فيما يختص بتاريخ الممارسة الدينية في السياسة

إعادة نشر لحوار الفريق عبدالعزيز الحلو مع جريدة المصير – جوبا
 فيما يختص بتاريخ الممارسة الدينية في السياسة, ثبت تاريخياً أن أي دولة تقوم على الأساس الديني هي دولة تضطهد رعاياها / موقف الشريعة الإسلامية من الرق والإسترقاق غير واضح
مقدمة:
إعادة للحوار الذي أجرته صحيفة المصير بالسودان الجنوبي مع نائب رئيس الحركة الشعبية في الشمال السوداني الفريق/ عبدالعزيز آدم الحلو بتاريخ 23 سبتمبر 2011م.
ونظراً لمواكبة الحوار لتطورات الواقع الراهن المتمثلة في إصرار المؤتمر الوطني على تجديد محاولة فرض قوانين دينية وتمريرها عبر الإستفتاء, نرى ضرورة إعادة نشر الحوار مرة أخرى لمصلحة الراغبين من القراء.
حاوره مثيانق شريلو.
 
س: بدأت الشريعة الإسلامية ومنذ العام 1983م تلعب دوراً محورياً في السياسة السودانية بل صارت طرفاً في الصراع على السلطة, ما هو موقف الحركة الشعبية من ذلك؟
للحركة الشعبية لتحرير السودان موقف مبدئي فيما يتعلق بمسألة الدولة الدينية أو علاقة الدين بالدولة، ولا يقتصر ذلك على الشريعة الإسلامية فقط بل يشمل كافة القوانين الدينية، إسلامية كانت أو مسيحية أو هندوسية، والحركة الشعبية تنادي بالعلمانية لضرورة إخراج السلطة الزمنية من الدين وتطبيق منهج علمي في الحكم قابل للقياس والتصحيح والتطوير ويمكن إجمال موقف الحركة الشعبية دون ابتسار في ثلاثة نقاط هي:
– لا يحق للدولة أن تفرض أي دين أو ممارسة دينية على المواطنين.
– تكفل الدولة حرية الإعتقاد والتدين والتعبد والتنظيم والدعوة بالطرق السلمية.
– من واجب الدولة سن القوانين التي تحمي المواطنين من محاولة أي فرد أو جماعة القيام بفرض عقيدة أو توجهات دينية على هؤلاء المواطنين.
 
س: إذاً ما هي دواعي هذا الموقف المتشدد من الحركة الشعبية، خاصة وأن المؤتمر الوطني يقول بأحقية الأغلبية في السودان الشمالي أن تختار نوع القانون الذي يحكمها؟
إن مبرر الأغلبية في مواجهة الأقلية حجة واهية ولا تقوم في إطار الدولة الحديثة ومبادئ وقيم النظام الليبرالي، حيث أن الفرد هو الأساس وأن الدولة ما وجدت إلا لخدمته وحماية حقوقه وحرياته وصون كرامته، ورغم ذلك هنالك عدة أسباب اقتضت موقف الحركة الشعبية هذا وتمسكها بضرورة فصل الدين عن الدولة وهي:
– أسباب متعلقة بطبيعة الدين نفسه.
– أسباب متعلقة بتاريخ الممارسة الدينية في السياسة.
– أسباب مرتبطة بطبيعة الدولة الحديثة والمجتمع الحديث.
– أسباب أخرى خاصة بالممارسة الدينية في السياسة في السودان وجبال النوبة على وجه التحديد.
 
س: الفريق الحلو هل بالإمكان توضيح وتفصيل هذه الأسباب التي ذكرتها؟
بخصوص الأسباب المتعلقة بطبيعة الدين نفسه، نجد أن أساس الدين وأهم قيمة فيه هي (الإيمان) ومن المعلوم أن الإيمان مكانه الضمير والضمير مجاله الفرد، وبالتالي لا يمكن أن يتم فرض الدين قسرياً على الفرد وذلك لأن أهم قاعدة في الدين هي (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى).
أما فيما يختص بتاريخ الممارسة الدينية في السياسة ثبت تاريخياً أن أي دولة تقوم على الأساس الديني هي دولة تضطهد رعاياها الذين يخالفون توجهاتها حتى في إطار الدين الواحد نفسه (كاثولكي ، بروستانت) و (سنة ، شيعة) وأن سياسات الدولة الدينية دائماً تؤدي إلى الإضطهاد والحروبات وتاريخ الإسلام منذ الفتنة الكبرى خير شاهد على ذلك وأن الحروب الدينية مازالت مشتعلة إلى يومنا هذا (أفغانستان وجميع سكانها مسلمون) .. العراق (سنة وشيعة) .. السودان (الحرب على دارفور المسلمة). أما بخصوص طبيعة الدولة الحديثة والمجتمع الحديث نجد أن أهم ما في الدولة الحديثة هو أنها دولة مؤسسات تقوم على اختلاف الإختصاصات وأن هذه المؤسسات قادرة على البحث والتقصي وإيجاد حلول لمشاكل المواطنين بعيداً عن (المقولات) الدينية، وتسند هذه المؤسسات كليات علمية متخصصة (الطب / إقتصاد / قانون / علم نفس / جيولوجيا / فلك … إلخ)، وفي الدولة الحديثة تستطيع هذه المؤسسات عبر البحث العلمي من تقديم معالجات لكافة القضايا التي تواجه المجتمع بما في ذلك قضايا الأخلاق، وفي المجتمع الحديث يتم التفريق بين المجال العام والمجال الخاص وبالتالي فإن القوانين التي تصدر عن الدولة تكون مختصة بالمجال العام مع إعطاء الفرصة للمجالات الخاصة لتقوم بسن قوانينها كلياً في (المسجد / الكنيسة / النادي .. إلخ).
أما فيما يختص بنا نحن في السودان وجبال النوبة على وجه التحديد فإن موضوع الشريعة الإسلامية أرتبط بشئ مهم في تاريخها كقانون، وتاريخنا في السودان عموماً وفي جبال النوبة بالأخص، حيث أباحت الشريعة الإسلامية عملية الرق والإسترقاق، عليه فنحن لا نقبل أن تكون الشريعة الإسلامية بمثابة القانون الأعلى بالدولة لأنها تبيح أشياء لا تبيحها قوانين الدولة الحديثة، وبما أن نظام المؤتمر الوطني متمسك بالشريعة الإسلامية كمصدر أوحد للدستور، ويستبق المؤتمر الوطني الأحداث بالدعوة إلى إستفتاء الشعب السوداني على الدستور الإسلامي الذي تمت صياغته مسبقاً دون إطلاعنا نحن في الحركة الشعبية عليه. ونطالبهم بفتوى تحدد موقف الشريعة من عملية الرق والإسترقاق هل كانت مباحة في الإسلام أم لا؟ ثم بعد ذلك يمكن للسودانيين الذهاب إلى صناديق الإقتراع للإدلاء بآرائهم حول مشروع الدستور.
 
س: الفريق الحلو محاولات فرض الشريعة الإسلامية مستمرة منذ الخمسينيات إلى أن تم فرضها عملياً في العام 1983م، ماهي دوافع القوى السياسة التي تقف وراء هذا الإصرار؟
الدولة السودانية لم تحارب دارفور المسلمة قبل إعلان الشريعة في العام 1983م، والدولة لم تقوم بإعلان الجهاد على شعب جبال النوبة وتكفيرهم في العام 1992م قبل تطبيق الشريعة الإسلامية، هذه الحقائق تكشف بوضوح دوافع النخب الحاكمة من وراء تطبيق الشريعة الإسلامية وأنها دوافع عرقية وسياسية وليست دينية وهي محاولات لتمرير أجندة ثقافية لا علاقة لها بقيم الدين الإسلامي، كما نجد أن الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية قد هدفت إلى تحجيم عملية تحرير المرأة السودانية التي بدأت في إرتياد دور التعليم والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، لذلك سعت القوى الرجعية إلى إعادة المرأة إلى المنزل تحت ذرائع النصوص الدينية.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *