إعادة تشكيل خارطة الطريق السودانية لإنهاء الحرب ومخاطبة الأزمة الإقتصادية و تأسيس عملية سياسية ذات مصداقية

بقلم: ياسر عرمان

تلقت خارطة الطريق الموقعة في 2016، و هي الوثيقة السياسية الوحيدة التي اتفقت عليها قوى رئيسية في النزاع السوداني، تلقت ضربة قاسية عندما قررت الحكومة السودانية منفردة إقامة و من ثم إنهاء حوارها الوطني المنقوص ذي الطبيعة الحصرية و الإستبعادية. إن إجراء حوار وطني شامل و شفاف و ذي مصداقية لا يمكن أن يتم إلا في ظل ظروف و مناخ مهيأ للحوار، كان ذلك من المؤمل أن يشكل في حينها جوهر العملية السياسية التي تضمنتها خارطة الطريق. لقد ادى قرار الحكومة الى خلق فراغ سياسي كما ترك قضايا وقف الحرب و مخاطبة الأزمة الإنسانية في دارفور، جبال النوبة و النيل الأزرق معلقة في الهواء دون ربطها بعملية سياسية شاملة تعالج الأسباب الجذرية للنزاع و تجيب على السؤال التاريخي: “كيف يحكم السودان قبل تحديد من يحكمه.”
يبدو حاليا أن حكومة السودان و المجتمع الدولي يسعيان لإستبدال الحوار الوطني بعملية لصياغة مسودة جديدة للدستور، إن عملية كهذه غير ممكنة في ظل الظروف الحالية لأنها تتطلب إبتداءً إتفاقاً سياسياً يخاطب الأسباب الجذرية للنزاعات في السودان و يقود لعملية تحول ديمقراطي تنهي هيمنة الحزب الواحد على السلطة و تنشيء مؤسسات قومية تنهض على قاعدة سيادة حكم القانون، الديمقراطية و إحترام حقوق الإنسان.
اجتمع قادة نداء السودان في باريس الشهر الماضي و قد تمكنوا، بالإضافة الى وصولهم الى إتفاق حول هيكلة جديدة للتحالف، من الوصول الى قرار جدد موقف نداء السودان من خارطة الطريق و سعى الى إعطائها دفعة جديدة. لكن رقصة التانقو تحتاج الى إثنين من الراقصين؛ فحكومة السودان، الطرف الثاني في النزاع، تحتاج أيضا لتجدد إلتزامها الجاد بخارطة الطريق، إذا كان لها أن تؤمن طريقاً للحل السياسي في المستقبل للنزاعات في السودان يخاطب جوهر الأزمة السياسية. ليس هناك معنى لإعداد مسودة جديدة للدستور دون الوصول الى إتفاق سياسي بين أطراف النزاع، يمكن ترجمته الى نصوص دستورية لاحقاً، كما كان الحال في الدستور الإنتقالي لسنة 2005. ذلك الدستور نفسه قد صمم بهدف أن يحكم السودان حتى لما بعد إنفصال جنوبه. لذلك فإن السودان، لديه أصلا دستور جيد قائم على إحترام التنوع و يشتمل على وثيقة حقوق شاملة تصون الحقوق و الحريات الأساسية.
لا تكمن المشكلة في الحاجة الى صياغة مسودة دستور جديد، و إنما في غياب الإرادة السياسية اللازمة لإحترام و تطبيق الدستور الساري حالياً، من قبل النظام الحاكم، على سبيل المثال، فإن نصوصاً رئيسية في الدستور الحالي، مثل تلك التي تنص على وجوب أن تتركز وظيفة جهاز الأمن و المخابرات الوطني في جمع المعلومات و تحليلها و تقديم النصح للجهات المعنية، لم يتم تقنينها و تضمينها على الإطلاق في قانون الأمن الوطني، الذي يمنح عناصر الأمن سلطات واسعة للقبض و الإعتقال، كذلك تم تعديل الدستور بطريقة تعسفية في يناير 2015 تم بموجبها إلغاء إنتخاب ولاة الولايات و دمج مليشيات الدعم السريع ضمن القوات النظامية، لذلك فإن إعداد مسودة دستور جديد هي ببساطة عملية عبثية تسعى من خلالها الحكومة الى شراء الوقت حتى إنتخابات 2020 ، و كذلك إزالة القيد الدستوري على عدد الفترات الرئاسية المسموح بها للمرشح، بما يمهد الطريق لعمر البشير للترشح لولاية رئاسية جديدة. لهذه الأسباب، هناك خطر مؤكد بأن أي دستور جديد يتم إعداده في ظل النظام الحالي سيشكل خطوة إرتدادية. لقد ظل النظام على الدوام يعارض أي عملية سياسية ذات مصداقية يمكن أن تخاطب الأسباب الجذرية للحروب و تدفع بإتجاه التحول الديمقراطي.
هناك فيل في الغرفة فشلت حكومة المؤتمر الوطني في أن تراه، هذا الفيل يقف على أربع أرجل ضخمة؛ هي الحرب، و أوامر القبض الصادرة ضد البشير و إثنين من حكام الولايات من المحكمة الجنائية الدولية، الأزمة الإقتصادية الخانقة، و النظام السياسي الغاشم و الظالم الذي ادى الى تهميش الغالبية الساحقة من السودانين في ذات الوقت الذي يعمل فيه على تركيز السلطة و الموارد في ايدي القلة القليلة، هذه القضايا الأربع متداخلة و مرتبطة ببعضها ولا يمكن حلحلة أياً منها بمفردها و بمعزل عن الأخريات. فحرب الحكومة في دارفور مثلاً هي التي قادت الى صدور أوامر القبض من قبل المحكمة الجنائية الدولية، مثلما أن الإنفاق المهول على الجيوش و الحرب و الفساد المستشري لمصلحة الأقلية يشكلان السبب الرئيسي للأزمة الإقتصادية.
لا يمكن أيضاً تطبيع العلاقات مع العالم الخارجي من دون معالجة هذه الأزمات الداخلية. يجب أن يبدأ التطبيع من الداخل لأن الأزمة في أساسها داخلية جاءت كنتاج لتبني أجندة الإسلام السياسي، مما تسبب في نزوح الملايين من البشر، مصادرة حرياتهم الأساسية و حرمانهم من المشاركة السياسية و الإقتصادية داخل بلدهم، و اجبر نسبة كبيرة منهم على طلب اللجوء في أوروبا و غيرها من الأماكن مواجهين في ذلك حتى خطر الغرق في مياه البحر المتوسط، إنها نفس أجندة الإسلام السياسي التي دعمت الإرهاب، و طالما استمر وجود هذه الآيديولوجية، فمن المستحيل فك الإرتباط العضوي مع الإرهاب، و هي ذات الأجندة السياسية التي كان لها دور كبير في عدم إستقرار الإقليم من ليبيا الى جنوب السودان.
التحول الديمقراطي هو العلاج الوحيد لهذه المعضلات؛ و من دون مخاطبة الأسباب الجذرية للحرب و تبني عملية سياسية شاملة و ذات مصداقية للتحول الديمقراطي تخلق الفضاء السياسي الحر، و الأرضية اللازمة للعمل و التنافس الديمقراطي العادل لكل القوى السياسية السودانية، فلن يكون هناك مجال لإنهاء أزمات السودان المتعددة. هذه العملية يجب أن تتوج بإجراء إنتخابات ديمقراطية حرة و نزيهة. هذه الإنتخابات لن تكون حرة و نزيهة ما لم يسبقها ضمان إنسياب غير مقيد للمعونات الإنسانية، بما يسمح لملايين النازحين و اللاجئين بالعودة لبيوتهم، ينهي الحرب، و يضمن الحريات الأساسية، إن وقف الحرب لهو متطلب رئيسي لكي تتمكن التنظيمات المسلحة من التحول الكلي الى منظمات سياسية مدنية؛ و المحافظة على الوضعيات الراهنة لن تؤدي أبداً الى تحقيق السلام و الإزدهار و الديمقراطية.
نحن نؤمن بأن قوى نداء السودان قد خطت خطوة مهمة في باريس بإتجاه تحقيق السلام و الوصول الى تسوية سياسية متفاوض عليها من خلال التأكيد على التأكيد بخارطة الطريق، إستناداً على نصوصها الداعية لوقف الحرب و مخاطبة الأزمة الإنسانية و توفير الحريات. اكدت قوى نداء السودان أيضا على أهمية قراري مجلس الأمن والسلم الأفريقي 456 و 539 واللذين تضمنا بالتفصيل الشروط الضرورية لتهيئة المناخ لبدء العملية السياسية على أساس خارطة الطريق و التي تشمل، من بين أشياء أخرى، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسين و أسرى الحرب، و مخاطبة الأزمة الإنسانية.
سوف تواصل قوى نداء السودان، مع المعارضة الواسعة، في كفاحها من أجل إسقاط نظام حزب المؤتمر الوطني الأُحادي و القمعي. ربما تكون هذه مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، آخذين في الإعتبار الأزمات الإقتصادية و السياسية المتصاعدة في السودان. إن الفرق بين نداء السودان و بقية قوى المعارضة الأخرى هو أن قوى نداء السودان تستطيع أن “تعبر الطريق و تواصل الحديث” في نفس الوقت، فهي تعمل على إسقاط النظام عبر الإنتفاضة، في ذات الوقت التي تبدي فيه جاهزيتها للوصول الى تسوية سلمية عادلة هي أقل تكلفة بشرياً و مادياً، متى ما توفرت الإرادة المطلوبة للحل السياسي الشامل، بينما القوى المعارضة الأخرى المتحفظة اتى تحفظها بسبب غياب العملية ذات مصداقية؛ لهذا السبب فإن وجود عملية سياسية ذات مصداقية أمر تتطلع اليه جميع قوى المعارضة.
إن السودان بتمتينه لوحدته الوطنية و تحقيق إستقراره عبر تسوية سياسية سلمية و تحول ديمقراطي حقيقي، يمكن أن يصبح نموذجاً يحتذى على مستوى الإقليم، وأن يساهم إيجابا كذلك في إستقرار الإقليم، وأن يلعب الدور الإيجابي المنوط به إقليمياً خاصة في جنوب السودان و ليبيا.
على الآلية الأفريقية الرفيعة برئاسة الرئيس أمبيكي، صاحبة الدور القيادي في الوساطة في السودان، مجلس السلم و الأمن الأفريقي، دول الإقليم، الأمم المتحدة، دول الترويكا، أروبا و كذلك بقية الشركاء الدوليين أن يعملوا على تطوير و إعادة رسم خارطة الطريق عبر تبني خطوات واضحة تخاطب الأسباب الجذرية للنزاعات في السودان و تقود الى تحول ديمقراطي، سيكون لهذه العملية تأثير إيجابي كبير في معالجة الأزمة الإقتصادية في السودان، لهذا السبب، فإن الوقت مناسب لكي يقوم المجتمع الدولي بتركيز إهتمامه مجدداً على خلق عملية سياسية شاملة و جدية في السودان.
01/04/2018*
*الجدير بالملاحظة أن هذه المقالة قد نشرت بتاريخ 1/4/2018 و تأكدت مصداقيتها حول خطط النظام بالإتفاق مع بعض أطراف المجتمع الدولي و منظماته وبعض الوسطاء بأن افصح رأس النظام في اليوم التالي 2 أبريل 2018 أمام برلمانه عن خطته لإعادة كتابة الدستور وهي ذات عملية شراء الوقت التي حذرت منها المقالة أعلاه.*
*عضو المجلس القيادة لنداء السودان و نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *