ضمانات سلام دارفور

ضمانات سلام دارفور
بقلم د.: الصادق الفقيه (كاتب سوداني ) ..أصدرت المعارضة التشادية تصريحات متزامنة مع نجاح منبر الدوحة في توقيع الاتفاق الإطاري بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة، الذي تم بالدوحة في 23/2/2010، وكأنها أرادت التذكير بوجودها وعضوية ارتباطها بأزمة دارفور.

وقد ركزت التصريحات على قضيتين، الأولى، الفصل بين العلاقات الرسمية السودانية التشادية وبين مظالم ومطالب المعارضة، والثانية، عدم ممانعة المعارضة التشادية في حوار سياسي يفضي إلى سلام دائم في تشاد.

أما عن ارتباط المشكلة التشادية بأزمة دارفور، فإن هذه التصريحات لم تبتعد كثيرا عن الحقيقة، خاصة إذا قرأنا معها جملة التعقيدات، التي مرت بها الأوضاع السياسية في الخرطوم وانجمينا، والتداخلات والتقاطعات بين حالات التمرد في البلدين.

لقد اجتهدت الوساطة القطرية كثيرا لإيجاد حالة سوية للعلاقات السودانية، حتى قبل أن تلقي بثقلها في حل أزمة دارفور. وتعددت محاولاتها للصلح بين الخرطوم وانجمينا. لأن إشكالية العلاقات السودانية التشادية، طرحت نفسها كشرط تمهيد لاستكمال الاتفاق المأمول بين أطراف النزاع في دارفور. ورغم أنها تبدو كقضية علاقات ثنائية بين دولتين جارتين، فإنها ظلت باستمرار، تمثل مسألة داخلية بالنسبة للسودان، بالنظر إلى تداخلها، الذي لا ينفصم مع مكونوات الشأن الدارفوري الداخلي.

والشيء نفسه يمكن أن يقال عن علاقات السودان بمكونات الشأن التشادي الداخلي، على ضوء ما عكسته أحداث الفترات الماضية، وعبرت عنه التصريحات الرسمية في العاصمتين الخرطوم وانجمينا، والإتهامات المتبادلة بين المسؤولين فيهما.

لأجل ذلك، فإن مسألة الحل، التي تفرض نفسها بإلحاح اليوم، لا يمكن أن تكون جزئية أو ترقيعية، وإنما هي إشكالية إنسانية؛ سياسية وأخلاقية، تستلزم إعادة النظر في القائم من السياسات، وابتداع طرق المعالجات، من منظور يتيح تملك هذا الحل لمصلحة المستقبل، والتفاعل مع الدينامية السياسية المتحكمة في تدبير علاقات المجتمع في البلدين، وتجابه أطروحات الصراع، التي يتهدد بها مصيرهما. وبهذا المعنى، يكون الحل المرجو معالجة لا تعتمد العنف ولا الصراع، بل تتوخى تلبية المطالب الموضوعية الأساسية لكل الأطراف.

لقد كان الخوف دائما يتمثل في إمكانية استيلاء قوى إقليمية ودولية على ما هو متاح من فرص للحل. وذلك نتيجة لتداخل أطماعها، أو مصالحها الخاصة، مع ما يجري في داخل السودان، خاصة الجارة الغربية تشاد، التي كتبنا مرارا، أنه يستحيل إيجاد مدخل صائب لمعالجة أزمة دارفور دون ترتيب راسخ لأمر العلاقة المضطربة بينها والسودان.

 فقد استفحلت أزمة دارفور نتيجة للفرص الضائعة بين الخرطوم وانجمينا، وزيادة التباعد بين المواقف السودانية والتشادية بُعيد كل اتفاق يتوصل إليه الطرفان برعاية صديقة أو شقيقة.

وقد أخذ مطلب إصلاح العلاقات بين البلدين، على أهميتها الخاصة، يمثل ضمانة حتمية لسلام دارفور. ولكن جدية انجمينا هذه المرة، ومشاركتها المُعِينة للدوحة، تبشر بأن التردد السابق قد انتهى لمصلحة السلام.

بيد أن ضمانات هذا التغيير هي في التنبه لحقيقة أن تشاد تستحق هي الأخرى مكافأة بحجم اتفاق دارفور، حتى لا تنزلق علاقاتها مع السودان مرة أخرى إلى تدهور جديد، وتخلق المزيد من المعضلات. إذ لا يمكن مطلقا للتفكير في حل ناجع لأزمة دارفور أن يأتي أُوكله دون استصحاب لأزمة تشاد، التي لم يكن السودان بعيدا عنها.

 لهذا، فإننا اليوم في حاجة ماسة لنقنع الرأي العام بجدوى ما تم مؤخرا في الدوحة، على زعم أنه هو البداية الصحيحة، نتيجة لطريقة الطرح، وأسلوب المعالجة، وأن الحل لأزمة دارفور سيتكامل عبر حل مشكلة انجمينا مع معارضيها، التي ينبغي أن يكون للخرطوم فيها الدور الأساس، لأن الانتكاسات المتلاحقة للعلاقات السودانية التشادية ستكون بهذا قابلة للتعديل واستدامة الاستقامة.

إذ بات في حكم المؤكد أن مطلب إصلاح العلاقات بين البلدين، اتجه إلى البحث في جذور الأزمة، والتروي في المضامين الحارسة لأصل الاتفاق بينهما. إذ أن العاطفة، وربما الرغبة في تحقيق سبق سياسي لمصلحة العواصم التي رتبت لقاء الطرفين في الماضي، هي الدافع لكل ما جرى شهوده من اتفاقيات كان مصيرها الانهيار، لأنها لم تعتمد على تصور شمولي يحدد طبيعة الأزمة، واستراتيجية الخروج، ووسائل الانتقال منها إلى ما هو متفرع عنها، أو مرتبط بها، بالجدية والسرعة اللازمتين. وهو ما يجب تداركه الآن لمصلحة استكمال سلام دارفور، الذي بدأت مسيرته القاصدة بتوقيع الاتفاق الإطاري.

والأمر نفسه يمكن أن يقال عن علاقات السودان بمكونات الشأن التشادي الداخلي، على ضوء ما عكسته أحداث الفترات الماضية، وعبرت عنه التصريحات الرسمية في العاصمتين الخرطوم وانجمينا، والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين فيهما، قبل التصالح الأخير.

لأجل كل ذلك، فإن مسألة الحل، التي انطلقت في الدوحة، وكان لانجمينا فيها نصيب، ينبغي أن تتجه للمعارضة التشادية بدعوة السلام، من منظور يتيح لها وللحكومة التشادية الوصول إلى السلام لمصلحة المستقبل، وكضمانة حقيقية لسلام البلدين.

وقد سبق أن أوردت اشارات هذا المعنى في مقال نشر في صحيفة “الراية” يوم 6/5/2009، حمل عنوان: “مصالحة تشاد: مقدمة لازمة لنتيجة صحيحة”، ذكرت فيه أن المدخل الطبيعي للحل في دارفور، هو التوجه المخلص نحو تشاد، نحو الجيرة المسؤولة عن جزء رئيسي من الأزمة.

 وذلك مع التنبيه إلى أن الربط بين تشاد والحركات الدارفورية المتمردة يقتضي، كمبدأ سياسي وأخلاقي، أن نربط بين السودان وبين ضرورة توفير الشروط المواتية، التي تتيح للمعارضة التشادية أن تتوصل هي الأخرى إلى حل سياسي مرض، يلبي القدر الموضوعي من مطالبها، والتي تسمح بامتلاكهم للمستقبل المشترك في تشاد، على أسس مغايرة لسلبيات الصراع.

 زاعمين أن إشكالية العلاقات السودانية التشادية، التي تطرح نفسها كشرط تمهيد لتمام الاتفاق المأمول بين أطراف النزاع في دارفور، على الرغم من أنها تبدو كقضية علاقات ثنائية بين دولتين جارتين، فإنها الآن، تمثل مسألة داخلية بالنسبة للسودان، بالنظر إلى تداخلها، الذي لا ينفصم مع مكونوات الشأن الدارفوري الداخلي.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *