ما بين اغتيال الدكتورة ابتهال عبد الرحيم و خميس عبد الله ابكر .. ثمة حكمة مطلوبة او الحريق

بقلم : حسن إبراهيم فضل

أقلام متحدة

في مايو 2005, فجع المجتمع السوداني عامة واهل دارفور على وجه الخصوص بواحدة من الجرائم الموجهة والتي اريد بها ضرب واحدة  من الحصون المتينة للمجتمع الدارفوري  الذي يقوم على احترام الأعراف والقيم القبلية  وموروثاتها  والتأكيد على ان كل  فرد فيها يجب ان يكون محل حماية من العشيرة  وزعيمها  ,ونبذ كل من يشذ  عن بعض القيم التي تنتقص من قيمة من يرتكبها خاصة استهداف النساء, غير ان النظام وقتها عمد الى تكسير تلك القيم واستهدافها بل سعى بكل ما يملك  بضرب النسيج الاجتماعي ودك اسفين الفرقة بين المكونات الاجتماعية وتعاظمت تلك العملية بعد قيام الثورة المطلبية في دارفور والتي  لديها مطالب معروفة ومحددة غير ان النظام أراد ان يجرم قيادات الثورة  والمكونات التي ينحدرون منها وكل ما يتعاطف معها فكانت الإبادة التي جرت في دارفور في العام 2003 وما تلاها من الجرائم , ولم يهدأ بال لقادة النظام وقتها من تدبير كل ما من شأنه تحقيق أهدافها , باستهداف اعيان القبائل ومثقفيها.

ومن تلك الجرائم  ما فجعت بها  نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور وفي أهم  قلاعها التعليمية جامعة نيالا والتي تعتبر من  الصروح التعليمية المهمة, فجع الناس باغتيال الأستاذة / ابتهال عبد الرحيم حمدو  طالبة الدكتوراه  والاستاذة بالجامعة واحدى نابغات دارفور التي دفعت بها جامعة الجزيرة التي شهدت كل ركن فيها بتلك النابغة المفعمة والمقبلة على الحياة والتي لطالما رددت انها لا تهدأ لها بال حتى تسبق اسمها بالف  دال وان تضيف اربع لغات أخرى لما تتقنها وقتها وهي العربية والانجليزية.

اغتيلت ابتهال بطعنة غادرة من احد طلابها والموظف في مكتبة الجامعة وهو أيضا عنصر من  عناصر جهاز الامن الشعبي يحمل رتبة العريف , وذلك بعد أيام من زيارة قام بها مهندس وراعي مليشيا الجنجويد علي عثمان محمد طه والذي زار الولاية للتأكيد على ضرورة تسليم دارفور خالية من التمرد ومن كل من له صلة اجتماعية بقادة التمرد او يتعاطف مع قادتها.

لم تكتف تلك الايادي الغادرة التي اغتالت ابتهال في ان سلبوها حقها في الحياة بل لاحقوها الى المقابر ونبشوا قبرها وهو إصرار غير مسبوق  ومحاولة مفضوحة لجر المكون الذي تنتمي اليه ابتهال  للمحرقة التي اعد مسرحها بعناية لولا حكمة اعيان ذلك المكون والجلد والصبر الذي تحلى به والد ابتهال ذلك الضابط المهني الصارم المهنية ففوت الفرصة على أولئك في ان تحقق لهم ما أرادوا.

وها هي الأيام تدور مرة أخرى بعد (18) ثمانية عشر عاما لتتكرر جريمة أخرى وفاجعة اكثر فظاعة في انتهاك حقوق الانسان وهي جريمة الإبادة التي جرت في الجنينة و اغتيال المناضل الشهيد الجنرال  خميس عبد الله ابكر والي غرب دارفور ومرافقه وحراسه والتمثيل بجثامينهم, في يوم 14 يونيو 2023, فضلا عن الاخبار المتواترة عن اغتيال والده كذلك بذات المنهجية  في واحدة من افظع الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في دارفور والسودان .

ان أكثر ما يعقد  الازمات السودانية خاصة تلك التي تتعلق بالقضايا المطلبية هي استدعاء المسؤولون  او السلطات الحاكمة  للقبيلة والجهة وتوظيفها في التعاطي مع تلك المشكلات والإصرار على  وأد القضية وتصفيتها كليا عوضا عن  مواجهتها والسعي على حلها جذريا وابتدار الوسائل الناجعة التي تمنع تكرار تلك المشكلات.

ولا شك ان إحدى المشكلات الأساسية  على مدى  عقود من الزمان  في تعاطي الحكومات المتعاقبة مع التمرد والذي بدأ قبل استقلال السودان ان المشكلة تكمن في  استمرار  الحكومات السودانية في اتّباع سياسة دعم الميليشيات الإثنية، ولا شك ان أزمة دارفور مثلت واحدة من الأمثلة الصارخة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان  والجرائم البشعة التي ارتكبتها هجمات مليشيات الجنجويد المريعة  التي أدت إلى طرد المدنيين  من أراضيها وهي هجمات كانت معلنة الأهداف  اولاها تنفيذ مخطط  في التغيير الديمغرافي وتثبيت واذكاء ووهم الغاء الاخر  اوهوس النقاء العرقي  والذي عمد  النظام وبعض الأحزاب السودانية  بتسليح المليشيات القبلية  في دار فور وكردفان في مختلف حقب الازمات السودانية المسلحة سيما في جنوب السودان وجنوب كردفان ودار فور و لعبت تلك  المليشيات القبلية دورًا كبيرًا في تأزيم الأوضاع  وتوسيع  رقعة عدم الاستقرار  الذي كان للإدارات  الاهلية دور فعال في اخماد  تلك المشكلات ذلت الطابع القبلي خاصة في دارفور التي يقوم المجتمع فيه  أساسا على تعظيم قيم العشيرة وكبير العشيرة والشيخ والعمدة والشرتاي والناظر وهي منظومات إدارية لها مكانتها وقدسيتها كذلك في انها تمثل مصدر ثقة وامان لمكونات تلك الإدارات وبالتالي ضرب وتكسير مرتكزات هذه  المنظومة  ستؤدي بالضرورة الى عدم الاستقرار وانفراط عقد  الامن لذلك عمد  أصحاب الغرض الى ضرب هذا البناء الاجتماعي الراسخ والذي يعبر عن دارفور السلطنة والدولة ومثلت واحدة من أنصع تجارب الاستثمار في  التنوع في  مجتمع يقوم على القبيلة والعشيرة، حيث تشكل أحد أهم المحاور في الحياة اليومية لسكان الإقليم، فضلاً عن أن النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي يُبنى أساسًا على الزراعة والرعي، وعلى كيفية المحافظة على سبل العيش والحياة من خلال قوة وتأثير القبيلة في المنطقة التي تتحرك فيها،  ولما كانت الإدارة الاهلية يعتبر صمام امان ولها من الصرامة والجدية في التعاطي مع المشكلات العابرة  كان لا بد من ضربها أولا بتغييرها وباختلاق واستحداث إدارات ضرارة لما هو قائم  وخلق مليشيات ودعمها ماديا وتسليحها , وهي ذات السياسات التي انتجت مليشيا الجنجويد التي ارتكبت الإبادة الجماعية في دارفور لتعود لتكرر ذات الفظائع وبطريقة ابشع في الجنينة ومناطق أخرى .

ان جريمة اغتيال الشهيد عبد الله ابكر والتمثيل بجثته واستهداف  المحاميين وأساتذة الجامعات ورموز الإدارات الاهلية والذي  تتحدث إحصاءات أولية عن مقتل اكثر من 30 ثلاثين من المعلمين والمحاميين والناشطين وأساتذة الجامعات وافراد من عائلة السلطان في الجنينة وهو مؤشر خطير و اعتقد انه نذر حرب شاملة أعلنتها تلك المليشيات بفعلتها تلك وان ثمة حكمة مطلوبة من جميع الفاعلين في الشأن السوداني والدارفوري بشكل خاص لتدارك ما يمكن ادراكه, ان منظر سلب  النساء النازحات حتى  ابسط ما يحملنه  في رحلة الفرار من الموت الى تشاد الشقيقة تؤكد امعان الجناة والإصرار على ارسال رسالة مفادها انها ماضية في جرائمها وتنفيذ مخطط التغيير الديمغرافي الذي لم يكن وليدة اليوم بل هناك احزب كبرى في الخرطوم لعبت دورا أساسيا فيه منذ السبيعينات.

ان الرسالة التي يجب ان تكون واضحة للذين ما زالوا يتوهموا الغاء الاخر  سواء كان بالتصفيات الجسدية لاعيان مكوناتها او بقتل الابرياء من المواطنين العزل  ومهما  حدث ومهما ارتكبت من مجازر  لا يستطيع احد  الغاء الاخر  بقدر ما تزيد الاحتقان والاحتقان المضاد  .

ان الحرب الدائرة في السودان او في الخرطوم تحديدا هي ليست كما  الذي يجري في الجنينة وبعض ولايات دارفور لان حروب دارفور يقودها المليشيات  العابرة للحدود  تحت لواء دولة النقاء الموعودة والتي تعتبر حرب الخرطوم احد رافعاتها وبدعم سخي من بعض  الجنرالات من دول الجوار  وبعض الدول التي لديها أطماع  في الثروات الهائلة التي  تنعم في الاقليم.

ان معركة الخرطوم وما يجري فيها اليوم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت من قبل المليشيات وحتى ما تعرض له الأبرياء في حزام الفقر في جنوب الخرطوم في مايو وغرب امدرمان في الصالحة والمويلح يؤكد  ان السودان ما بعد 15 ابريل 2023 ليس هو السودان بعد هذا التاريخ وهو مؤشر لبداية صفحة جديدة اما سودان موحد  وفق أسس جديدة وقيم جديدة ووجدان وطني ذات حساسية  اذا اشتكى منه أي شبر في اتجاهاته الأربع  تداعى له سائر الوطن ليس بشعارات جوفاء تنهزم مع اول عاصفة ولا بموقف عاطفية كما يردد اليوم , نعم يا أيها المغرور كل البلد دارفور لكنه شعار نكص البعض وتنكب عنه مع اول   منعطف من منعطافات وطننا الملهاة , نريدها حسا وطنيا صادقا ,(كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتتن ).

 

حسن إبراهيم فضل

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *