي عند تلك الاحزاب والقوى مشروع للحكم أو رؤية للتعامل مع القضايا الجوهرية والكبيرة. وما تزال أدوات العزل والطرد والفصل وغيرها هي وسائل التعاطي مع الخلافات داخل الاحزاب أو مع الحكومة. نمط العسكرة يبقى هو السمة التي تسم الواقع السياسي للقوى السياسية الحزبية والمدنية التي تقتات وتعيش على وجود عدو هو بالطبع حزب آخر يستدعي حالة طوارئ دائمة تشحذ فيها كل أسلحة الحرب من النفسية وحتى الجسدية فلا مجال إلا لرؤية واحدة وحزب واحد وقائد واحد”.(أبوذر على الأمين يسن فى سلسلة مقالات خواطر الأزمة السياسية السودانية نشرت خلال ديسمبر 2010 فى الاصدارة الالكترونية حريات 
http://www.hurriyatsudan.com )
مدخلنا هنا ان حزب الامة قد شهد كثيرا من الانشقاقات التاريخية والتى استطاع معالجتها بكثير من الصبر والتسامح ورغم ان لغة خشنة جدا تبودلت فى كل انشقاق الا ان التوجة كان اصيلا فى التعامل السياسى مع الانشقاقات بالحوار والتوافق. هذا ادى عكس كثير من الاحزاب ( الاتحادى، الشيوعى والاسلام السياسى والذين مالوا للاقصاء والروح الثارية والانشقاق المستديم). هذا التوجة الاصيل من اللبنات التى زرعها الامام الراحل عبد الرحمن المهدى ولكن مع هذا التوجة وبعد ان استقر الحزب فى تكوين طائفى ممركز حول الامام وخلفائة ومثقفين يريدون منصة انطلاق انتخابية او تمثيلية نحو السلطة.
ونورد ادناة نموذجا لما تبودل فى الستينات بين الجناحين ومن ثم عودتهم للتوحد ضمن معادلات جديدة ” الخطأ الذي أرتكبناه هو أننا لم نبادر بألمخاطبة ولم نعممها مما أفسح المجال للجناح المنشق ( يقصد جناح المغفور لة الامام الهادى عبد الرحمن المهدى: المؤلف)  ان يروج لأفكاره في أوساط الأنصار عن طريق المنشورات والمناديب سرا وجهرا وان يرمينا بكل قبيح من الاتهامات بالإلحاد والشيوعية. إننا لم نصدر في أمر الخلاف سوى منشورين بينما أصدر الطرف الآخر مئات المنشورات. ان موقف الحزب من الطائفية ….يعترف لهم بعمل كثير من الخير في أرشاد الناس وتوجيههم ولكن الحزب انتقد على بعضهم استغلال العلاقة الدينية والثقة التي أعطاها الناس لها في سبيل مصالح سياسية توجه الناس ضد الصالح العام لقد ظل الحزب ينادي بالترحيب بالجميع في العمل السياسي على شرط ان لا تقيد إرادة الناس في السياسة باعتبارات طائفية. ( حزب الامة: وثائق الحزب حتى 1969م،
www.umma.org).
رافق هذا توجة الى شحذ المخزون الجهادى المهدوى فى مناسبات تحدى للسلطات الحاكمة كما سنتابع لاحقا مثل مارس 1953، احداث المولد فى الديكتاتورية الاولى، وودنوباوى، ابا، الانقلابات،  الغزو من ليبيا فى الديكتاتورية الاولى.
الفارق كبير وملحوظ بين موقف الحزب من تساؤلى عن الديقراطية داخل الاحزاب ودورها فى تخريب الديمقراطية فى السودان والاتفاق الذى تم بين الاحزاب ان تقدم نقدا ذاتيا لمسيرتها وشاهدة حزب الامة انذاك والتى قدمها  الاستاذ حسن احمد الحسن. ابرز ما جاء فيها وقد تناولت الحزب فى الديمقراطية الثالثة: ارجاع بعض الخلل لعدم الحصول على اغلبية وسيادة واقع توفيقى ( وهذا واقع مستمر وسيستمر وهو حال كل الدنيا الا اذا اردنا شيئا غير الديمقراطية)؛ روح المكايدة السياسية ولكن لم يبرز دور حزبة فى نشر هذة الثقافة والامثلة كثيرة (لقاء السيدين، الديكتاتورية الاولى،حل الحزب الشيوعى والموقف من القضية الدستورية وهكذا)؛ ضعف البناء التنظيمى للحزب ( اهمها علاقة الحزب بالطائفة هذة القضية المعقدة والتى تعرقل تحول الحزب الى حزب قائد لمسيرة البناء الوطنى) والخلل فى تقويم العلاقة مع الخارج. (مركز الدراسات السودانية:الديمقراطية فى السودان: البعد التاريخى والوضع الراهن وافاق المستقبل: ابحاث ندوة تقييم التجارب الديمقراطية فى السودان، القاهرة 4-6 يوليو 1993 تحرير د. حيد ابراهيم)
طريق طويل سارة الحزب منذ ذلك التاريخ جرى فيها ما جرى مما سنستعرضة لاحقا. فقد مدت حبال التاييد والنمو للاسلام السياسى منذ ما بعد اكتوبر والتحالف فى القوى الجديدة للحد الذى دفع كثيرين الى الاتهام الصريح للامام الصادق المهدى بانة جزء من هذا التنظيم خاصة الدولى منة. وارى انا ان هذا يندرج فى السياسات المتخبطة والاسلوب التوفيقى وجزء من السلوك السودانى التقليدى فى الافراط فى الثقة. الامر الذى اخذناة على الامام خاصة فى فترة عدم تجذر الثقافة الليبرالية فى الحزبين الكبار فى الستينات. واكبر فى الامام انتقاداتة الذاتية فيما بعد انقلاب الانقاذ وان كنت ارى انة لم يزل صاحب افضل تحليلات ومفكر ثقيل الوزن وفى نفس الوقت صاحب اكثر واكبر الاخطاء السياسية الفادحة.
 “لقد تعاونت معنا عناصر جبهة الميثاق تعاونا أكيدا منذ أيام الحكم العسكري قد أثمر ذلك التعاون كثيرا في نجاح الثورة وفي مواجهة الانحرافات التي وقعت فيها الحكومة الانتقالية ومع ان جبهة الميثاق تسترشد بتنظيمات خارج السودان ألا أننا لم نلمس منها انتقادا لأي تيار خارجي في معالجة القضايا السودانية. ولا شك أننا في الفترة منذ الحكم العسكري حتى قيام انتخابات 1968 قد استفادنا حزبنا من الجبهة أكثر من استفادتها منا ولكنها استفادت منا أكثر من استفادتنا منها في انتخابات1968. لقد شعرت بعض العناصر في جبهة الميثاق بذاتيتها كحزب سياسي مما جعلها تتأثر بالحزبية أكثير من تأثرها بالمفاهيم والمبادئ الأساسية فادي هذا الاتجاه إلى إضعاف موقف المعارضة قبل حل الجمعية في فبراير1968 وأدي إلى الموقف شبه الحيادي الذي تسير فيه جبهة الميثاق الآن وهذا الاتجاه يمكننا تلقائيا من السير دون ارتباطات محددة مع جبهة الميثاق. ( حزب الامة: وثائق الحزب حتى 1969م،
www.umma.org )
وبعكس الديكتاتورية الثانية الذى لم يقترب من الاساس الفكرى والاساس الاجتماعى للحزب ولكن توجة الى الاساس السياسى ( الادارة الاهلية) ولكن لقوة هذا التكوين ووجود اساسة الاقتصادى والاجتماعى فقد استطاع الحزب الالتفاف على محاولات نفية من المجتمعات، خاصة المراكز القوية والبعيدة عن هموم المجموعة المدينية الحاكمة. ورغم ان الهجرة اصابت الحزب انذاك ولكنها انحصرت فى شكلها الاكبر فى مجموعات الحزب المدينية والمحاربين الذين هاجروا الى اثيوبيا او بعد ذلك الى ليبيا فى معسكرات الاعداد لغزوة 1976، او الهجرة العادية لاسباب اقتصادية فى المجمل سواء الى ليبيا ودول الخليج مثل غيرهم من ابناء السودان.
كان من طبيعة النظام الجديد الذى جاء من داخل المنظومة المستندة الى الاسلام وبالتالى فقد كان حتاما ان يتجة الى تصفية الاساس الفكرى والسياسى والاجتماعى لهذا الحزب فتعرض الحزب لصنوف من الاقصاء والتنكيل ومصادرات للاموال والعقارات بدا من رئيسة والذى حاول الانقاذ تشوية سمعتة واغتيال شخصيتة فى اوائل العهد وتعرض الحزب لاول مرة للاقتلاع من الجذور. تعرض الحزب ككافة الاحزاب الى التضييق الشديد وحدثت هجرات واسعة الى كافة ارجاء المعمورة من مناطق نفوذة الاساسية الى الحركة الشعبية ، مصر وحتى الى اسرائيل. وقعت ضغوط واسعة على قيادة الحزب من انصارة المعرضين الى شتى بؤس الحياة فى المهاجر، هذا فى ظل الاعسار الذى شهدتة اجهزة الحزب.
عكست هذة التجربة نفسها على القيادة و بالاضافة الى احتكاكة بكافة قطاعات الشعب السودانى فى المنافى والجهد الخارق لمنظر الحزب الرئيسى الامام الصادق المهدى فى التصدى الفكرى للتحديات التى طرحها وجود نظام من الصعب وصفها كما جاء فى وصفة للنظام المايوى بعد تطبيق قوانين سبتمبر: ” غالبية قادة العمل السياسي في النظام عرفوا باتجاهات سياسية وفكرية غير إسلامية وسلوك “اجتماعي جيد” عن خلق الإسلام”.( الامام الصادق المهدى: النظام السوداني وتجربته الإسلامية
www.umma.org ). تصدى الامام واعضاء حزبة للتصدى و نسج اطروحات ملائمة اعانهم على ذلك كما ذكرنا الاحتكاك بالاخر والاقتراب من الشعوب الاخرى، ليس سواحا فى البلاد او داخل الجيتو السودانى فى المنافى ولكن على مستوى المعايشة اليومية والاحتكاك السياسى المباشر فى التنظيمات والتجمعات.
تمت المنازلة مع الاسلام السياسى على المستوى الفكرى ولحسن حظ السودانيين فقد اختط الامام المراجعة النقدية لكل مسيرة حزب الامة وتتابعت اعمالة النقدية فى عدد من كتبة ومنشورات الحزب ومقالات الصحف ومقابلات التلفزيون ( يمكن القول بدون مبالغة انة لم يفضل حجر فى تاريخ حزب الامة لم يقلب ويمحص ويفحص والحبل على الجرار) وقدم بدائلا لكافة اطروحات الاسلام السياسى واستطاع هزيمتها بفكر مثقف، معاصر و مستنير، خاصة وقد يبس فكر الانقاذ بعد مبارحة الشيخ. على المستوى السياسى كان النزال اشد واكثر وعورة، فالماضى لايطمن مع الامام فقد توعكت ادارتة فى المنازلة وتخبطت بة الطرق وهو يحاول وضع الندى موضع السيف فى جيبوتى ومغادرة التجمع والخروج والعودة وسنمر عليها فى لاحق الفصول.
على الجانب الاجتماعى تبرز احدى انجازات الامام وهى نزع القداسة عن زعامة الحزب ومواصلة موقف جدة ووالدة ” ان صلاحيات الإمام، لا تنقض قرار الحزب” الى ما وصفتة رباح الصادق: ” ولذلك فالوضع الآن أكثر تقدما بما لا يقاس، لأن الغلاط حينها كان حول مدى تدخل إمام الإنصار في قرارات حزب الأمة، والآن إمام الأنصار ليست له أية صلاحية داخل الحزب ولا يستطيع التدخل في قراراته إلا بالتنسيق عبر اللجنة المشتركة بين الحزب والهيئة، بل ليست له صلاحيات انفراد بالسلطة حتى داخل الهيئة نفسها فالأنصار هم الذين ينتخبونه ويعزلونه لو أرادوا.. إنه إمام منزوع الدسم القداسوي والمراكز الروحية والوراثية بين الأنصار أنفسهم ناهيك عن جماهير حزب الأمة!! وأنت ترى منسوبي حزب الأمة الان يمارسون حقوقهم في نقد إمام الأنصار بلا وجل، وللأنصار ذلك لو أرادوا! (رباح الصادق :الصادق الهادي.. معركة في غير معترك: صحيفة أجراس الحرية : بتاريخ : الثلاثاء 2009 09:06
http://ajrasalhurriya.net/ar/news_view_1633.html )
وللناظر فى صفحة الحزب على الانترنت (
www.umma.org) من امثالنا الذين عملوا فى منظمات دولية تعتمد العمل الاسفيرى،لابد ان يحس وينظر بكثير من الاعجاب لما تحتوية هذة الصفحة والعمل التوثيقى الكبير الذى تم حتى الان والتى حوت كافة وثائق الحزب الداخلية فى عهود مختلفة، والتى اعدها من افضل المواقع لحزب سودانى واكثرها شفافية. اكمل الامام عملية النقد والمراجعة فى ميزان المصير الوطنى فى السودان ومن واقع سرد الامام الصادق المهدى فى محاورتة الممتازة والممتعة للتاريخ السياسى السودانى من موقف الصانع والمشارك النشط، امدنا بجملة تحليلات منطقية وموضوعية ابانت كثيرا من الاحداث والحقائق المفيدة. واوضح هنا ان قراءتة المحكمة والمدققة والموثقة احدى القراءات التى تقبل الجدل وقد نختلف مع كثير مما جاء فيها ولكن هى فى مقياس العمل الحزبى مواجهة شجاعة وشفافة من قائد عظيم.
مسارات الحزب الاتحادى الديمقراطى 
تاسس حزب الليبرالية من بين رحم تيارات مؤتمر الخريجين وقد حوت العديد من التيارات المختلفة و تركزت فى مناطق الدولة السودانية التاريخية فى شمال السودان والتى تفاعلت فى طوال تاريخها الطويل منذ الممالك النوبية القديمة مع التراث البشرى وحتى عندما انشات السلطنة الزرقاء اقيمت على التعددية و اللامركزية والتوافق اما عندما اراد احد تياراتها – المهدية- انشاء دولة الفكر الواحد والمذهب الواحد والسلطة المركزية لم يجد سوى الاتجاة الى هامش الدولة التاريخية ليبحث عن الدعم السياسى و تكوين الدولة.
من هذا التراث انشا الحزب الوطنى الديمقراطى  لكن وكما يتابع الاستاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن المواقف المتباينة للحزب: ”  الحزب الوطنى الاتحادى مر بمحطات فكرية عديدة لم تحسم باتفاق قاعدى داخل الحزب او يتم قبولها من قبل مؤتمر عام للحزب إنما ظلت قضايا تعبر عنها القيادات بشكل فردى و تختلف من واحد الى الأخر فى بداية طريق الحزب تبنى العلمانية كأساس للحكم و تؤكد ذلك شعاراتهم ” موت القداسة على اعتاب السياسة” ” حررت الناس ياسماعيل من الغاشين الناس باسم الدين و الدين مسكين يأسماعيل” (الطائفة و النخبة وتبدد الحركة الاتحادية : زين العابدين صالح عبد الرحمن
http://www.sudaneseonline.com/ar3/publish/article_3512.shtml)
ومتابعة لهذا الموقف المهزوز و المتخبط والذى يحملة الاستاذ محمد زين عبد القادر لقيادة الحزب و المغفور لة الزعيم اسماعيل الازهرى عقب ثورة اكتوبر: ” انه سعى من اجل دمج الحزبين  الوطنى الاتحادى و الشعب الديمقراطى فى نوفمبر عام 1967 ثم اردفه بخطأ اخرى عندما انصاع الى  هتافات الاخوان المسلمين  ووافق على حل الحزب الشيوعى السودانى وطرد نوابه المنتخبين من قبل الشعب من البرلمان  بدلا من الوقوف بجانب الشرعية و احترام الدستور و القانون  حيث ان الاخيرة تعد هدم مع سبق الاصرار للبناء الديمقراطى  رغم ان الحزب الوطنى الاتحادى الذى شكل العمود الفقرى لحركة الوسط التى تعتبر القاعدة الاساسية للفكر اليبرالى تنحرف من مسارها التاريخى و تقف مع اعداء الديمقراطية ثم تذهب و تتحالف مع الطائفية و تغير اسم الحزب بعد الاندماج  و تبدا مسيرة جديدة للحزب على اسس جديدة فرضتها حالة التوازنات داخل الحزب الجديد”. (الحزب الاتحادى الديمقراطى يتبدد ولا يتجدد … بقلم: محمد زين عبد القادر sudanile)
كان هذا ايذانا بتغير نوعى فى اطروحات الحزب الجديد : ” اندماج الحزبين ” الوطنى الاتحادى و حزب الشعب الديمقراطى” و اصبح الاتحادى الديمقراطى، بدات ترفع شعارات اسلامية و اخرى اشتراكية  ثم بدات تخرج الى السطح شعارات الدولة الاسلامية ومن هنا نستطيع ان نقول ان الاتحاديين حركة فى طور التخلق و هى تحتاج الى حوارات فكرية داخل الحركة بشكل تنظيمى متواصل لكى تصل الى برنامجا سياسيا متفق عليه رغم ان الاغلبية تميل الى الديمقراطية الليبرالية كاساس فكرى للحزب و لكن تظل امال النخب الديمقراطية دون ان تصل ابعادها الفكرية الى جماهير الحزب و حتى الكثير من القيادات لا تعرف الابعاد الفكرية للديمقراطية الليبرالية”. (الطائفة و النخبة وتبدد الحركة الاتحادية /زين العابدين صالح عبد الرحمن
http://www.sudaneseonline.com)
كانت طائفة الختمية تشكل احد الدواعم الاساسية للحزب الوطنى الاتحادى وكانت العلاقة تشاورية  ولكن كما يشير زين العابدين صالح عبد الرحمن فمع السيد محمد عثمان الميرغنى فقد اختلف الوضع ودخل  فى العمل السياسى خاصة بعد انقلاب مايو ومع تشرزم الحزب ورحيل قادتة سواء للخارج او للمشاركة فى سلطة مايو وضعف العمل المؤسسى واستمرار هذة المراوحة حتى رحيل المغفور لة الشريف الهندى وحتى تتويج السيد محمد عثمان الميرغنى راعيا للحزب والقبض على مفاصل الحزب خاصة ان لديه قوى منظمة هى طائفة الختمية.
بعكس كافة الاحزاب والتى تراكمت لديها مكتبة سياسية، دستورية وقانونية على طوال السنوات نلاحظ الضعف المفرط فى ادب هذا الحزب. سواء من انتاج اعضائة ( لدى المغفور لة الزعيم اسماعيل الازهرى كتاب وحيد باسم الطريق الى البرلمان وهو كتاب اغلبة عن الاجراءات فى البرلمان) او المؤسسة الحزبية. ينسحب هذا على المؤسسة الطائفية  (الختمية) والتى – بعكس الطائفة الانصارية التى ما ترك السودانيون سواء من الطائفة او اعضاء الحزب او الاكاديميين او المستشرقين و الكتاب الاجانب شاردة او واردة فى تاريخها الماضى او الحاضر والا تناولوها بالفحص والتمحيص والنقد والتحليل- لم يتناولها الكثيرون. وقد تميزت الطائفة بالغموض الشديد فى اشكالها التنظيمية ومصادر تمويلها وانشطتها و بعلاقة ملتبسة مع المثقفين وان كان اكثرهم وافضلهم اعضاء فى التنظيم. واشار الباحث على عبد اللة عباس الى ان الحزب الاتحادى الديمقراطى هو اقل الاحزاب السودانية اشتغالا بالمسائل الفكرية ويشير كذلك ان موقف الحزب من المثقفين يتسم بالكثير من الشك والحذر. (على عبد اللة عباس : حول الثقافة السياسية لبعض الاحزاب السياسية واثر هذة الثقافة على موقف الاحزاب من الديمقراطية، الديمقراطية فى السودان ، البعد التاريخى والوضع الراهن وافاق المستقبل -ندوة تقييم الديمقراطية في السودان، 4-6 يوليو 1993 مركز الدراسات السودانية فى القاهرة)
كيف ولد شعار الشريعة الإسلامية والدستور الاسلامى فى السودان
يمكن ان نقول بلا مبالغة ان تاريخ حياة السودانيين السياسية فيما بعد الاستقلال هى تاريخ صراعهم حول الدستور الاسلامى، ونعنى ان كل القضايا الاساسية التى صنعت التاريخ المعاصر ارتبطت بشكل او باخر بها.  وقد تميزت الدعوة الى الشريعة الإسلامية او الدستور الاسلامى فى السودان – كما لاحظ الأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي الباحث في مؤسسة قطر للتربية والعلوم والباحث في القضايا الإسلامية بشكل عام مشكلات الحركات الإسلامية في العالم العربي- انة برغم ان  الشريعة الإسلامية 90% منها أخلاق وليست قوانين، يعني ليست مجالا يفترض أن تتدخل فيه الدولة بقوة القانون، ولكن الحركات الإسلامية تريد أن تحول كل الأخلاق إلى تشريعات. (برنامج قناة الجزيرة في العمق، الإسلام السياسي في العالم العربي- الحركة الإسلامية السياسية في السودان بتاريخ 26/4/2010). كذلك يتوقف يوسف القرضاوى – احد قادة الاخوان المسلمين فى مصر فى الخمسينات – عند الحدود التى يراها “هذه هي الحدود عشر آيات فلماذا نركز على الآيات العشر ونترك ستة آلاف وكذا آية؟ ” ويرى ان هناك مبررات حتى للتراجع عن الحدود  (يوسف القرضاوي فى قناة الجزيرة: الشريعة والحياة: الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر، تاريخ الحلقة: 2/1/2011)
سوف نتناول قضايا الشريعة الإسلامية  و الدستور الاسلامى من واقعها العملى اى مسيرتها وتاثيرها على الديمقراطية ومسارها. وعند الاقتراب من مناقشة الدستور الاسلامى نظن انة من الافضل ان نوضح اولا كيف ولد شعار الشريعة الإسلامية و الدستور الاسلامى فى السودان و تاريخ تطورة ولكن من المدخل السياسى، اى كيف تراوحت مواقف الكتل السياسية من الدعوات والتطبيقات المختلفة. وسوف نعرض وجهات نظر ثلاث تيارات اساسية كان لها الباع الاكبر فى هذا الجدال: الاسلام السياسى، التيار العلمانى، والاحزاب الاسلامية الليبرالية ولكن داخل كل تيار قد نعرض لاصوات مختلفة جزئيا.   
الاسلام السياسى
يرى الشيخ حسن الترابى فى كتابة الهام الحركة الإسلامية في السودان: التطور .. الكسب .. المنهج فى فصل عهد الظهور الأول (الأعوام 1956م إلى 1959م): “وهو عهد ما بعد الاستقلال في السودان، حيث تَمَكَنت نُخبَةُ المتعلمين في مواقع القيادة أو الحكم الوطني، وطرحت مسائل تحرير الوطن وتقرير علاقاته، واحتدم الصراع السياسي وشاعت الحربات الديمقراطية. ومع مقدم الاستقلال بدأ التخرُّجُ- تخُّرجُ رواد الحركة من الجامعة ليقودوا نصيبًا من حركة الوطن بالإسلام، وحينما باشر الرافد الطلابي الحياة الشعبية كان لابد من أن يَستَوعِب الرافد الشعبي، وكان ما قدمناه من توحيد الحركة الإِسلامية تحت لواء التيار الطلابي. وأخذ التشكيل الفرعي يمتد في خريطة السودان وانبثّت الشُّعَب حتى غدت الحركة منظومة من محور مركزي وشبكة فرعية ذات أبعاد. وظهرت الدعوة لأول مرة بالصحف وبالخطاب العام ببروز الدعاة القادة في الساحة السياسة الحرة وخوضهم مع الخائضين في القضايا الوطنية. أما القضية الأساسية التي حملتها الدعوة في هذه المرحلة فهي قضية الدستور الإسلامي، وبالطبع لم تكن تلك حملةً دستورية قانونية، بل حملةَ اتصالٍ بالشعب وتذكيرٍ بالنظام الإِسلامي وبث للفكر الإِسلامي الذي كان متاحًا. واقتضت دواعي هذه الحملة أن تتصل الحركة بعناصر كثيرة من النواب والشعب والساسة، وأن تجوب البلاد تُعَبِّئ الشعب بأحزابه وطوائفه للدستور الإِسلامي، وأن ترفع شعارًا عامًا وتُحدث أثرًا، وأن تصبح هيئة ذات فعالية للضغط السياسي. وأضافت الحركة في هذه المرحلة إلى وظائفها التجنيدية والتربوية الطلابية سماتِ هيئة الضغط والتعبئة، إذ اتخذت واجهةً تحالفيةً هي الجبهة الإِسلامية للدستور التي وسعت أثرها وروَّجت دعوتها، وإذ صاغت جماع دعوتها في شعار سياسي يكون كلمة التداعي المشهورة للجماهير، وإذ بسطت حملة شعبية واسعة للتذكير والتبشير بالحكم الإِسلامي بمنهج لا يتجاوز الأحزاب لكنه يحاصرها في الإِسلام ويحرجها بقبول دعوته”. 
ويعرض من جانب آخر الشيخ الهدية رحمة اللة: ” لقد عملنا قبل الاستقلال مع الأحزاب حتى إذا خرج الاستعمار عهدنا الي أحزابنا لتحكّم الشريعة الإسلامية كدستور للبلد. قمنا بالاتفاق مع جماعة الأخوان المسلمين بتكوين “الجبهة الإسلامية للدستور سنة 1956”. ولكن لحرص الأحزاب على إبعاد “الدستور الإسلامي” فكروا في تكوين هيئة أسموها “اللجنة القومية للدستور” وعضويتها منتخبة ومختارة من الهيئات والنقابات.”( مذكرات الشيخ الهدية ( رحمه الله  (
http://ansar-alsunna.net/portal/details.php?rsnType=1&id=30)
يوضح المغفور لة مولانا حافظ الشيخ الزاكي كيف حاول جيل ما بعد سقوط الدولة المهدية الإسلامية في السودان (1885-1899)، استعادة تطبيق الشريعة ويرتها ثلاث مراحل: ” المرحلة الأولى: كانت مرحلة الدعوة والمطالبة، وقد قاد هذه المرحلة العلماء والدعاة وشكل هؤلاء العلماء “الجبهة الإسلامية للدستور وأثمرت الحملات التوعوية التي قامت بها هذه الهيئة وعيًا شعبيًّا كبيرًا، مما جعل الساسة آنذاك يدرجون تحكيم الشريعة في برامجهم الانتخابية” ” والمرحلة الثانية: كانت مرحلة الصياغة والتشريع، وبدأت بعد ثورة أكتوبر ضد الحكم العسكري الأول بالسودان في العام 1964م، واستطاع المطالبون بالدستور الإسلامي تضمين ميثاق الثورة الشعبية آنذاك نصًّا يطالب بـ”وضع قوانين تتماشي مع تقاليدنا”، وعلى إثر ذلك كونت لجنة قومية للدستوروقامت للدستور بوضع مشروع دستور في 1968م ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي لقوانين الدولة.
و نص دستور حكومة نميري لسنة 1973 على أن “الشريعة والعرف مصدران رئيسان للتشريع ” “والمرحلة الثالثة: كانت مرحلة التطبيق والتنفيذ، وبدأت في عهد الرئيس النميري في سبتمبر 1983م، بإعلان النميري تطبيق الشريعة الإسلامية وما تزال مستمرة .الشريعة عقيدة أم سياسة؟ (تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان: حوار مع حافظ الشيخ الزاكي أجراه وليد الطيب.
التيار العلمانى
سوف نعرض اولا لكيف راى عبد الخالق محجوب كيفية ولادة شعار الدستور الاسلامى والذى نشر فى صحيفة اخبار الاسبوع بعد ثورة اكتوبر وحل الحزب الشيوعي وطرح شعار الدستور الاسلامي وقد تناول القضية من جانبها التاريخى و الثقافى: ” اننى لا أنكر أن هذه المناقشات قد ولدت وعيا بين الناس لا سبيل الى انكاره. ولفت الانتباه لأول مرة فى بلادنا بالنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذى أصاب الانسان فى القرن العشرين ، وهى مناقشات تعيد الى الأذهان حركة الاصلاح الدينى التى شملت البلدان العربية المتقدمة فى مطلع هذا القرن . وظل السودان بعيدا عنها الا بين دوائر ضيقة أصابت حظا من التعليم والاستنارة” . ” المدخل لذلك هو دراسة الظروف التاريخية الملموسة والعوامل السياسية الظاهرة والمستترة التى ولد بينها شعار الدستور الاسلامى ، وبصورة أشمل وأكثر دقة تلك الظروف التى ظهر فيها اسم الاسلام كأداة فكرية وكركيزة أيدلوجية للفئات الاجتماعية المالكة والحاكمة فى صراعها ضد القوى الاجتماعية الخارجة عليها مصلحة وعملا”.
وراى ان “هذة الظاهرة ما جاءت تسلسلا منطقيا أونتيجة لتطور باطنى مر بفتراته المختلفة فى أحشاء الفئات الحاكمة وأحزابها. لقد ظلت تلك الفئات تعمل تحت ظل النظام البرلمانى حتى نهايته فى عام 1958 دون أن تلجأ لنظرية “اسلامية” تستند اليها . ففى قضية الدستور أجمعت القوى السياسية على مسودة دستور 1958، وهى لا تخرج من اطار الدساتير الليبرالية ومن دستور الحكم الذاتى الذى وضعته الادارة البريطانية والقاضى ستانلى بيكر. وفى ميدان جلب الجماهير الى التأييد كانت الفئات الحاكمة تسلك طرقها التقليدية التى بنت عليها مؤسساتها السياسية من قبل. فالطائفية تجلب جماهيرها الى التأييد السياسى لها متوسلة بأدواتها القديمة التى ظلت تستخدمها لكسب تأييد تلك الجماهير فى حقل النشاط الاجتماعى ومضاعفة النفوذ الأدبى للقادة الطائفيين . مؤلفات مؤسسى الطوائف فيما يختص بالعبادة ، وفى نشر الأفكار الصوفية بصورة أو أخرى هى الأداة الفكرية بين الجماهير والأشكال التنظيمية المختلفة من حلقات الذكر والدراسة ومجموعات المائة والجهادية الخ وهذه الأدوات نفسها والتى كانت تستخدم لأغراض المؤسسة الطائفية قبل نشوء الحركة السياسية بصورتها الجديدة. وفى هذا الحد انتهى النظام البرلمانى عام 1958 “. “جاءت ثورة اكتوبر ودفعت بقوى جديدة الى الساحة غيرت المعطيات القديمة ومن ضمنها نظريات التغيير الاجتماعى و قوى ثورية ذات نظرية كاملة فى العمل السياسى ” وعند هذه النقطة والزاوية الحادة للتقدم حكم خطى الفئات الاجتماعية المالكة وعجزها وافلاسها فى ملاحقة السير فتفاعلت سلبا مع الظروف الجديدة . فالقوى الطائفية والجماعات المتخلفة ماكان لها من الأدوات ماتستطيع به مواجهة تلك الظروف . كما ان مصالحها أثقل من أى رغبة ذاتية فى التغيير. ”
كان هذا ايذانا بدخول متفاعلات جديدة فى راى عبد الخالق محجوب ” الاحتماء بالدين وفق المفاهيم السائدة كانت الوسيلة المريحة والممكنة للفئات الاجتماعية التى عجزت عن التفاعل الايجابى مع حركة التغيير الاجتماعى التى تفجرت بعد ثورة اكتوبر 1964 . وهو من هذه الزاوية يمثل رد فعل للصراع السياسى والطبقى الذى أفرزته الثورة . ولا تعبر عن تطور أصيل وتسلسل منطقى مقبول لنشاط الفئات الحاكمة .
” قد يقال أن هذا تقرير وصفى لما حدث ، ولكن ألا يحق لنا فى ميدان التنظيم أن نتسائل : وما العيب فى أن تلجأ تلك الفئات للاحتماء “بالدين” نظرية لها فى العمل السياسى؟ .. سؤال وجيه نحاول الرد عليه من واقع الحياة السياسية ومن ظروف الصراع الذى تعددت مسالكه وتنوعت صوره بعد أن دخلت بلادنا فترة التغير الاجتماعى . ان المفهوم “الاسلامى” الذى احتمت به الفئات الحاكمة هو الذى يكشف طبيعة تلك الحماية . كما أنه يوضح طبيعة الصراع الدائر فى بلادنا وجوهره . وعندما أتحدث عن المفهوم “الاسلامى” فانما أعنى المفهوم السائد أو الطاغى . ومن الناحية التاريخية لابد لنا أن نلتفت الى الطريقة التى دخل بها الاسلام الى للسودان وهى طريقة يمكن أن نقول أنها بشكل عام طريقة سلمية وهادئة . فقد ظلت المسيحية ى شمال البلاد تشكل سدا أمام الفتح الاسلامى لأكثر من ثلاثة قرون . فالفتح الذى يهدم المؤسسات القديمة ويقيم مكانها مؤسسات جديدة يجتث بقدر أو آخر المفاهيم والأفكار القديمة لم يكن متوفرا على ذلك النحو فى بلادنا . ولهذا يمكن القول بأن الفكر الاسلامى دخل السودان مقيدا لوجود مؤسسات قديمة يؤثر عليها ولكنه يتصالح معها . وليس هذا أمرا غريبا، فخلافا لبعض البلدان الاسلامية فان الثورة الفكرية للاصلاح الدينى الرامية لتصفية ذلك الخلط ، والتى استهدفت فيما بعد عندما تلاقى العالم الاسلامى مع أوربا وضع الدين مرة أخرى فى مجرى التقدم فان السودان كان حظه ضئيلا .فحركة التطهر الدينى التى قادها الامام محمد أحمد المهدى تعثرت ثم سقطت لأسباب عديدة ، ليس هذا مجال التصدى لها . كما ان حركة البعث الاسلامى على الصورة الجديدة التمسها قلة من المثقفين السودانيين . ما كان لهم بحكم ظروفهم أن ينقلوها الى داخل المجتمع السودانى . وبذلك تصبح فيها المفاهيم “الاسلامية” السائدة سندا لكل قوى اجتماعية تحاول اخفاء مصالحها الحقيقية أو تزين تلك المصالح  (جريدة الميدان:  الخميس ٦ أغسطس ٢٠٠٩ الموافق ١٤ شعبان ١٤٣٠ ه/ العدد ( ٢١٣٤)
الحزب الاتحادى الديمقراطى 
كان اول موقف حول الدستور الاسلامى عبر عنة السيد علي الميرغني رضي الله عنه بعد احداث معهد المعلمين بتاريخ 20 نوفمبر 1965م  قال فية إن المخرج الوحيد للبلاد من هذه الأزمات المتلاحقة وحمايتها من هذه الإضطرابات المتتابعة والحفاظ على إستقلالها …. إنما يكون أولاً وأخيراً بإعلان الجمهورية الإسلامية كنظام للحكم وتلك هي الديمقراطية الحقة وإتخاذ الكتاب والسنة دستوراً للدولة تستمد منه جميع تشريعاتها . ودعا المواطنين و أُولي الأمر وجميع المصلحين ان يتكاتفوا لإتخاذ الخطوات الإيحابية لقيام الجمهورية الإسلامية التي تستند إلى التشريع الإسلامي وتقوم على تطبيق الشريعة السمحاء في إحكامها وسلوكها وأدابها” . كانت هذة اول مرة تطرح فية الجمهورية الإسلامية احد اكثر المصطلحات ارباكا و اضطرابا والذى سيظهر فى الساحة بين حين واخر خاصة مع تراجع التيار السياسى الديمقراطى فى الحزب الوطنى الاتحادى ومن ثم فى الحزب الاتحادى الديمقراطى لاحقا.
وعرض عبد الخالق محجوب كيفية تشكل موقف الحزب الوطنى الاتحادى من الدستور الاسلامى “الحزب الوطنى الاتحادى الذى انقسم على طائفة الختمية فى تلك الفترة لم تكن له نظرية أكثر من شعار محاربة الطائفية وهو لم يستطع أن يضع مفهوما اسلاميا أو نظرية اسلامية لتحرير الجماهير من الطائفية كما كان يرى قادته . وذلك لأن مثل هذه النظرية ربما تعارضت أيضا مع مصدر هام من مصادر تأييده الجماهيرى وهى الطوائف الصغيرة وأهل القباب والجماعات الصوفية التى أيدته ورأت فيه وسيلة لحمايتها من تغول الطائفتين الكبرتين . ولا نكون بعيدين عن الحقيقة اذا قلنا بأن الحزب الوطن الاتحادى وقتها اعتمد أيضا على مبدأ فصل الدين (عن السياسة) حسب تصوره لهذه القضية. والشعار الكبير الذى حكم العمل الدعائى لذلك الحزب فى تلك الفترة وأعنى “سقوط القداسة على أعتاب السياسة كان يحمل فى جوفه هذا المعنى . كما أن مفهوم الحزب الوطنى الاتحادى للدستور كما ظهر فى نشاطه بين الجماهير وفى نشاط مندوبيه فى لجنة الدستور وقتها لم يخرج عن اطار الدمقراطية الليبرالية”(جريدة الميدان:  الخميس ٦ أغسطس ٢٠٠٩ الموافق ١٤ شعبان ١٤٣٠ ه/ العدد ( ٢١٣٤)
حزب الامة
ويوضح الامام الصادق المهدى  فى كتابة ميزان المصير الوطني في السودان 2010 مسيرة الاسلام السياسى: “حركة التحرير الإسلامي السودانية أولى حركات النخبة الرافعة للشعار الإسلامي تجاوبت مع حركة الإخوان الأم وصارت في مرحلة لاحقة فرعاً منها تستمد منها الأدبيات والشكل التنظيمي. وفي عام 1964 كوّنوا مع آخرين جبهة الميثاق الإسلامي التي اتخذت بقيادة أمينها العام د. حسن الترابي شكلاً جبهوياً شعبوياً مخالفاً لنهج الإخوان التقليدي، كذلك استصحبت من الشيوعية نهج تنظيمهم للقطاع الحديث من عمال ومهنيين وطلبة ونساء، ومن حزب الأمة نهج التنظيم للقطاع الاجتماعي التقليدي، وأهمية بناء مؤسسة مالية للكيان السياسي. كانت الجسور بينها وبين الآخرين ممتدة، حتى إننا في أواخر السبعينات كونا معاً «جماعة الفكر والثقافة الإسلامية» وضممنا إليها كثيراً من أصحاب التوجه الإسلامي. وكان دستورنا الذي ارتضيناه يوجب مراعاة الآلية الديموقراطية في التوجه الإسلامي، وأن علينا كذلك، ونحن نتطلع للأسلمة، أن نراعي الوجود الجنوبي المعتبر في التكوين السوداني، وأن نراعي كذلك طبيعة دول الجوار ومتطلبات العصر. هذا التوجه الراشد ساعدتهم عليه ثلاثة عوامل هي: أن الحركة الإسلامية السودانية ذات المرجعية الإخوانية حظيت في السودان بمعاملة طيبة لم تجد مثلها في أي مكان آخر، لا سيما في وطنها الأصلي مصر حيث عوملت بقسوة شديدة. ولم تخل من أخطاء”.
يورد الامام الصادق المهدى بداية تسرب الدعوة الى الدستور الاسلامى بعد تسلم الامام الهادى  المهدى امامة الانصار وفى ظل انحسار الحركة الإسلامية في الستينات عالميا: ” عقد الانصار مؤتمرا في الجزيرة أبا –في آذار(مارس) 1963م وهناك بعيدا من جواسيس الخرطوم وضعت معالم البرنامج السياسي للمستقبل وتقرر ان يكون الهدف هو بناء مجتمع اسلامي متطور.ومنذ ذلك المؤتمر شرعت قيادة الانصار ثم قيادة حزب الامة فيما بعد تدعو للنهج الاسلامي الذي يلبي تطلعات الشعب السوداني ويلائم تاريخهم”.
وبعد اكتوبر يورد الامام الصادق المهدى المشهد ” لقد كانت القوى السياسية السودانية ترفع شعارا اسلاميا لذلك لم يكن مستغربا ان تتجه بعد اسقاط نظام الفريق ابراهيم عبود في 21 تشرين الاول (اكتوبر) 1964م وبعد قيام الجمعية التأسيسية وانصرافها لمهمة وضع دستور البلاد الدائم الى النص على التشريع الاسلامي في الدستور الدائم المقترح.هذا ما تضمنه مشروع دستور 1967م الذي اجازته لجنة دستور قومية واحيل للجمعية التأسيسية لمناقشته.وبينما كان يناقش وقع انقلاب 25 مايو1969م الذي كان في بداية عهده يساري التوجه فمزق “الوريقة الصفراء” أي دستور التشريع الاسلامي مثلما مزق الدستور الديمقراطي المؤقت (دستور 1956 المعدل 1964م) الدستور الذي كانت تحكم به البلاد منذ ثورة اكتوبر”. ” لقد خاض حزب الأمة الإنتخابات العامة في 1987م ببرنامج اجازه مؤتمره العام الذي انعقد في فبراير 1986م”.
ويفصل الامام الصادق المهدى برنامج نهج الصحوة. وكان نص نهج الصحوة في هذا الصدد هو الغاء قوانين سبتمبر واصدار قوانين بديلة صحيحة من حيث اسلاميتها وعدالتها. ”  (مؤتمر جماعة الفكر والثقافة الإسلامية: مستقبل الإسلام في السودان: بقلم: الصادق المهدي: أم درمان- محرم 1403هـ- أكتوبر 1982م
 

الطريق الى الانقاذ 1989
جاء ابريل 1985 وتمخضت نقاشاتة الى تجميد قوانين سبتمبر وقتذاك والاتفاق على  العمل بالدستور الإنتقالي لعام 1964م المعدل في 1985م. وبعد الانتخابات قرر حزب الامة والاتحادي الديمقراطي تكوين ائتلاف بينهما وآخرين في حكومة الوحدة الوطنية واتفقا على ميثاق ليحكم سياسات وبرامج تلك الحكومة. ” قبل الوصول لحل حاسم للقوانين البديلة اتفق على المبادئ الآتية: الحوار الديمقراطي هو السبيل الأوفق والطريق المعبد لحل المشكلات لا المواجهة والعنف.وفي إطار ذلك يعطي المؤتمر الدستوري أولوية قصوى لتحديد السمات العامة للمجتمع والدولة وشكلها. التنوع الحضاري والثقافي حقيقة ماثلة في السودان يتحتم الاعتراف بها ومعالجة مشكلاتنا الوطنية على ضوئها. الوفاق يقوم على كفالة فرض النمو والتعبير المتكافئة لكل ثقافة أو حضارة تمارسها المجموعات الوطنية. لا مكان لفرض الإسلام على غير المسلمين أو لقسر المسلمين على التخلي عن عقيدتهم. القوانين السارية (قوانين سبتمبر) يلزم استبدالها لأنها غير مبرأة من الشوائب اسلاميا ومعيبة فنيا وشرعت في غيبة الديمقراطية والشورى. تتحدد الأسس الدستورية والقانونية للبلاد عبر المؤتمر الدستوري”. (الإمام الصادق المهدي: الديمقراطية في السودان عائدة راجحة )
وصل السودان لوضع متازم فى اواخر الثمانينات مع دخول السودان الى مناقشات اجازة الدستور الاسلامى والحرب لازالت دائرة وتقود الى استقطابات حادة فى الشارع السياسى ولعبت الجبهة الاسلامية القومية دورا تصعيديا فى دق طبول الحرب وشحن الشارع السياسى ضد كل ملامح العمل السلمى ورفعت شعارات”الجهاد” وثورة”المصاحف” وثورة “المساجد” وقرر نوابها الإنسحاب من الجمعية التأسيسية فإنسحبوا وكان واضحا انهم يفكرون في بديل للنظام الديمقراطي.
برغم ذلك فان القوى السياسية السودانية استطاعت الوصول الى اتفاقين مهمين الاول وهو اتفاق كوكادام والذي تم التوقيع عيه في 26 مارس 1986 و مبادرة السلام السودانية التي وقعت في 16 نوفمبر 1988 وتوصلت لحل بعض المسائل التي لم يحسمها اعلان كوكادام وهي: أ.تجاوز الاختلاف حول الدستور واعتماد دستور 1985م المؤقت. ب.وضع صيغة مرنة للقوانين وهي: ان تجمد الاحكام الاسلامية لحين القرار بشأنها في المؤتمر الدستوري.انعقاد المؤتمر القومي الدستوري في آخر ديسمبر1988م. وادت الاتصالات لاتفاق على اجتماع في 4 يوليو 1989م في العاصمة الاثيوبيه لمراجعة ما تم بشأن المبادرة وتم الاتفاق ايضا على موعد المؤتمر القومي الدستوري في 18/9/1989م.
اولا : توفرت الظروف لبناء التنظيم خلال المواجهات مع نظام مايو سواء معارضة الطلاب للنظام او الانقلابات الفاشلة التي شاركت فيها سواء عام 1973 وعملية 1977 او في اطار التحالفات مع القوي الوطنية الاخري .ولكن اهم منجزات هذا البناء كان ان بدات ثورة تنظمية ثم ادخال عملية التخطيط ” وفي هذه المرحلة وفي الفترات أيضًا فرغت الحركة لنفسها ونظامها. كما فرغت لها في عهد عبود.ففي الهدأة بعد انتفاضة شعبان وبناءً على الثقة بالذات التي استشعرتها الحركة منها، بدأت ثورةٌ تنظيمية هائلة طوَّرت التنظيم، من حيث تقسيم وظائف العمل الإِسلامي وترتيب إدارات الجماعة التي تتولاها، ومن حيث تعميم الهيكل الكلي لنظام الجماعة وصياغة الخطط الكلية السنوية لحركتها. وكانت هذه هي النهضة التنظيمية الحقيقية للجماعة، لأن غالب ما سلف من تدابير مراجعة للتنظيم إنما انصب على التعديلات الدستورية. أما هذه المرة فقد طُوِّر التنظيم ليستدرك تخلفه عن استيعاب المستجدات في حركة الجماعة ونضجت النظم الإِدارية الحركية. ” وتوسيع مشاركة النساء ومن ثم انشاء المنظمات الاسلامية المختلفة مثل منظمة الدعوة الاسلامية ، والجمعية الطبية السودانية ” وفي هذا العهد بدأ وعىُ الحركة بمكانة الجنوب من السودان، وذلك ببصيرة النظر الاستراتيجي لمِآلات السودان وبتجربة الاتصال الأوثق بالدولة والمجتمع. ولما اعتمدت الحركة استراتيجيةً إيجابيةً نحو الجنوب تقتضى استيعابه في المشروع الإِسلامي السوداني لا إهماله ولا فصله، توجهت عناصر من الحركة لتأسيس «منظمة الدعوة الإِسلامية» تبشيرًا منهجيًا يخاطب المناطق غير المسلمة في السودان بالدعوة والخدمة الاجتماعية ليدخلوا في ملة الإِسلام..” حتى اكتمال بناء التنظيم الحديدي القائم على القيادة الكارزمية والمفكرة والمنظرة “كل امور التفكير والتدبير” وجماعة عليها التنفيذ والطاعة
او كما اشار د. جلاب ” و ذلك علي الرغم من ان التربية السياسية لعناصر الحركة  كانت قد كرست أيديولوجية وممارسة شمولية تقترب من طقوس “عبادة الفرد” في داخل التنظيم  و في العقل الجماعي للحركة فلا تكاد ترى الأحداث إلا في إطار شخص الزعيم.  وقد يكون لهيمنة و تأثير الشموليات الأخرى في الفضاء التاريخي السوداني دورها في تأطير مثال الشخصية القائدة، لذلك فأن المؤلف يذهب إلى أن المدخل لفهم تعقيدات الأمر لا يقف عند خصوصية تجربة الإسلامويين وإنما يضع تجربة الإسلامويين في مكانها الطبيعي كاحد النماذج الموازية في الفكر والنهج الشموليين للتجارب الاخري التي عرفها التاريخ.  هذه الحالة الشمولية اذن لم تكن بالأمر الجديد الذي ظهر بعد إستيلاء الحركة على الحكم  و إنما كان خصيصةً راكزة متأصلة في روح التنظيم و جسده،  و الذي استجد بعد الإنقلاب انما هو الإنتقال بتلك الشمولية من محيط التنظيم الخاص إلى المحيط السوداني العام.  و قد هيأ الإنقلاب لذلك بالإستيلاء على جهاز الدولة و تسخير أجهزه السلطة التنفيذية القمعية ممثلة في آليات البطش الامني، القديمة والمبتكرة، فضلا عن الاعلام  و مالية الدولة في اتجاه ما عرف في المصطلح الاسلاموي باسم خطة “التمكين”.
ثانيا : تحول التنظيم الي مؤسسة اقتصادية ذات شأن وقد وصفها د. الترابي بشكل عابر “وكان هذا العهد هو عهد العمل الاقتصادي الإِسلامي الذي ابتُدر قبيل المصالحة، لكنه انفتح بعدها وأصبح كسبًا مؤسسًا من مكتسبات حركة الإِسلام في السودان – كسبًا لتجربتها في تطبيق الإِسلام ولقوتها في سبيله. وكانت طائفة من عناصر الحركة قد فُصِلوا أو عُزِلوا عن الخدمة العامة في العهد الماضي واضُطروا إلى دخول مجال العمل الاقتصادي الحر. ”
ولكن وصفها د. جلاب بالمؤسسة الاقتصادية الخفية بداية من ارتباطات الاسلاميين بمراكز الثروة في دول الخليج العربي وانشاء بنك فيصل الاسلامي ودخول اعضاء التنظيم في تجارة النقد الاجنبي و نشوء تجار الجبهة كطبقة تجارية جديدة او ما وصف اقتصاديا بالراسمالية الطفيلية .
ثالثا : الشريعة الاسلامية وربما كانت هذه الموضوعة هي اهم واخطر القضايا التي شكلت صلب ايدولوجيا الحركة الاسلامية منذ نشأتها وقد جاءت هذه الدعوة كتعبير عن نظرية الدولة . تراوح موقف مؤسس حركة الاخوان المسلمين الامام حسن البنا ،والذي انشا حركته كرد فعل علي الغاء الخلافة في استطنبول وتاثير حركة الخلافة الهندية من اصلاح الفرد والمجتمع، وانكار الدولة الاقليمية ومن ثم انشاء دولة موازية ( انشاء جهاز عسكري ، النظام السري ، والمنظمات الصفوية والنقابية المختلفة) الي الوصول الي ان اطروحاته تحتاج الي الدولة لتحقيق اى طموح او مشروع مستقبلي . حاول سيد قطب حل هذا التراوح بالدعوة الي التركيز علي خلق الجماعة المؤمنة وسط المجتمع الجاهل الذي يحيط بها والابتعاد عن البرامج السياسية والنشاط السياسي اما ابو الاعلي المورودي فقد تبني نموذج الدولة الشمولية التي يؤسسها افراد او جماعات ملتزمة بقيم الاسلام .
وقد طور الترابي نظريتة بناء علي هذه الاطروحات فقال باجماع غالبية المسلمين ( أي الراي العام لجمهور المسلمين ) في أي وقت معلوم ( لتجاوز علماء الدين) ومن هذا المنطلق يري الترابي ان الحكومة في الدولة الاسلامية يقع اختيارها من قبل الشعب وبناء علي الارادة الحرة لاغلبية المسلمين ولكن الترابي ايضا اعتبر الحركة الاسلامية بمثابة القائم والقيم علي الاسلام والشريعة في اطار الدولة الاسلامية.
برزت الشريعة الاسلامية في العمل السياسي العام في الجبهة الاسلامية للدستور ما بعد الاستقلال ، لكن برز هذا الاتجاه بشكل مكثف وكاد يكون النشاط الاساسي للحركة ما بعد اكتوبر عن طريق الضغط والابتزاز للاحزاب الوطنية حملة الدستور الاسلامي  والذي نجحت الحركة عن طريقه الي ايصال الدستور الاسلامي الي الجمعية التاسيسسة لتشريعها” ، وإذ بسطت حملة شعبية واسعة للتذكير والتبشير بالحكم الإِسلامي بمنهج لا يتجاوز الأحزاب لكنه يحاصرها في الإِسلام ويحرجها بقبول دعوته.” 
رغم ان قوانين الشريعة الاسلامية السودانية ( المعروفة بقوانين سبتمبر 1983 السيئة السمعة ) لا تنسب بشكل مباشر لحركة الترابي كما عبر عنها شخصيا (وكان آخر هذا العهد هو عهد الشريعة في السودان. ولم يكن تطبيق الشريعة في حسبان الحركة وهي تُصالح النظام، وإنما توخت رخصة الحرية لتبنى قاعدتها وقوتها وفق المقتضيات الاستراتيجية الجديدة، لأنها لم تكن ترجو الإِصلاح الإِسلامي إلا بتمكنها في السودان. لكن تعاظم الحركة – ببركة هذه الحرية وبفضل استراتيجية التطوير الجادة  – وَلَّدَ تيارًا إِسلاميًا دفع النظام لتبنى الشريعة – ربما ليصادر شعبية الحركة لصالحه. ولئن كانت الشريعة في عهد مايو ليست إلا برنامج تشريع، فإن الحركة قد وجهتها بوجه أعمق وأشمل، إذ اتخذها موضوع تعبئة عامة فأحدثت انفعالات شعبية شديدة أيقظت وعى الناس الديني والتزامهم الإِيماني وعززت التزام الدولة بسياسات الإِسلام.  فعولت الحركة – من بعد القانون الشرعي – على التعبئة الجماهيرية وفقًا لاستراتيجيتها التي كانت تستهدف بناء الحركة الشعبية الإِسلامية، فكانت هذه التعبئة هي التمهيد للمرحلة التالية).
هذا غير حقيقى لان حركة د. الترابى وقفت ورائها بشكل قوي وفعال اثناء الحكم العسكري المايوي كما استعملت هذه القوانين في ابتزاز وتعطيل وتسويف كافة المحاولات لكل القضايا المعلقة للوطن من مشكلة الجنوب والحرب الدائرة حولها و تصفيه اثار النظام المايوي وبناء نظام وطني وديمقراطي بعد سقوط النظام .
عندما انعقد المؤتمر التاسيسي للجبهة القومية الاسلامية بعد انتفاضة ابريل 1985 وفي ظل عداء كبير من القوي السياسية المختلفة والجماهير الشعبية التي اسقطت النظام والمنتظمة في التجمع الوطني (انعكس هذا في تعرض ندواتهم للقذف بالحجارة في الجنوب وجبال النوبة ودارفور والتي اتهم فيها التنظيم بالتجارة في قوت الناس اثناء مجاعة 1985 في دارفور) كما استطاعت القوي السياسية (المنظمة فيما عرف بتحالف  قوي الانتفاضة) اسقاط ممثلي الحركة الاسلامية في انتخابات كافة النقابات.
لكن كان تحت الاكمة ما ورائها وكانت الحركة الاسلامية قد تمكنت من بناء البنية التحتية الازمة لتحويلها الي السيطرة علي السلطة فماذا كان الوضع انذاك جاء المجلس العسكري الانتقالي المكون من 15 ضابطا من ضباط الحكم المايوي المؤيد بشكل عام لتوجيهات الحركة الاسلامية ، وقد كان هذا الناتج النهائي لسنوات من العمل وسط القوات المسلحة سواء بشكل مباشر أي عن طريق الدورات التدريبية في افريقيا العالمية ؟؟؟ وقد استطاعت الجبهة القومية الاسلامية ان تفرض كثيرا من تصوراتها حول الغاء قوانين سبتمبر ، تصفية اثار مايو، المحاكمات والانتخابات خاصة القوي الحديثة.
ويعطى بروفيسور مصطفى إدريس البشير ( عميد كلية الطب بالجامعة سابقاً مديراً لجامعة الخرطوم عامل فى صفوف الاسلام السياسى منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي) صورة كاملة عن الاوضاع داخل الجبهة الاسلامية القومية: ” لم تقتصر النجاحات التي حققتها الحركة الإسلامية من تصالحها مع مايو على الدعوة المفتوحة وتوسيع مؤسسات الحركة الدعوية والاقتصادية فحسب، بل التفتت الحركة الى جوانب أخرى رغم حساسيتها وخطورتها على العلاقة مع نظام الحكم المايوي. وتمثلت هذه الجوانب في التغلغل في أجهزة الدولة الحساسة كالجيش وجهاز الأمن والشرطة، وأقامت أجهزة في غاية من السرية والحذر تتبع مباشرة للأمين العام لمتابعة استيعاب شباب الحركة في الكلية الحربية وكلية الشرطة والانخراط في الأجهزة الأمنية . ” وأستطيع أن أقول بأن الحركة الإسلامية كان بمقدورها أن تدبر انقلابا ناجحا أبيضا على حكم النميري منذ عام 1983 ولكنها لم تفعل، بل كانت على العكس تماما تنبه أمن النظام بصورة غير مباشرة على كثير من النشاطات الانقلابية ويتم اخمادها في مهدها… “. ” أستطيع أن أؤكد أن قرار الانقلاب في الثلاثين من يونيو 1989 جاء بعد حوار طويل وعسير وكان من أبرز معارضيه في البداية شيخ حسن ولكنه سلم بوجهة نظر معاونيه المقربين في قيادة وإدارة الأجهزة التنظيمية الخاصة التي كانت بعيدة عن أنظار معظم الشخصيات القيادية الظاهرة في الحركة، حيث إن بعضا من هذه القيادات التاريخية فوجئوا بالانقلاب واتخذوا مواقف معارضة له عند قيامه “.
ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي
تجمع كل زعماء الاحزاب السياسية السودانية فى سجن كوبر وفيهم د. حسن الترابى كجزء من استراتيجية اخفاء هويتها السياسية ( عرف فى الادبيات السودانية اذهب الى القصر رئيسا واذهب الى كوبر سجينا) واتفقوا على ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي وتم التوقيع علية في 21 أكتوبر 1989م،  وفي فبراير 1990م أجرى تعديل على الميثاق دخلت إثره الحركة الشعبية للتجمع الوطني الديمقراطي.
ربما لم تتوفر فرصة تاريخية مثل سنوات التسعينات لتستعيد دولة السودان مسارها التاريخى الطبيعى و لتتعايش قومياتة و شعوبة ومجموعاتة السكانية فى وطن متكافىء ومتساوى لجميعهم. فالميثاق الذى تداولتة الاحزاب والنخب والنشطاء اتيح لة نقاش وطنى عريض وطويل وساعد علية وجود مجموعات مقدرة من السودانيين فى مختلف ارجاء المعمورة من المغتربين ومطاريد الانقاذ وتشير أرقام رسمية الى ان اجمالي عدد الذين أحيلوا الى المعاش منذ عام 1904 وحتى العام 1989 بلغ 32419 موظفاً، بينما شهدت الفترة بين (30 يونيو 1989 و 29 سبتمبر 1999) احالة 73640 موظفاً، أي ان الذين أحيلوا الى المعاش في عهد الانقاذ يتجاوز ضعفي الذين أحيلوا الى التقاعد خلال كل العهود الاستعمارية والوطنية من مدنية حزبية وعسكرية سابقة (صحيفة الشرق الأوسط 20 مايو 2001) .    
مؤتمر القضايا المصيرية
تمخض الحوار الممتد بين الاطراف المتعددة الى الوصول الى مؤتمرها التاريخي بمدينة اسمرا عاصمة دولة إريتريا تحت شعار مؤتمر القضايا المصيرية وذلك في الفترة من 15 إلى 23 يونيو 1995 وصدر البيان الختامي في يوم الجمعة 23 يونيو 1995م، وقع على البيان الفصائل التالية: الحزب الاتحادي الديمقراطي- حزب الأمة- الحركة الشعبية / والجيش الشعبي لتحرير السودان- تجمع الأحزاب الأفريقية السودانية- الحزب الشيوعي- القيادة الشرعية- النقابات- مؤتمر البجة- قوات التحالف السودانية- الشخصيات الوطنية.
تداول المؤتمرون في قضايا الوطن الأساسية والتي جاءت كما يلي : –
1. إيقاف الحرب وإحلال السلام في السودان؛
a. حق تقرير المصير؛
b. علاقة الدين بالسياسة؛
c. شكل الحكم خلال الفترة الانتقالية؛
2. برامج وآليات تصعيد النضال من أجل إسقاط نظام الجبهة الإسلامية القومية؛
3. ترتيبات ومهام الفترة الانتقالية؛
4. مقومات سودان المستقبل؛
5. هيكلة التجمع الوطني الديمقراطي؛
6. القضايا الإنسانية.
كان ابرز القضايا التى تم الاتفاق عليها ما جاء تحت الدين والسياسة في السودان اذ نصت على:
1. إن كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان تشكل جزءا لا يتجزأ من دستور السودان وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو إجراء مخالف لذلك يعتبر باطلا وغير دستوري.
2. يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري.
3. لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس على أساس ديني.
4. تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمـل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمسـاواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحرض على إثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في أي مكان أو موقع في السودان.
5. يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان.
6. تؤسس البرامج الإعلامية والتعليمية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.
كان ثانى ابرز القضايا التى تم الاتفاق عليها ما جاء تحت شكل الحكم اذ نصت على: أن يحكم السودان خلال الفترة الانتقالية على أساس الحكم اللامركزي، ويحدد الدستور الانتقالي السلطات والصلاحيات وتوزيعها بين المركز والكيانات الإقليمية. إعداد قانون للحكم اللامركزي.أن يؤسس الحكم اللامركزي على توزيع السلطات والصلاحيات المتفق عليها بين المركز والكيانات الشمالية والكيان الجنوبي على أن يتم الاتفاق على المسمـيات في وقت لاحق. أن يؤخذ في الاعتبار دور الحكم المحلي ووضع الإدارة الأهلية عند صياغة قانون الحكم اللامركزي.
الطريق الى الدولة الديمقراطية المدنية
ربما كان افضل تعريف للدولة المدنية  ما اوردة المناضل علي محمود حسنين: ” نحن نتحدث عن الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية، والحديث عن الدولة المدنية يعني أن الدولة غير دينية لأن الدولة الدينية غير موجودة حتى في الاسلام والذين يتاجرون بالدين والذين يستخدمون الاسلام السياسي ليست هناك دولة دينية،… الشعب السوداني الآن يريد دولة مدنية ديمقراطية تقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة وليس أي نوع من التمييز والجميع تحكمهم المواطنة ويطبق عليهم قانون واحد، وعليه لا يستطيع أي انسان أن يستغل الدين للعمل السياسي كما يجري الآن، لذلك نشدد على ضرورة عدم استغلال الدين في العمل السياسي”. (علي محمود حسنين في حوار عاصف الجزء الثالث : جريدة الاحداث: 04/12/)2010 )
حزب الامة
يرجع التراث الديمقراطى  فى التعامل مع الدين وعلاقتة بالسياسة الى التراث الذاخر للامام الراحل عبد الرحمن المهدى والذى كانت سيرة حياتة مزاوجة متوازنة بين الموروث المهدوى والاسلام والحياة المعاصرة من خلال مواجهة عملية للتحديات التى طرحها العصر. وقد قارب هذة التحديات مزودا بثقافة عالية اكتسبها من خلال علاقات ممتدة مع مثقفى عصرة ومعايشة وتداخل فى نسيج الحياة الشعبية سواء بشكل مباشر او عن طريق شبكة الوكلاء الممتدة فى انحاء القطر. تواصل الراحل الامام الصديق وطور من اطروحات والدة الراحل ومتن علاقة الحزب بالديمقراطية و العمل التحالفى وكان لرحيلة المفاجىء اثرا كبيرا فى تراجع العمل الجبهوى.
هذا التراث الثروالديناميكية الثقافية والسياسية للامام الصادق المهدى كانت الذخيرة التى جعلت حزب الامة الحزب الوحيد الذى كان لدية بديل اسلامى ديمقراطى واضح ومحدد تجاة العمل الدستورى والقانونى الذى استنة نظام النميرى واراد بة محاصرة الاحزاب الليبرالية الاسلامية و استباق وتفريغ شعارات الاسلام السياسى وقمع حركة الشارع الشعبية. ورغم ان البديل كان غامضا ويحمل مدلولات الستينات، الا ان هذا الحزب كان عريقا فى تمسكة بالديمقراطية والمشورة والاتفاقات السياسية العريضة. وقد نشط زعيمة فى نقد وتعرية كافة جوانب و عيوب التجربة فى عدد مقدر من الكتب و البيانات والخطب ( يمكن الرجوع الى موقع حزب الامة القومى) واهم هذة المطبوعات:  مستقبل الإسلام في السودان (1982) النظام السوداني وتجربته الإسلامية (إصدار الحركة الإسلامية السودانية- يونيو 1984م) الإسلام والتجربة السودانية (منشورات الأمة- ا/11/1985م واحدثها ميزان المصير الوطني). تطورت اطروحات الحزب مع تطور تجربتة السياسية والقانونية واستطاع الوصول الى صيغة قاربت بشكل جاد وعلمى و ديمقراطى بين الدين والحياة السياسية.
الدولة المدنية : ميزان المصير الوطني فى السودان
جاء الكتاب فى حجم كبير 536 صفحة  فى نهاية 2010 “مرافعة من اجل شرعية قومية جديدة يحققها اهل السودان فيصنعون من الازمة فرصة” فجاء كما قال كاتبة وثيقة تاريخية ومرجعا مهما حوت تناولا مفصلا عن القضايا التى واجهت الشعب السودانى منذ الاستقلال وقد خلا مع ذلك من التراكم الخبيث الذى كان لحزب الامة ادوارا فيها وقد لا يكون الكتاب هو المناسب لانة يركز نقطة الانتقاد على الهم الاكبر للشعب السودانى، حكومتة الحالية، ولكن تظل هناك حاجة ماسة لمثل هذا المراجعة واستنباط الدروس المستفادة.
جاء حول دور الدين فى الدولة: ” الصحيح الدعوة لدولة مدنية تساوى المواطنين فى الحقوق والواجبات الدستورية. دولة حظها من الاسلام هو:تماهى مبادىء الاسلام السياسية  ومبادىء حقوق الانسان العالمية باعتبار انها جميعا تعود لخمسة اسس هى: الكرامة الانسانية، الحرية، العدالة، المساواة والسلام. دولة تقدس حرية العقيدة الدينية وتكفل للكافة الالتزام بواجبات دينهم. بالنسبة للمسلمين نحن نولد بالشريعة ونتزاوج بالشريعة وبها نصلى ونصوم ونزكى ونحج فهذا كلة تطبيق للشريعة وما يلزم من سعة تطبيق احكامها ينبغى ان يستثنى منة غير المسلمين بحيث تكون التشريعات ذات التطبيق لكافة المواطنين خالية من المحنوى الدينى”. ” وفى هذا الصدد لا يجوز الزام غير المسلمين او غير المسيحيين باية واجبات تفرضها عقائدهم عليهم. كما لايجوز اصدار اى تشريعات تحد من حرية العقيدة. وينبغى النص بوضوح ان الحرية لا تعنى حرية الاساءة للمقدسات”.
الحزب الشيوعى السودانى
كان دستورة يحمل توجة نحو تطوير الدين ليلعب الدور الايحابى فى ازالة المظالم و الفوارق الطبقية ولم يكن فى الحوارات و المناقشات التى تدور بين اعضاءة او حتى كشباب بشكل عام الا اداة سياسية مستنيرة ومتقدمة للعمل من اجل حياة افضل ولم يكن عائقا حول الايمان بالمنظومة القيمية التى تشكل العقيدة والتقاليد السودانية لحمتها وسداها. وخلال طوال السنوات لم يكن الموقف من الدين العبادة مختلفا عن سائر المجتمع ففيهم من يحافظون على العبادات ومنهم من يكسلون ومن لهم مواقف فلسفية اخرى. ان الحزب منظمة للعمل السياسى لتنفيذ البرامج التى تتفق عليها فى مؤتمراتها.
وهذا لم يكن مختلفا عن الاحزاب الاخرى خاصة الذين ينتمون للاحزاب وليس الطائفة ( الانصار والختمية) التى تفرض بعض الموجبات، عدا الاسلام السياسى والذى جعل من الحزب ليس منظمة سياسية لتنفيذ برنامج ولكن ممثل الحاكمية الالهية فى الارض ( اصلا فكرة الخوارجية مستدعاة من التاريخ)، ونافيا كل القوى الاخرى من حق الحكم واحيانا حق الوجود.   
تميزت مقاربة الحزب الشيوعى السودانى من علاقة الدين بالدولة من واقع وجودة فى مجتمع مسلم فى اغلبة ووجود احزاب طائفية تقوم على اساس دينى والالتباس الذى ووجهت بة فى موقفة من الاديان عموما قد دفعة هذا الى النظر المعمق فى دور الدين فى المجتمعات الاسلامية وقد ساعد هذا على ان الاحزاب التقليدية والتى تنهض على تراث دينى عميق فى تاريخها سواء المهدية او الختمية لم تجد اى تناقض بين تدينها واشباع الحاجات الروحية فى حياتها او فى مجتمعها. ” هكذا ظل حزبنا ، منذ التكوين الجنينى لحلقاته الأولى أواسط أربعينات القرن الماضى ، يراكم تدريجياً عناصر المقاربة المطلوبة لمسألة الدين والسياسة باتجاه الوضوح النظرى حولها ، حتى أمكن وضع الاقدام على أول الطريق الصحيح ، وبصورة تحويلية حاسمة لأول مرة ، من خلال مداولات ومقررات المؤتمر الرابع فى أكتوبر عام 1967م”. (مسألة الدين والدولة: دراسة فى اطار التحضير للمؤتمر الخامس الحزب للشيوعي السوداني: الحوار المتمدن – العدد: 1690 – 2006 / 10 / 1  
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=76910)
وقد استطاع الحزب ان يصل لدور ايجابى فى دور الدين فى الدولة وفصلة عن السياسة والذى التفت حولها كثير من مجموع الشعب السودانى عبر مجمل احزابة عدا الاسلام السياسى وتبلور هذا الموقف اكثر مع تعرض الحزب لهجمة السياسية و القانونية وحلة وطرد نوابة من البرلمان عام 1965 وقد اورد البرنامج فى المجاز المؤتمر الرابع فى أكتوبر عام 1967م “..الامبريالية العالمية وطلائعها المحليين .. يحاولون تصوير الدين الاسلامى بوصفه عقيدة تؤمن بالفوارق الطبقية ، وتعادى الاشتراكية ، ينحاز إلى جانب الاستعمار الحديث ، ويرفض الاستقلال الوطنى وهذه الشعوب .. ترفض هذا التزييف للأسلام ، وترى فى دينها قوة للجماهير المناضلة فى سبيل الكرامة والحرية … والحزب الشيوعى السودانى .. يجاهد بحزم وبصبر لتحرير الدين .. بوضعه فى مجرى تطوره الحقيقى .. ضد التمييز الطبقى وحكم الطاغوت ، ومن أجل السير بالحضارة الإسلامية إلى عالم القرن العشرين”.
جاء فى وثيقة المؤتمر الأساسية الموسومة (بالماركسية وقضايا الثورة السودانية) “هذا وحده لا يكفى لمواجهة خطر مستمر من الهجوم الفكرى”. ” أصبح لزاماً على حزبنا أن ينمى خطة الدعائى حول قضية الدين الاسلامى وعلاقته بحركة التقدم الاجتماعى” ، وأن أهمية هذا الخط “لا تقتصر .. على الردود على ما يثار .. بل يتعدى ذلك لجعل الدين الاسلامى عاملاً يخدم المصالح الأساسية لجماهير الشعب ، لا أداة فى يد المستغلين والقوى الرجعية”.
لكن لم يتبلور موقف واضح حول المفردات المتنوعة الغامضة و العامة التى دفع بها سواء  الاسلام السياسى او الجمهورية الاسلامية فى حلبة الصراع السياسى السودانى الا خلال تطور هذا الصراع والذى قذف فية الدستور الاسلامى فى اواخر الحكم الديكتاتورى الثانى وكان جزء من اهدافة شل حركتة السياسية التى استطاع بنائها خلال المواجهات السياسية والنقابية بدا من اواخر السبعينات.
طرح الحزب الشيوعى السودانى مفهوم الدولة المدنية لاول مرة فى مناقشات الدستور بعد انتفاضة 1985 ويورد الاستاذ محمد ابراهيم نقد  السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني اثناء سنوات الاختفاء في قيادة العمل السري للحزب فى التسعينات وهى ورقة حول موقف الحزب من مفهوم العلمانية، اضافة الى تصوره لمفهوم الدولة المدنية ـ المجتمع المدني ومنظماته. ” طرحنا مصطلح وتصور «الدولة المدنية» لأول مرة عام 1988م خلال المشاورات التي اجراها مجلس رأس الدولة مع الكتل البرلمانية بعد ان اقال الصادق المهدي حكومته الثانية، تمهيداً لتوسيع الائتلاف بإشراك الجبهة الاسلامية في الوزارة وفق شروطها بإجازة قوانين الشريعة خلال شهرين. ” استقبل هيئتنا البرلمانية باسفيكو لادو، عضو مجلس رأس الدولة، انذاك، بمكتبه بالقصر الجمهوري، وخلال المناقشة حول مصطلحات «دولة دينية، دولة علمانية، دستور اسلامي، دستور علماني» اكدنا للادو الحقائق التالية، لينقلها لمجلس رأس الدولة: ـ اننا لا نتقيد بحرفية المصطلحات، او بما اذا كان مصطلح «علمانية» بكسر العين ام بفتحها، وأننا نعطي الأسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات وكنظام حكم ومؤسسات، وأننا نعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية، مثل معارضتنا لدكتاتورية عبود، من جانب، ودخولنا، من الجانب الاخر، في صراع وصدام مع نظام مايو، سواء عندما بدأ يسارياً وعلمانياً، او عندما اعلن نميري قوانين سبتمبر عام 1983م ونصب نفسه اماما منذ ذلك الحين حتى اطاحت به الانتفاضة الشعبية في ابريل عام 1985م”.
ويوضح الاستاذ نقد  تطور مفهوم الحزب للدولة المدنية: ” في مايو 1999م اصدر مندوبو الحزب في التجمع في الخارج ورقة بعنوان «قضايا استراتيجية» عالجت عدة قضايا، من بينها فصل الدين عن السياسة، وذلك على النحو الآتي ـ مباديء النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي هي: المساواة في المواطنة وحرية العقيدة والضمير بصرف النظر عن المعتقد الديني. المساواة في الاديان.  الشعب مصدر السلطات، ويستمد الحكم شرعيته من الدستور. سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، ومساواة المواطنين امام القانون بصرف النظر عن المعتقد او العنصر او الجنس. كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني. ضمان الحقوق والحريات الاساسية، السياسية، المدنية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، وضمان حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية. هكذا اكتمل تصورنا لمفهوم الدولة المدنية ومحتواه من خلال الجهد الجماعي المشترك للحركة السياسية السودانية، ومعاناتها للانعتاق من الاستقطاب العقيم المغلق «دولة دينية ـ دولة علمانية»”. (محمد ابراهيم نقد: حل أزمة السودان يتمثل في دولة مدنية: الحوار المتمدن – العدد: 425 – 2003 / 3 / ).
وقد اورد الحزب الشيوعي السوداني موقفة فى برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخامس، يناير 2009م فى الفصل العاشر: الفصل العاشر: الدين والسياسة: ” لا نؤسس لموقف جديد، بشأن مسألة الدين والدولة، بقدر ما نسعى لتطوير رؤيتنا التي تبلورت مع الإرهاصات الأولى لنشأة حزبنا… تتأسس هذه الرؤية على احترام حزبنا لمقدسات شعبنا وأديانه.  فوق ذلك يستلهم حزبنا ارفع القيم والمقاصد لنصرة المستضعفين وشحذ هممهم وحشد قواهم من اجل الديمقراطية والتغيير الاجتماعي وذلك على قاعدة الاحترام والتسامح الديني في بلادنا متعددة الأديان والمعتقدات، كنزوع فطري يتوجب علينا الإعلاء من شأنه، وتطويره، وتخليصه من علل الاستعلاء به، كما وبالثقافة او اللغة او العرق، وما يتولد عن ذلك من مرارات متبادلة بين مكونات شعبنا.  يرفض حزبنا أن يصبح الدين أداة نزاع في سياق الصراع الاجتماعي، وان نتخذ لهذا السبب بالذات، موقف المعارضة الفكرية والسياسية الحازمة ضد أي مسعى، من أي قوة اجتماعية، لاستغلاله في تحقيق أي مصالح اقتصادية وسياسية . ويطرح الحزب أمامه مهمة قيام منبر واسع لتوحيد قوى الاستنارة في النضال من اجل الدولة المدنية الديمقراطية، ومواجهة التطرف والهوس الديني استناداً الى الخلاصات التي راكمتها خبرات شعبنا حول المخاطر الناجمة عن الدولة الدينية وإقحام قدسية الدين في السياسة.  نزع قناع الزيف عن البرنامج السياسي المعادي، باسم الدين، لطموحات الملايين من أبناء وبنات شعبنا، والرامي لوأد تطلعاتهم الوطنية والاجتماعية، وهو البرنامج الذي طالما ذاقت جماهير شعبنا ويلاته تحت دكتاتورية الجبهة الإسلامية، متحالفة مع الطاغية جعفر نميري، او منفردة بالسلطة منذ انقلابها عام 1989، ابتداءً من قوانين سبتمبر البغيضة، الى قوانين النظام العام والأمن والقوانين الجنائية المختلفة، حتى الجهاد باسم الإسلام ضد الشعب تقتيلاً وتعذيباً وتفرقة وقهراً”. (الحزب الشيوعي السوداني موقفة فى برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخامس، يناير 2009م: الحوار المتمدن – العدد: 2619 – 2009 / 4 / 17)
الحزب الاتحادى الديمقراطى 
طرح الحزب الدولة المدنية البرنامج العام للحزب وعالج مسائل الهوية السودانية:” ان الهوية السودانية تتداخل فيها العروبة والافريقانية بكل مكوناتها الثقافية والعرقية والدينية والاجتماعية. ان التعدد والتنوع من ابرز مكونات الشخصية السودانية ولا بد من احترام ذلك التعدد ليعبر عن نفسه دون استعلاء اوسيطرة ثقافية اوعرقية او دينية. والتعدد يعتبرعاملا مهما للوحدة والتفاهم بين المجموعات لتعبرعن الشخصية السودانية. تهدف الاديان السماوية والوضعية الى صياغة الانسان المنسجم مع نفسه روحيا ولديه الواعز الاخلاقى الذى يجعل منه انسانا سويا مستقيما. والتدين من سمات الشخصية السودانية وعلى الدولة ان ترعى كل الاديان والموروثات وتعمل على التعبير عن قيمها”. ويضيف حول الديمقراطية: ” هى التعبير الانسب عن التعدد والتنوع وخلق الغايات الموحدة وهى الاطار الذى يحتوى التنوع والتعدد. وتقوم الديمقراطية على اساس المساواة الكاملة بين الناس وتعتمد المواطنة اساسا للحقوق والواجبات.
وطرح نظريتة حول دوائر الإنتماء الحضاري : ” السودان بموقعه الجغرافي وبتكوينه البشري وثقافاته ودياناته هو تجسيد لحقائق جغرافية وتاريخية وثقافية شكلت من خلال أمتزاجها في المكان هوية شعب السودان وسماته المعروفة فالسودان بلد عربي أفريقي لا أنفصام في تراكيبه بين مكونات هويته هذه ولا مجال لعزل خصائصه وسماته الحضارية عن بعضها البعض أو العمل علي فهم وإدراك أي منها بمعزل عن الأخري لذلك كان علي شعب السودان أن يتفاعل في محيطه وباتساع قارته ومع العالم من حوله من خلال دوائر تنداح متسعه تفسح أمامه آفاقاً عظيمة الاتساع يمكن أن يبدع فيها تجربة حضارية عامرة بالأخذ والعطاء من أجل مستقبل واعد للسودان وهذه الدوائر المتواصلة أبعادها هي الدائرة العربية والدائرة الأفريقية والبعد الإسلامي بتأثيره القوي والبعد الدولي بكل واقعة .”
الموقف من الديمقراطية: المؤتمر الشعبى
احد اكبر معضلات الكتابة عن هذا الحزب ان قائدة ومنظرة وزعيمة هو اب الانقاذ ومبرر كل خطاياها ومعلمها الاكبر فى الخداع والمناورة والتضليل وتغيير المواقف. والمعضلة اننى ليبرالى واؤمن ان الناس والاحزاب عرضة للخطأ ولكن فى مبادىء ان يدفع المخطىء الثمن كاملا. هذا لم يحدث وبدلا من ان نرى نقدا واضحا ومحددا حول الاخطاء التى شاركوا فيه، راينا ثلاثة مسارات للعودة الى الصف الوطنى عينى عينك.
المسار الاول ويمثلة المحبوب عبد السلام واخرون، وكانت الاستراتيجية خلع الزعامة من كل شىء حدث مثل الشعرة من العجين وابدع فى غسيل الاحوال ووضع كل ماحدث على نائب الامين العام السابق للجبهة الاسلامية القومية. وبالتالى فان الزعيم يعود الى الصف لانة كان يدافع عن حقوق الشعب امام الحكومة الظالمة والمستبدة ….الخ. هذا موقف غير مقبول تماما لا اخلاقيا او من المسئولية او الاستقامة الوطنية او الرجولة ولا اود هنا ان اقدح من هؤلاء الذين ابدوا شجاعة فى بداية طريق طويل اثق باننا بفهمنا لهم وبتعاطفنا معهم سيسيرون فية وفتح الباب للبرء من الالام. 
المسار الثانى ويمثلة السيد ابراهيم السنوسى والدكتور على الحاج واخرون وبنوا الاستراتيجية على العودة فورا الى زحمة الاحداث، بل وقيادتها وكان ما جلبوة للساحة وما ادعوة من اسرار التنظيم هى معلومات يعلمها الجميع. الشعب السودانى لم يطلب اسرارا فهى لاتهمنا ونعلمها كلها. لم يتحددثوا من عذب وبامر من ولماذا؟ لم يتحدثوا عن من خطف لقمة عيشنا والشركات الطفيلية ومن يديرها وكيف بل انهم ادعوا الفقر والمسغبة؟ لم يحدثونا عن المليشيات ومن يقودها ولستها ومقارها وتمويلها وتسليحها، بل يحتفظون بها لانهم يريدون استعمالها فى يوم قادم. لم يتحدثوا عن العلاقات الدولية ومن يمولهم وكيف وباى طرق. لم يحدثونا فى الحقيقة عن اى شىء بل توسطوا مقاعد المعارضة واستعانوا بمواثيق حقوق الانسان فى اطلاق سراحهم. هذا اشبة بكابوس سريالى سخيف ولا يمكن قبولة.
المسار الثالث وهو اصعب جزء وقد قام بة الزعيم نفسة. لقد قرات كتابة الاحكام السلطانية الذى كتبة فى سجون النظام – قمت بتنزيلة من الانترنت وافترض انة هو النسخة الاصلية – قراءة معمقة حوالى الثلاث مرات والذى كتب بلغة لا اظن ان الانسان العادى يمكن ان يفهمة حتى خريجى الجامعة، لغة خارج التاريخ . مهمة الزعيم الصعبة كانت تحتم علية استعمال هذة اللغة لان المطلوب هو اعادة كتابة الافكار نفسها حول الحاكمية و تكفير من يقولون بفصل الدين عن السياسة وان غالب دول المسلمين فاسقة وخارجة عن حكم الله والمسلمون أنفسهم منافقون وأن المجتمعات الإسلامية التي فصلت الدين عن السياسة منذ الخلافة الأموية والدولة العباسية وما لحقهما من نظم حتى يومنا هذا، كلها كافرة وفاسقة وظالمة.  اما امثالنا المثقفين فهم نتاج الثقافة الغربية أصبحت لا تدين بدين الإسلام الذي يوحد الحياة كلها بسياستها عبادة، بل بدين الغرب الوضعي الذي طغى في مجالات التعليم ووسائل الثفافة وأهل هذه الشرائح لوظائف الحكم.
هذة المسارات الثلاث هى الاحساس الداهم  بالخطورة من تفكك كافة اطروحات الاسلام السياسى فى ارجاء البلاد الاسلامية سواء فى طبعتها الشيعية التى تئن تحت ضربات المقاومة الباسلة للشعب الايرانى وسقوط ولاية الفقية وطبعتها السنية فى  السودان وماضيها المشين وحاضرها المخزى من الفساد والاستبداد والتفريط فى الوطن. ان هذا هو منطق التاريخ الذى عكس نفسة فى التنظيم الام – ا لاخوان المسلمين المصرى – وتحولاتة العميقة من حزب الوسط، اعتذارة عن تعالية التاريخى ونشر اسطورة اكبر قوة ومحاولتة لاختطاف الثورة المصرية وما سنراة عند اختفاء القادة المتكلسين وهبوب رياح الديمقراطية. وليس بعيدا منة حزب النهضة التونسى الاكثر تاثرا بالاستنارة اما مستقبل هذة الاحزاب فنراة فى  حزب العدالة والتنمية في تركيا. هذة ليست تطورا من داخل هذة الاحزاب لكنها محاولة لتغيير الجلد للبقاء على قيد الحياة.
لكى نرى المؤتمر الشعبى خارج المنظومة القيمية الفاسدة واللا اخلاقية والمدمرة علية اولا الاعتذار العلنى عن المساهمة فى التخطيط والتنفيذ والمشاركة حتى عام 1999 ونحتاج لشهادات مقنعة  وراى واضح من الدستور المدنى الديمقراطى، الديمقراطية. لن يصدق شخص واحد عن النوايا الحسنة اذا لم يتم التخلى عن افكار الحاكمية والتكفير ومن ثم ارسال كتاب الاحكام السلطانية الى حيث ينتمى متحف التاريخ الطبيعى. اذا ارادوا ان يكونوا وسط الشعب عليهم تقديم سجل تاريخى كامل عن التامر والتضليل ووسائلة وطرقة واجراءتة التى مارسوها. هذا مهم لكى نتعلم كيف نخرج الورم السرطانى من جسد الديمقراطية السودانية.
قامت الاحزاب العقائدية فى ظروف المظالم العالمية والاستعمار ولكنها بدات فى التفكك بعد الحرب العالمية وبعد الاتفاق العالمى على مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والمنظومة الاخلاقية. لقد بقى من الاشتراكية اشواق العدالة الاجتماعية وسيبقى الاسلام اساسيا فى حياة الانسان والمجتمع ومنهلا للفضائل والاخلاق النبيلة والتوق للسمو الروحى والحاجة لقوة مدبرة وداعمة لضعف البشر. 
دور الخارج فى اجهاض الديمقراطية
يحتل السودان بوضعة الجيوبولوتيكى  موقعا استراتيجيا نادرا فى ربط افريقيا بالشمال الجغرافى، ولكن هناك فرق بين ان تكون فى موقع استراتيجى وان تلعب الدور المطلوب، لان هناك متطلبات للعب الدور لم تتوفر بعد فى السودان. وطوال الخمسة الف سنة كان السودان يلعب دورا فى التاثير على جوارة الشمال افريقى و الافريقى على حد سواء. المحاولات التى حاول فيها التقدم للعب دور فى محيطة الشمالى كانت عندما غزا بعانخى مصر واسس الاسرة الخامسة والعشرين لكن تصدت لة الجيوش الاشورية وابعدتة الى مناطقة الاصلية واثناء بعض فترات مملكة مروى كان الاغريق لهم ايضا بالمرصاد، وتصدت القوات البريطانية لمحاولة المهدية التقدم شمالا فى توشكى واخيرا محاولة الانقاذ دعم الحركات الاسلامية و انشاء الاميراطورية الاسلامية العربية والذى تصدت لة الدول العربية والاسلامية جمعاء.
هناك تهويلات فى الادب السياسى السودانى حول دور الامريكان و الاسرائيليين فى السياسة الداخلية السودانية، ولكن ليس هناك كثير من التحليل المنظم والموضوعى والمرتكز على الحقائق لطبيعة هذا الدور، حيثياتة وعلاقتة بالاستراتيجيات  الاقليمية او الكونية. ورغم ان توجة السودان ظل دوما فى اتجاة الشمال الا ان دورة هامشى و غير مؤثر فى العالم العربى ولايتصف التدخل فى شئونة باهمية كبرى فى التحولات التى جرت فى العالم العربى فى العقود الستة الاخيرة. ولايرد دور الخارج فى السودان فى الوثائق السرية او مذكرات الرؤساء المختلفين او وثائق اجهزة المخابرات- الا فيما ندر.
من الواضح ان السودان تعمد تهميشة واضعافة ولم يعتبر حقا من المنظومة العربية سواء من الناحية الاستراتيجية او الاقتصادية او حتى الثقافية و ظل فى المخيال العربى قضية استراتيجية لمصر وتابعا لها تقرر هى بشانة فى الغالب الاعم وذلك لاعتبارات مياة النيل و قضايا اقتصادية مستقبلية او مخزنا محتملا كسلة غذاء.  
ويبدو هذا جليا فى ورود السودان فى الصحافة والاعلام العربيين، فمواضيع السودان يتم تناولها من زاوية الازمات: ازمة سياسية، مجاعات، عمليات عسكرية، تمرد…الخ وليس هناك اى اشارة لاهمية السودان- اللهم الا بعض الكتابات المصرية فى مراكز الدراسات الاستراتيجية والتى تتعامل مع السودان دوما باستعلاء-. وحتى لدى الاستاذ محمد حسنين هيكل، اضخم عقول الاعلام العربي فى العقود الست الماضية- فلم يتناول السودان سوى فى شذرات قليلة، فى اكتوبر 1964، فى بداية انقلاب مايو 1969 ، وفى فقرة قصيرة فى كتابة “…..” وتعليق قصير حول احداث استشهاد الامام الهادى المهدى واخيرا فى استشراف المستقبل العربى فى قناة الجزيرة ديسمبر 2010 حول المستقبل المظلم للسودان. هذة هو ماجاء عن السودان فى مجموعة اصداراتة والتى تعتبر الاكبر عربيا، تعليقات فرعية ولا يعتبرها ضمن الفضاء العربى او مؤثرا استراتيجيا.
فى هذ الشان يهمنا مواقف اقليمية نظن انها كانت ذو اثر مباشر على ساسة السودان الذين لعبوا الادوار الرئيسية فى ازمات السودان ونعنى الموقف المصرى والسعودى والليبى.لابد ان نعلن هنا ان هذا تحليل صرف، فلاسف لا توجد ويكيليكس عربية ولا تقاليد نشر للوثائق – خاصة الاستخباراتية- فى هذا الجزء من الكون. والدور الاسرائيلى والامريكى والسوفياتى 
دور الخارج (محذوف)
جدلية الهوية الوطنية فى السودان ( لم يكتب بعد)
 سياسات التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد ( لم يكتب بعد)
الخدمات
العملية التعليمية فى خدمة الانقاذ
ورث السودان نظاما تعليميا كان محققا لاهدافة بشكل كفء منذ بدء تاسيسة من خلق طبقة من الصناع المهرة التى ليس لها وجود في ذلك الوقت:  نشر التعليم الذى يساعد في معرفة القواعد الأولية لجهاز الدولة ، وخاصة فيما يختص بعدالة وحيدة القضاء : تدريب طبقة لتشغل الوظائف الحكومية الصغرى في جهاز الادارة  وهناك هدف آخر غير معلن ، وهو العمل على تدريب السودانيين للعمل في الجيش. وقد تطور هذا النظام من داخلة عبر جملة من التجارب والاصلاحات وحسب الاحتياج الوطنى والوظيفى.
منذ الاستقلال وحتى الديكتاتورية الثانية (1969-1985) كان التطور بطيئا وفى الغالب كميا وان ان لم يحدث التوسع المطلوب ولكن الاهتمام ظل على النوعية الجيدة وعلى تطوير كافة مكونات العملية التعليمية من المعلمين والمنهج والطلاب والبيئة المدرسية. وقد طرحت ثورة اكتوبر ضمن مطالبها استقلال جامعة الخرطوم ولكن لم تتجاوز ذلك السقف كجزء من التنمية المطلوبة لبناء الدولة السودانية الحديثة وازالة مظاهر التهميش. ويرد كثيرا فى تحليل ذلك ان الاحزاب الطائفية الليبرالية كانت تتعمد ذلك خاصة فى مناطق نفوذها فى المناطق المهمشة لعلمها بان التعليم ربما يؤدى الى انفكاك المريدين من حولها. ولاننى لا اجد ادلة فى هذا النقد الدارج، ارجعة الى افتقاد هذة الاحزاب لرؤية شاملة لبناء الوطن وغياب العقد السياسى الاجتماعى لمسار تطور الوطن.
عندما تولت الديكتاتورية الثانية (1969-1985) طرحت استراتيجيات تغييرالمناهج التعليمية للعمل على الاجيال المستقبلية. ويمكن تلمس هذة الاستراتيجية فى حول البرنامج وحددها: المحو التام للامية فى البلاد عن طريق الجهود الشعبية وتوسيع قاعدة التعليم النظامى، تغيير مناهج التعليم النظامى التركيز على التعليم العام، تعليم صناعى وزراعى، الانفتاح على الثقافات العالمية، البحث العلمى (عبد الخالق محجوب: حول البرنامج).
وفى عام 1969 م عقد أول مؤتمر قومى جامع لمناقشة قضايا التعليم ويوضح البرفيسور فاروق محمد ابراهيم ” تقدمت بورقة من اجل تغيير السلم التعليمى فى السودان و ليس بالصورة التى نفذها الدكتور محى الدين صابر انما كان المقترح يهدف الى ان يمتد التعليمى الابتدائى من اربعة سنوات الى ست سنوات اذا كان السودان فعلا ساعى الى عملية التنمية و الهدف الاساسى منها ان الفاقد التربوى بعد التعليم الابتدائى كان كبيرا و هولاء سوف يذهبوا مباشرة الى سوق العمل و رايت انه من الافضل للطلبة الذين سوف يكملون تعليمهم الابتدائى يكونوا قادرين على الكتابة و القراة التى تؤهلهم فى حياتهم كما يكونون اكثر الماما بمداخل العلوم الاخرى وقال ان الورقة كذلك اهتمت بالتعليم الفنى الذى يمثل عصب التنمية  “. (زين العابدين صالح عبد الرحمن: مصطفى البطل و النظام التعليمى فى السودان، Dec 19, 2009, 21:01 كوم Sudaneseonline.com )
ورغم ان أهم توصيات المؤتمر تغيير السلم التعليمى ليصبح (8 – 4) وتحديد أهداف التعليم والتوصية ببناء مناهج تخدم تلك الاهداف. إلا ان المغفور لة الدكتور محى الدين صابر ، ممثل دائرة السكوت والمحس ومن ثم الوزير فى الديكتاتورية الثانية (1969-1985) لم يتبنّ توصية المؤتمر فيما يتعلق بالسلم التعليمى وفضل عليها توصية وزارء التربية العرب الذي حدد السلم التعليمى للدول العربية ليصبــح (6 – 3 – 3).ويسرد المغفور لة محمد توفيق احمد الذى كان مدرسا  فى بداية حياته الوظيفية و احد المعارضيين لتغيير السلم التعليمى  “ان تغيير السلم التعليمى قد اضر بالعملية التعليمية فى السودان تماما لان مناهج بخت الرضا كانت تستوعب البيئة السودانية و خصوصية التنوع فى السودان كما ان المقولات التى تحاول ان تبرر افعالها الايديولوجية الخطأ بشماعة الاستعمار قد اثبت التاريخ انها كانت على خطأ و لكن مشكلة النخبة السياسية السودانية انها لم تتعلم طوال حياتها على ان تعترف بالخطأ حتى اذا ادى الى انهيار الوطن كله و قال ان قضية تغيير السلم التعليمى فى السودان ليس من بنات افكار الدكتورمحى الدين صابر رغم انه بطلها و قد كان منفذا لها و لكن الورقة التى قدمت فى المؤتمر قدمتها الدكتورة سعاد ابراهيم احمد”.(زين العابدين صالح عبد الرحمن: مصطفى البطل و النظام التعليمى فى السودان،
Dec 19, 2009, 21:01 كوم Sudaneseonline.com )
وقد تناول المعلـم بالمعـاش مكي حنفي مصطفى فى سدانايل التغييرات التى حدثت بالتعليم فى ذلك العهد وقدم لها افضل نقد قراتة فرغم ان للنظامين عدة ميزات وسلبيات، الا انة يرى ان  نظام (6 – 3 – 3) افضل فى حال السودان ولكن التغيير انذاك لم يعالج الفاقد التربوي، بل فقط أجَّله لعامين بحصيلة من المعرفة لا تسمن و لا تغني من جوع وكان قد اقترح المعلمون بدلاً عن قيام السلم السداسي أن يستثمر المال المرصود لذلك للتوسع في المدارس المتوسطة و الثانوية فذلك أجدى لأنه يقلص الفاقد التربوي. وحدث تجني على المساحات المقدرة تربوياً لمارسة النشاط كجزء هام و مكمل للعملية التربوية. ويوضح ان المشروع نُفذ على عجل وتسلم كل مدرب منهجاً مختذلاً مرتجلاً لتنفيذه وامرت المدارس ببناء الصف الخامس دون أدنى التزام مالي من الحكومة. (مكي حنفي مصطفى: قصة السلم التعليمي: الإثنين, 20 كانون1/ديسمبر 2010
http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=21925:—2—–&catid=34:2008-05-19-17-14-27&Itemid=55
الا ان التغيير الاساسى السلبى تماما والذى حول نظام التعليم السودانى من  نظام منضبط يقوم على المعايير القياسية فى اعداد المعلمين فى المعاهد المتخصصة والمعدة لذلك و تتم مراجعة المناهج المبنية على احدث التطورات العلمية:” أن معلم المرحلة الإبتدائية خريج معاهد التربية، قد أُعِد لفهم مرحلة الطفولة الأولى بما تشمله من العادات و الطبائع و الغرائز و الطاقة الفائضة و الحركة الدائبة و الخيال الحر و غير ذلك ليشبع للطفل كل ذلك، و لم يقف على أكثر من ذلك بما يعينه على التعامل مع التلميذ عندما يتعدى مرحلة الطفولة الأولى و يكبر”. ان التغيير المدمر جاء فى تحويل التعليم من عملية بناء القدرات والمهارات ومن تقوية التفكير النقدى والمستقل والقائم على العقلانية والعلم الى نظام يقوم على الحفظ والتلقين والحشو والذى اشار الية الاستاذ مصطفى عبد العزيز البطل ” قام وزير التربية محى الدين صابر بالغاء النظام التعليمى ليدخل نظاما جديدا يحتذى خطى النظام التعليمى المصرى هيكلا و منهجا”  ( جريدة الاحداث : فى مظاهر الخمول العقلى و جدب الخيال: الذى نشر بتاريخ 9\12\2009 )
عندما امتطى الاسلام السياسى السلطة ورغم ان الخط العام يقوم على السيطرة على المجتمع وتنميطة، الا ان التنفيذ كان عشوائيا ودعائيا ومظهريا. ولم يكن غريبا ان يتبنوا نظام (8 – 4) والذى كان موضع نقد من كثير من الباحثين التربويين. ليس هذا فحسب فقد تم حذف سنة من المرحلة الثانية ليصبح المجموع 11 سنة. وفى عام 2010 عقدت ورشة عمل حول مستقبل التعليم في السودان بالمركز القومي للمناهج والبحوث في بخت الرضا بمدينة الدويم وشارك في الورشة عدد من خبراء التعليم بالسودان واوصت الورشة باضافة عام دراسي للمرحلة الثانوية لتصبح اربع سنوات بدلاً عن نظام الثلاث سنوات الساري، بجانب تقسيم مرحلة الاساس «ثماني سنوات»، لمستويين أول وثانٍ بموجب اربع سنوات لكل. واود ان اضيف هنا ان اهم مافى الموضوع ليس السنوات فقط، اذ قد اختلف الوضع تماما وانتشرت المدارس اصبح المطلوب ليس انقاص الفاقد التربوى (وتقول بعض التقارير أن ّ فجوة التعليم العام بلغت 70% وأن فجوة الاستيعاب في القبول للمرحلة الثانوية بلغت 31% ) ولكن  علاج القضايا المستعصية التى تؤدى لذلك.
مدخلنا الى هذة القضية الخروج من اسار اعادة هيكلة الاقتصاديات ووصفات البنك الدولي حول تكلفة الخدمات الاجتماعية وان تعود الخدمات الاساسية التعليم والصحة جزءا من المسئولية الاجتماعية للدولة ورفع المخصصات الى 10% من الناتج الاجمالى القومى.
سال حبر كثير حول التعليم وعقدت المؤتمرات وورش العمل ولكن يرتبط كل ذلك بالالتزام السياسى المفقود فى ظل الاوضاع السائدة. قضايا التعليم واضحة ومباشرة يحسها كل مواطن وتحتاج لعقد سياسى ملتزم ضمن عملية التحول الديمقراطى بتطوير كافة مكونات العملية التعليمية من المعلمين (الاعداد، التدريب المستمر، تحسين الاجور وتوفير معينات التدريس) والمنهج ( مناهج قائمة على حل المشاكل، مشاركة المعلمين والخبراء، التوسع فى التعليم الفنى والزراعى والتقنى التدريب، ادخال التقنيات الحديثة فى العملية التعليمية المراجعة والتحديث) والطلاب (التعليم المجانى فى التعليم ما قبل الجامعى، توفير الادراج والكراسى و توفير الكتب) والبيئة المدرسية ( النماذج المعتمدة فى مبانى المدرسة، الانشطة خارج المنهج، ديمقراطية العمل الطلابى فى المراحل الثانوية وحرية التعبير)
كان من اول الميادين التى اراد الانقاذ اختراقها التعليم العالى، فهذا الميدان هو مصادر القلق و التهييج والاحتجاجات  فابتدع النظام فى بداياتة ماسمى بثورة التعليم العالي (وكان الاهداف المعلنة: التأصيل النابع من المعتقدات والموروثات الاسلامية العربية والافريقية. أسلمة المعرفة واعداد قيادات فكرية مؤمنة بربها ومتمسكة بعقيدتها وتراثها الحضاري، ووضع برنامج للتعريب وادخال مقررات في الثقافة الاسلامية واللغة العربية في كل الكليات، مضاعفة القبول في الجامعة الحكومية، تشجيع قيام جامعات جديدة تحت شعار جامعة لكل ولاية، الغاء نظام السكن والاعاشة المجاني وفرض رسوم مالية عليها، تشجيع البحث العلمي، والنشر وتوجيه برامج التدريس والبحث للاهتمام بالبيئة المحلية وحاجات المجتمع واعتماد اللغة العربية لغة التدريس في مؤسسات التعليم العالي) .
ولكن الثورة فى حقيقتها كانت خاوية من البرامج المدروسة او المبرمجة، سوى الرغبة الكاسحة فى اكتساب النجاحات السريعة فتمخضت عن توسع عشوائي للتعليم العالى فى ناحيتة الكمية بدون اى اهتمام بالنوعية او متطلبات العملية نفسها من هيئة التدريس المؤهلة والمدربة على التعليم، المختبرات والمعامل ، المكتبات سكن هيئة التدريس والطلاب والحرم الجامعي للنشاطات و الملاعب والمسارح والقاعات… الخ. ترافق مع ذلك التخلص من الخصوم ومحاصرتهم  وتمزيق اوصال الاساتذة والذين تعرضوا لاكبر عملية تشريد واحالة الى الصالح العام بعد القوات النظامية والى الاحلال العشوائى بعناصر موالية ولكن عديمة الموضوعية وتغليب المصلحة التعليمية.
قانونيا اصدر قانون تنظيم التعليم العالي لعام 1990م لسيطرة الحكومة على مؤسسات التعليم العالي فمنح وزير التعليم العالي والبحث العلمي صلاحيات واسعة لاخضاع مؤسسات التعليم العالي لاشرافه المباشر وله سلطة الاشراف على كل التعينيات الادارية والاكاديمية بالجامعات واخضع المجلس القومي للتعليم العالي لسلطة رأس الدولة بل اصبح لوزير التعليم العالي سلطة تحديد الاعداد المخططة للقبول مع تشاورغير ملزم مع ادارات الجامعات، وهو عملياً غير عابئ بالامكانيات العقلية المتوافرة لتلك الجامعات (البروفيسور محمد الأمين التوم في ورقة أعدها حول تنظيم التعليم العالي في السودان لمؤتمر(مستقبل التعليم العالي في السودان) الذي نظمته رابطة الاكاديميين السودانيين في القاهرة 1998م).
اثارت السياسة التى تبنتها الانقاذ الى المقاومة والنقد حتى من الذين كانوا بدا مع هذة الثورة فدكتور مامون حميدة كتب في صحيفة الانقاذ الحكومية بتاريخ 21 مارس 1994م يقول أصبح ماثلاً للعيان ان ما قصد به تفجير ثورة التعليم العالي لا يعدو ان يكون مجرد معاول هدم لا تبقى ولا تذر من موروثات هذه الامة من جامعات ومعاهد عليا يشهد لها بالتمييز وانة اذا استمرت هجرة الاساتذة على هذا المنوال فاننا نجد انفسنا في وضع لا يمكن تلافيه وسنضطر لان نستعين بطلبة السنوات النهائية في الجامعة لتدريس اخوانهم بالسنوات الاولى. (جريدة الايام : قراءة في واقع التعليم العالي..هل يعمل لاعداد قادة المستقبل؟ العدد رقم: الاربعاء العدد 9170 2008-07-29)
ربما كانت اول محاولة للنظر فى اوضاع التعليم العالى “عندما تمت اقالة وزير التعليم العالي د. ابراهيم احمد عمر، وعُين احد اساتذة جامعة الخرطوم من غير المنتمين لحزب الانقاذ الدكتور عبد الوهاب عبد الرحيم  بدلاً عنه، وكانت المهمة الاولى التي اضطلع بها الوزير وبموافقة من الحكومة ان قام بتعيين لجنة من كبار الاساتذة برئاسة الدكتور مدثر التنقاري عام 1996 كلفها بدراسة الاوضاع الاكاديمية والمالية والهياكل التحتية وتجهيزاتها بالجامعات الجديدة، كما تم تكليف لجنة مماثلة لنفس المهمة  للنظر في أوضاع الجامعات الاهلية والخاصة، وحينما اصدرت اللجنة تقريرها في نوفمبر من ذات العام قام الوزير بتقديم خلاصة من التقرير للمجلس الوطني،واعلنت اللجنة عن مؤتمر صحفي في اليوم الثاني من ديسمبر لعرض خلاصة التقرير. غير ان المدعوين فوجئوا بمحاصرة القاعة المعدة للمؤتمر والغائه بواسطة الاجهزة الأمنية التي قامت بمصادرة نسخ التقرير منهم، وأُعلن في اليوم التالي عن اعادة تعيين الوزير السابق الدكتور ابراهيم احمد عمر وزيراً للتعليم العالي. ويوضح ذلك مدى حساسية الانقاذ تجاه نقد سياسة التعليم العالي تلك المرتبطة بالتمكين الإيديولوجي لسلطتها.” (جريدة الايام : قراءة في واقع التعليم العالي..هل يعمل لاعداد قادة المستقبل؟ العدد رقم: الاربعاء العدد 9170 2008-07-29)
فماذا قال التقرير ” اشار التقرير للعجز في تمويل الجامعات. كما أُشار التقرير إلى وضعية الاساتذة مبيناً ان هناك من منح مرتبة علمية تفوق تأهيله وعطاءه، وهنالك كثير من حديثي التأهيل بدرجات الماجستير والبكالريوس قد أُسندت اليهم مهام ادارية على مستوى رئاسة الاقسام وعمادات الكليات، بل وكُلف البعض ممن لم تتوفر فيهم خبرة سابقة بمهام اكاديمية او ادارية قيادية على مستوى رئاسة الجامعات. واشار التقرير الى ان شروط خدمة الاساتذة محبطة وطاردة ومتدنية مقارنة بشروط خدمة فئات اجتماعية اخرى. كما تطرق التقرير لسكن الطلاب في الجامعات فاشار الى ان السكن وباستثناء وجود مستويات جيدة في عدد قليل من الجامعات، إلا أنه معظمه عبارة عن عنابر سكنية او فصول بالمدارس المتوسطة او الثانوية تم تجفيفها مع ازدحام الطلاب في العنابر، في وجود بيئة سكن غير صالحة مع الافتقار للاشراف التربوي، كما تعاني معظم الجامعات الجديدة من نقص كبير في الكتب المنهجية والمراجع والدوريات كما ونوعاً. اما البحث العلمي فلقد اشار التقرير الى ان الجانب البحثي أُسقط من حسابات كل الجامعات الجديدة وأن المعامل البحثية لا وجود لها في هذه الجامعات ناهيك عن تجهيزاتها. (جريدة الايام : قراءة في واقع التعليم العالي..هل يعمل لاعداد قادة المستقبل؟ العدد رقم: الاربعاء العدد 9170 2008-07-29)
انتقد البروفسير عبد الرحيم سياسة الإنقاذ التي قضت بتخفيض موازنة التعليم. ومع ذلك فإن الموازنة المحدودة التي تم تقريرها لم تذهب كاملة للادارات الجامعية والأسوأ من ذلك كان إلغاء الحكومة ميزانيات التنمية في الجامعات كافة باستثناء اثنتين منها. وتعمقت أزمة التعليم العالي أكثر مع فشل الجامعات في الحصول علي مساعدات عامة لمواجهة الذeصور الذي يسببه ضعف الإنفاق الحكومي عليها.( مأزق التعليم العالي 
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=150&msg=1199519243
وانتهت الثورة التعليمية الى ما وصفة الوزير والمواطن السابق  الدكتور بيتر أدوك؟ الذي نشرته صحيفة الرأي العام في عددها رقم 22481 الصادر في 20 أكتوبر 2008م، والذي يقضي بأن “ثورة التعليم دفعت بطلاب قليلي الفائدة” الخريج غير قابل للتوظيف في الداخل أو الخارج”. “إن بعض الجامعات تفتقر إلى مقار خاصة بها،… كثير منها لا يملك قاعات، ومكتبات، ومعامل مناسبة، وأماكن سكن لطلابها، بجانب عدم وجود أعضاء هيئة تدريس بالقدر الكافي”. الحصيله “تخريج مجموعة من الطلاب بدرجات علمية قليلة الفائدة، ومشكوك في قيمتها الأكاديمية”. اما المستوى بترتيب الجامعات السودانية في قائمة التقويم العالمي للجامعات لعام 2008م، فقد حصلت جامعة الخرطوم على المرتبة (41) في قائمة الجامعات الإفريقية، والمرتبة (51) في قائمة الجامعات العربية، وعلى المستوى العالمي حصلت على المرتبة (6213)، وتليها في الترتيب جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا التي حصلت على المرتبة (57) في قائمة الجامعات الإفريقية، والمرتبة (68) في قائمة الجامعات العربية، وعلى المستوى العالمي حصلت على المرتبة (7198). أما بقية الجامعات السودانية والبالغ عددها 26 جامعة لم تكن ضمن المئة الأولى من الجامعات الإفريقية أو العربية، ولا ضمن العشرة ألف جامعة الأولى في العالم (المصدر: World Universities’ Ranking: http://www.webometrics.info). علماً بأن جامعة الخرطوم كانت حتى منتصف الثمانينيات في قائمة أحسن عشر جامعات في العالم العربي وإفريقيا. (د. أحمد إبراهيم أبوشوك:  التعليم العالي في السودان: الثورة والواقع؟ www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4945)
عندما قارب الانقاذ قضية التعليم كانوا قد جاءوا لها وفى جعبتهم الكثير فقد كان ميدان التعليم  احد اهم الميادين التى حاولوا السيطرة عليها وتجنيد الطلاب فى المدارس الثانوية ثم كافة انواع الهيمنة لحسم الصراع ضد القوى المخالفة لهم وتاهيل الاتباع الذين سوف تبتعثهم للكلية الحربية اوتسيطر بهم على اتحادات الجامعات. ولكن عندما امتطوا السلطة ورغم ان الخط العام يقوم على السيطرة على المجتمع وتنميطة، الا ان التنفيذ كان عشوائيا ودعائيا ومظهريا. ولم يكن غريبا ان يتبنوا نظام (8 – 4) والذى كان موضع نقد من كثير من الباحثين التربويين. ليس هذا فحسب فقد تم حذف سنة من المرحلة الثانية ليصبح المجموع 11 سنة.
فى المستوى الاخر فقد استهدف النظام المشاركة السياسية للطلاب والجامعات وتبنى  السياسات التى تخرج هذا المجال الحيوى، الفعال والنشط الذى فجر ثلاثة تحركات مهمة منذ مؤتمر الخريحين وثورة اكتوبر الذى كان احد قوادها الدكتور حسن الترابى وانتفاضة ابريل التى اخرجت الاسلام السياسى من المعتقلات. ولذلك فانهم كانوا يعلمون بالضبط كيف يسيطرون ويرسمون تحجيم هذا القطاع وتحييدة وتحويلة الى جزء خامد ومقيد ومغيب وكانوا فى هذا ضد المنطق التاريخى والاجتماعى  وسنن الكون. وادى انسداد الافق والتضيق والتعذيب والقتل وتزوير انتخاباتهم وتزييف ارادتهم الى الخروج من اسر الاعتقال الفكرى للنظام وسيشكلون العامل المهم فى الشارع الذى سيفضى بنا الى سودان المستقبل.       
هذا الجزء لم يكتمل بعد
قضايا معلقة
فى 30 بونيو 1989 استطاعت الجبهة الاسلامية القومية السيطرة علي مقاليد السلطة في السودان. انقلاب كان الجميع علي علم به. هذة قضية لم تنتهى حتى الان فقادة الاحزاب الذين كانوا انذاك فى الحكم وعلموا بالانقلاب بناء على ما اورد مواطنيين سودانيين فى بيانات منشورة لم يوضحوا اى شىء مفيد حتى الان. ان على قادة الاحزاب، خاصة الامة والشيوعى والاتحادى ان لا يتعالوا على ابناء الشعب الذى هو اساس كل الاحزاب والذى دفع الثمن من حياتة وكرامتة وصحتة وتعليمة وكذلك ثمن اخطائهم ويشرحوا بشكل واضح عن كل المعلومات التى كانت بحوزة هذة الاحزاب ولماذا فشلت فى استنهاض الجماهير لتمنع قيام هذ الانقلاب المشئوم.
هيئة القيادة للقوات المسلحة السودانية واستخباراتها ومكتب القائد العام عليها مسئولية تاريخية فى توضيح كيف ان مدير مكتب القائد العام السيد سيد الحسينى كان خائنا للثقة والوطن وباع خطط القيادة للجبهة الاسلامية ولماذا استسلم قادة القوات المسلحة السودانية، الذين قدموا مذكرة التى كادت ان تعيد الوطن الى مساراتة ولكنهم لم يحموا نتاج ما ابدعوة، وهم الذين اقسموا على حماية الدستور. لقد بحثت فى الكتب القيمة التى الفها جمع من العسكريين علنى اجد تفسيرا وتوضيحا ولكنى لم اجد سوى ما اعرفة مسبقا.
جهاز امن السودان بنى على انقاض جهاز امن الدولة الذى طالبت الجماهير بحلة وقد كان من المفترض ان يضم افضل واشرف ابناء الشعب ولكن فوجئنا بان نائب رئيس امن السودان  السيد ابراهيم ادم نايل كان من المتامرين على الحكومة الديمقراطية شارك بعدها فى لجنة الامن والعمليات وهـي اللجنة الأمنية التي حكمت البلاد خلال السنوات الاولي للانقاذ بالحـديد والنار وبيوت الاشباح  والمعتقلات. يورد الاستاذ حيدر طة ” ولم تكن تحركات الجبهة الاسلامية كلها بعيدة عن الرصد، فقد قام جهاز الامن الداخلى بمراقبة منزل ربيع حسن احمد اثناء اجتماع المكتب التنفيذى وهيئة الشورى للجبهة فى25يونيو، ولان الاجتماع لم يكن يشبه الاجتماعات العادية ، فقد ضاعفت قيادة الجبهة اجراءات الامن وتامين الاجتماع . وبالمقابل زادت هذه الاجراءات من فضول ضباط جهاز الامن الذين ظلوا يراقبون الحركة الداخلة والخارجة من المنزل. ومن المصادفات العجيبة ان يمر عبدالرحمن فرح رئيس جهاز امن السودان فى ساعة متاخرة من الليل بافراد جهاز الامن وهو فى طريقه الى منزله بالمنشية، وحرص احد هولاء الضباط على اطلاعه على مهمتهم وتنويره بما يجرى فى هذا الاجتماع المصيرى. فى هذا الحوار قال الضابط وهو برتبة نقيب امن لرئيسه: ياريس نحن نقوم الان برصد اجتماع هام لقيادات الجبهة الاسلامية فى منزل ربيع حسن احمد، وعلى الفور ساله رئيس الجهاز: وماهى الاسباب من وراء هذا الرصد…؟ اجاب النقيب: سعادتك …. هولاء يرتبون لشىء ما…. اعتقد انه انقلاب، وقد وزعت القوة لمعرفة مايدور ولمتابعة الامر.  وضحك عبدالرحمن فرح وقال باستخفاف : الجماعة ديل يعملوا انقلاب…؟ وقال للنقيب انتو مشغولين بالكلام الفارغ ، عينكم للمايويين متحركين وبيعملوا فى انقلابات ، وانتو ترصدوا فى ناس الجبهة ديل… وطلب رئيس الجهاز فى هذا الحوار القصير من ضابط امنه ان ينهوا هذه المهمة ويعودوا الى اشغالهم ويهتموا بالمايويين ” (الاخوان والعسكر: قصة الجبهة القومية والسلطة فى السودان، مركز الحضارة العربية للاعلام والنشر، يناير 1993 ). فماذا يقول اللواء معاش عبدالرحمن فرح لاخر لحظة 8/7/2007 “ـ أبدأ وأقول إنه في يوم 28و 29 و30/6/1989م كنا نرصد ونحن في جهاز أمن السودان عدداً من الجهات والحركات التي كانت تنوي الانقضاض على الوضع الديمقراطي،.. وتعود بي الذاكرة هنا إلى أشهر أبريل ومارس من ذات العام، وذلك عند تقديم جهاز الأمن الذي كنت في قيادته لمذكرة ضافية تشير إلى ما هو حادث وما هو متوقع، وذلك لكل من السلطة التنفيذية برئاسة السيد الصادق المهدي والحزب المشارك في السلطة برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني وأذكر أنني قد سلمتهما معاً مذكرة يوم 10 أبريل 1989م أشير فيها إلى حقائق معينة. في 28 و29/6/1989م كانت هناك حركة تسابقية، لأننا كنا قد رصدنا أربع حركات تتسابق نحو الإنقلاب، وكنا نعلمها ونرصدها بل ونعلم تفاصيل اجتماعاتها، وحتي الأفراد المشاركين في جلساتها.. ولكن لم تكن لنا يد أو تمكين أو سلطة تخوِّل لنا اعتقالهم أو متابعتهم وملاحقتهم إلا ما نقدمه من معلومات للجهات المسؤولة”. على حزب الامة مسئولية تقديم شرح واضح لما قالة السيد عبد الرحمن فرح – رئيس جهاز امن السودان ابان الفترة الديمقراطية- وان يوضحوا للشعب السودانى هل هناك ما لا نعرفة ام ان المسالة قلة كفاءة وعجز فى القدرات لاختيار تم على اساس الثقة فى نظام ديمقراطى من المفترض ان يتم على اسس واضحة.
ان هذا لابد ان ينجز اذا كان لدينا اى امل فى ان ننجز اى تحول مفيد فى الحياة السودانية، لقد مل الشعب السودانى فقدان الشفافية فى الحياة السياسية واسلوب المؤامرة وعدم الثقة فى كفاءة هذا الشعب وقدرتة على التمييز والحكم السليم. هذا الجزء لم يكتمل بعد
الطريق الى المستقبل: اين كان الخطا
المثقفين
ان السودان كان من اوائل الدول التى انتظمت فى كافة المنظمات الاقليمية والدولية  ويكاد ان يكون موقعا على كافة المواثيق الدولية. اضافة لذلك فقد كانت الكفاءات السودانية من اوائل الملتحقين بهذة المنظمات ويشغلون فيها مراكزا هامة ومسئوليات رفيعة واكتسبوا خبرات كبيرة فى مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية. ولم يكن هذا مستغربا فقد كانوا نتاج نظام تعليمى مثل انذاك افضل النظم والتى كانت تنتج افضل العقول وتسلحهم بالوسائل التحليلية واسس الملاحظة والاستنتاج والتفكير المنطقى العلمى. وقد كانت تسند ذلك النظام معاهد اعداد المعلمين و معهد بخت الرضا و وضع اليات تطوير المناهج لتساعد الطالب على  كيفية فحص وتمحيص الواقع ومن ثم استنباط الخيارات المتاحة ورسم اتجاهات السياسة وصياغة الاستراتيجيات ، الى وضع الخطط التفصيلية وتحديثها. وقد واصلت اجيال ما بعد الاستقلال فى المحافظة على مراكزالبحث العلمى وتطويرها وتحديث الخدمة المدنية وحتى مراكز صيانة الاجهزة والمعدات والمركبات و القاطرات. طويل هذا السفر العظيم الذى تناول  كافة جوانب الحياة المادية فى السودان ومثلت مطبوعة السودان فى تقارير ومدونات الذى ظهرت اول اعدادة عام 1918 وتقاريرالاداريين ومجلدات التسليم والتسلم التى كانت جزءا من انشطة الخدمة المدنية كوسائل لنقل الخبرة بين الاجيال المتعاقبة وعند توجههم الى دول الخليج وليبيا ودول عربية وافريقية اخرى وقد اوصى البريطانيون بهم كل الدول التى كانت تحت سيادتهم للاستعانة بالسودانيين فى التعليم وشئون الخدمات الاخرى.
هى طبيعة قديمة للسودانيين فى الانفتاح على كافة التجارب الاقليمية والعالمية (منذ دولة كوش، نبتة، مروى والعلاقة مع بابا روما كامثلة فقط وربما تجدر الاشارة هنا الى وجود بعض الاحياء فى بعض المدن باسم كوريا من تاثير الحرب الكورية واقنراح عثمات شيخ الدين بن الخليفة عبداللة برفع العلم الفرنسى لايقاف الغزة البريطانى المصرى)  والتى قادت الى التطور المذهل فى مختلف دول العالم من اسيا الى امريكا الجنوبية وعدد قليل من الدول الافريقية ودول الخليج.
هناك عوامل تدخلت وحالت بين ان تطبع هذة التقاليد العلمية و الثقافية طرائق تطور الدولة السودانية على المستوى السياسى والتنموى اذ تميزت العلاقة بين جهاز الدولة السياسى والتنفيذى بقطيعة سببها هيمنة الطوائف و الطرق الصوفية والمشائخ على الشارع السياسى منذ الاربعينات.
استطاعت الطبقة المتعلمة والذين انتظموا فى مؤتمر الخريجين النظر الى مشكلات بلادهم فى اجواء تشاورية – بالضد من مجتمعهم الابوى- وبالتفاعل الحى والخلاق مع كل المجموعات المدينية والريفية المستنيرة الى صياغة برنامج عمل علمية ، فبعد ان شخصوا المشكلة ودرسوها بعمق وتوفروا على الملاحظة والحوار والتواصل مع قواعدهم استطاعوا التوصل لاستراتيجيات فعالة لبدء النهوض الوطنى فى مجالات مختلفة – لا يعنى هذا ان نظرتهم لم تكن لحد ما قاصرة ولكن كان هذا حد القدرة المعرفية والبيئة المتاحة.
استطاع مؤتمر الخريجين الخروج ببرامج عمل ذات تدخلات واضحة ورصدوا الاثار التى ستترتب على تطبيقها ولكن فى تطور الصراع داخل المؤتمر وتدخل الطوائف فى شئونهم فضل جزء من المثقفين وكان هذا العجز دفع بعض افرادهم للالتجاء لهذة القوى ذات القاعدة التنظيمية الهائلة مجدولة بالولاء المطلق والحشد والتاييد للامام او السيد عند رغبتها فى ولوج ساحة العمل السياسى. وعمل هؤلاء كمستشاريين يقدمون خبرتهم فى شكل دراسات و تحديد الاولويات ولكن كان ما يتخذ من قرارات سياسية صادما لهم فهى تفتقد الناظم الرؤيوى او الاستراتيجى. ولان البرامج السياسية هى عمليا عملية اختيار من بين عدة خيارات ولها احيانا اثمان قاسية لابد من دفعها فقد فضلوا احيانا ان “يلبدوا” بجوار الزعيم الدينى ليقرر بالنيابة عنهم ليستعمل اساليبة فى اقناع الجموع، وبالتالى فقدوا فرصة ان يراكموا تجارب عملية تقود تقود لصياغات ورؤى مستقبلية.
انحاز الجزء الاكبر من تكوينات المثقفين الى الاحزاب الاتحادية وقد جاءوا الية  تتويجا لتراث طويل من المعوقات والتطور الناقص – واستعمل هذا التعبير كما جاء فى مقال د. حيدر ابراهيم : ” هنا يمكن أن نلاحظ الطابع الانشطاري الذي اتسم به السودانيون. فرغم ان الدين يعتبر _ في الغالب ــ عاملا للوحدة، الا ان السودان كانت فيه اكثر من دولة مسيحية. ومع دخول العرب، جاء النظام القبلي والذي حدد العلاقات الاجتماعية وشكل المجتمع حتى الآن”. ” غياب الدولة المركزية والمجتمع المستقر الذي يمهد لقيام مثل هذه الدولة. لذلك يمكن القول بأن شروط قيام الفكر والثقافة غابت خلال تاريخ السودان. ولم يحدث أي تراكم تاريخي للفكر والثقافة يمكن أن يترك في تربته بذور التنوير. فالسودانيون لم يستقروا لكي يزرعوا أو يكتبوا. وظلوا في جل تاريخهم قبائل بدوية متحركة وراء «الماء والكلأ» كما تقول الكتب المدرسية. (د. حيدر إبراهيم علي:  المثقف السوداني من كفاح جيل إلى موت دنيا 
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-2272.htm ) الذى وضح فى انتاجهم الفكرى والثقافى الضئيل على طوال تاريخهم المكتوب منذ الدولة النوبية. واميل الى ان اعد اول محاولة للانتاج الفكرى المنظم بعد مساهمات الامام محمد احمد المهدى الى العام 1919م حيث صدرت أول صحيفة سودانية هي (حضارة السودان) وكان صاحب امتيازها السيد عبد الرحمن المهدي واخرون واختير الصحفي حسين شريف رئيساً للتحرير.
جاء هؤلاء المتعلمين والمثقفين من رحم منغمس فى القبلية والطوائف الصوفية، خريجى نظام تعليمى صممة البريطانيون حديث ولكن حساس تجاة ثقافة السودان الوسط المتائرة اساسا بالسلام الشعبى والتراث الثقافى الشفاهى الغنى بالمورثات والتقاليد الافريقية. كان هذا الجيل الذى خاض تجربة التظيمات السياسية والعسكرية فى النضال ضد المستعمر. جاءوا جميعا وكانوا يتهيئون لقيادة البلاد وكانوا يرونها طبيعية بحكم علمهم وخبرتهم والتى كانوا يرون مثالها فى قدرة مجموعة متعلمة ومنظمة مثل المستعمر البريطانى فى توجية دفة الحياة فى البلد.
وعندما حدث الاستقلال جاءوا وهم يحملون كافة اوشابهم وتراث مجتمعاتهم ولم يواكب هذا النزوع لتجاوز التكوينات التى تشد المثقف نحو دوائر تحاصرة و تقعد بة من القبلية، الطائفية، العرقية، الجهوية والدين وكما يرى د.صبري محمد خليل/ استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم انهم انتقلوا إلى مرحلة التغيير السياسي دون ان اكتمال إنجاز مرحلة التغيير الفكري، “لان المثقفين السودانيين لم يؤدوا دورهم الاساسى، وهو انجاز التغيير الفكرى سلبا بمحاربة التفكير البدعى شبه الخرافي وشبه الاسطوري ، وايجابا بانتاج ونشر التفكير الاجتهادي العلمي والعقلاني.” (د.صبري محمد خليل: عن المظاهر السلبيه للمثقفين السودانيين الراكوبة). فماذا كانت الاجندة التى كانت تنتظرهم.
كل هذة الدوائر هى حقائق موضوعية فى كل العالم و هنلك تجارب متعددة فى التخفيف من اثارها وكيفية التعامل معها،. تناولنا هنا قضية الدين واثرة وتاثيراتة وتطورها التاريخى و السياسى وسنتناول كل هذة القضايا فى مجالاتها فى كل فصل.
لربما كان من احد اخطاء القوى المدنية والمستنيرة  انها ربطت بشكل لا يمكن تبين فواصلها بين قضية فصل الدين عن الدولة او الدين عن السياسة وبنت دعاويها و اسست قضيتها على التنوع العرقى والثقافى والدينى ووجود اقلية كبيرة غير مسلمة و  و الاحتماء وراء رفض الجنوبيون للشريعة وكل الاطروحات التى دارت فى هذا الفلك وهى الغالبة والمزدهرة والمشهورة. ويؤدى هذا الى الافتراض ان عدم وجود هذة التنوعات فى دول مثل الامارات (الإسلام هو الديهم ن الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية ) او الاردن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية) او تونس (تونس دولة ، حرة ، مستقلة ، ذات سيادة ، الاسلام دينها ، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها) لابد ان تطبق شرع اللة على الموديل الانقاذى. (الى الدرجة التى جعلت الرئيس البشير الدستور سيتغير إذا انفصل الجنوب، ولكن “.. لن يكون هناك مجال في ذلك الوقت للحديث عن تنوع الثقافات والأعراق. ستكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للدستور وسيكون الإسلام الدين الرسمي والعربية اللغة الرسمية، وسينقى الدستور الحالي من أي نصوص غير إسلامية”.).
عندما نتامل فى تطور الخطاب السياسى فى وثائق التغييرات العنيفة منذ الاستقلال منذ اكتوبر1964 ، ابريل1985، مؤتمر القضايا المصيرية 1995حتى اتفاق مشاكوس 2003 ستنتابنا الدهشة العارمة من تقارب البرنامج السياسى الذى يطرح ، صحيح ان هنلك تطورا تدريجيا يلاحظ عن التعبير والاهداف وبلورتها ولكنها لم تمثل انتقالا عن النموذج الاسترشادى.
هذا الجزء لم يكتمل بعد
المنازلة
لم تعد مسالة اسقاط هذا النظام ووضعة فى مزابل التاريخ سوى بديهية وامرا مفروغا منة ، خاصة بعد تجارب تونس ومصر، القضية فى كيف ننتقل الى موقف اكثر فاعلية و نحقق الاجندة المؤجلة ولا نقع فى نفس مآزق ما توصلت الية ثورتى اكتوبر وانتفاضة ابريل وثورتى تونس ومصر حتى الان فى الوصول لتوازن القوى المهلك والذى يدفع قوى كثيرة ومتعددة لتعطيل اقتلاع النظام من اساسة . وكما حدث فى الثورات المعاصرة فالمنازلة وشكلها وتطورها ستحدد نتائجها.  
ولنستطيع ان نجد طريقنا وسط زحام الظلمة والظلم والتشويش والتضليل والانكار وافتعال البطولة والرجولة التى فقدوها عندما استفردوا بانبل شابات وشباب الوطن وساقوهم وهم العزلاء من اى سلاح الى بيوت الاشباح واخرجوا اسوا مافى النفس البشرية و كوامل التربية المنحرفة التى تربوا عليها فى تنظيم حولهم الى وحوش. سوف نتابع كل السيناريوهات المتوقعة عند حلول لحظة التغيير الحتمى.
الجيش
منذ 30 يونيو كان الهدف تجفيف هذة المؤسسة العريقة التى استاسد عليها من كانوا ياتون فى الظلمة ويحاولون خطف الوطن لصالح افكارهم من اليسار ومن اليمين. تغييرهذا السلوك الى الابد لابد ان يكون هو الاولوية الاولى فى التغيير. وفى طول العقدين الماضيين حاولوا تحويل جيش السودان الى جيش الاسلام السياسى. ربما نجحوا فى بعض هذا ولكن ابناء الشعب السودانى ومهما بذلوا من الشراء والاغراءت هو خاضع لكل القوانين الاجتماعية ويعايشون العسف الذى يقاسية اهاليهم. هذا الجيش الذى لم يخنع لهم رغم الاحلال الكامل لمنتسبية من كوادرهم خاصة فئة الضباط، والذى دفعهم الى محاولة حصارة بفلول الدفاع الشعبى والمليشيات والاجهزة الامنية المتعددة والمختلفة والمتناقضة.
لقد وضح جزع النظام الهلع من جيش السودان ومواقفة الاخلاقية والسلوك الرجولى فى مواجة الاعداء، وان كانت هناك تجاوزات اجرامية من بعض افرادة سوف تستدعى تحقيقا دقيقا وتقديم كافة من ارتكبها الى العدالة ليدفعوا ثمن اخطائهم ويتطهروا من العبء الذى يحملونة على كواهلهم اذا كانوا لازالوا يحسون. فالتصدى لهجوم العدل والمساواة على العاصمة وتركهم ليتقدموا مسافة زادت على الالف كيلومتر فى ارض مكشوفة، ورغم التفسيرات المرتبكة والمتناقضة لاطراف النظام، فان التفسير المنطقى الوحيد المبنى على فهمى للنظام يمكن تفسيرة بعاملين متداخلين: اولهما عدم ثقة النظام فى جيش السودان والخوف من انقلابة على نظام يفرط فى عين ماهو مسئوليتة وهى عجز النظام القائم على ادارة الامور وتفريطة فى الوطن ودفعة لجزء من ابنائة الى الدفاع عن حقوقهم باسنانهم، وظهر هذا جليا فى غياب الجيش من الساحة والاعتماد على اجهزة الامن والمليشيات. وثانيهما استعمال المواطنين والمدينة بكاملها كدروع بشرية والتشوية على المقاتلين وتاليب الشعب عليهم ولكن افسد هؤلاء هذا المسعى فقد تمسكوا بان العدو ليس الشعب ولكن النظام ولم يخطئوا فى التمييز الدقيق.
سيواجة الجيش حتما خيار اما اطلاق النار وتكرار تجربة رومانيا عندما يخرج الشعب السودانى مستعدا لمليون شهيد لعهد جديد واسقاط النظام دمويا او ينحاز للشعب وينجز ثورتة سلميا ولكن بدون تكرار الانتفاضة لان الجيش لابد ان يعود لثكناتة و يتحول لجيش عصرى محترف ومسئول عن حماية ترابة ودستورة ويمنع اشتغالة باى سياسة او العمل المدنى او الخدمى. لابد ان يتحول الجيش من نظام الاحتراف الكامل لكافة افرادة الى جيش محدود العدد ونظام الاحتياط عند الحوجة على نسق الجيوش العصرية فى الدول الديمقراطية.               
لابد ان يتم محاكمة المؤسسة العسكرية سياسيا، ليس بقصد الانتقام او التشفى او المحاكمات الصورية السخيفة التى تمت لكباش فداء فيما بعد الانتفاضة. ان القصد هو التعمق فى الاسباب الذى قادتنا الى الى هذا المصير وذلك عن طريق حوار ونقاش شفاف ومنظم وحقيقى يشارك فية كافة الاطراف بما فيها الضباط والجنود وتلمس متطلبات ومشاكل وقضايا هذة المؤسسة ووضع الاطارات الاخلاقية، القانونية، الادارية، التقنية والبحثية. 
الشرطة
تميزت الشرطة السودانية بقربها الشديد من شعبها وتعرضت مثل غيرها للتطهير الشرس والظلم الشديد وطولب افرادها باستعمال العنف المفرط ولكن باءت كل المحاولات التى حاولها النظام كما حاول مع كافة افراد الشعب لدفع السلوك المختل و احلالة مكان العقل والشهامة والسلوك السوى. يعانى افراد الشرطة من ضباط وجنود كغيرهم من ابناء الشعب من ضعف التعليم وتكاليفة وانسحاب الدولة من الخدمات الصحية وادخال الانظمة الاستعراضية من الانواع المعقدة من التامين الصحى فى دولة يعيش اكثر من نصف سكانها على دولار فى اليوم. فالنظام تحالف يعتمد على القوى الأمنية والبيروقراطية فى داخل الدولة وهى التى يغدق عليها النظام ويسلحها ويعتمد على ولائها.
ستواجة الشرطة موقفا مشابها لموقف الجيش السودانى وقد تواجة شارع مليون شهيد لعهد جديد ويطلب منه اطلاق النار، وقد اثبتت التجربة التونسية والمصرية ان مهما حاولت الشرطة حماية نظام لايمثلها فهى الخاسرة فى النهاية.
ربما اكثر من الجيش السودانى فان الشرطة قد فسدت بشكل غير محتمل، رشوة وقسوة فى التعامل وتبعية ذليلة لاجهزة امنية تحتقر شعبها وهم منها. ان الشرطة تحتاج لمراجعة شاملة بدأ من اوضاعها المعيشية وكفاءتها التقنية وظروف عملها وعلاقتها بالشعب وقوانينها لاسترداد الثقة المفقودة و تنظيفها من الفساد والالتزام بالسلوك والتعامل الراقى وارجاعها من الدور العقابى والامنى والتجسسى الى دورها الخدمى والحمائى.
الامن، الامن المركزى وتوابعة
انتهى النظام فى تحولاتة التاريخية الى طبقة قليلة حاكمة معزولة وصفوية تحمية اجهزة امنية متحالفة مع الراسمالية الطفيلية ولها مصالح واضحة وتشابكات معقدة. وتكوين هذة الاجهزة والمليشيات المتعددة والخفية والسرية ومجهولة مصادر التمويل والهياكل الادارية وتداخل الاختصاصات والولاء. هذا هو تطور النظام الخاص للاخوان المسلمين المصرى باحدث الاجهزة والتدريب فى اجهزة الامن الايرانية وكافة اجهزة الاستخبارات والذى يدين بالولاء الكامل لاطراف مختلفة فى النظام.
لا نبالغ فى قدرة هذة الاجهزة فهى تتسيد على الضعفاء وقد اثبتت التجربة السودانية والتونسية والمصرية انها اضعف ان تتصدى لشوارع مليون شهيد لعهد جديد، فهى شديدة القسوة والوحشية فى بداية اى نزال ولكنها سريعة الهرب والاختباء كما حدث مع جهاز مباحث امن الدولة المصرى ذو السمعة السيئة والمخيفة ففى اول نزال تشتتوا وتبعثروا.   
هذا هو القوة التى ستلاقى شوارع مليون شهيد لعهد جديد والتى قد تطلق النار وتحاول ان تمارس العبث الذى حدث فى ميدان التحرير. سيعتمد القرار الذى على الذين سيسقطون النظام و على تفاعل الشعب والاجهزة وقد تصل لحد حلة تماما. هذة الاجهزة هى التى ستخضع للمسائلة الجنائية الرادعة والفورية فهذا هى اجهزة التعذيب والابتزاز والتهديد والجرائم الكبرى.        
الاعلام
واجة اعلام الاسلام السياسى معضلة المصداقية منذ الدقيقة الاولى، المصداقية كان لها تاريخ طويل فى تجربة الشعب مع الاسلام السياسى وفاقمها مسرحية القصر رئيسا وكوبر سجينا وقد نالت هذة المعضلة من النظام اكثرة فى اجهزة اعلامة. جاء اعلام الاسلام السياسى من  تاريخ اعتمد على الاثارة الموروثة من حلقات النقاش الطلابية والاستثارة العاطفية والشحن الدينى، والمصدر الاخر من التلوى الفكرى والغموض واحتكار الحقيقة والتنظير والذى كان كان ممثلة بامتياز زعيم النظام. عندما استلموا السلطة فوجئوا بان من يتواجد فى صفوفهم ليسوا كافيين لملا كل فجوات جهاز الدولة، ساد تيار الاثارة وتيار احتكار الحقيقة فى اعلام النظام فى ظل فقدان مصداقية ظلت ملازمة لة وفشل فى تغييرها.
واجة النظام ازمة حقيقية بعد فترة قصيرة من وجودة على دست الحكم وهى مغادرة اصواتة المثقفة وذات المصداقية المهنية، والذين اكتشفوا بسرعة ان النظام يريدهم فى هذين المسارين والذى كان بمثابة انتحار ثقافى بالنسبة لهم. غادر الدكتورعبد الوهاب الافندى و د.التجانى عبدالقادر ود. الطيب زين العابدين والمحبوب عبد السلام واخيرا د. حسن الترابى وهؤلاء مجرد امثلة. ونضبت بسرعة خزائن تيار الاثارة و خوى كيسها وتوارى ابرز رموزها واكثرها غرابة وتلون بعضهم وغير جلدة. اما انتاج المعرفة والثقافة فلا ابالغ اذا اجملتها غى سيادة الفقر المدقع اذا استثنينا عددا لايزيد على اصابع اليد { وهنا اود ان اوضح اننى على مدى اربعين عاما قد اقتنيت اكثر من اربعة الاف كتاب ” باع معظمها اخى فى زنقة اكل عيش سسبها النظام” واقول بلا ادعاء اننى من المتابعين الجيدين للكتاب السودانيين بدا من السودان فى وثائق وتقارير، الطبقات الى كل كتابات الشيخ الترابى والامام الصادق المهدى وغيرهم}.    
وتحول اعلام النظام الى ما ساطلق علية اعلام علم النفس وهو توجة اعلامى يعتمد على نظريات هذا العلم فى اختيار الرسالة وتصميمها وكيفية احداث التغيير وتعتمد غالبا على تشوية الحقائق والكذب والاتهامات الجزافية.  وقد مارست هذة انظمة شمولية من الهتلرية والمكارثية والاستالينية.
ستلتقى شوارع مليون شهيد لعهد جديد مع هذا الاعلام وسوف يعود ممثلى تيار الاثارة لكى يقدموا خدمتهم الاخيرة لنظام لعل وعسى يعودون الى صدارة الاحداث وهذا التيار دموى وسوف يدعوا لتصفية الشارع ويدقوا طبول الحرب واستدعاء الدبابين وساحات الفداء وكل اشباح الماضى. هذا التيار لابد من محاسبتة على كل كلمة تفوة بها وعلى مساهماتة الضارة والشريرة فى نشر ثقافة البذاءة والاتهامات الباطلة واللغة البائسة.      
المؤتمر الوطنى
فى عشية سقوطة يتشابة المؤتمر الوطنى مع الحزب الوطنى المصرى فقد اصبح حزبا خاويا من الفكر والمعرفة والالهام والخيال مع تاريخ طويل من الفساد والاستبداد والفقر والتفريط فى الوطن وسوء الادارة والحكم الغير الراشد، مع عزلة خانقة على المستوى العالمى والاقليمى. والحزب الذى يدعى قادتة بانة حاز على 95% من الاصوات هو النسخة السودانية من مجلس الشعب المصرى. والثلاثة مليون عضو فى مصر انتهوا الى حفنة من راكبى الجمال والخيول. ان مصير هذا الحزب سينتهى الى مصير الاتحاد الاشتراكى رمزا تاريخيا لعهد جلب الاحزان والبؤس لاهلة.
رئاسة الحمهورية   
ربما تعبر رواية غابريل جارسيا ماركيز ليس لدى الكولونيل من يكاتبه وخريف البطريرك عن مصائر الرؤساء السابقين فهم فى بداياتهم يحملون التصورات المثالية عن الاصلاح والزهد والبساطة، ثم ينتهى الامر بتحولهم الى ايقونات تسيرها طغمة لاتشبع.  المشكلة ان هذا لم يكن ديدن فخامة الرئيس عمر البشير اذ انة كان اسير تصورات زعماء تنظيم جاء مصمما على استعمال نظرية  الترويع بالصدمة النفسية وهى نظرية حربية أمريكية تقول بضرورة توجيه ضربات قاصمة وهائلة القوة ومفاجئة للعدو من أجل دفعه للأستسلام السريع وقد نجحت هذه النظرية في غزو العراق. ذهل الشعب السودانى  لفترة وعاش فترة طويلة من الذهول من منظومة قيمية احتقرت كافة تقاليدة السوية والمتسامحة والبسيطة ولكن قاوم بكل جسارة وفرض على النظام ان يعيد النظر فى كافة اوجة تعاليمة.
مثلما تتعلم الشعوب من تجاربها نفترض ان حكامها يتعلمون، المشكلة ان الحاكم قد انفصل عن شعبة واصبح اسير مصالح منحصرة فى شبكتة وهذا يفسر الخطابات المتخبطة والمرتبكة التى اعتدنا سماعها فى الاونة الاخيرة. قد تطول المدة وقد تقصر بين وصول الشعب الى القصر حتى النصر والشعب يريد اسقاط النظام. وسيقف الحاكم امام شعبة متحيرا ومتسائلا عما حدث. لم يعد فى الامكان الاصلاح حتى لو سعى كبار قومنا ورموزنا المناضلة و التاريخية الى الحكومة القومية. متاح فى شوارع مليون شهيد لعهد جديد ان ينهى الرئيس الوضع الى خيارين الضرب للقتل او الامتثال الى ارادة الشعب ولكل منهما حساب.
معارضة لا اعداء
عندما اجريت الابحاث حول اثر الانظمة والعاملين فى حدوث الاخطاء الطبية تبين ان 85% من الاسباب تعود للنظام. ان الاسلام السياسى عند ورودها نظرت للمجتمع كلة باحزابة ومنظماتة وتقاليدة ومثقفية كاعداء وكان شعارها اختفاء كل ما هو غيرهم. شوارع مليون شهيد لعهد جديد لا تنظر للحكومة الديكتاتورية كاعداء ولكنها تعارض هذا النظام سياسيا وفكريا وتريد اسقاطة وانهائة وبناء سودان المستقبل. تغيير النظام هو المدخل ليبرء الشعب السودانى افرادا وجماعات من اثر الجروح المتقرحة فى جسد الوطن.
هذا مهم فى التعامل والترتيبات فالهدف الاساسى من التغيير هو محاسبة المفسدين والمجرمين ومهمة الدولة وكل فرد التقدم للقانون والاخذ بحقة. فرسالة البروفسير فاروق محمد ابراهيم الى فخامة الرئيس عمر البشير بخصوص تعذيبة بواسطة طالبة الدكتور نافع على نافع وخياراتة عن المحاكمة او الاعتذار العلنى هو من مسئولية الدولة ولكن ايضا من مسئوليات البروفسير فاروق محمد ابراهيم.
 

سودان المستقبل
عندما اسقط التونسيون والمصريون انظمتهم خرجوا من اجل حياة افضل ولان الشعوب لاتاكل سياسة ولايدرس ابنائها فى الشعارات ولاتتعالج فى مستشفيات الديمقراطية. الشعب يحتاج فى النهاية الى ما وصفة الرئيس الامريكى الاسبق فى مناظرتة مع جورج بوش الاب الفترة الانتقالية ” انة الاقتصاد يا غبى” . اهم ثلاثة قضايا فى حياة الافراد والتى ستصنع او تكسر اى نظام  هى سبل كسب العيش، الخدمات: التعليم والصحة. كل القضايا لاحقة لهذة المطالب الاساسية وخاصة مسائل التحول الديمقراطى: السلام والوحدة. المشكلة انة لتحقيق الثلاثة قضايا تحتاج الى التحول الديمقراطى وحل مشكلة السلطة. ولكن المهم  هو التوجة الاساسى وفلسفة الدولة والسياسات التى تعتبر المهام الاساسية توفير الحياة الكريمة وليس السلطة.
من حظ السودان ان هناك تقييما كاملا لكل القطاعات الاساسية فى السودان عن طريق البعثة المشتركة لتقييم احتياجات السودان عام 2005 (المكونة من الدولة السودانية، الامم المتحدة والبنك الدولى ). هذة الوثائق ضمت افضل العقول السودانية وخبرات منظمات الامم المتحدة والبنك الدولى، واذا ازلنا منها السياسات الاقتصادية المضرة للبنك الدولى خاصة حول الخدمات والحياة المعيشية، فسوف نجد امامنا برنامجا مفصلا لم ينفذ منها الا القليل. 
التحول الديمقراطى: السلام والوحدة
اتفقت الوان الطيف السودانى على مسار واضح حول انجاز هذا التحول. القضية كيف نصل الى بلورتها فى نصوص وقوانين واضحة المعالم. شوارع مليون شهيد لعهد جديد والشعب يريد تغيير النظام سوف يكون اغلبة من الشباب الغير منتمى لاى احزاب ولكن الاحزاب سيكون لها دور مهم.
قبل التفكير فى تشكيل اى حكومة او تجمع من اى نوع لابد من التعلم من الدروس السابقة. ولانجاز هذا وقبل ان تخط حرفا واحدا فلابد ان تقترب منه من مبادىء اساسية:
1. هناك شركاء اساسيين فى الوصول لاى اتفاقات او مسارات وكلهم لديهم رؤية لكيف يحكم السودان وهم: ممثلين للذين فجروا الثورة من الشباب، قادة الجنوب، المقاتلين من اجل الحرية فى دارفور، ممثلى الشمال والشرق وكردفان وجبال النوبة والنيل الازرق، الاحزاب والمنظمات والتنظيمات النقابية. ويمثل كل  هولاء فى اجهزة السلطة الجديدة وكافة مؤسساتها. 
2. ان هؤلاء الشركاء هم الذين عليهم ان ان يبدأوا معا منذ اول اجتماع ويتفقوا على كيف يحكم الوطن ، نتحاشى دعوة  المقاتلين من اجل الحرية فى دارفور التلفاز او فى الكلمات الحماسية ولكن تعلن الموافقة على المطالب الاساسية فورا وتدعوهم من خلال دعوة رسمية الى المشاركة فى صياغة خارطة السودان وكيفية حكم السودان.
3. لو استطاع الشعب السودانى ان ينجز ثورتة قبل 9 يوليو سوف تكون الثورة فى وضع تستطيع معة ان تدعو قادة الجنوب من خلال دعوة رسمية الى المشاركة فى صياغة خارطة السودان وكيفية حكم السودان وتجلس سويا معهم وتبنى معا سودان المستقبل او جيران المستقبل.
4. من المهم الاتفاق على كامل بنية الدستور الديمقراطى المدنى، واقتلاعة من ايدى الخبراء والتقنيين ترزية كل الانظمة. ان الدستور يهم كل فرد فى الشعب ولابد ان يناقش فى كل تجمعات الشعب عن طريق الاعلام من صحف وتلفزيون وندوات ومظاهرات والليالى السياسية ويطبع ويوزع بعيدا عن اللغة المغتغتة والمبهرجة والمزخرفة والخمج. ويتم التوقيع على الالتزام بة من كافة القوى على ان يحدد اما طرحة فى استفتاء او الانتظار للانتخابات واجازتة من الحمعية التاسيسية فى اول اجتماع لها باذن اللة.
5. بلورة موقف واضح من كافة الذين سيرسمون كيف يحكم الوطن (شباب الثورة ، قادة الجنوب، المقاتلين من اجل الحرية فى دارفور، ممثلى الشمال والشرق وكردفان وجبال النوبة والنيل الازرق، الاحزاب والمنظمات والتنظيمات النقابية)  حول الموقف من الجيش، الامن والراسمالية الاسلامية الطفيلية وكيفية اعادة الشفافية والنزاهة والاستقامة اليها. هدا هو المكان الذى يخفى كافة تشابكات الاحزاب والافراد مع النظام، والمطبخ الذى تعيد منة الثورة المضادة تنظيم نفسها ولنا مثال من مصر وتونس والذى نتمنى ان تنجح ثوراتة.
 

الخدمات: التعليم والصحة
هذان هما المجالان اللذان تعرضا للتخريب الاقصى فى الديكتاتورية الثانية والثالثة، فاحيانا كاستجابة للروشتة الضارة للبنك الدولى وشبيهاتة من دعاة الخصخصة وخروج الدولة من الخدمات، واحيانا من استثارة الدافع الوطنى فى حماية البلاد وهو فى حقيقتة تثبيت الانظمة  الديكتاتورية ومركزية الحكم وفرض التيار العروبى او الاسلاموعروبية ضد من قاوموا  حاولوا الوصول لنموذج وطنى عادل ومتنوع. ودائما التلاعب بشعارات مشاركة المجتمعات و ابتذال الشعارات النبيلة لنماذج التنمية المستدامة والمجتمعية حتى عنى هذا الشعار كابوسا للمجتمعات اذ كان دائما نذيرا لعبء جديد بعد ان خرجت الدولة من توفير الخدمات { الصحة، التعليم، المياة وغيرها}.
من المهم اعادة النظر فى تمكين المجتمعات ودورها فى رسم سياسات الخدمات التى تقدم لها والتخطيط  لها. لقد تم فى العقدين السايقين الاحتماء  بالجماهير والمجتمعات لتمرير الكثير من السياسات الضارة بهم وتبرير كثير من المظالم. ان الديمقراطية لن تغتنى وتتجذر الا اذا وصلت الى عمق كافة المجتمعات. ان هذا الشعار يفترض ان يترجل من المواثيق الدولية و مجلدات االتنمية المستدامة الى صلب القوانين والمناهج والسلوك اليومى.   
الخدمات: التعليم
قضايا التعليم لاتنفصل عن الازمة السياسية للوطن وحلولها مرتبطة بالحل الشامل تنطلق فى مجملها من النظر الى التعليم كرافعة للتقدم والتنمية وازالة التشوهات المناطقية و الجهوية. التعليم الذى اهمل طوال العقود من الانظمة جمعاء فى العهود الديكتاتورية والديمقراطية بشكل اقل. ان اهمية التعليم ليس ترفا ومجرد حق مجرد ولكنة بوابة الدخول لسودان المستقبل اذا شئنا ان نبنى الوطن. ان الدول التى وضعت نفسها فى مسار التقدم وضعت نصب عينها تطوير التعليم {كوريا، الهند، البرازيل……الخ }مما فسرها واوضحها الدكتور منصور خالد  فى عدد من كتبة ومقالاتة ايما توضيح.
ان المدخل لاى اصلاح فى التعليم تبدا من التزام الدولة بمسئولياتها الاجتماعية ورفع مساهمة الدولة لتبلغ عشرة بالمائة من الميزانية السنوية للدولة. (حدث التغيير الكبير في التعليم السوداني عندما كان عبد الرحمن علي طه وزير المعارف و علي بدري وزيرا للصحه و صار التعليم و الصحه يساوي خمسه و عشرين في المائه من ميزانيه الدوله ).
ان المسئولية تعنى التزام الدولة بتوفير تعليم مجانى اساسى بكافة مستلزماتة. ان هذا يستدعى اعادة النظر فى السلم التعليمى ، واود هنا ان اسطر بوضوح اننى مع النظام القديم المبنى على نظام الاربعة سنوات ولكننى لست متحيزا ضد اى نظام. يستدعى هذا ايضا اعادة النظر فى الخارطة التعليمية واعادة توظيفها بناء على حاجة سوق العمل والاحتياجات مبنية على مؤشرات النمو ووتائر التنمية.
كانت المناهج التعليمية مرتعا خصبا لكافة الانظمة الديكتاتورية لفرض تصوراته الشائهة على العقول الصغيرة و التشويش والخلط حتى اصبح هناك تناقض مربك بين ما يمارسة الصغار فى منازلهم وبين ما يدرسونة فى الفصل الدراسى. ان بداية ترسيخ المفاهيم الديمقراطية وتحويلها من شعارات واناشيد واغانى الى سلوك ناظم لحركة المجتمع هو ادخال هذة المفاهيم عن طريق تحويلها الى مواد فى المناهج الدراسية على كل المستويات.
ان هذا التحول من تعليم واجب دولة الى تعليم من اجل التنمية هو تحول كامل للتعليم  للمسئولية الاجتماعية ويقودنا الى الخصخصة الشائهة التى حدثت فى مجال التعليم والتى قادها طفيليى الاسلام السباسى وحولوا التعليم الى مجال لتراكم الثروة وغسيل الادمغة ونشر الفكر الاقصائى. ان من اول واجبات اصلاح التعليم هو فصل التمويل عن العملية التعليمية وتحديد المناهج الموضوعة بواسطة وزارة التربية والتحطم فى التسعيرة وغيرها.   
تناول د. أحمد إبراهيم أبوشوك العناوين الرئيسية لاصلاح التعليم العالي ”  ضرورة تعزيز الحرية الأكاديمية في الجامعات السودانية، وتحديث نظمها الإدارية، ومدها بكفاءات مهنية مدربة، وترسيخ الشفافية في إجراءات التعيينات والترقيات، وإصلاح مقارها الحالية والخدمات المصاحبة لها، وتوفير الدعم المالي اللازم للبحث العلمي والطلبة النابهين. ويتبع هذه الخطوات الإجرائية ترقية أكاديمية في تصميم المناهج الدراسية، ترافقها إدارة جودة شاملة ومستدامة، يراعي في تطبيقها مرتكزات الهوية السودانية والمعايير القياسية المستخدمة على الصعيد الدولي في ضبط الجودة الخدمية وتجويد العطاء المهني ومخرجاته البشرية في الجامعات”. (د. أحمد إبراهيم أبوشوك:  التعليم العالي في السودان: الثورة والواقع؟
www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4945) . 
فى نفس المنوال ” وعلى ذلك فان اي حديث عن التحديث والتنمية والديمقراطية لن يجدي ما لم نبدأ باصلاح جذري لنظام التعليم العام والعالي وعلى اسس علمانية بحيث تشق المؤسسات التعليمية طريقها مستقلة وبمنهج يهدف لخلق عقول حرة تملك القدرة على الابداع والابتكار والتفرد. ودون ذلك سنبقى في أسفل قائمة الامم المنغلقة والمنكفئة على ذاتها.” (جريدة الايام : قراءة في واقع التعليم العالي..هل يعمل لاعداد قادة المستقبل؟ العدد رقم: الاربعاء العدد 9170 2008-07-29)
التعليم هو رافعة اثراء التعدد وادخال المجتمعات المتنوعة عن طريق وضع لغاتها وثقافاتها واغانيها و احترامها فى العملية التعليمية. كافة الاعراق فى سودان المستقبل لها صوت يكفلة الدستور وتسن لة القوانين والسياسات والخطط.
الخدمات: الصحة
مثل انسحاب الدولة من الخدمات الصحية مبكرا بداية التدهور المستمر فى حياة المجتمعات فقد انتشرت الامراض التى كانت قد اختفت او لم تكن اصلا موجودة فى كافة انحاء الوطن الى حد ان مرضا كالملاريا التى اصبحت من التاريخ فى معظم دول العالم تمثل اكثر من ثلث اسباب الوفيات وصار السودان متحفا لكل الامراض التى وجدت فى العالم عدا مايسمى مرض شاقس الذى لايوجد الا فى امريكا الجنوبية.
دخل السودان فى بداية السبعينات كاحد الدول التى كانت تقدم نموذجا فاعلا فى التصدى وتقديم الخدمات الصحية المجانية. فقد كان السودان سباقا الى ادخال توجة الرعاية الصحية الاولية ( التى تبنتة كافة دول العالم فى مؤتمر الما اتا 1978) واعطت للعالم الصحى مداخل المناطق الصحية، كما قدمت العديد من الخبراء والعلماء الذين ساهموا بشكل كبير وفى تواضع وصمت سواء فى المنظمات الدولية او الدول العربية والغربية.  ويقدم كتاب  تاريخ الخدمات الصحية للدكتور احمد بيومى احد علماء الصحة السودانية  وهو من افضل ما كتب عن هذا المجال صورة مشرقة للتطور فى الخدمات منذ انشائها فى  الف وتسعمائة واربعة.
كان اول توجة لانفكاك الدولة من الخدمات الصحية انشاء ماسمى الثورة الصحية فى منتصف السبعينات والتى بدات بفرض مبلغ رمزى على زيارة المرضى فى المستشفيات والتى انتهت الى ان تصبح المصدر الاساسى لميزانية تسيير المستشفيات واطعام المرضى ومصدر ومقر الفساد فى الوزارة. اما المراكز الصحية و الشفخانات ومراكز الرعاية الصحية الاولية فقد تركت للمجتمعات.
لابد من الاشارة هنا ان المستفيد الاكبر من انسحاب الدولة من الخدمات كان الاسلام السياسى، فقد انطلقوا وحلوا محل الدولة عن طريق المنظمات الطبية والاغاثية التى انشاؤها تاريخها مكتوب ومسطور فى كيف استغلت للتاثير للتراكم السياسى ، ولاحقا التكاثر السرطانى للخدمات الخاصة وشركات التامين والادوية وحل الاسلام السياسى ليس فقط على الدولة ولكن جعلت من الوطن سوق شركاتها التى حلت محل الدولة. 
جاءت الكارثة الحقيقية بعد الانقاذ فقد بدات بجوهرة العمل الصحى العاملين، فبدات بالتشريد المنظم لكافة العاملين واحلت محلهم مجموعات من فاقدى الخبرة والكفاءة عملت تخريبا فى العمل الصحى ونشرت فية العشوائية الادارية و الفساد والتدهور المريع. ولا اظننا فى حاجة الى الاسترسال فى رصد وضع الخدمة الصحية فى السودان ولكن لو علمنا ان السودانيون ينفقون حوالى  250-300 مليون دولار سنويا فى الاردن ولاندرى كم ينفقون فى مصر.
مدخلنا الى الخدمات الصحية ان نعود الى دولة الرفاة الاجتماعى فى خطى افضل واعدل واكثرها كفاءة وهو النظام الصحى الوطنى البريطانى فى تطبيقها الحالى والمبنى على الرعاية الصحية الاولية واللامركزية الحقيقية ورفع قدرات العاملين. نظام مجانى يعتمد على الضرائب فى التمويل ويخصص لة عشرة بالمائة من الميزانية السنوية. يقوم النظام الصحى على طبيب الاسرة فى المدن والمجتمعات الكبرى الاشكال المبتكرة فى القرى والفرقان، مما ابدعت فية العقول السودانية. كل هذة تتولاها المجالس المحلية والبلديات اشرافا وتمويلا حسب ميزانيات حقيقية وليست ورقية.
المهمات والواجبات و الاولويات تمت دراستها مرارا وتكرارا من منظمة الصحة العالمية والمنظمات الاخرى العاملة فى الصحة ولكنها لم تمثل اولوية فى اجندة النظام منذ اليوم الاول ووضعت فوق الارفف . لقد نشطت الوزارة فى مجالات عدة ولكن كل جهودها تضيع لانها محكومة بنظام الاستراتيجية الربع قرنية وسياسات رزق اليوم باليوم واسس الاختيار الحزبية وعدم الانصاف فى الترقيات وتجريدهم من منظماتهم النقابية الديمقراطية. 
المشاكل والتحديات التى تواجة الصحة ليست وقفا علينا والحلول لاتحتاج لاعادة اختراع العجلة ولكن لقيادة تجىء نتاج الاختيارالعادل والشفاف واعادة الحياة للتقاليد المحترمة و المصداقية والنزاهة.
يحتاج العاملين الصحيين الى الرعاية والعناية والمدخل الرئيسى يبدا فى راى باعادة التعليم الطبى والصحى الى وزارة الصحة وانهاء الفصل القسرى بين الانتاج والخدمة والتى ادت لكثير من الاختلالات الهيكلية والوظيفية والكفاءة.      
سبل كسب العيش: الزراعة والصناعة
ان الطبيعة الطفيلية للنظام الحالى والسابق هو العائق الاساسى والسياسات التى تحرك هذة الماكينة هى سبب نكبات البلاد المرشحة لتكون احد اكبر مصادر الغذاء فى العالم والتى يحيط بها سوق ضخم مجاور فى انتظار صناعاتة. المدخل هو تعديل السياسات النقدية والتمويلية والضرائبية والتعليمية. وهذا مجال نذخر فية بعلماء وخبراء درسوا اوضاع السودان لعقود كثر من مرة.  
الاعلام
ستلتقى شوارع مليون شهيد لعهد جديد هذا الاعلام وسوف يعود ممثلى تيار الاثارة لكى يقدموا خدمتهم الاخيرة لنظام لعل وعسى يعودون الى صدارة الاحداث وهذا التيار دموى وسوف يدعوا تصفية الشارع ويدق طبول الحرب واستدعاء الدبابين وساحات الفداء وكل اشباح الماضى. هذا التيار لابد من محاسبتة على كل كلمة تفوة بها وعلى مساهماتة الضارة والشريرة فى نشر ثقافة البذاءة والاتهامات الباطلة واللغة البائسة.      
الديمقراطية لاتحتاج لوزارة اعلام تطبل وتزمر، اعلامها هو الاصوات المتعددة لاعراقة ولاحزابة منظماتة المدنية وتنظيماتة ويوفر لها الدعم والمساندة من نظام سودان المستقبل.
اجهزة اعلام من تلفزيون واذاعة وصفحات النت التابعة للدولة لابد ان تكون مستقلة بالكامل تتبع البرلمان الذى هو صوت الشعب وتجيزلها الميزانية وتضع لها السياسة العامة لخدمة ما ينص علية الدستور. السياسة التحريرية يضعها العاملين الذين يختارون بعناية وشفافية وعدالة كغيرهم من العاملين بالدولة. الصحف الحزبية والخاصة هى ادوات تساهم فى الوعى وبناء الامة وليست ابواقا لمالكيها وتحتاج لفصل التمويل عن التحرير.
 [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *