لفك عقدة البشير ومتمرديه في أديس أبابا… مطلوب من ثابو مبيكي طلب حضور البشير عاجلا

محجوب حسين

الناظر للحراك السياسي السوداني الذي يجري خلال هذه الأيام في مقر الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، القائم تحت عناوين مختلفة، أتت على شكل حوار، مفاوضات، مباحثات ولقاءات بين القوى السياسية الوطنية المسلحة والمدنية مع بعضها بعضا، أو تلك القائمة بين قوى المقاومة المسلحة وقوم «داعش» الحكوميين، تُذكر المراقب بأجواء شبيهة رغم ثنائيتها، وقعت في «نيفاشا» بكينيا العقد الماضي بين مؤسسة الحكم السودانية والحركة الشعبية.

ففي نهاية مفاوضات الأخيرة عمدت الخرطوم، التي تعيش حالة انسداد على إنتاج ذات أدوات الفشل الكامنة في العقل الداعشي لإدارة أزمة البلاد جنوبا، حيث بالطريقة ذاتها قامت بذبح الوطن والتخلص من جزئه الجنوبي، الذي هو مصدر دينامكيته الاقتصادية، مقابل بقائها في حكم البلاد السودانية، بدون أي مهددات للسلطة القائمة، بل العمل على احتكار الجزء المقطوع شمالا.

يلاحظ ضمن هذا السياق، أن الأسباب التي دفعت إلى حل أزمة السودان في جنوبه وفي خارج حدوده ما زالت هي نفسها ماثلة في شماله، بل ربما عرفت الأزمة تحولات نوعية وكمية فاقت كلية الأزمة السودانية، قبل استخراج حكومة السودان مشرطها وقطع البلاد. اليوم تنقل الأزمة السودانية مجددا خارج الحدود، وبأسباب الخلل السابقة نفسها، بمسعي دولي/ أفريقي للإمساك على الأقل بمفاتيح حلها، ومن ثم البحث عن الأطر السياسية العقلانية لتسويتها، عبر توافقات أو مساومات بالضرورة يجب أن تقع بين فرقاء وشركاء الأزمة الوطنية السودانية الموجودين في أديس أبابا، رغم سكين داعش المرفوعة دائما.

الواضح للعيان من خلال وتيرة المخطط السياسي الجاري في أديس أبابا لصناعة السلام السوداني، عبر مسار التفاوض بين الخرطوم وقوى المقاومة الوطنية المسلحة، أنها لم تحرز أي نتيجة أو تقدم يذكر لتحقيق استحقاقات المناطق والمواقع الواقعة محل التفاوض، بدءا من الغرب الكبير إلى النيل الأزرق، حيث عقل الحكم الداعشي ما زال في النمطية السياسية السائدة نفسها، المرتكزة على ثانية الدمج أو الإلتحاق. الدمج في مؤسسة التمركز القائمة بشروط الوصاية والهيمنة الكاملة أو الإلتحاق بالمنظومة ذاتها ووفق الشروط نفسها..

تأتي هذه الثنائية سواء عبر اتفاقات انتهت صلاحيتها أو أخرى مستحدثة تستند إلى المرجعيات نفسها، والمفارقة ضمن مسوغات تبريرها تقول إن تلك هي التزامات قانونية وأخلاقية، في حين أن تعاطيها تاريخيا مع الصكوك القانونية والدستورية هو تعاط مجروح ليس له محل للمصداقية، لأن إلزاميتها تقع عندما تأتي لمصلحتها، فيما تمزق هذه الصكوك، وفي أعلى مستوياتها، عندما لا تخدم مصالحها، وبالتإلى في حال كهذا، لا أعتقد أنها تمتلك شرعية الحديث عن الأخلاق في شيء، وهنا دعوتنا المباشرة لممثلي «السلطان السوداني» في انتهاج أدب سياسي جديد يتجاوز تلك الثنائية، حتى لو تم استدعاء التراث الداعشي نفسه بالقتل أو الصلب أو الإقرار بدفع الجزية أو الاسترقاق، ليس مهما، فقط على الجميع أن يعرف المآل!

أما المسار الثاني الذي يرتبط عضويا بمخرجات الأول، فنعتقد أنه المهم والأساس في رسم مسار وطني قد يفتح المجال لتهيئة الحوار الوطني، ووضع أسسه وأجندته إدارته واشتغال فاعلياته وموقعه، لتعريف الأزمة السودانية أولا ومن ثم معالجة الخلل البنيوي فيها، الذي هو خلل تاريخي ثقافي اجتماعي تحول اليوم إلى صراع إرادات مجتمعية أقوامية، لا تقبل بشروط الوصاية والبقاء ضمن منظومة شروط مؤسسة التمركز السودانية الفاجرة في الاستبداد والإجرام والفساد، حيث في آخر انحرافها لا تعمل إلا بشروط بقاء سلطانها، وما ممثلوه في أديس أبابا إلا لهذا الغرض.. وليس هناك مجالا للاجتهاد، في حين لا يمتلكون أي صلاحية أو أي تفويض غير المناورة وتمييع الحقائق والملفات، وخلطها لكسب الوقت وتضليل الرأي العام المحلي والدولي والإقليمي.

لذا الضرورة السياسية الملحة تتطلب من القوى السياسية والحركية الموجودة في أديس أبابا، تحويل هذا المنبر إلى منبر دولي حاسم لمعالجة الأزمة الوطنية، بلملمة فسيفساء المعارضة السودانية المتقاطعة الأجندات، والمتباينة الرؤى، وفق «إعلان باريس» الذي شكل اليوم مرجعية وطنية لإدارة الصراع مع قوم مؤسسة الحكم في الخرطوم، وآلية مهمة من آليات التحول الديمقراطي، حيث الإعلان كفيل بأن يتطور إلى صياغة المطمح الوطني السوداني الجديد. هذا المنبر فرصة أيضا لإعادة هيكلة المعارضة السياسية في كتلة سياسية وطنية مكتملة تفرز الفعل السوداني بين الخير والشر، للانتقال إلى الدعوة إلى انتفاضة شعبية سودانية ضد الحكم وسلطانه كمخرج نهائي لاستعادة الدولة التي انحرفت بفعل داعيشيها لتحقيق طموحات أفراد وعصبيات ولوبيات، لم تمتلك شرف البقاء في إدارة وتدبير الشأن السوداني اليومي والمستقبلي والإستراتيجي لأكثر من ربع قرن، وما زالت تسعى وتقول هل من مزيد؟
وبالعودة إلى عقدة الوطن في أديس أبابا، نعتقد جازمين أن خيوطها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرئيس السوداني وعقده وتخوفاته، أكثر ممن أرسلهم من دون فعل التقرير، لذا الحاجة تتطلب من الرئيس ثابومبيكي إن أراد إنجاز هذه التسوية دعوة البشير للمثول بين يديه ويدي القوى المناوئة له، إن كان على المسار الأول أو الثاني، ويلحظ في هذا الاتجاه أن منبر أديس أبابا لم ينقصه إلا حضور الرئيس السوداني الذي هو سبب أزمات البلاد، بل عقدتها الحقيقية، تجاه تحقيق تلكم الاستحقاقات إن كان مسار التفاوض أو إشكاليات الحوار الوطني، وبالتالي مثول الرئيس أمام الجمع الكريم ممن يصفهم «بالمرتزقة» أو «شذاذ الآفاق»…. إلخ ووجها لوجه عوض إدارته للأزمة من على بعد، قد يقلل التكاليف وفاتورتها لحسم الصراع الوطني السوداني الذي ينحو حتما بلفظه هو وحكمه.

٭كاتب سوداني مقيم في لندن
القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *