بعد أكل الكعكة , إقتصاد الصدمة !

خالد فضل

السيد معتز موسى ؛ رئيس الوزراء الجديد في السودان , بعيدا عن قرابته من عدمها بالسيد رئيس الجمهورية ؛ هذا ليس مهما بالنسبة لسياق هذا المقال وربما كان أمرا ذا أهمية في مقام آخر , المهم أنّه ينتمي عمريا إلى جيلنا نحن الذين ولدوا في أو قبيل منتصف الستينات من القرن الماضي لنتخرج في الجامعات أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات . نقتسم معه الخيبة التي لابد لجيلنا ضلع فيها , وإذا كان د. أمين حسن عمر ينكر خيبة جيله حسبما نُسب إليه وقرأته منشورا على أحد وسائط الإعلام , فإنّ هذا النكران يصب في مصلحة بقاء الأزمة وما تسببه من كوارث , على الأجيال التي شاركت في صناعة الكوارث الوطنية الإعلان بشجاعة عن مسؤولياتها ولو بالصمت عما أرتكب من خطايا وطنية جسيمة لوّثت الراهن وأهدرت المستقبل , والسيد معتز من ضمن هذه الأجيال . ولو كانت حياة بلادنا ونواميس سياستها وحكمها تسير كما كانت عليه الحال يوم كان أبناء وبنات جيلنا ما يزالون طلابا في رحاب الجامعات أو في مناشط الحياة الأخرى لكان واجبا الإحتفاء بتولي جيلنا لزمام المسؤولية الوطنية في مراقيها الرفيعة , لكن !

كانت حقبة الديمقراطية الثالثة في منتصف الثمانينات عقب إنتفاضة أبريل 1985م , ولعل السيد رئيس الوزراء الجديد يعلم جيّدا أنّ السيد الصادق المهدي كان رئيسا للوزراء في تلك الحقبة , ويعلّم الطريقة التي تولى بها منصبه ذاك , وهي طريقة تختلف جذريا عن تولي معتز موسى للمنصب الذي شغله من قبل محمد أحمد المحجوب , وعبدالله خليل وربما آخرين ضمن سياق ديمقراطي قصير لثلاث فترات متباعدة , كان معتز موسى دون شك من عناصر تنظيم الإتجاه الإسلامي ثمّ صار جبهة إسلامية تحت قيادة ملهمهم الأول شيخ حسن عليه الرحمة , لكنه كان يتمتع بكافة حقوقه كمواطن وامتيازه كطالب جامعي يسكن البركس , ويخاطب أركان النقاش متوعدا الشيوعيين والعلمانيين بالويل والثبور واعدا المسلمين بالخير الوفير والعيش الكريم والحياة الهنية , ثمّ لا ينسى حمل السيخ دفاعا عن الدين الحنيف في وجه الكفرة الفجرة من زملائه في الجبهة الديمقراطية على وجه الخصوص و(بناتهم ) الكاسيات العاريات ومجون الحفلات .لابد أنّ الجلسات الإيمانية كانت عامرة بالصلاة والذكر والتضرع , ثمّ هجاء المجتمع الجاهلي وضرورة الجهاد والحركة الإسلامية ضد السكون وتطبيق شرع الله الذي به تنصلح أحوال راهن المسلمين مثلما انصلحت أوضاع ماضيهم فسادوا الدنيا !

برهة استرجاعية ل30سنة ماضية تعيد السيد رئيس الوزراء الجديد إلى زمن عاشه كما عشناه , هل كانت تلك أوقات الجاهلية والعلمانية والفجور , وبحمد الله وفضل الجبهة الإسلامية ننعم الآن بعهد النقاء والطهر وانصلاح حال البلاد والعباد بعد تمكين (شرع الله) وتطبيقه في بلاد السودان ؟ والجهاد في الجنوب ومتحركات الفتح الإسلامي لرفع راية (لا إله إلاّ الله ) وسط ظلمات الغابات أتراها الآن أثمرت قناديل سنا ومصابيح هداية للوثنيين والكفار من أهل الجنوب ؟ لا بل حتى ساحة النشاط وسط جامعة الخرطوم هل هي تلك الساحة التي شهدت نشاط رئيس الوزراء وأبناء جيله وما سبقهم من أجيال , والسفرة , وداخلية السكن وغرفة العمليات وغرفة الجامع التي منها تنطلق المخططات والمخطوطات , أتراها ما تزال باقية ورثها خلف الإخوان عن سلفهم الصالح ؟

لقد خرج رئيس الوزراء الجديد للحياة العامة تسبقه صفة (مجاهد) في ظل وضع إنقلابي عسكري /مدني و ربما كانت له في التنفيذ أدوار , دخل وإخوانه إلى الحياة العملية من مراقي السلطة وليس (اسكيلات) الخدمة المدنية العتيدة , أزاحوا من أهل الخبرة والكفاءة والقدرات مئات الآلاف وتحكروا هم في المقاعد الأولى في كل وزارة ومصلحة ومؤسسة , انفتحت خزائن الدولة عن آخرها لتمكين المجاهدين ,وما قصروا (تب) , والسيد رئيس الوزراء الجديد يشارك ويبرر ويجاهد ويدافع , فيما كانت الزنازين تصك أبوابها ليقيم في عتمتها خيرة أبناء السودان , من شاكلة د. علي فضل عليه الرحمات الواسعات , وطلبة الجامعة التي تخرّج فيها يلقون حتفهم إن همو طالبوا (بمرتبة قطن ) مثلما حدث مع الشهيد محمد عبدالسلام , في حين كان هو وجيله وإخوانه في التنظيم وفي عهد رئيس الوزراء (الماخمج) يرفلون في حلل النعيم , يأكلون (الإسبيشل ميل ) ويتظاهرون ضد غلاء السكر وبلوغ رطله سقف ال(10) قروش وكل حيلة البوليس المسكين بمبان ماركة (السيدين ), لم تدخل الدولة السودانية وقتها بيت الطاعة الإسلامي فينطلق رصاص المسلحين في عقر البيوت فيردي عوضية عجبنا شهيدة في قلب الديوم , وكانت صحف الراية وألوان حسين وسوداني عروة وغيرها تملأ الفضاء ضجيجا ونبيحا وخوار ولم يقل لهم الصادق المهدي ولا حتى مولانا الميرغني (بتسووا في شنو) ورئيس الوزراء من جيلنا يؤدي اليمين الدستورية في زمن خفتت الأصوات وبهتت الألوان , وصارت الصحافة جريمة والتعبير عن الرأي ورطة يقتاد بسببها (ود قلبا) مصفدا من أرض الحرمين قربانا لمك مكوك النيلين ! والسيد معتز فوق (مجايلتنا) تربطنا جغرافيا المديريات , ولأنّ شمال الجزيرة وجنوبها مما تتوحد فيهما مواقيت التيراب وقنوات الري وخط سكك حديد الجزيرة وتحرث أرضها جرارات الهندسة الزراعية التي تجرُّ الحواشات في نظم بديع من مكتب وادي شعير إلى تخوم ديم المشايخة قبالة سنار التقاطع , تقاطع سكك حديد السودان , أين الآن مشروع الجزيرة وسيادته يتسنم موقع رئيس الوزراء , ويعد ب (400) يوم بعد العلاج بالصدمة حتى يتعافى الإقتصاد الكُلي, والعبارة الأخيرة ممجوجة , إيه يعني إقتصاد كُلي ؟ هل تعرفة المواصلات ووقية الشاي ورطل اللبن وجرعة التتراسيكلين وقلم الرصاص والكراس وأنبوبة الغاز والأنسولين وحبوب الضغط ورغيفة الخبز تدخل في الإقتصاد الكلي ؟ وهل الكل غير ذاك المركّب من الجزء ؟ أفيدونا يا أولي الإختصاص فنحن في زمن تسد فيه الكلمات مسدُّ أيتما فعل , وإيه حكاية الأيام دي كمان , فالرئيس من قبل قال 6شهور وينجلي البلا ورئيس الوزراء يمطها لسنة وشهر وخمسة أيام , أتحبل النياق وتتئم العناق وتنبعث الأرض قمحا ووعدا وتمن في 6شهور أو سنة وشهر ؟ .

سيدي ومولاي وابن جيلي معتز موسى , الكعكة وأكلتوها كلها , والصدمة نعيشها منذ 30سنة فإن كان لكم حديث غير أهلا وإن لم يك لكم ما تقولون فالحمدلله على نعمة المنصب أهو سطر في (السي في) , خلونا مصدومين ولا تحاولوا صدمتنا أكثر لأنّكم حين ترسلون من يفوقنا منها بعد 13شهر وخمسة أيام سيأتيك مواسيا ومعزيا (البركة فيكم) شعبك مات . فهل تموت الشعوب !!!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *