قبل أن تسمع به بنات عمه .. انهيار سد مليط بعد اسبوع واحد من تشييده…!

الأهل فى مدينة مليط ، تنتابهم هذه الأيام ثورةٌ من الغضب عارمة جرّاء انهيار سد المياه الذى تم بناؤه حديثاً وقبل هطول الأمطار بقليل انتظاراً أن يجود وادي مليط ، ذا الجنات من وادٍ ، بالماء فى الخريف حتى يتم حصاد المياه لارواء غُلة المدينة الصادية دوماً والتى تظمأ الى حد الاختناق خاصة فى فصل الصيف ، ولكن السد الذى بنته شركة مجهولة أبى أن يصمد الا بمقدار سبعة أيام تحت ثقل الماء .
أهل مليط حمدوا الله ، الذى لايُحمد على مكروهٍ سواه ، أن السد قد انهار الساعة الرابعة صباحاً حيث لم يكن هناك مواطنون أمام جسم السد فى تلك الساعة من الصباح الباكر ، اذ دأب بعض أهل القرى على عبور مجرى الوادى فى تلك المنطقة غير العميقة فى طريقهم الى سوق مليط ، كما ذكروا أن أطفال المدينة اعتادوا على اللعب فى برك المياه المتقطعة فى مجرى الوادى أمام السد وأنه لو قُدّر للسد أن ينهار فى أى وقت من أوقات النهار لحدثت كارثة و خسائر فى الأرواح .
مدينة مليط هى حاضرة منطقة شمال دارفور والميناء البرى الذى عرفه الليبيون منذ زمان بعيد وتأتى أهمية مليط بالأضافة الى تعداد سكانها الكبير وتباينهم وتعدد ألسنتهم وانحدارهم من شتى قبائل السودان .. على أنها قد صهرت كل هذه التباينات العرقية فى بوتقة واحدة لتُعزز كثيراً من المفاهيم والقيم التى أصبح شيوعها فى مجتمعاتنا أمراً بالغ الأهمية وصاداً لرياح التفرقة والشتات ، انها قيم ومفاهيم التعايش السلمى بين أهل السودان .. أيضاً مليط مركز للعديد من التجمعات السكانية والقرى التى تقع حولها والتى تعتمد عليها فى معظم احتياجاتها الحياتية ..اذا فأهمية مليط لاشك فيها .. ولكن رغم كل الذى ذكرناه .. فأنها ظلت تعانى من التهميش والنسيان والاستهداف من قبل كل الحكومات التى تعاقبت على دست الحكم فى البلاد..
تقع مليط على حواف الصحراء .. وبهذه الصفة الجغرافية فان الماء بالنسبة لها مسألة حياة أوموت ولاتملك أي خيارات أُخرى للتعامل مع هذا المورد الهام سوى تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها فى تسيير شؤون حياه أهل المدينة وماجاورها من مناطق تعتمد أساسا على هذا الخزان ..
مثلث مدينة مليط ثقلا تجارياً وذاع صيتها بين أهل السودان كميناء برى يربط بين ليبيا والسودان وأصبحت القوافل ترد اليها من كافة أنحاء السودان ومن ليبيا تحمل كل أنواع البضائع من ملابس حديثة ومواد تموينية مختلفة وأجهزة الكترونية وأكثر من 90% من هذه البضائع من صناعات الدول الأوروبية واليابان المشهود لها بجودة التصنيع وفخامته ولذا أصبحت التجارة فيها منتعشة ..واكتسبت مليط شهرة كسوق دولية وتحسنت أحوال الناس و بدأوا يخططون فى احداث نقلة نوعية فى اقتصادهم الغنى بموارده والفقير فى بنياته التحتية التى يمكن أن تسهم فى خلق برامج تنموية مستدامة .. فمليط ليس بها طرق مسفلتة .. ولايُوجد بها امداد كهربائي ولاشبكة مياه .. ونجزم أنه لو تم توفير هذه البنيات التحتية لأصبحت مليط من مدن السودان الاقتصادية المهمة .. فمليط فضلاً عن موقعها الجغرافى و التجارى الذى اكتسبته عبر التاريخ فانها اشتهرت بصناعة السجاد المحلى والذى يمكن أن يُطّور فى طريقة صناعته ليُصدر الى الخارج ويُصبح مصدراً للعملات الحرة.. أيضاً توجد بها ثروة حيوانية متميزة تتمثل فى الإبل والأغنام والماعز والضأن المنتج فى منطقة مليط يعُد الأجود فى دارفور.. .
ولكن وللأسف الشديد ، عندما رأت الحكومة التطور الذى انتظم أرجاء مليط نتيجة للتجارة مع ليبيا ومع بقية أنحاء السودان عمدت الى ضرب المدينة فى مقتل ..لتنتزع منها أهم مواردها والتى كان يعُول عليها كثيراً فى سد عجز الانفاق الحكومى على برامج التنمية بها .
عموماً لم يقف السوء عند هذا الحد ، بل استمر الاهمال والنسيان والتخبط الادارى تجاه مليط .. فقد انهار سد مليط الضامن الوحيد للحياة بها بعد اسبوع واحد من تشييده .. فقط اسبوع من حصاد أول كمية من المياه لم يصمد السد فانهار !! كيف ؟ ؟ ومن ؟ ومن هى ؟ كلها اسئله تترى وتتكاثر ، لماذا انهار السد الجديد ؟ و من هى الجهة المنفذة له ؟.. وكيف تم ارساء العطاء لها ؟.. وفى أي صحيفة تم نشر العطاء ومن هى الجهة التى أشرفت على فرز وارساء العطاءات الخاصة بتنفيذ هذا السد ؟؟ وبعد حدوث الانهيار الكبير هل تم تكوين لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء انهياره ؟ وحتى لو سلمنا جدلاً بصحة الاجراءات المُتبعة فى ارساء عطاء مشروع سد مليط لماذا لم تكن هناك لجنة فنية هندسية تُشرف وتتابع أمر مطابقة تنفيذ المشروع فى مراحل بنائه المختلفة للمواصفات التى تم تحديدها فى كراسة العطاء ؟ أم أن أصلاً ليست هناك كراسة عطاء ولا مواصفات ولايحزنون ؟ والى أن تُجيب الجهات المسؤولة عن هذه الأسئله المشروعة .. فان الطرق على هذا الموضوع سيظل مشروعاً وحقاً أصيلا للمواطن فى مدينة مليط .. ولسنا فى حاجةٍ للتذكير بأن الثورة المسلحة ماقامت فى دارفور الا لوضع حدٍ لمثل هذه الممارسات التى تُمثل استهتاراً وتلاعباً بحق الناس الطبيعى فى الحياة ، واصراراً وترصداً فى تكريس التهميش وتوطينه فى ديار الأهل … اذ لايُعقل أن يُبنى سد .. انتظره المواطنون ردحاً من الزمان لينهار بعد اسبوع من حجز المياه فيه .. نرغب فى سماع رأى المسؤولين والمختصين الذين فلقوا رأسنا بكثرة الورش التى يُنظِّرون فيها قائلين ان مشكلة شمال دارفور مع العطش تنتهى بتنفيذ مشاريع لحصاد المياه .. ويقولون ويكررون المصطلح مرات عديدة ومملة وممجوجة Water harvest للدرجة التى تُشعرك أن ولاية شمال دارفور ستصبح مسطحا من المستنقعات المائية جرّاء خطط حصاد المياه الذى يخططون لتنفيذ مشاريعه .. لتُصبح كل الورش والسمنارات مجرد أضغاث أحلام تُُدغدغ خيال البسطاء من أهلنا فى دارفور الذين « نشَّف العطش ريقهم « فيردون للماء أياماً بلياليها .. أما الذين أسعدهم الحظ وتم تخصيص جزء من المال لحل قضيتهم مع شُح المياه فيتربص بميزانيتهم المرصودة لبناء السد شُذاذ الآفاق اللاهثون وراء الثراء الحرام ليتلقفوها ويقحمون أنفسهم فى مجال لايدرون عنه شيئا ولا يملكون المؤهل الكافى للقيام بالعمل المطلوب فيه ليحصد أهل مليط السراب ووجع القلب بدلاً عن الماء الزلال ، أما أصحاب الجهة المنفذة للسد المنهار فقد انقلبوا الى أهليهم فرحين ليس بما كسبت أيديهم بل بما اكتسبت من أموال بنك التنمية الاسلامى بجدة وهى الجهة المانحة لهذه الأموال « الملهوفة « حسب ما علمناه من أهلنا بمدينة مليط الغاضبين والصابرين على البلاء والتهميش والاهمال .
أهل مليط يعدون العدة الآن لتصعيد هذه القضية لأعلى المستويات وقد وعدوا بأن يسلموننا ملفاً متكاملاً عن فضيحة السد الذى انهار قبل أن « تسمع به بنات عمه « فيه اسم الشركة المنفذة ومصدر أموال ميزانية السد مفصلة والطرق الملتوية التى صاحبت عملية ارساء العطاء والطرق التى اتبعتها الشركة فى التلاعب بمواد البناء ، ونحن بدورنا نعدهم بأننا سنقف معهم حتى ينالوا حقهم الهضيم .

المتوكل محمد موسي
[email protected]
الصحافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *