ترجمة: غانم سليمان غانم
[email protected]
تمهيد
هذه ترجمة لخطاب السيد تشي جينبينغ الرئيس الصينى الذى ألقاه فى “جامعة أوروبا” فى مدينة بروجس ببلجيكا يوم 01/04/2014م، وهو يلخص الرؤية الصينية لمستقبل الشراكة الصينية الأوروبية.
يحتوي الخطاب على قبسات من التاريخ والحضارة والثقافة الصينية والانجازات التى حققتها الصين فى مختلف المجالات. كما يستشرف الخطاب آفاق الشراكة الاستراتيجية الصينية الأوروبية وآفاق التعاون فى المجال الإقتصادى والاستثماري والتكنولوجي والثقافى والعلمي وفي مجال العلاقات الثنائية والشئون الدولية والحوار بين الحضارات. ركز الخطاب على توضيح طبيعة الاشتراكية الصينية وسياسة الاصلاح والانفتاح ومنهج التنمية الصينية واقتصاد السوق الاشتراكي.
فى الحقيقة إنه خطاب شامل وجامع لمن يريد أن يعرف الصين ورؤية القيادة الصينية للحاضر والمستقبل.
المترجم
جسر التواصل الأممي
” جلالة الملك فيليب والملكة ماتيلدا
الرئيس – هيرمان فان رومبي
رئيس الوزراء – اليو فان روبو
الرئيس – اجنيو مندنيز دي فيجو
مدير الجامعة – جورج مونار
ممثلى البعثات الدبلوماسية
أعضاء هيئة التدريس والطلاب
السادة والسيدات
والاصدقاء:
صباح الخير. إنه لمن دواعي سروري الحضور الى “جامعة أوروبا” والالتقاء بهيئة التدريس وطلاب الجامعة. أولاً: تحياتي الحارة وأمنياتي الطيبة لكم ولكل من فى أوروبا من الذين أبدوا اهتماماً ورغبة ودعموا التنمية في الصين.
تعني “بروجس” باللغة الفلمنكية “الجسر”. إن الجسر لا يجعل الحياة سهلة فحسب ولكنه قد يكون رمزاً للتواصل والتفاهم والصداقة. لقد جئت إلى أوروبا لأقيم مع أصدقاءنا الأوروبيين جسر صداقة وتعاون بين قارتي آسيا وأوروبا.
قبل مجيئ إلى هنا فقد قمت بزيارة “مصنع سيارات فولو” فى مدينة “جنت” بصحبة الملك فيليب والملكة ماتيلدا. لقد أصبح مصنع سيارات فولفو الكائن فى مدينة جنت، وهو أكبر مصنع سيارات فى أوروبا، أنموذج للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين الصين وبلجيكا والسويد. ولقد قام بالفعل ببناء جسر يربط الاستثمارات الصينية بالتكنولوجيا الأوروبية، بما يؤدي الى المصلحة المشتركة والتعاون والمنفعه المتبادله.
لقد تم تأسيس “جامعة أوروبا” فى نهاية الحرب العالمية الثانية نتيجة لتأثر الناس بمرارات الحرب وسعيهم للسلام. على الدوام طارد شبح الحرب مسار البشرية، وبالمعاناة من ويلات الحرب العالمية الثانية بدأ الناس فى أوروبا يفكرون في معاناتهم وتعاستهم الماضية وبدأوا التوحد تحت قيادة رجال دولة من أمثال جان مونيه وروبرت شومان بسعى مشترك لأجل سلام ورخاء دائم.
اليوم وبعد خمسين عاماً من التطور والتنمية، صارت “جامعة أوروبا” مستودع خبرات ومركز أبحاث مهم للاتحاد الأوروبي واصبحت حاضنة للصفوة السياسية فى أوروبا كذلك. وبحسب قول السيد فان رومبي، كانت “جامعة أوروبا” دائماً “فى قلب ومركز التكامل الأوروبي” وهى فى نفسها تعبير عن الثقة فى أوروبا التى ولدت “من حطام الحرب”.
السادة أعضاء هيئة التدريس والطلاب
فى عام 1949م عند تأسيس “جامعة أوروبا” تم تأسيس جمهورية الصين الشعبية مبشرة بمرحلة تأريخية جديد فى تنمية وتطوير الأمة الصينية. مؤخراً وفى عام 1975م، قرر رئيس الوزراء الصينى الراحل زو اينالي والسير كريستوفر سوامز، بناء على تقييمهم للوضع العالمي حينئذٍ، أن تقوم الصين والسوق الأوروبية المشتركة باقامة علاقات دبلوماسية. اليوم تتمتع الصين والإتحاد الأوروبي بشراكة استراتيجية شاملة ولقد دخلنا فى حوار وأقمنا آليات تشاور فى أكثر من ستين (60) مجالاً وبلغ حجم التجارة المتبادلة بيننا فى السنة الماضية 559,1 بليون دولار أمريكي ويتم تبادل ما يزيد عن خمسة (5) ملايين زيارة كل عام. وهناك حوالي 300,000 من طلابنا يدرسون في الخارج إما فى أوروبا أو فى الصين. لقد أصبحت العلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي إحدي أكبر العلاقات الثنائية المهمة فى العالم.
وبقول ذلك، يجب أن لا ننسى أنه ما زال هناك مجالاً متسعاً لنمو العلاقات الصينية الأوروبية، ومازالت توجد هناك الكثير من الفرص المتاحة التى يمكن إغتنامها واستغلالها. ولأجل المضى قدماً فى علاقاتنا تحتاج الصين لمعرفة الكثير عن أوروبا كما تحتاج أوروبا لمعرفة الكثير عن الصين. وبالنسبة لأى بلد فى العالم، يمثل الماضى مفتاحاً للحاضر كما أن الحاضر يكون دائماً متجذراً في الماضى، فقط عندما نعلم كيف كان تاريخ تلك الدولة فإننا ببساطة سندرك كيف صارت تلك الدولة إلى ما صارت إليه اليوم، وعندئذٍ فقط سندرك في أي اتجاه تسير.
لذلك، دعونى أغتنم هذه الفرصة لأصف لكم أى دولة هي الصين. وآمل أن يكون ذلك مفيداً لكم عندما تحاولون رصد وتفهم ودراسة الصين. بالطبع، فإن الحديث عن أى دولة قد يكون موضوعاً طويلاً لتناوله فى هذا اليوم، ولذلك سأركز حديثى فقط على الملامح القليلة التالية عن الصين.
أولاً: للصين حضارة تليدة ومحترمة فى التاريخ. وباعتبارها إحدى أقدم الحضارات العالمية، فإن الحضارة الصينية يمتد عمرها لأكثر من خمسة (5) آلاف عام واستمرت مزدهرة حتى يومنا هذا. إن الألف بائية التى ابتكرها أسلافنا منذ عدة قرون مضت ما زالت مستخدمة حتى اليوم. قبل ما يزيد عن ألفين (2,000) سنة مضت كانت هناك فترة انجازات فكرية كبيرة فى الصين يشار إليها بـ”فترة المائة عَاِلم ومدرسة فكرية”. الفلاسفة والمفكرون العظام من أمثال لاوزي وكونفوشيوس وموزي، على سبيل المثال لا الحصر، تناولوا بالبحث سلسلة كبيرة من المسائل والموضوعات إنطلاقاً من الأبحاث المرتبطة بالكون والأرض ومن علاقات الانسان بالطبيعة إلى العلاقات بين بنى البشر والعلاقات بين الفرد والمجتمع. إن المدارس الفكرية العظيمة التى أسسوها شملت العديد من الأفكار المهمة مثل البر بالآباء والإخوان والاخلاص للسلطان والاصدقاء ومراعاة الملكية الخاصة والعدل والصدق والأمانة والتركيز على حب الخير والرفق ببنى الإنسان والاعتقاد بأن الانسان يجب أن يكون دائماً منسجماً مع الطبيعة ومتبعاً لمقادير الطبيعة وملتزماً على الدوام بتطوير الكمال الذاتي. هذه القيم والتعاليم ما زال لها تأثير كبير على طريقة حياة المواطنين الصينيين اليوم وهي تعكس النظام القيمي الفريد بالنسبة لنظرة الصينيين للعالم والمجتمع والحياة نفسها. هذا الإرث الفكري التليد والفريد غرس إحساساً من الثقة الوطنية فى المواطنين الصينيين وغذى لديهم نزعة متأصلة من الوطنية وحب الوطن.
ثانياً: شهدت الصين العديد من التقلبات. ولعدة آلاف السنوات قبيل الثورة الصناعية كانت الصين رائدة العالم فى مجال التنمية الاقتصادية والتطور التكنولوجي والثقافي. على أية حال، قام الحكام الاقطاعيين فى القرنين الثامن والتاسع عشر باغلاق أبواب الصين بجهل تام، ومنذ ذلك الحين أصبحت الصين متخلفة عن مسارات التنمية وتراجعت لتصبح دولة شبه مستعمرة ومجتمعاً شبه اقطاعي. ونتيجة للغزو الأجنبي المستمر شهدت الصين بعد ذلك إضطراباً إجتماعياً كبيراً وعاش مواطنوها حياة فى غاية الفقر والاملاق. حفز الفقر المطالبة بالتغيير وتطلع المواطنون الذين عاشوا فى غمرة الاضطراب إلى الاستقرار. وبعد مائة عام من النضال والكفاح العنيد الطويل استعاد الصينيون وبالتضحية بعشرات الملايين من الأرواح مصيرهم واستقلالهم بأيديهم. ولم تنمحي أبداً ذكري الغزو والاحتلال الأجنبي من ذاكرة وعقول المواطنيين الصينيين وهذا يوضح لماذا نقدر نحن – الصينيون – الحياة العزيزة التى نعيشها اليوم. يريد المواطنون الصينيون السلام ولا يريدون الحروب. وهذا هو السبب الذى يجعل الصين تتبع سياسة خارجية مستقلة ومحايدة فيما يتعلق بالسلام. إن الصين ملتزمة بمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى ولن تسمح الصين للآخرين بالتدخل في شئونها الخاصة. وهذا هو الموقف الذى تبنيناه فى الماضى، وهو ما سنستمر فى تبنيه فى المستقبل.
ثالثاً: الصين دولة اشتراكية بخصائص صينية. فى عام 1911م أطاحت الثورة التى قادها الدكتور سون ياتسن بالملكية الاستبدادية التى حكمت الصين لعدة قرون. ولكن عندما ذهب النظام القديم أصبح السؤال المطروح إلى أين تتجه الصين؟ عندئذٍ بدأ الصينيون فى استكشاف والبحث عن مسار يناسب الأوضاع المحلية فى الصين. لقد مارسوا نظام الملكية الدستورية ونظام البعث الإمبريالي والنظام البرلماني ونظام تعدد الأحزاب ونظام الدولة الرئاسية ومع ذلك وفى واقع الأمر لم ينفع منها شيئاً، وأخيراً تبنت الصين النظام الاشتراكي. وباعتراف الجميع، إننا فى عملية تطبيق الإشتراكية كانت لدينا تجارب ناجحة كما قمنا بارتكاب أخطاء. ولقد عانينا نكسات وارتدادات خطيرة. وبعد سياسة “الاصلاح والانفتاح” التى تم طرحها أثناء قيادة الزعيم دنج هسياو بنج فقد قمنا، وبمراعاة الأوضاع المحلية فى الصين والتوجهات العامة فى ذلك الوقت، باستكشاف وممارسة تجربة تنموية وطبقنا الاشتراكية بالاعتماد على الخصائص الصينية. كان هدفنا إقامة نظام اقتصاد السوق الاشتراكي والنظام الديمقراطي وثقافة متطورة ومجتمع متجانس ونظام بيئى سليم بما يراعي العدل والمساواة وتعزيز التنمية البشرية للجميع واتباع نهج تنموي مسالم واستكمال اقامة مجتمع حديث يتمتع بالرخاء والإزدهار فى جميع الجوانب ويحقق تدريجيا التطوير والتحديث والإزدهار للجميع. إن تفرد الحضارات والعادات والظروف والأوضاع السائدة فى بالصين تقتضى بأن الصين تحتاج لإتباع مسار تنموي يناسب واقعها ولقد وجدنا هذا المسار وحققنا النجاح عبر هذا المسار.
رابعاً: تعتبر الصين أكبر دولة نامية. لقد حققت الصين انجازات تاريخية فى مجال التنمية، إنها الآن ثاني أكبر اقتصاد فى العالم ولقد حققت فى عدة عقود ما يستغرق عدة قرون لتحققه الدول النامية. هذا وبلا شك انجاز عظيم لبلاد يتجاوز عدد سكانها 1,3 بليون نسمة، وفى نفس الوقت نحن ندرك بشكل واضح وبالنظر الى الحجم الكبير للاقتصاد الصيني وبقسمته على 1,3 بليون نسمة فإنه يضع الصين فى المرتبة الثمانين على قائمة دخل الفرد على المستوى العالمي بالنظر الى دخل الفرد من اجمالي الناتج المحلي. فى الصين يعتمد ما يزيد على 74 مليون نسمة على اساسيات الحاجات المعيشية وكل عام يدخل ما يزيد عن عشرة (10) ملايين نسمة من سكان المناطق الحضرية سوق العمل ويحتاج مئات الملايين من سكان المناطق الريفية للتحول إلى وظائف غير مرتبطة بالزراعة والإقامة فى المناطق الحضرية وهناك ما يتجاوز 85 مليون نسمة يعانون من الإعاقة وأكثر من 200 مليون نسمة ما يزالون يعيشون تحت مستوى خط الفقر المحدد بواسطة البنك الدولي، وهذا ما يعادل تقريباً سكان فرنسا وألمانيا وبريطانيا مجتمعين. فى موسم احتفالات السنة الصينية الجديدة الذى امتد لأربعين يومأً نقلت الخطوط الجوية الصينية والطرق السريعة والسكك الحديدية الصينية 3,6 بليون مسافر مما يعني تحرك وتنقل 90 مليون شخص بشكل يومي. وبناء على ذلك، فإن جعل حياة 1,3 بليون نسمة مريحة بشكل افضل يتطلب عملاً شاقاً خلال السنوات القادمة. وتظل التنمية الاقتصادية الأولوية الأولي بالنسبة للصين ونحن ما نزال نحتاج للعمل على اساس تحقيق التنمية الاجتماعية فى جميع المجالات.
خامساً: تشهد الصين تغييرات وتحولات كبيرة، لقد علمنا أجدادنا أنه:”ما دامت الكواكب مستمرة فى الدوران، على المرء دائماً أن يسعى لتحقيق كمال النفس والذات”، وأنه:” إذا كان المرء يستطيع عمل الأشياء بشكل أفضل يوماً ما فإنه يستطيع عملها بشكل أفضل كل يوم”. وبمواجهة منافسة شرسة على المستوى العالمي فكأنما نحن نسبح ضد التيار، على المرء إما أن يمضى قدماً أو يتقهقر إلى الوراء. الإصلاح الذى أُجبِرنا عليه أولاً بسبب المشاكل يمضى الى العمق فى معالجة المشاكل. ونحن نعلم تماماً إن الإصلاح والإنفتاح عملية مستمرة لن تتوقف أبداً. لقد وصل الاصلاح فى الصين الى منطقة عميقة جداً حيث أن طبيعة المشاكل التى تقتضى المعالجة هى من المشاكل الصعبة جداً. كل ما نحتاجه هو الشجاعة لأجل أن يمضى الإصلاح قدماً. وكما يقول المثل الصيني:” يجب علينا أن نكون مستعدين للذهاب الى الجبال مدركين تماماً أنه قد تكون هناك نمور يمكن مواجهتها”. إن المبدأ الذى وضعناه للاصلاح هو العمل بشجاعة والتحرك نحو الأمام بخطوات راسخة وثابتة”. وكما نقول فى الصين: “إن الذى يريد انجاز مشروع كبير وصعب عليه أن يبدأ بالمهام السهلة أولاً ويتأكد من أن جميع التفاصيل تم الاهتمام والعناية بها”. وبالمضى قدماً فى الاصلاح ستسمر الصين في معايشة تغييرات وتحولات كبيرة. إننى أعتقد أن جهودنا فى تعميق وتعزيز الاصلاح بشكل شامل لن تخلق موقفاً قوياً لموجة تحديث الصين فقط بل ستجلب فرص تنمية جديدة للعالم كذلك.
لأجل رصد وفهم الصين بشكل سليم يحتاج المرء إلى الأخذ فى الاعتبار الواقع الصينى فى الماضى والحاضر ويأخذ العبرة من الانجازات الصينية وطريقة تفكير الصينيين. يجب الأخذ فى الاعتبار حضارة الصين التى امتدت لخمسة آلاف عام، وفترة كفاح الشعب الصينى التى استمرت 170 عاماً فى الأزمنة الحديثة ومرحلة تجربة الحزب الشيوعى الصينى التى تجاوزت التسعين عاماً وفترة تنمية جمهورية الصين التى استغرقت ستين عاماً وفترة الاصلاح والانفتاح التى تجاوزت ثلاثين عاماً. كل مرحلة من هذه المراحل تعتبر جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الصين ويجب أن لا يتم الغاء شئ من السياق التاريخي. لا يستطيع المرء فهم الصين جيداً بدون الفهم السليم للتاريخ والثقافة الصينية وطريقة تفكير الصينيين والتغييرات والتحولات الكبيرة التى تجري فى الصين حالياً.
مسارات التنمية على مستوى العالم متعددة الأوجه وأن تاريخها لا يسير فى خط مستقيم. لا يمكن للصين أن تستنسخ النظام السياسى أو النموذج التنموي للدول الأخرى لأنه ببساطة قد لا يناسبنا وربما يؤدى الى نتائج كارثية. لقد توصل الصينيون قبل ما يزيد عن ألفى عام لفهم ذلك من حقيقة أن البرتقال الحالى الطعم المزروع فى جنوب الصين قد يصبح حامض المذاق عند زراعته فى شمال الصين. قد تكون الفاكهة بنفس الشكل ولكن قد يكون الطعم والمذاق مختلفاً لأن الشمال يعني مكاناً مختلفاً ومناخاً مختلفاً.
ذكر أحد الكتاب الفرنسيين ذات مرة إن الأصدقاء صادقون وأمينون وشفافون تجاه أصدقائهم لأنهم يتبادلون ويعيشون حياة واحدة. وأنا آمل بكل اخلاص أن أكون قد شاركتكم فى رسم صورة شفافة وأكثر وضوحاً عن الصين. وإننى آمل بكل اخلاص كذلك أن تقوم جامعة أوروبا بتخريج عدداً كبيراً من الخريجين الموهوبين الذين يعرفون ويفهمون الصين وأن تظل الجامعة كذلك مصدراً دائماً للمواهب ومصدراً فكرياً لدعم نمو وإزدهار العلاقات الصينية الأوروبية.
السادة أعضاء هيئة التدريس والطلاب
يبدو أن الصين وأوروبا بعيدتين من الناحية الجغرافية ولكننا فى حقيقة الأمر فى نفس الزمان وفى نفس المجال. وإننى اشعر دائماً بأننا أكثر قرباً من بعض كما لو إننا جيران. كل من الصين وأوروبا فى مرحلة مهمة من التنمية ويواجهان تحديات وفرصا غير مسبوقة. وكما ذكرت آنفاً، نحن نأمل أن نعمل مع أصدقاءنا الأوروبيين لبناء جسر صداقة وتعاون عبر قارتي أوروبا وآسيا. ولأجل هذا الهدف نحن نحتاج لبناء أربعة جسور للسلام والتنمية والاصلاح ولتقدم الحضارة حتى تجد الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والإتحاد الأوروبي اهتماماً عالمياً أكبر.
نحن نحتاج لبناء جسر للسلام والاستقرار يربط بين أقوى قوتين: الصين والإتحاد الأوروبي معاً. إن الصين والاتحاد الأوروبي يغطيان عشر مساحة الكرة الأرضية ويضمان ربع سكان العالم. ونحن معاً نمتلك ثلاثة مقاعد دائمة فى مجلس الأمن والسلم التابع للأمم المتحدة. ونحن نحتاج للسلام والتعاون المشترك والحوار بدلاً من الحرب والمواقف المنفردة والمواجهات. نحن نحتاج لتعزيز التواصل والتعاون بخصوص المسائل الدولية ولعب دور مهم للحافظ على السلم والاستقرار العالمي. وبمثل ما يمكن إنتشار الحضارة والثقافة يمكن انتشار السلام والتنمية. إن الصين مستعدة للتعاون مع الإتحاد الأوروبي لايقاد شعلة السلام بعيداً من جحيم الحرب واشعال دفء الرخاء والإزدهار فى برودة شتاء الاقتصاد العالمي وتمكين جميع البشرية للانطلاق فى مسار التنمية السلمية والتعاون المثمر والمفيد للجميع.
نحن نحتاج لبناء جسر للتنمية والإزدهار يربط بين أكبر سوقين هما الصين والاتحاد الأوروبي. الصين والاتحاد الأوروبي يعتبران أكبر أهم اقتصادين رئيسيين فى العالم ويبلغ حجم اقتصادنا معاً ثلث حجم الاقتصاد العالمي. ينبغى علينا تعزيز السوق الحرة والإسراع فى المفاوضات بخصوص اتفاقيات الاستثمار واستكشاف مجالات التجارة الحرة بشكل فعال والكفاح لتحقيق أهدافنا الطموحة لبلوغ مستوى تبادل تجاري يصل واحد تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2020م. ويجب علينا دراسة كيفية تعزيز التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي من خلال مبادرة إحياء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير لأجل تكامل أسواق آسيا وأوروبا وتحريك الشعوب وشركات الأعمال ورؤوس الأموال والتكنولوجيا فى آسيا وأوروبا وجعل الصين والاتحاد الأوروبي بمثابة محركين توأمين لنمو الاقتصاد العالمي.
نحن نحتاج لبناء جسر الإصلاح والتقدم الذى يربط عمليات الاصلاح فى الصين والإتحاد الأوروبي. كل من الصين والاتحاد الأوروبي يقومان بإصلاحات غير مسبوقة فى تاريخ البشرية. وكل منهما يبحران فى بحار غير مكتشفة. يمكننا تعزيز الحوار والتعاون فى مجال الاقتصاد الكلي والسياسة العامة والتنمية الاقليمية والتنمية الريفية والرعاية الاجتماعية والمجالات الأخرى، نحن نحتاج أن نحترم مسار كل منا فى طريق الاصلاح والاستفادة من تجربة كل منا فى الاصلاح وتعزيز التنمية والتقدم العالمي من خلال جهودنا المبذولة للاصلاح.
نحن نحتاج لبناء جسر إزدهار حضارى مشترك يربط بين حضارتين رئيسيتين فى العالم هما الحضارة الصينية والحضارة الأوروبية. تمثل الصين بشكل مهم الحضارة الشرقية بينما تمثل أوروبا مهد الحضارة الغربية. الصينيون مغرمون بالشاى والبلجيك مولعون بالبيرة. بالنسبة لي شارب الشاى المعتدل ومحب البيرة المتحمس يمثلان فهمين مختلفين للحياة وبمعرفتى بالعالم أجد كل منهما مشوقاً وممتعاً. عندما يلتقي الاصدقاء الأعزاء ربما يريدون الشرب والشراب حتى الثمالة لإظهار عمق الصداقة. وربما يختارون شرب الشاى بينما هم يدردشون حول أمور حياتهم. فى الصين نحن نقدر فكرة ومبدأ المحافظة على” التوافق بدون التماثل” وهنا في أوروبا يركز الأوروبيون على الحاجة “للوحدة فى إطار التنوع”. دعونا نعمل سوياً لأجل أن تتفتح أزهار جميع الحضارات البشرية معاً.
بالرغم من التغييرات والتحولات العديدة فى المجال الدولي كانت الصين تقوم دائماً بدعم التكامل الأوروبي ودوره الكبير فى الشئون الدولية من خلال اتحاد أوروبي موحد ومستقر ومزدهر. ستقوم الصين قريباً بنشر ورقتها الثانية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي لأجل تأكيد أهمية المكانة التى توليها الصين للاتحاد الأوروبي وفيما يتعلق بعلاقاته مع الصين. في السنة الماضية قامت الصين والاتحاد الأوروبي بشكل مشترك بصياغة الأهداف الاستراتيجية للتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي حتى عام 2020م بوضع مجموعة من الأهداف الطموحة للتعاون الصينى الأوروبي فى ما يقارب مائة (100) مجال. يجب على الجانبين العمل بتناغم وانسجام لترجمة الخطط إلى واقع فى تاريخ مبكر والعمل على تحقيق تطور وتقدم كبير فى العلاقات بين الصين والإتحاد الأوروبي فى العقد القادم.
السادة أعضاء هيئة التدريس والطلاب
لقد قامت جامعة أوروبا فى السنوات الأخيرة بالتركيز وبمزيد من الإهتمام على الصين. وقد باشرت تدريس كورسات عن العلاقات الأوروبية الصينية وهى مشغولة الآن بانشاء مركز أبحاث أوروبا والصين المتخصص فى دراسات العلاقات الأوروبية الصينية. لقد قررت الصين العمل مع الجامعة وإنشاء “المكتبة الصينية” التى ستكون الأولى من نوعها في دولة عضو فى الاتحاد الأوروبي وستوفر الصين لغرض البحث العلمي والأكاديمي عدد عشرة آلاف (10,000) كتاب وشريط وفيلم عن التاريخ والحضارة والثقافة والإنجازات التى حققتها الصين فى مختلف المجالات.
وبحسب اعتقادنا نحن الصينيين يحتاج المرء لا أن يقرأ عشرة آلاف (10,000) كتاب فحسب بل يحتاج كذلك السفر لمسافة عشرة آلاف (10,000) ميل لمعرفة العالم من حولنا. إننى اقترح عليكم الذهاب بشكل دائم الى الصين لتروا بأنفسكم كيف هي الصين. إن ما تسمعونه من الآخرين ربما يكون محض كذب وافتراء ولكن ليس من رأى كمن سمع. تسعى الصين للعمل مع الاتحاد الأوروبي لكي يصل عدد الطلاب المبتعثين فى إطار برنامج التبادل العلمي بين الجانبين 300,000 طالب سنوياً حتى حلول عام 2020م.
الشباب مفعمون دائماً بالحيوية والطموح والأحلام الجميلة. إنهم مستقبل الصين وأوروبا وبالطبع العالم. أمل أن ينظر الطلاب الصينيين والأوروبيين للعالم بمنظور العدالة والمساواة والاحترام والمحبة ويتعاملون مع مختلف الحضارات بتقدير وباهتمام وبروح الفهم المشترك. بهذه الطريقة، سوف تعززون الفهم المشترك والتعارف بين الشعب الصينى والشعوب الأوروبية والمناطق الأخرى من العالم وبطاقتكم الشبابية وعملكم الشاق سيكون كوكبنا أفضل مكان للحياة.
شكراً.