ماذا تريد حركات دارفور من منبر الدوحة!
بقلم: الهادى ادريس
منبر الدوحة الذي كتبنا عنه قبل بضعة اشهر وقلنا انه اصبح من ضمن تعقيدات ازمة الدولة السودانية في دارفور بدلا من جهود الحل، فها هي مالاته تسير في نفس الاتجاه الذي توقعناه. ليس فقط بان منبر الدوحة غير مؤهل للقيام بدور في العملية السلمية في دارفور كما وصفه رئيس لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الامريكى جون كيرى، بل نسطيع ان نقول من خلال قراءاتنا للواقع الماثل امامنا بان حركات دارفور هى الاخرى لا تعرف ماذا تريد بالضبط من الدوحة فزادت من تعقيدات المنبر تعقيدا اخر.
حركة التحرير والعدالة التي لا زالت تفاوض بشكل رسمي في الدوحة مع نظام الخرطوم لم يتخطي سقفها التفاوضي سلطة اقليمية ومنصب نائب الرئيس لدارفور. اما حركة العدل والمساواة فمدخلها التفاوضى لحل ازمة دارفور لم يكن واضحا للجميع. لذا دعونا نتناول المطلبين المذكورين باعتبارهما السقف المطروح فى الدوحة لان الوساطة ذاتها تتبنى هذا المدخل وتحاول حمل المؤتمر الوطنى، حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور للموافقة عليها. الوساطة تعمل ذلك ليست بالضروة ان تكون ذلك قناعته لحل النزاع بقدر ما انها تريد حفظ ما وجهها من الفشل الذي بدا ظاهرا للعيان.
اذا تحدثت عن مطلب الاقليم الواحد ومدى واقعيته كمدخل لحل الازمة فى دارفور, قد اجد الكثيريين يتفقوا معي بان الجذور التاريخية للتهميش فى اقليم دارفور تعود الى ما قبل الاستقلال حيث عاقبت بريطانيا سلطنة دارفور من جراء وقوفها في الحرب العالمية الاولي مع دول المحور مع السلطان العثماني ضد الحلفاء وتم احتلال دارفور و قتل اخر سلاطينها السلطان علي دينار و ضم دارفور رسميا الي السودان في الاول من يناير 1917م، ثم جاء استقلال السودان عام 1956 حيث استأثرت النخب النيلية على السلطة والثروة فى السودان وتعاملوا معهما باعتبارهما ملك خاص لهم و بالتالى حرمت مشاركة الآخر (الهامش). فتوطدت جذور التهميش في السودان. طوال تلك الفترة اى من الاستقلال حتى مطلع التسعينيات كان اقليم دارفور موحدا ويدار من الفاشر، لكن لا نستطيع ان نقول ان في ذلك الوقت لا يوجد تهميش لان اقليم دارفور كان موحدا بمعنى آخر فان التهميش لم يبدا مع تفتيت اقليم دارفور الى ثلاث ولايات فى 1993، بل ان التهميش موجوا حتى قبل التقسيم، و بالتالى سوف يستمر التهميش حتى لو وافق النظام على مطلب الاقليم الواحد، طالما ان هذا المطلب لا يمس تركيبة السلطة المركزية القابضة.
ان ازمة الدولة السودانية في اقليم دارفور لاتحل بعودة الاقليم الواحد انما تحل باجراء اصلاحات جذرية فى بينة الدولة السودانية وتركيبتها الادارية والسياسية اى تفتيت مركزية السلطة فى الخرطوم لصالح كل اقاليم السودان المهمشة بما فيها دارفور . اما الحديث عن سلطة اقليمية مهامها تنسيقية بين المركز ودارفور فهى تمثل قمة السذاجة السياسية، لان فيها تكرار مخل لاتفاقية ابوجا ، ومن سخرية القدر ان يرفض النظام الموافقة على هذا المطلب” المتواضع” الذى لا يعبر ان اماني وتطلعات السواد الاعظم من ابناء الاقليم.
عليه فان مشاركة كل السودانيين ولاسيما الاقاليم المهمشة مهمة حتى يتم الضغط على المركز لكى يقوم باجراء اصلاحات هيكلية فى بنية الدولة السودانية. و مشاركة اهل السودان بمختلف توجهاتهم وتنظيماتهم السياسية والمدنية واقاليمه الجغرافية مهمة جدا لان جهة واحد قد تكون غير معنية بدفع استحقاقات تغير نظام الحكم فى الخرطوم وتجربة جنوب السودان لا زالت ماثلة امامنا.
المطلب الثانى لحركة التحرير والعدالة هو تخصيص منصب نائب الرئيس لدارفور، وهى وظيفة اكثر من ان تكون مطلب لان على مدي التاريخ السياسى للدولة السودانية هذا الموقع ظل في اكثر الفترات يشغله ابناء الهامش ووصفه موظف بالقصر(كما قال جوزيق لاقو كنت بقرا جرائد فقط) لان كما قلنا ان الدولة مسيطر عليها اشخاص محددين يعتبرون الدولة شركة مملوكة لهم.
ان القبول بمنصب نائب الرئيس لدارفور يمثل خطأ تاريخى ويكرس للدونية السياسية، ويضع سابقة خطيره يصعب تلافيها في المستقبل ، وتجربة اخواننا في جنوب السودان غير بعيدة عن الاذهان عندما قبلوا بهذه الوظيفة بعد اتفاقية اديس ابابا، فاصبحت هذه الوظيفة حكرا لهم حتى تاريخ دخول جون قرنق الى القصر . فدارفور بعد انفصال الجنوب المؤكد صار الاقليم ذو الغلبة السكانية وبالحق الديمقراطى والتاريخي يستحق ان تكون لها الرئاسة . فيجب على الحركات المطالبة بذلك الحق دون اى خجل او دونية.
بعد استقلال الجنوب يجب على حركات دارفور بغض النظر عن مسمياتها ان تتواضع وتجلس وتحدد بالضبط مطالبها من المركز وتترك العنتريات والمشاكل الشخصية، حتي لا تفسح المجال للمؤتمر الوطنى فى تنفيذ استراتجيته من الداخل . ففيما يخص الاقليم الواحد فهذا المطلب ينبغى ان يتطور الى المطالبة باصلاح ادراى وهيكلي شامل فى بينة وتركيبة الدولة السودانية . و ينبغى ايضا على الحركات الثورية بدرافور ان تعمل مع بقية اقاليم السودان المهمشة الاخرى. لان ليس من الاخلاق والمنطق ان تمنح اقليم دارفور حكم ذاتى وتحرم جبال النوبا او الانقسنا او الشرق او كردفان . فاذا لم تستطيع الحركات الثورية في دارفور التعامل مع الكيانات السودان المهمشة الاخرى فى هذة الحالة عليهم الا يضيعوا الوقت و يطيلوا من معانات اهل دارفور فعليهم المطالبة بحق تقرير المصير لدارفور.
كل هذه المطالب سوف تكون امانى لو ظلت حركات دارفور منقسمة على ذاتها ولا تعترف ببعضها البعض وغير قادرة على على تقديم مطالبها بشكل محدد . فشعب جنوب السودان طوال تاريخه النضالى ضد المركز اتسم بالوضوح والصراحة. صحيح انه كانت هناك انقسمامات فى الرؤية، فمثلا الاباء الوطنيين الاوائل كانوا قد فضلوا انفصال الجنوب، ام الرؤية الثانية فجاءت مع الحركة الشعبية وهى وحدة السودان لكن على اسس جديدة. و لان الجنوبيين كانوا صريحيين وواقعين فى مطابهم دخلوا فى قتال مرير فيما بينهم ولكن اى من الفكرتين لم تسطيع قتل الاخر، الى ان استلهم المعلم الراحل الدكتور قرنق فكرة المؤامة بين الرؤيتين فى مؤتمر توريت عندما تبنت الحركة فكرة تقرير المصير وهى كانت بمثابة تسوية تاريخية إعادة اللحمة فى جسد الجنوبين، لذا فاوضوا على اساسها واقفلوا اى باب لمرواغة المركز و الثمرة هى العتق والتحرر من السودان القديم العنصرى.
على حركات دارفور ان تتعلم من تجربة حركات التحرر فى جنوب السودان وتحدد بالضبط ماذا تريد من الخرطوم عبر منبر الدوحة او اى منبر اخر. عليه، على حركات دارفور ان يعقدوا مؤتمرا دولى يجلسوا فيه من دون تدخل اى طرف لكى يجاوبوا على السوال الاولي البسيط( ماذا نريد) ويتم التامين والاتفاق حول المطالب ووقتها فليفاوض من اراد التفاوض . من دون ذلك لاسلام بل اعطاء كل المبررات على نظام المؤتمر اللاوطنى لمواصلة حملات الابادة الجماعية عبر ما يسمى بالسلام من الداخل وسوف يتواطئ معه كل المجتمع الدولى بما فيهم امريكا لان العالم فشل ان يعرف ماذا فى رؤوس حركات درافور.