جنوب السودان يصوغ دستوراً بعد ضمان الانفصال

جنوب السودان يصوغ دستوراً بعد ضمان الانفصال
الخرطوم – النور أحمد النور

شرع جنوب السودان في صوغ دستور دولته الجديدة بعدما أعلنت مفوضية استفتاء تقرير مصير الإقليم أمس أن نحو 99 في المئة من سكانه صوّتوا للاستقلال، فيما عرض الرئيس عمر البشير على أكبر حزبين في الشمال المشاركة في حكومة موسعة لإدارة البلاد خلال الفترة المقبلة.

وأكد الناطق باسم مفوضية الاستفتاء جورج ماكير، أن 98,8 في المئة صوّتوا للانفصال بعد فرز نحو 98,9 في المئة من الأصوات في الجنوب و100 في المئة من الأصوات في الشمال وخارج السودان. وقال: «هناك نسبة قليلة متبقية في الجنوب، ونحن الآن فى طور إدخال البيانات لبعض مراكز الاقتراع ولا نتوقع أن تستغرق العملية وقتاً طويلاً».

وأوضح أن النتائج الأولية للتصويت في الجنوب ستعلن الأحد المقبل، على أن تعلن النتائج الأولية الكلية بعدها بثلاثة أيام، «وإذا كانت هناك طعون قانونية، فإن النتيجة النهائية ستعلن في 14 الشهر المقبل، وإذا لم تكن هناك طعون فستعلن النتائج النهائية فى السابع منه».

وأصدر رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت أمس قراراً بتشكيل لجنة فنية لمراجعة قوانين الجنوب وصوغ أول دستور انتقالي للدولة الجديدة. وترأس اللجنة وزير الشؤون القانونية في حكومة الإقليم جون لوك، ومستشار رئيس الحكومة تيلار دينق، ويشارك فيها 18 من وزراء الحكومة والمستشارين والنواب، إضافة إلى ممثلي الأحزاب الجنوبية.

وقال الناطق باسم حكومة الجنوب وزير الإعلام فيها برنابا بنجامين، إن لجنة صوغ الدستور ستباشر أعمالها اعتباراً من اليوم، مبيناً أن لديها صلاحيات في توسيع عضويتها، وان «مهمتها الرئيسة هي النظر في الدستور الحالي ومراجعته وإعداد دستور انتقالي لفترة ما بعد التاسع من تموز (يوليو) المقبل»، موعد نهاية الفترة الانتقالية التي حددها اتفاق السلام قبل إعلان ميلاد الدولة الجديدة. وأكد أن الحكومة الحالية ستستمر حتى نهاية الفترة الانتقالية.

ويُنتظر أن يحمل الدستور الجديد اسم الدولة، التي تؤكد مصادر موثوقة أنه سيصبح دولة جنوب السودان، وأن يحدد نظام الحكومة والفترة الزمنية للحكومة الانتقالية المزمعة وموعد إجراء انتخابات عامة في الجنوب، إضافة إلى إطار السياسات الداخلية والخارجية للدولة الجديدة. لكن نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار، قال إن حكومته ستعقد مؤتمراً دستورياً وتحدد فترة انتقالية يجري خلالها إحصاء سكاني تمهيداً لانتخابات عقب اقرار دستور انتقالي.

مشاورات لحكومة موسعة

في الخرطوم، بدأ البشير مشاورات مع حزبي «الأمة القومي» بزعامة الصادق المهدي و «الاتحادي الديموقراطي» برئاسة محمد عثمان الميرغني. وسيحل البشير حكومته فور إعلان نتيجة الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، بينما قررت لجنة كلفها قادة الحكم بإعادة هيكلة الدولة، تقليص الجهاز التنفيذي ومراجعة الهيئات والمؤسسات وإجراء تغييرات جذرية فيها.

وقالت تقارير إن اللجنة أوصت بتقليص عدد الوزارات الاتحادية من 34 وزارة إلى 20، بدمج بعض الوزارات وإلغاء أخرى، وتقليص عدد وزراء الدولة من نحو أربعين إلى عدد محدود. ويتجه قادة الحكم إلى إجراء تغييرات واسعة في مجلس الوزراء ومراجعة شاملة للمؤسسات والهيئات العامة.

وذكرت التقارير أن «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم بدأ اتصالات مع «الاتحادي الديموقراطي»، وعرض عليه الاتفاق على برنامج وطني والمشاركة في حكومة موسعة بمستشار رئاسي وثلاثة وزراء، لكن مسؤولاً كبيراً في «الاتحادي» نفى أن يكون الحزب الحاكم عرض وزارات. وقال إن الأولوية لديهم ستكون البرنامج الوطني قبل المناصب الدستورية.

وناقش البشير ليل السبت – الاحد مع الصادق المهدي وعدد من قيادات حزبه، القضايا السياسية الراهنة في البلاد واقتراحات طرحها المهدي وكيفية إدارة الحوار السياسي في شأنها. وقال المهدي إن مناقشاته مع البشير «ركزت على أهمية وحدة الصف وتعزيز فرص السلام والاستقرار»، مشيراً إلى أن «حزب الأمة طرح رؤيته في أجندة وطنية» توقع أن يوافق البشير عليها.

وأشاد بـ «الروح الايجابية التي سادت اللقاء»، لكنه شدد على «ضرورة إجراء حوار لا يستثني أحداً، ما يقتضي توفير مناخ توافقي يشمل كفالة الحريات وإطلاق المعتقلين، خصوصاً (زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن) الترابي وإجراء مساءلة قانونية عادلة».

أما مساعد الرئيس نافع علي نافع، فأعلن تشكيل لجنة مشتركة بين حزبه «المؤتمر الوطني» و «حزب الأمة» لدرس اقتراحات المهدي. وقال إن الطرفين اتفقا على مواصلة الحوار، مؤكداً أن حزبه سيبادل «الأمة» الجدية التي طرح فيها اقتراحاته. وأشار إلى أن الطرفين سيعملان على تشكيل آلية مشتركة لتنفيذ ما يتفقان عليه، وان اللجنة المشتركة سترفع نتائج لقاءاتها إلى قيادتي الحزبين عقب الفراغ من درس المسائل المطروحة.

وقال مسؤول رئاسي لـ «الحياة»، إن حزب المهدي يمكن أن يشارك في الحكومة الجديدة في حال اتفق مع الحزب الحاكم على قضايا الحريات والحكم والتعامل مع دولة الجنوب الوليدة وتسوية أزمة دارفور والأوضاع الاقتصادية. وكشف أن مواقف الطرفين ليست متباعدة بصورة تمنع توافقهما، مشيراً إلى أن المهدي يسعى إلى حكومة قومية تشمل القوى الرئيسة في البلاد لصوغ دستور جديد عقب انفصال الجنوب ومجابهة التحديات التي تواجه الشمال.

مواجهة متوقعة في أبيي

من جهة أخرى، تتجه الأوضاع في منطقة أبيي المتنازع عليها بين شطري البلاد إلى المواجهة. واتهمت تقارير في الخرطوم أمس الجيش الجنوبي بالتوغل حتى عشرين كيلومتراً داخل حدود الشمال قرب أبيي، أي أنه تجاوز الخط الفاصل بأكثر من 70 كيلومتراً، وأن المدينة «تحولت إلى خلية عسكرية بعدما نشر الجيش الجنوبي عناصره فيها بزي مدني وأقام استحكامات دفاعية معززة بمئات الخنادق في محيط المنطقة».

وذكرت قيادات في قبيلة المسيرية العربية التي ترعى في منطقة ابيي أن الجيش الجنوبي نشر حقول ألغام مضادة للأفراد في المراعي التي تستخدمها المسيرية ومصادر المياه التي تعتمد عليها مواشيها خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) حتى نيسان (أبريل) في منطقة انتيلا، ما يُنذر بمواجهات في المنطقة. وأكد قادة المسيرية استعدادهم للحرب.

في المقابل، أصيبت حركة السير في ابيي بالشلل بعدما قطعت مجموعة يرجح انتماؤها إلى قبيلة المسيرية الطريق الرئيسة المؤدية إلى المنطقة شمالاً. ورأى مسؤول في حكومة المنطقة أن إغلاق الطريق سيفاقم الوضع المعيشي لأكثر من 30 ألف شخص.

واتهم وزير التعاون الإقليمي في حكومة الجنوب دينق ألور الشمال بدعم الميليشيات في المنطقة. وقال: «نقول لحزب المؤتمر الوطني إن من الأفضل التوقف عن ذلك، فعندما يكون بيتك من زجاج يجب ألا تقذف الناس بالحجارة. المؤتمر الوطني ضعيف جداً، وهم يعرفون ذلك».

وكان من المقرر أن يجرى في أبيي استفتاء منفصل تزامناً مع استفتاء الجنوب، يقرر فيه سكانها ما إذا كانوا سيصبحون جزءاً من الشمال أو الجنوب. لكن التقدم على مسار هذا الاستفتاء لا يزال يواجه عقبات في ظل مطالبة قبيلة المسيرية العربية المدعومة من الشمال بالحق في التصويت، في مقابل رفض قبيلة الدينكا نقوك المدعومة من الجنوب ذلك، إذ تعتبر أن المقيمين الدائمين فقط هم من يجب أن يُسمح لهم بالتصويت.

ووضع الاتفاق بين الخرطوم وجوبا الذي تم توقيعه قبل أسبوع في شأن أبيي مجموعة من التدابير تشمل تعزيز الأمن بوحدات متكاملة مشتركة إضافية من القوات العسكرية الشمالية – الجنوبية الخاصة، ودفع تعويضات عن القتلى من الطرفين وكذلك الخسائر المادية، وتأمين مسارات الرعاة للمسيرية وطرق العودة الطوعية للجنوبيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *