مبادرة غير وطنية "لآل " المؤتمر الوطني السوداني !!/محجوب حسين

تناقلت الأنباء خلال الأسابيع الماضية  أن رئيسة دولة ملاوي تبنت موقفا  ضد الرئيس السوداني  و ليس الشعب السوداني كما نعتقد ،  فيها  رفضت  إستقبال الرئيس السوداني علي أراضيها   خلال قمة الإتحاد الأفريقي و التي كانت مرتقبة  أن تنعقد   في بلادها في يوليو القادم  ، مهددة في حال دخول الرئيس السوداني البلاد سوف تعمل علي إعتقاله وفق إلتزامات دولتها مع محكمة الجنايات الدولية ، حيث الأخير  مطارد / هارب / فار – وفق اللغة القانونية – من العدالة  الدولية  بحكم جرائم في إقليم دارفور النائي ، و علي إثرها شهدت الخرطوم و الإتحاد الأفريقي عمليات شد و جذب ، إعتذرت بعدها ملاوي من إستضافة القمة و التي تم نقلها  إلي  عاصمة المقر أديس أبابا  حتي يتسني للفريق السوداني من إنجاز بطولة وهمية أخري تضاف إلي سجل البطولات الوهمية الحافلة . و لا نعرف ماذا تقول الخرطوم إن تبني الرئيس الأثيوبي نفس هذا الموقف بعد القرار الأمريكي و القاضي بوقف الدعم عن الدول التي تستضيف الرئيس السوداني ، و نفس الأمر ينسحب إلي القاهرة  و أخريات كثر بما فيها إسرائيل و التي تستحوذ علي نصيب الأسد من المعونة الأمريكية  ، هذا فيما إذا قررت الخرطوم فجأة زيارة إسرائيل!!
مما سبق ،  أجد  و  من خلال هذا الموقف الملاوي  و الذي يندرج ضمن التضامن التاريخي لدولة ملاوي و رئيستها  مع الشعب السوداني و كذا في ظل مؤشرات الثورة التي إشتعلت في السودان اليوم ثمة   روح مبادرة عريضة  و مهمة   أطرحها  علي  ” آل المؤتمر الوطني ” السوداني ،  خصوصا و المؤتمر الوطني الحاكم  يقترب من الإحتفال بجنائزية سودانية جديدة  يقال لها في السودان ” العيد / المأتم السوداني  الثالث و العشرين للإنقاذ البشيرية و التي   فيها  تجاوزت حدود الطبيعة و العقل و الظواهر الإنسانية  و كل المقدسات الدينية ، حيث  تدير  دولاب دولة “الخرطوم”  و عاصمتها الخرطوم  و دولاب السودان و هي جمهورية السودان المتسعة و تلك  الخارجة عن نطاق سيطرة الخرطوم و فق مفهوم وعي” الخراب” الذي يتسيد الواجهة  .
و بالعودة إلي المبادرة ينبغي الإشارة إلي أن  الأهم ما في هذه المبادرة كما يتبين من عنوانها فهي أولا  “غير وطنية”  و ثانيا موجهة للمؤتمر الوطني  ،  و الثالثة البحث فيها عن  مخرج تمهيدي  للسودان الدولة و  الشعب فضلا عن مأزق المؤتمر الوطني  و الذي وضع فيه الجميع  ، و تعليلنا للأول ، آتي كحكم ذاتي إستباقي لماهية مبادرتنا – حتي لا نقع في دائرة التخوين  و الإلحاد الوطني –  لأن الوطن و معايير وطنيته و شروط الإنتماء إليه حددت و بشروط قاسية و هي موضوعة في مكتب تسجيلات المؤتمر الوطني حصرا و القائلة  أن  كل ما  هو خارج عن ” الوطني” فهو  غير وطني و العكس صحيح  ، و المؤتمر الوطني  في هذه الحالة إرتفع   إلي مصاف ” المقدس ” الدنيوي و الديني ،  بل فاقه  في أحايين كثيرة. أما في الثاني فأمره معلوم و هو المؤتمر الوطني الحاكم ، المالك ، المنتفع  و في إجتهادات أخري أن ” المؤتمر الوطني” يعني   أرض السودان و شعبه و ماؤه و هواؤه و سمائه  و التي هي أرض إمتياز بكر  و منفعة خاصة جدا و  تمت  وفق عقد إكراهي  غير محدد المدة ، علما أن تاريخ التعاقد معلوم و كان في الثلاثين من يونيو العام 1989، غير قابل للبطلان أو الفسخ  أو الإنهاء إلا ببيعه لآخر و بمقابل معلوم و سرا  أو  وفق قوة قاهرة بمفهومها  الواسع  !!! أما الثالث فهو مدخل  يبحث عن مخرج  أولي  للسودان الدولة و الشعب شأننا شأن جميع الذين – رغم أن مبادرتنا غير وطنية  و الزمن ليس زمن مبادرات كما يري أخرين-    يعرضون مبادرات ، كانت جلها ما بين المبادرات الإلتفافية أو تلك التي تبحث عن دور مع المالك قصد التماهي معها للإغداق أ و المنح جاء  كرسيا وظائفيا  أو جنيها سودانيا غير قابل للتحويل أو قابل له أو تلكم المبادرات القطعية و الحدية و التي هي محمودة لدي كثيرين .
شروط الشكل !!
أما عن شروط الشكل   في  هذه المبادرة ، فتتطلب  أن يفترض الجميع ، سودانيا  و إقليميا و دوليا  ، مؤسسات و نظم و شعوب – و أكاد أجزم أن لا أحدا يتفق معي  حتي أولئك  المعنيين بالمبادرة من أعضاء  المؤتمر الوطني خارج اللعبة  و قاعدته المهمشة   –  و مفاد هذا الإفتراض هو أن المؤتمر الوطني هو تنظيما سودانيا ليس عاديا و هو  إنسانيا خلاقا و إستثنائيا ، ليست عصابة ، و أعضائه و رموزه يمتازون بالشفافية و المصداقية و الأمانة خصوصا أولئك  العاملين و المشتغلين في اللعبة الضيقة ، ليست لهم علاقة بالفساد و الإجرام و الظلم و السرقة الموصوفة و لا الإبادات الجماعية و جرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب و التجويع و القتل و الإعتقال و التعذيب و السجن …… أو هكذا كذلك ، و  ظلوا مع هذا و  طوال العقدين الماضيين ساهرون علي الوطن و إنسانه و أمنه و علاجه و تعليمه و ضمنوا له حق عيشه  ، أقاموا له  شرعة السماء في أرضه ، جسدوا قيم الحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان  و المواطنة و هزموا الكراهية و العنصرية  و رسخوا الوحدة  و السلم و السلام ، إلي ذلك  بنوا صرحا للإقتصاد و الإجتماع و الثقافة  و حققوا توصية مؤتمر الإستراتيجية الأول في كون السودان دولة” عظمي ” حققت  مجتمع العدل و الرفاهية و المساواة و التقدم و الإذدهار ، فيما دبولماسيته  برع في بناء دبولماسية سودانية قائمة علي الثقة و التوازن و التبادل و التعاون المشترك  ، هم وحدهم صنعوا التاريخ السوداني و هم ورثته و هم ميلاده و دونهم بني السودان يمثلون صفرا كبيرا  ، لا أحد قبلهم أو بعدهم  و لا نريد غيرهم  ….. إلا أن  المجتمع الدولي و عملاء الصهيونية و الإمبريالية و أعوانهم و أزيالهم  ما إنفكوا يتربصون بهم و بإنجازاتهم  ، و بما   لأنهم يمتازون بكل ما هو خارق و خازوق بشري  ، هم وحدهم  نشاذا لا شذوذا إنساني ، لذا يكيلون إليهم المؤامرات و الدسائس و الفتن و الحقد و المنافسة الغير الشريفة قصد الإطاحة بهم أو بالأحري تصدير القوة القاهرة عبر ” الجبهة الثورية السودانية ”  إلي مملكتهم  قصد نزع الملك و التملك ما داموا غير قادرين – أي الأجنبي  الخارجي –  لجلب الطير الأبابيل لجعلهم كعصفن مأكول!! ذاك مجمل شروط الشكل و عناوين الأفتراض.
محتوي المبادرة !!
أما  محتوي المبادرة فتفيد و دون مقدمات قائمة علي الكليشهات  ، أولا  أن يعمل  المؤتمر الوطني الدولة و الأجنحة و اللوبيات و المصالح  الداخلية بخلية تفاكر سياسية أمنية  مسؤولة و تنتج عنها في الأخير و سريعا    تنفيذ أوامر محكمة الجنايات الدولية وفق فقه الضرورة و التي بها أجاز المجلس الوطني قرض ربوي بقيمة 50 مليون دولار حسب جرائد الخرطوم ، و فقه الضرورة هنا واجب للمؤتمر الوطني ما دام أنه عرف أن  حراك التاريخ السوداني يتقدم ضده  و بشكل   متسارع  لرسم  تشكيلات جديدة في السودان المنقسم و بالتالي عليه  كسب رهان الوقت و الذي بدأ يضيق  بناءا علي جريان الساعة السياسية في السودان  و التي قد لا تفسح له مجالا للكسب أو الفوز أو إعادة الإنتاج مجددا ما دام لم يتحكم في جريانها  ، و بجانب ذلك ، أيضا هو خلاصا  للكثيرين منهم أكان  هاربا  أو باقيا في السودان و بالشك هو  مخرجا أوليا   لفك طلاسم  الشأن السوداني في راهنه ، و الأهم  تتخلص الدولة و الشعب و الحزب الإجرامي   من عطب كبير بل عبء ثقيل ، و حتما سوف تسهل عملية    تفكيك   المنظومة الإجرامية  كلها و الواقعة  أصلا  في  فلك الإنهيار و السقوط  عاجلا  أم آجلا و  لفائدة  عقد  سياسي/ إجتماعي / ديمقراطي / تعددي   جديد غير مبني علي الإجرام  مع كل شركاء الدولة السودانية ، خصوصا و الرأس بات يعكر صفو الإقتصادي و الإجتماعي و العدلي و القضائي و الدولي و  ينتج  معه  كل الفعل القمعي و  الحربي الداخلي / الداخلي و الدولي  بل إنهاءا  للدولة بمجملها ،  علما  هذا البند/ المبادرة العريضة  تتوقف علي شرط واقف و هو  أن يقبل  الشعب السوداني الإفتراض الذي جاء  في شروط الشكل المشار إليها آنفا . حيث بالمقابل  هناك رأي “متطرف و له شرعية في تطرفه” و   يتبني منهج ” كنس” المؤتمر الوطني في مقابل وعي “الخراب” الذي إنتهجه الأخير  و هو موقف ننتمي إليه و يحمل قناعة لنا .
إذن و في الختام ، تجدر الإشارة إلي أن  مدخل معالجة الوضع السوداني داخليا و خارجيا- حتي للمؤتمر الوطني  المجرم –  يبدأ من هنا و بشكل واقعي و عملي ، لأن الدولة و سلوكها و نشاطها ، بل نشاط الحزب نفسه  كله بات  مرهونا بل معتقلا  في  المحكمة الجنائية  و التي لم تعد أداة لتحقيق العدالة الدولية   عند حاكم الخرطوم و حكامه  بل  أيدولوجيا  و هوس  يومي ، و من خلاله  يمكن لنا أن نفسر كل المواقف السودانية المتطرفة و المعتدلة و العادية  و كل السياسات و تشكيلات الحكومات و التعينات و المرتبات و الهبات و المنح و الرشي و الربا و  الإعلام و القوانين و المؤسسات الدستورية والأوسمة و النوط  و   الفتاوي و المؤتمرات و الإجتماعات و الزيارات  و الإنهيار الإقتصادي و الإجتماعي  و الحروب الضروس و التنقيب و المجاعات و قتل الأرواح و  علامات إنهيار الدولة الماثلة للعيان و قمع المظاهرات  . إنها المحكمة الجنائية التي تبحث عن تحقيق العدالة للسودانيين و محاكمة المشروع الحضاري السوداني أمام أعين العالم بإعتباره عاهة في جبين البشرية تحملها الشعب السوداني في عقدين و نيف.
عموما نقول وضعنا هذه المبادرة لأن زمن ساعة البشير إنتهت ، نعم إنتهت و هو ما نسعي إليه كما يسعي إليه الجميع  ، و المطلوب فيه أخلاقيا  خروجا لا يتحمل فيه  الوطن و شعبه أي زيادات جديدة  في دفتر خسائره و التي إستمرت و إمتدت إلي ربع قرن إلا قليل.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *