تُري بماذا ستخاطبون المرأة السودانية يا قادة الحركات!؟

في يوم المرأة العالمي – 8 مارس:
تُري بماذا ستخاطبون المرأة السودانية يا قادة الحركات!؟
د. سعاد الحاج موسي
8 مارس 2021

نهنئ المرأة السودانية ونساء العالم باليوم العالمي للمرأة في مروره الثاني عقب تكوين الحكومة الانتقالية للثورة في أغسطس 2019، واستشراف حواء لحقول ومنارات المستقبل بالانطلاقة نحو الحرية والتقدم والازدهار. يوم المرأة العالمي هو محطة للاحتفال بالنجاحات والإنجازات لنساء العالم قاطبة، ومراجعة لمكامن العثرات والاخفاقات، واستكشاف التحديات الماثلة والمستقبلية، والتخطيط القوي والفاعل لمجابهتها ومواصلة المناصرة المحلية والعالمية في مسيرة الانعتاق والتحرر الإنساني للمرأة من قوي الحصار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي تعرقل وتعطل تنمية المجتمع وتقدمه. ودوننا ما تبنته الإنقاذ ضد النساء والفتيات ابّان عهدها المشؤوم المدحور والمقبور، فحوّلت بها ساحات الوطن الي محكمة دائمة الانعقاد تصدر وتنفذ أحكاما من سياط القهر والعسف والبؤس ضد كل امرأة وفتاة بلا هوادة. أما أحكامها ضد حواء دارفور فيشيب لها الولدان، خاصة بعد اتهامها بالوقوف مع المتمردين (أبناءهن) ودعمهم بتوفير الغذاء والعلاج والمأوى لهم، فكان نصيبها القتل والسحل والعنف الجنسي والنوعي واللفظي والتهجير القسري والنزوح واللجوء والتشرد والحرمان والمسغبة جزاء ما اقترفته من جرم في اعانة الحركات!!

ونشيد بما تحقق من انجازات في عهد الحكومة الانتقالية بفضل ثورة ديسمبر 2018 المجيدة وقيَمِها – حرية سلام وعدالة، الثورة التي شاركت في صناعتها ونجاحها النساء والفتيات على قدم المساواة مع باقي مكونات المجتمع الأخرى، وزادت عليها أميالا، فكان رد الاعتبار والكرامة لحواء السودان أمراً لازماً محتوما لما قاستها من جحافل الطغيان والاستبداد، وما قدمتها من تضحيات ونضالات وطنية مذهلة في ساحات الثورة والاعتصامات، فَتَنَصّبَت مع الوزراء وفي مجلس السيادة حقاً وعهداً موثّقاً بالوثيقة الدستورية. وتواصلت مطالب النساء لحكومة الثورة لعمل إصلاحات قانونية لتنظيف المؤسسات وساحات ومنابر ووسائل الحراك اليومي مما علق بها من دنس قوانين الإنقاذ التي أثْقَلَت كاهل حواء لثلاث عقود، وفي مقدمتها المطالبة بإلغاء قانون النظام العام وختان البنات، فأُلغي القانون الوصمة في 29 نوفمبر 2019، وتم تجريم ختان الاناث في 10 يوليو 2020، لتنهار أكبر معاقل الإنقاذ في اضطهاد حواء وتجريدها من قيمتها الإنسانية. تبعها في 12 يوليو 2020 إلغاء “حكم الرّدة” الذي عانت منه المرأة أكثر من الرجل فَثَبُتَ حقُ اختيار الدين، والإقرار بحق المرأة في اصطحاب أطفالها بدون موافقة والدهم حال سفرها خارج السودان كما كان معمولا به. ولا يزال هنالك الكثير مما يُؤَرِّق مضجع حواء السودان من قوانين الأحوال الشخصية ظلّت ولا تزال تناضل من أجل تغييرها، وستمضي قُدُما في مرافعتها الي أن يتحقق وتكتمل أركان الحرية والتحرر لكل النساء والفتيات.

يعلو هتافنا وتقديرنا لأهلنا في ولايتي الشمالية ونهر النيل الذين كرّموا نساء السودان جميعا بتنصيبهم للمرأة واليا والوقوف معها بمحبة ارتعدت لها فرائص المرجفين وهزمت أحزاب المكابرين ممن جانبت ألسنتهم الكلم الطيب، ونضحت بالقذف والإساءة في حقهن ولم يفلحوا، وما كان للظالمين يوماً فلاحٌ منظورا، فالخبيث تميّز من الطيِّب والزبد عادةً يذهب جفاءً ويبقي ما يفيد وينفع الناس.

ونهنئ النساء بتعيين الدكتورة بثينة علي دينار في التكوين الثاني لمجلسي الحكومة الانتقالية، التزاما من الحركة الشعبية شمال باستحقاقات اتفاقية سلام جوبا الموقع في 3 أكتوبر 2020، تعيينها وزيرة لوزارة الحكم الاتحادي، وزارة استراتيجية رفيعة يُرْتجي منها إرساء نظام لحكم البلاد وصياغة مؤسساته، يعكس الثقة والايمان بكفاءة المرأة وأحقيتها دون تمييز جنسي، ويُعَد انموذجاً لنبذ الصورة النمطية للهيمنة الذكورية في مواقع صنع القرار ندعو الحركات والأحزاب اِقْتِفَاء أَثَرِهِ لتعزيز التكامل السياسي والمجتمعي.

ولكن رغم فرحة نساء دارفور بما تحقق لنساء السودان عامة، ولأخواتهن في أقاليم السودان الأخرى خاصةً، نقف محتارين ويصدمنا ويُعِلٌنا ما سَفُرَ من تعاطي قادة الحركات المسلحة مع نساء دارفور من تجاهل واستهانة ونكران الجميل. فإذ ننثر التهنئة ورودا وياسمين للمرأة السودانية وللثوار، وننتظم في الكرنفال الحضاري لثورة ديسمبر 2018 الباسلة الذي يرفل في ثوب التغيير الزاهي القشيب والعامر بأشواق الأمل والتفاؤل بمستقبل آمن واعد للأجيال القادمة، ولبناتنا، يظل الألم يدمي قلوب نساء وبنات دارفور والحزن يثقل كاهلهن لخيبتهن في قادة حركات دارفور وفشلهم في القول الحق والاستجابة العادلة لمطالبهن والتي هي ليست أفضالا ومِنَحاً يقدمونها، بل حقا عهداً في الوثيقة الدستورية وفي الاتفاقية، وقبلها وبعدها هو حقٌ أدبيٌ لنضالاتهن ومواقفهن الإنسانية ما كان عليكم يا قادة استنكاره، فلولاهن لما صار عليه حالكم اليوم! ما يخفف رجس هذا الجحود والإقصاء المنفِّر من قادة الحركات هو أن نضال حواء دارفور، كما السودانية، سيستمر في المدن والقري والمعسكرات الي أن ترد عن نفسها الظلم والازدراء، تنتصر لذاتها وتنتزع حقها كاملا في التكريم داخل مواقع صنع القرار المركزي وبمناصرة من يبادل التضحية بأحسن منها!

نسي قادة الحركات انهم رموزٌ وطنية وليسوا طلاب مناصب ذات هشاشة عملية وزمنية، فما لِبُغاث الطموح نظن انكم حملتم السلاح في وجه الظُلْم والظَلَمَة، بل يقيننا انكم خضتم الحرب من أجل سلام السودان ودارفور بكافة قبائله وتكويناته الاثنية وقراه ومدنه، نسائه ورجاله، وليس من أجل أنفسكم وعشيرتكم الأقربين وقبائلكم، وأيضاً توافقتم على السلام لذات الهدف والمسعي. ولكنكم تمترستم بالقبيلة واعتمدتم الاقصاء منهجاً، وضمنه استغفلتم، قصدا، أكثر ضحايا الحرب عطاءاً ومعاناة، وأكثرهم من دفع ضريبة الحرب وسالت دماؤه وهُتِك عرضه أمام عينيه وهن النساء وبناتهن. فما يُنْتَظر منكم هو الحرص على التنظيم والتأطير والتأسيس لعهدٍ ديمقراطي تذوب فيه النخبوية والتمييز العنصري بكافة أشكاله، والسعي لخلق علاقة تصالحية مع جميع مكونات السودان، خاصة مجتمع دارفور، بعيداً عن فوهة البندقية ومتلازماتها، وبناء دولة المواطنة التي تكفل مؤسساته العدالة والمساواة لا يُنْتَقص فيها قدر الناس على أي أساس كان.

فيا الاخوة قادة الحركات المسلحة، التفتوا وتحسسوا جرابكم ماذا قدمتم لنساء دارفور من التقدير والامتنان لنضالاتهن وعطائهن الصلب المتواصل، فستجدونه خالياً الاّ من زيادة المعاناة. وفي يوم المرأة العالمي تتحرق النساء، في السودان ودارفور معاً، شوقاً لما ستنطقون به بشأنهن وما ستسطرونه لتضيفه لكم حواء دارفور في ذاكرتها السياسية ويسجله لكم التاريخ في مدوناته. فهل ستقولون: ” سُحقاً لَكُنّ يا نساء السودان”، و” يا نساء وبنات دارفور لا نُدِينَ لَكُنّ بشيء فاغرُبَنّ عن وجوهنا وأذْهَبْنَ الي الجحيم!؟ أم ماذا أنتم قائلون وفاعلون يا قادة؟

د. سعاد مصطفي الحاج موسي
04 مارس 2021
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *