باقان أموم لـ «الكفاح العربي»:
بعيدون عن الحرب قريبون من الانفصال
القاهرة – أيمن عبد الملاك
الاسبوع الذي مضى كان سودانياً بامتياز، في القاهرة التي استضافت على مدى ثلاثة ايام شريكي الحكم في الخرطوم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) في حوار حول مستقبل الجنوب السوداني، وفي الدوحة التي رعت توقيع الاتفاق الاطاري للسلام بين الحكومة السودانية و”حركة العدل والمساواة” تمهيداً لإحلال السلام في دارفور. “الكفاح العربي” التقت في القاهرة باقون أموم الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان وحاورته حول استحقاقات المرحلة المقبلة.
■ كيف جرت المفاوضات بينكم وبين حزب المؤتمر الوطني؟
– حضرنا الى القاهرة بدعوة رسمية من الحكومة المصرية لنجلس مع شركائنا في المؤتمر الوطني لبحث كيفية الحفاظ على استقرار السودان في المرحلة المقبلة، لأننا مقبلون على تحديات كبيرة وخطيرة جدا منها الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شهر نيسان (ابريل) المقبل، وهناك أيضا الاستفتاء على الوحدة بين الشمال والجنوب المقرر له كانون الثاني (يناير) 2011 ، ومن هذا المنطلق كانت أهمية هذه الدعوة في هذا التوقيت كي يمكن تجنب أي تداعيات سلبية يمكن أن تحدث خلال الفترة المقبلة.
■ ما هي أبرز النتائج التي توصلتم لها؟
– هناك نتائج إيجابية كثيرة منها الجلوس معا وطرح القضايا التي نشكو منها بصراحة ووضوح، وقد قدم كل منا رؤيته للحفاظ على وحدة السودان والعمل على جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً للمواطن الجنوبي عند إجراء الاستفتاء في العام المقبل، واتفقنا على ضرورة احترام نتائج الاستفتاء والنزول عند رغبات المواطنين مهما كانت نتيجة الاستفتاء سواء الوحدة او الانفصال، وأن نعمل معا على الحفاظ على الاستقرار وعدم الانزلاق الى أي تصرفات تضر بمستقبل السودان اياً كان الخيار الجنوبي.
■ وأين الاختلاف؟
– هناك نقطة اختلاف واضحة وجوهرية وهي النقطة المفصلية في مستقبل السودان وهي قضية الدين وعلاقة الدين بالدولة والسياسة. المؤتمر الوطني يريد من السودان أن يكون دولة اسلامية ويفرض هذا الدين على الآخرين رغم أن السودان دولة متعدده الاعراق والديانات والثقافات، ونحن قلنا إن البشر بطبيعتهم يرتضون العيش في فضاء واسع ودولة أكبر في حال تمتعهم بالمواطَنة الكاملة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس العِرْق أو اللون أو الدين، ونحن نرى أن السودان يحتاج الى نظام سياسي علماني مدني يساوي بين المواطنين من دون أي تمييز.
■ البعض يعتقد أن حوار القاهرة كان بغرض التوصل الى صيغة تحفظ وحدة السودان بإلغاء الاستفتاء أو تأجيله مقابل مكاسب جديده للحركة الشعبية؟
– هذا تحليل لا أساس له من الصحة، لأن الاستفتاء حق لمواطني الجنوب بموجب اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، كما نص عليه الدستور السوداني الانتقالي ولا نية لتأجيل هذا الاستفتاء. وإذا ما تم الانفصال سنبني دولتين يكون بينهما سلام، وسنعمل على مصلحة الجنوب والشمال، والحدود ستتضمن معابر، وإذا اختار شعبنا الوحدة فسنبحث مشروع وحدة وادي النيل ونوسع فهمنا لوادي النيل، بحيث يشمل ليس مصر والسودان وحدهما بل يشمل كل دول حوض النيل. وأنا أعلم أن هناك مخططات لقوى خارجية تعمل على تقسيم السودان، لكن يجب أن يتأكد الجميع من أن وحدة السودان أو انفصال الجنوب لن يكونا لأن مصر تريد الوحدة أو أن إسرائيل تريد الانفصال. الموقف سيتحدد بناء على البرامج والعوامل الداخلية. كل هذا سيتحدد من موقف المؤتمر الوطني خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية. واذا شعر المواطنون أنهم بدأوا يستعيدون وضعهم كمواطنين لهم الحق في كل شيء، وأن هناك اعتباراً واحتراماً لصوتهم فان المزاج العام للجنوب سيكون قريباً من الوحدة، لكن إذا لم يحدث هذا فأعتقد أن فرص الانفصال ستكون أكبر، ونحن ندعو الجميع الى عدم التخوف من الاستفتاء لأنه حق للمواطنين، وحق تقرير المصير آلية لتحديد رغبة الجماهير، وإذا حاول أي كان فرض الوحدة من منطلق أنها الأفضل فسنرجع الى الوراء، لكن الاحتكام للأغلبية وسيلة لتفادي الحروب. ولهذا نحن نحذّر من أي محاولات لفرض الوحدة على الجنوب، لأن الحروب التي وقعت في السودان خلال 50 عاما كانت بسبب محاولات فرض الوحدة بالقوة أو بالقانون على الجنوب، واي محاولة جديدة لفرض الوحدة بالقوة ستقود الى الحرب. نعم نحن الآن بعيدون جدا عن الحرب، ولا يمكن أن نفكر فيها لكن الاستفتاء حق أصيل لشعب الجنوب وفرض الوحدة بعيدا عن رغبات المواطنين حتما سيقود الى نتائج وخيمة، ولا يستبعد أن نصل وقتها الى مرحلة الحرب.
■هناك تخوف من عدم قدرة الحركة الشعبية على إدارة الدولة الجديدة إذا انفصل الجنوب، ويعتقد الكثيرون أن العنف المستشري في الجنوب هو نتاج ضعف الحكومة الجنوبية في الوقت الحالي فكيف سيكون الوضع إذا انفصل الجنوب؟
– لا بد أن يعلم الجميع أن العنف في الجنوب قبل توقيع اتفاقية السلام في العام 2005 كان كبيراً للغاية، ولم يسلط عليه الضوء في حينه. وبعد توقيع الاتفاقية عملنا على ضبط استخدام السلاح ونجحنا في ذلك بنسبة كبيرة جدا، لكن العودة الى استخدام العنف في الجنوب كان لأن المؤتمر الوطني هو الذي يوزع السلاح على المارقين في الجنوب ويقوم ببناء ميليشيات لزعزعة الاستقرار والامن في الجنوب، ونحن سلمنا شركاءنا في المؤتمر الوطني مستندات تؤكد هذه الاتهامات أثناء حوارنا في القاهرة، وقد رصدنا في الحركة الشعبية عددا من عمليات تدريب الميليشيات المسلحة وهناك مستندات على ذلك. ونحن نرى أن هذا يفتت السودان ويزيد نزعة الانفصال، فكل ما يشغل المؤتمر الوطني هو احتلال مناطق البترول ولا تهمهم الوحدة. ونحن نحذر من ذلك لان التأثير السلبي لزعزعة استقرار الجنوب لن ينعكس سلبًا فقط على الجنوب، لكن على الشمال أيضا لاننا سنكون أقرب جار الى الشمال حتى في حال الانفصال. هناك فريق في المؤتمر الوطني لا يعير اي اهمية للوحدة، ونحن حرصاء على الوحدة ونعمل جاهدين ليكون خيار الوحدة بين الشمال والجنوب هو الخيار المقبول للمواطن الجنوبي عند الاستفتاء. وللأسف الشديد كل هذا الحراك السياسى في السودان تم في إطار صراع سياسي فكري عسكري قاد لظاهرة الحروب الأهلية، والسودان خلال 50 عاما أصبح من أكثر الدول التي فيها عنف سياسي تجاه مواطنيها ويوجد 3 ملايين مواطن يعتمدون على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحفاظ على حياتهم، والاحصاءات الأميركية تقول ان من بين كل 7 نازحين في العالم هناك سوداني. كما صار سودانيون اليوم يلجأون لاسرائيل، وهذا يؤكد فشل السودان الى درجة هروب المواطن من الدولة الى أكثر الدول عداوة للعرب وهي إسرائيل.
■ إذا تم تجاوز قضية الدين هل يمكن الحفاظ على وحدة السودان وعدم تفتيتها؟
– الحركة الشعبية لتحرير السودان طرحت على يد الراحل جون غارانغ مشروع السودان الجديد، وهو مشروع يسعى إلى بناء مجتمع قائم على القواسم المشتركة بين كل السودانيين يقر التعددية الثقافية والدينية واللغوية وينهي تهميش المرأة، والحركة سعيدة بعدم نجاح هذا المشروع عسكريا، لأن فرضه كان سيخلق مقاومة ونرجع الى المشكلة الأساسية. جاءت الانتخابات لطرح هذا المشروع طواعية على الجميع، في الشمال وفي الجنوب، وعندما تقدم الحركة الشعبية مرشحاً مثل ياسر عرمان وهو مسلم شمالي، يعد الاكثر دفاعا عن حقوق الجنوبيين والمهمشين في السودان، نقول انه الوحيد القادر على انتشال السودان من الوضع الحالي. البشير والصادق المهدي لا يعرفون الجنوب كما يعرفه ياسر عرمان، وبحكم أنه شمالي فإنه يعرف الشمال جيدا. ومن الناحية البرلمانية والكتل التصويتية يعد عرمان الأوفر حظا لانه مدعوم من قطاع كبير في الشمال، بالاضافة الى ولايات الجنوب وكردفان وجبال النوبة، وهو ما يجعله الأحق والأوفر حظاً من الناحية العددية والمنطقية. وترشح ياسر عرمان والصادق المهدي هما جزء من استراتيجية وخطة لخوض الانتخابات، وهناك تنسيق دائم بين جميع القوى السياسية لكننا لا ننسق مع المؤتمر الوطني. هناك اتفاق بين الحركة الشعبية وجميع الاحزاب التي حضرت اجتماع جوبا اطلقنا عليه “قوى الاجماع الوطني”، وسبب ترشيح الحركة عرمان هو انه يقدم للشعب السوداني “مشروع السودان الكبير” كطرح يهدف الى خلق فرص أفضل لتحقيق الوحدة طواعية عند الاستفتاء، والحركة ستحترم قرار الاستفتاء إذا كانت الوحدة أو الانفصال. ونحن نعلم أن الوحدة هي الخيار الأفضل وإذا اختار الشعب الوحدة سنبني سوداناً جديداً شعبه متساوٍ تماما في الحقوق والواجبات، وإذا تم الانفصال سننسق جهودنا في الشمال والجنوب لبناء وحدة متعاونة.
■ كيف ترى الاتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه بين حركة العدل والمساواة في الدوحة والحكومة السودانية؟
– نحن نرحب بهذا الاتفاق ونأمل أن ينجح في وقف العنف ضد أبناء دارفور. نطالب الحكومة السودانية والعدل والمساواة ومعهم الوسيط القطري بالعمل على تطبيق الاتفاق في أسرع وقت، لأن جرح دارفور ينزف منذ فتره طويلة ويجب أن يتوقف الآن، لأن دارفور قضية سياسية في المقام الاول. ونحن قلنا منذ بداية الازمة لا بد من أن يكون الحل سياسياً وليس عسكرياً، كما يجب أن يكون الحل جامعا لكل الأطراف للوصول الى سلام دائم، ونحن نؤيد السلام الشامل في السودان كله وإجراء انتخابات في دارفور من دون مشاركة أهلها يجعلها انتخابات جزئية.
■ تنسقون مع المؤتمر الشعبي الذي يقوده حسن الترابي هل يمكن أن تصل العلاقات الى مستوى التحالف في الانتخابات المقبلة، ولماذا يسأل هذا التحول المفاجئ في العلاقات مع الترابي؟
– مؤتمر جوبا كان دعوة من الحركة الشعبية لكل القوى السودانية بهدف بلورة إجماع وطني لاخراج السودان من خطر الانهيار، والعلاقات مع المؤتمر الشعبي من منطلق أنه أحد القوى السياسية على الساحة السودانية. كما أن حسن الترابي حضر اجتماع جوبا وتواصل معنا بشكل جيد، ونحن سوف ننافس على جميع المناصب في الانتخابات المقبلة بما فيها الولايات الشمالية ولهذا لا بد من التنسيق مع القوى كافة التي ستدخل الانتخابات، لكننا فشلنا في التنسيق مع المؤتمر الوطني بسبب ما يقوم به من عمليات ليس لها علاقة بالانتخابات منها نشر السلاح والميلشيات في الجنوب وولاية جنوب كردفان، ما جعلنا نتفق على عدم إجراء الانتخابات في هذه الولاية بسبب عدم الاستقرار على أن نجريها في وقت لاحق.
■ البعض تحدث عن رزمة من الاتفاقيات تسمح بانفصال الجنوب عن الشمال مقابل إلغاء الدعوى المرفوعة من المحكمة الجنائية ضد الرئيس البشير، وقالوا إن هذا العرض حمله المبعوث الاميركي الى السودان سكوت جريشن خلال زيارته الاخيرة للخرطوم؟
– هذا الحديث غير وارد على الاطلاق لان لا علاقة بين الاستفتاء والمحكمة الجنائية الدولية، المحكمة مقرها في لاهاي وليس في جنوب السودان.
■ في ظل التعقيدات السياسية الحالية في الساحة السودانية هل لديك أمل كبير في خروج السودان من الازمات؟
– لدينا امل كبير وأنا شخصيا متفائل أن الحركة الجماهيرية السودانية بدأت في النمو والتطور وستنتصر في النهاية لأن مستقبل السودان يكمن في حل الأزمة السودانية وفق أجندة واضحة. والآن هناك تحرك جماهيري لحماية هذه الاجندة عبر تنفيذ اتفاقيات السلام، وبالضغط الجماهيري سيتحقق السلام في السودان، وسنعمل خلال المرحلة المقبلة على تحقيق الحرية عبر المطالبة بتسليم السلطة للشعب. نريد نظاماً سياسياً يفضي الى نظام تعددي ديمقراطي مستقر، والمؤتمر الوطني اذا اختار أن يمارس العنف فهذا خياره. نحن قادرون على امتصاص هذا العنف وتحويله الى طاقة بناء كما يطفئ الماء النار. سوف نركز على النضال الجماهيري السلمي وسنحاصر العنف ونعمل على بسط الحريات.
■ البعض يرى في تواصلك وزيارتك لمشايخ الطرق الصوفية ضرباً للمؤتمر الوطني في أهم معاقله ورداً منك على قوى الانفصال في المؤتمر الوطني؟
– علاقاتى مع الطرق الصوفية ومشايخها والملل المسيحية والملل الاخرى هذا ليس للسياسية ولا هو عمل سياسي. هو من منطلق الاقتراب من الانسان السوداني وقواه الروحية. الطرق الصوفية والملل الدينية المسيحية اسهمت في بناء المجتمع السوداني وتحقيق التسامح وفي إطار البحث عن أمة سودانية جامعة هناك دور كبير للطرق الصوفية والملل الدينية المسيحية والاديان الافريقية، في ترقية الانسان وتشكيل وجدانه لتحقيق النمو الروحي وانعتاق الانسان كجوهر. ورسالة كل الاديان أن تسود الحرية والكرامة والاحترام المتبادل بين بني البشر كما يقول تحقيقا لمعاني الآية القرانية (يا أيها الناس أمنوا إن خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم). هذه حكمة وعلينا في السودان ان نتعارف ونقبل بعضنا البعض، ونكتشف أن نبني الجسور مع الآخر المختلف، رغم أننا شعوب وقبائل. في النهاية نحن بشر متساوون بصرف النظر عن النوع أو العنصر أو الجنس أو الدين أو اللسان. كل هذه المعاني تنشرها الطرق الصوفية والملل الدينية المسيحية. أنا زرت اليابان وزرت مراكز تأملات الانسان البوذية، لذلك نحن نهتم بالتجارب والقيم الدينية والانسانية. في مرحلة العولمة بدأ عصر ازدهار الانسانية، انتهى زمن العنف وبدأت حركة بسط السلام في العالم والتقارب بين الشعوب حتى الحدود الفاصلة بين الشعوب تنهار في اتجاه التواصل، والسودان ليس معزولاً عن ذلك، على أساس القواسم الانسانية المشتركة، ويجب أن تسود الحرية والسلام في الارض. هذا هو هدفنا الاساسي، نريد السلام في الارض نريد بيئة نظيفة من دون تلوث أو احتباس حراري وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة.