د. فيصل عوض حسن
أعلن المُتحدِّث باسم المجلس العسكري بالسُّودان، عن (رفضهم) للمُبادرة الإثيوبيَّة، رغم أنَّهم لم يطلعوا عليها من أساسه (حسب إقراره)، وطَالَب كلاً من مبعوث الاتحاد الأفريقي والمبعوث الإثيوبي، بدمج المُبادرتين (الأفريقيَّة والإثيوبيَّة) في مُبادرةٍ مُشتركة، وتلافي ما أسماه (إملاءات وحلول جاهزة)! وفي سِيَاقِ (التَنَصُّلِ/التَرَاجُعِ)، أكَّدَ عددٌ من أعضاء المجلس، على صعوبة مَنْح قُوَّى الحُرِّيَّة والتغيير نسبة 67% من المجلس التشريعي، وألمحوا لتشكيل حكومة عبر مجلسهم (مُنفردين)!
المُدهِش، نقاشات غالِبِيَّة السُّودانيين (السُفُسطائِيَّة) لإثبات غَدر المجلس وتَنَاقُضاته، ولا أدري ما الفائدة من إثبات (الثابت) والمعلوم للقاصي والدَّاني؟ وما الذي كُنَّا نتوقَّعه/ننتظره من المُتأسلمين وأزلامهم بالمجلس العسكري؟! ليتنا اعترفنا بشجاعة أنَّ سبب هذه الحالة (المُعقَّدة) والمُختلَّة، هو قبولنا بالتفاوُض و(مَتَاهاته). وبدلاً عن إهدار طاقاتنا في شرح وتفسير الغدر الإسْلَامَوي، علينا تقويم/مُعالجة أخطائنا بموضوعيَّةٍ وتَجَرُّد، وأوَّل ذلك إيقاف التفاوُض بأسرع وقت! ولعلِّي أتساءل بصوتٍ عالٍ: عمَّا الذي (يُميِّز) البُرهان وحِمِيْدْتِي، وغيرهما من سَقَطِ المَتَاع، عن البشير وابن عوف؟ وإذا كُنَّا سنقبل بالبُرهان وحِمِيْدْتِي، لماذا سَعَينا لتغيير البشير ورفضنا ابن عوف (دون تَفاوُض)؟ وهل أجبرنا البشير (على الاختفاء)، ورفضنا ابن عوف بـ(التفاوُض)؟! وكيف نتفاوض مع البُرهان وحِمِيْدْتِي، رغم إجرامهما المُتراكم/المُوثَّق، واللَّذان أضافا له فصولاً إجراميَّةً جديدة على أكثر من صعيد؟! مع مُلاحظة أنَّ (التَفَاوُض)، لم يكن مَطْلَب الشعب، حيث كان مَطْلَبنا (الإسقاط) الشامل للمنظومة الإسْلَامَوِيَّة ومليشياتها وأزلامها، والمُتواطئين معها من الكيانات الوضيعة!
بالنسبة للعالم الخارجي ووساطاته/مُبادراته وتحذيراته وغيره، فهي (تمثيليات) لتهدئة/إلهاء الشعب، وتمكين المجلس العسكري الإسْلَامَوِي، لضربِنا/سَحْقِنا و(تَقاسُم/ابتلاع) مُقدَّراتنا، ولا خير يُرجى منهم دون استثناء! وكمثال، فإنَّ مُبادرة إثيوبيا التي نتباكى عليها منقوصةٌ/معلولة، ولا تفي بتَطَلُّعات الثورة أو ترتقي لمُستوى تضحياتنا المبذولة، لأجل الدولة المَدنِيَّة/الديمُقراطِيَّة المنشودة! كما أنَّ إثيوبياً (غير مُؤهَّلة) إطلاقاً للتَوَسُّط في قضايانا، لأنَّها تحتل جُزءاً مُقدَّراً من أراضينا، وما تزال تَوَغُّلاتها مُستمرَّة حتَّى بلغت منطقة (الدِنْدِر)! وخلال هذه التَوَغُّلات قتلت مليشياتها أهلنا ونهبت ممُتلكاتهم، بخلاف سد النهضة الذي يُهدِّد استقلالنا السياسي والاقتصادي، وهي مُعطياتٌ تُحتِّم رفض تَدَخُّل/وساطة إثيوبيا من أساسه؟! وكذلك مصر، التي التهمت حلايب وغالِبِيَّة الأراضي النُّوبِيَّة وبعضاً من شمال دارفور، بجانب تآمُرها الفاضح مع مجلس العسكري، ورؤوس الشرِّ والفُجور (الإمارات والسعوديَّة)، ولا أدري كيف ولماذا وإلى متى نغفل عن هذه الوقائع المُوثَّقة؟!
أمَّا أمريكا فهي (رَاعِيةُ) المُتأسلمين، رغم العداء (الظاهري/التضليلي)، ولقد كتبتُ في هذا كثيراً، كمقالتي (خَفَاْيَاْ اَلْعُقُوْبَاْتِ اَلْأَمْرِيِكِيَّةِ عَلَىْ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 22 يوليو 2017، و(مَنِ اَلْمُسْتَفِيْد مِنْ رَفْعِ اَلْعُقُوْبَاْتِ عَنِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 31 يوليو 2017، و(اَلْتَحَاْلُفُ اَلْإِسْلَاْمَوِيُّ اَلْصَهْيُوْنِيّ: مِنَ اَلْخَفَاْءِ إِلَى اَلْعَلَنْ) بتاريخ 6 ديسمبر 2018 وغيرها من المقالات. وبالنسبة للدول الأُورُوبِيَّة عموماً، ودول الترويكا خصوصاً، فهم يُدينون ويشجبون (ظاهرياً)، ويدعموا المُتأسلمين ومليشياتهم الإجرامِيَّة (مالياً/عينياً)، تارةً بحِجَّة مُحاربة الإرهاب، وأُخرى لِمَنْعِ الإتجار بالبشر، وثالثة لمُكافحة الهجرة غير الشرعيَّة، والأوروبيُّون والعالم أجمع يعلمون تماماً (رِيادَة) المُتأسلمين هم رُعاة لجميع هذه الجرائم، وقيامهم بـ(تصديرها) للخارج كالارتزاق باليمن وتجنيد الأطفال وغيره! وباختصار، فإنَّ العالم الخارجي (طَامعٌ) في السُّودان، والمُتأسلمون هم مفتاح/أداة إشباع تلك الأطماع، حيث (تَفَنَّنوا) في تَدمير/إهدار مُقدَّراتنا الوطنيَّة/السيادِيَّة والاقتصادِيَّة، سواء برَهنِها أو بيعها أو تركها للاحتلال، والمُستفيد الأوَّل هم ما يُسمَّى بمُجتمع دولي وإقليمي، مما يجعل التعويل عليهم (مَتاهة) لا طائل منها، لأنَّ مصلحتهم ببقاء المُتأسلمين وعدم تغييرهم.
لقد شاهدنا جميعاً بداية الانتفاضة السُّودانِيَّة (المجيدة) في 12 ديسمبر 2018، بعَفَوِيَّةٍ واجتهادٍ شعْبيِ (خالص)، بعيداً عن جميع (الكيانات) السُّودانيَّة ودون قيادةٍ مُوحَّدة، إذ قاد السُّودانيُّون أنفسهم بمُختلف الأعمار والفئات، وحَمُوا بعضهم البعض بجسارةٍ مُدهِشة وفريدة، رافعين شعار (تسقط بس)، وقَدَّموا الغالي والنفيس لبلوغ/تحقيق ذلك الشعار النبيل. وبقدوم الخامس والعشرين من ديسمبر 2018، غَطَّت الاحتجاجات كلاً من: الدمازين، الفاشر، بورتسودان، عطبرة، بَرْبَرْ، دُنْقُلَا، كريمة، كَسَلَا، الأُبَيِّضْ، القَضَارِفْ، الجزيرة أَبَا، كُوْسْتِي، رَبَكْ، سِنَّاْرْ، مَدَني/الهِلاليَّة، النُّهُود، ومُدُن العاصمة الثلاث (أُمْدُرْمَان والخرطوم وبحري) بأحيائها المُختلفة، ثُمَّ ظَهَرَ تَجَمُّع المهنيين كقيادة للحِرَاكِ الشعبي، واتَّحَدَ الشعب خلفه ولا يزالون، وما أنْ تَحَالَفَ مع بعض الكيانات (المُتخاذِلَة)، حتَّى حدثت الربكة/الخلافات، وتَرَاجَعت التظاهُرات لتُصبح في (حَيَّيْنِ) اثنين أو ثلاثة على الأكثر، وهذه وقائع عشناها جميعاً لا يُمكن إنكارها، ومن الأمانة (تثبيتها/توثيقها) للتاريخ! ثُمَّ دَخلنا في (دَوَّامات/مَتاهات) التفاوُض والتسويف، بحِجَجٍ/مُبرَّراتٍ واهية، واستمرَّ (التسويف) رغم الجرائم المُتلاحقة للمجلس العسكري، والتي (تُحتِّم) إيقاف التفاوُض معهم، ليس فقط من باب (الغضب/الاستهجان)، وإنَّما لأنَّ المجلس لن يتنازل عن السُلطة عقب جرائمه الدَمَوِيَّة المُوثَّقة، خاصَّةً (مَجْزَرَة) الاعتصام، التي لم تأتِ من فراغ/صُدفة، وإنَّما شَكَّلَت خيارهم الاستراتيجي، بعدما وجدوا الوقت للتخطيط والتنفيذ! وسيزداد (تَمَسُّك) العسكريُّين بالسُلطة، و(سيتحايلون) على أي مُبادرة للتنازُل عنها أو تَقَاسُمِها، بغض النَّظر عن نِسَب المُشاركات/التمثيل، لأنَّ (السُلطة) ضمانتهم الوحيدة للنجاة من المُحاسبة والعقاب، ومهما بَلَغَ جُنون/سَذَاجة أعضاء المجلس لن يُسلِّموها للمدنيين، وحتَّى لو تَنَازَلوا عن بعضها، فستكون سُلطةً محدودةً ومَعْلُولة/مُقَيَّدة، لا ترتقي لطموح الثورة والتغيير، ولا تضمن مُحاسبة/مُعاقبة المُتجاوزين والقصاص منهم، بمن فيهم البُرهان ومن معه من السَّاقطين!
الوقتُ الآن ليس للمُحاسبة والعِتاب أو التخوين، وإنَّما للاتحاد والتَلاحُمِ والعمل الجماعي بموضوعيَّةٍ وتَدَبُّر، وحسناً فعل تَجَمُّع المهنيين بالإعلان عن التصعيد، ولكن علينا (استدراك) الأخطاء السَّابقة وتلافيها، وتحديداً نحن مُطالَبون بالتفكير/التخطيط المُحكَم (قبل أي عمل)، والمُتابعة والتقييم والتقويم المُستمر، ومن ذلك أماكن وأوقات الاحتجاجات، وابتكار أساليب (الحِماية) المُتماشية مع السِلْمِيَّة، حفاظاً على الأرواح والأعراض والمُمتلكات. فما حدث بمَجْزَرةُ الاعتصام، يفرض علينا عدم (تجميع) السُّودانيين في مكانٍ واحد (مركزيَّة الاحتجاجات)، والأنسب هو التَظَاهُر بكل السُّودان في وقتٍ واحد، لتشتيت المُتأسلمين وإضعاف رقابتهم/سيطرتهم، مع حَصرْ وتحجيم حركتهم (فُرادَى/جماعات) بالأحياء السَكَنِيَّة عبر لِجَان المُقاومة، دون استثناءٍ أو مُجاملة، لأنَّهم ساهموا في اغتيال واعتقال الكثير من الشرفاء وإضعاف الحِراك. وليت تَجمُّع المهنيين يبتعد عن الكيانات المُغامرة، ويعمل لإنصاف الشباب الذين قَدَّموا تضحياتٍ كبيرةٍ لإشعال الثورة واستمرارها، وذلك الإنصاف يكون بالاستناد عليهم في تشكيل المجلس السيادي ومن بعده الحكومة، وفقاً لما أوضحته في عددٍ من المقالات، وآخرها مقالتي (شَبَاْبُ اَلْسُّوْدَاْنِ بَيْنَ اَلْتَضْحِيَاْتِ وَاَلْاِسْتِحْقَاْقَاْت)، بتاريخ 24 أبريل 2019.
وعلينا تَوقُّع/استشراف مَكَائد المُتأسلمين ومجلسهم الإجرامي ومليشياتهم، والانتباه لتَدابيرهم/مُخطَّطاتهم الشيطانِيَّة، كالاعتقالات والاغتيالات وحظر الأفراد/الجماعات، وتفعيل قانون الطوارئ وتبعاته (حظر التَجوُّل والتَجَمُّعات وغيرها)، وتكثيف أعداد المليشيات (كتائب ظِلْ/جَنْجَوِيد) خاصَّة بالعاصمة، بما يُرَجِّح سلامة رأينا بـ(عدم مركزيَّة) الاحتجاجات وحصرها في الخرطوم، والتَظَاهُرِ بكل السُّودان في وقتٍ واحد. وعلى السُّودانيين بالخارج، تكثيف التَظَاهُر في يومٍ واحد بجميع الدول، وتخصيص المزيد من الدعم (المالي/العيني) لأهلنا بالدَّاخل، لأنَّ المسئوليَّة تضامُنيَّة وتكامُلِيَّة. ولنثِق بأنَّ كتائب الظِلْ المأجورة والجَنْجَوِيد المُرتَزِقَة، ليسوا أقوى من البشير الذي أجبرناه على (الاختفاء)، دون تَفاوُضٍ أو مُبادراتٍ أو تسويف، وسننتصر عليهم ونقتلعهم جميعاً، إذا اتَّحدنا و(أحْسَنَّا) التدبير/التخطيط وأبعدنا المُغامرين والخَوَنَة.