المُؤتمر الوْطنِي.. إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ..!!.
خالد ابواحمد [email protected]
مدخل
” إذا ما ارتدى الزُور والمكر لباس التقوى ستقع أكبر فاجعة في التاريخ”..!!
الفيلسوف الهندي رادها كريشنان
أي لغة هذه التي تعبر عما وصل إليه حال الحاكمين في السودان من وصف يليق بأفعالهم المنكرة يسبُون ويشتُمون ويتهمون بالعمالة كل من عارض فوضتهم وفسادهم الذي أزكم الأنوف، وقد تبخرت كل شعاراتهم من لدن لا ولاء لغير الله إلى الرد.. الرد.. السد.. السد..!!.
وإذا ما تجاهلهم الناس ظلوا في طغيانهم يعمهون..يخربون البلاد بأيديهم، وإذا ما حاول أصحاب الوجعة الخروج من الأزمة التي أوقعوهم فيها أرغوا وأزبدوا، وجندوا المنخنقة والنطيحة وما أكل السبع، والفضائيات التي قامت على أكتاف الشعب المطحون، وعرق المغتربين والمهجرين.
إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ..!!.
فإن المؤتمر العام للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) الذي انفض سامره قبل أيام قليلة كشف عن ضحالة الفكر الذي يقود البلاد، وقادها بالفعل إلى ما نعاني منه في كل مناحي الحياة، وعندما اطلعت على البيان الختامي للمؤتمر وجدت ذات الصيغة التي صبغت كل بيانات المؤتمرات السابقة منذ تأسيس هذا المُلك العضوض وذات المفردات وذات العبارات التي تمجد الحزب الحاكم وتكرار سمج وممجوج للأكاذيب والأوهام والخيالات المريضة.
واقتبس للقارئ الكريم من توصيات هذا المؤتمر ما يلي:
والمؤتمر العام الثالث للمؤتمر الوطني اذ يختتم اعماله، يؤكد فى بيانه الختامى أنه:
Ø يحي جماهيره العريضة الممتدة فى انحاء السودان، ويرحب ترحيبا حارا بالاعداد الكبيرة التى انضمت لركبه من القيادات السياسية والاجتماعية والفئوية والوظيفية، يرحب بهم فى مسيرة البذل والعطاء والتضحية لاجل بناء الوطن وعزته وكرامته ، ويحي المؤتمر اهل السودان كافة بمختلف أحزابهم ومشاربهم السياسية والثقافية.
Ø ويؤكد المؤتمر الوطنى للجميع ثباته على مبادئه السياسية المرتكزة على مبادئ الدين والوطن،.. وانه مصمم على استكمال بناء حزب قائد لوطن رائد، يبنى نهضته وعزة شعبه على دوافع الايمان بالله تعالى وقيم الشريعة الاسلامية السمحاء وهدى واخلاق الدين الحق ، ثم على العلم والمعرفة والبحث العلمى ، التقانة للقيادة والرياده.
Ø ثم يمهر كل ذلك بالصدق مع الشعب والوطن وبالعزيمة والثبات والصمود ، والتعاون مع الجهود المخلصة لكل القوى والتنظيمات السياسية السودانية.
Ø ويؤكد المؤتمر الوطنى للشعب السودانى، أنه يتاهل لصياغة مستقبل السودان الزاهر بالبناء على رصيده من الخبرة والتجربة وإنجازاته الظاهرة، وهو كذلك يتاهل لصياغة مستقبل السودان، باعمال مبادئ الحق والاصلاح لمسيرته والتطوير والتحديث والتجديد فى السياسات وفى القيادات.. ويعتمد مبادئ الالتزام التنظيمى والسياسي ومبدأ المحاسبة والشفافية والمؤسسية واعتماد عنصر الكفاءة فى التكاليف والنقد البناء للأداء ، معايير للتجربة التنظيمية الناضجة والمسؤولة.
الخبرة والتجربة..!!
والحزب الحاكم في السودان عندما يصدر بيانات وينشرها في أجهزة الاعلام المختلفة لا يدري أن هذا الشعب يدرك كذبه خاصه في الفقرة الثالثة من الاقتباس ” ويؤكد المؤتمر الوطنى للجميع ثباته على مبادئه السياسية المرتكزة على مبادئ الدين والوطن”، عن أي دين يتحدث الحزب.. وعن أي وطن..؟؟ يتحدث الحزب الحاكم، لكن ما دام البيان موجه لعموم الشعب السوداني فهو يعلم أي خزي..وأي عار يعيش فيه، والاحتفالات التي صرف فيها مليارات الدينارات لتجار الحزب احتفالاً بسد مروي قد ضاعت سدىً، وعاصمة البلاد أصبحت تعيش في الظلام الدامس وأجزاء كبيرة منها لا تجد ماء الشرب، ويتحدث المؤتمر الوطني في الفقرة الأخيرة من الاقتباس ” ويؤكد المؤتمر الوطنى للشعب السودانى، أنه يتاهل لصياغة مستقبل السودان الزاهر بالبناء على رصيده من الخبرة والتجربة وإنجازاته الظاهرة”، عشرون عاماً والبلاد تئن من الحاجات الأساسية، والأتاوات تزداد على كاهل المواطنين..!!.
كشفت الحملة الاعلامية التي قادها كُتاب المؤتمر الوطني ضد مؤتمر جوبا عن هزة قوية أصابت الحزب في مقتل وقد كان يُعول على فشل المؤتمر بسبب اختلافات وجهات نظر مختلفة مزعومة بين الكيانات السياسية المشاركة فيه، بالطبع أن الحزب الحاكم لم يتعود على التحالفات السياسية ضده طيلة العقدين المنصرمين، الأمر الذي أربك حساباته وخلق حالة من ردود الأفعال لم تكن في صالحه بأي حال من الأحوال ذلك لأن العبارات المتشنجة التي صاحبت مقالات مؤيديه أكدت أن مؤتمر مدينة جوبا قد نجح نجاحاً غير متصور في حسابات المتابعين للمعركة التي يخوضها الحزب الحاكم ضد المعارضين.
في ذات الاطار بينت الاحداث أن نجاح مؤتمر جوبا نجح أولاً في التأكيد على امكانية حدوث تحالفات ضد الحزب الحاكم وهذا في نظري من أكبر النجاحات التي تحققت مؤخراً أشاعت جواً من الفرحة والأمل في تحالف كبير وقوي يضم كل الكيانات السياسية ضد جبروت (الانقاذ)، وقد كانت تصريحات د. قطبي المهدي ضد مؤتمر جوبا هزيلة وكلنا رأينا الهزيمة النفسية على قسمات وجهه، والأحاديث الكاذبة التي أطلقها على الهواء دون أدلة مؤثوقة.
من هو الكاسب الأكبر..؟.
وفي طريق د. قطبي المهدي سار د. محمد وقيع الله في تعليقه على مؤتمر جوبا بمقالة كاملة نشرتها مجلة (سودانايل) الالكترونية قال فيها “…وهكذا اجتمعوا، وأكثروا من اللغو، ثم انفضوا، وآبوا بالخسارة، والخيبة، والخذلان، بينما أُوتي المؤتمر الوطني نصرا عزيزا لم يكن في الحسبان،وبغير جدال يمكن أن يقول القائل إن المؤتمر الوطني كان هو الكاسب الأكبر من وراء مؤتمر جوبا”.
وواصل د. وقيع الله تأكيده على نجاح مؤتمر جوبا قائلاً:
“فقد كشف هذا المؤتمر للشعب السوداني، مدى هزال المعارضة السياسية، اللا مبدئية، اللا وطنية، وأبان عن تهافتها، وانتهازيتها، وزيفها، وعدم التقائها إلا على هدف سلبي وقتي، يتلخص في معارضة المؤتمر الوطني، وسبِّ الشعب السوداني الشمالي، والعمل على ابتزازه، مع التهرب من الاستحقاق الانتخابي، والاتجاه إلى ممارسة التخريب، مع العزم على فصل الجنوب”..!!.
ومقال د. محمد وقيع الله كعادته.. زادت فيه العبارات المتشنجة والتي لا يسندها منطق ولاعقل، بينما قال كلاماً عن مؤتمره (الوطني) يكذبه فيه الواقع مثل جملة ” بينما أُوتي المؤتمر الوطني نصراً عزيزاً لم يكن في الحسبان،وبغير جدال يمكن أن يقول القائل إن المؤتمر الوطني كان هو الكاسب الأكبر من وراء مؤتمر جوبا”، وفي اعتقادي أن المواطن السوداني واع ومدرك لهذه الخطرفات..
ومؤتمر الحزب الحاكم.. ومؤتمر جوبا..ليس الموضوع الذي أنا بصدده إنما جاءت في سياق الأحداث الجارية في البلاد والتي تستحق التعليق عليها..
في أواخر شهر رمضان المنصرم ارتكب فينا النظام الحاكم وعتاولته في الاجهزة الامنية والقانونية والشرطية جرماً كبيراً، إذ بشعوا بسمعة السودان فيما عرف بأزمة (البنطلون) وجعلوا سيرتنا على كل قنوات الدنيا، وبكل لغات العالم تساءلت البشرية جمعاء.. أي نظام حكم هذا الذي يرتكب حماقة مثل هذه..إنَّها “الجاهلية” بعينها، فنظام (الانقاذ) الذي لم ينتصر قط لقضايا المواطنين وللتحول الديمقراطي (والحضاري والإنساني) يأبى إلا أن يختزل في المرأة جُل، إنْ لم يكن كل، معاني الشرف والأخلاق، فموت الأطفال والنساء في دارفور أهون عليه من أن تعيش المرأة السودانية حرَّةً من وصاية نظام يعاني من القصور المعرفي والسياسي والديمقراطي والحضاري، لذا لم يكن غريباً أن يحدث في بلادنا ما حدث..يكفي أن العاصمة الخرطوم لا زالت تعاني من الانقطاع المتكرر للكهرباء وماء الشرب، فيما يتبجح اعلاميي الحزب الحاكم والنفعيين من تكرار مفردة (الانجازات) و(التنمية الشاملة)..!!.
الدولة السودانية العظمى..!!
بينما كانت العاصمة الخرطوم ممتلئة شوارعها بمياه المطر والوحل جراء أمطار الثلاث ساعات التي أغرقتها وأصبحت سيمفونية نقيق الضفادع مع كورس طنين البعوض في مستنقعات وحفر العاصمة ملء الآذان، إذ بالدكتور (نافع) علي نافع يواسي السودانيين المنكوبين مبشراً لهم بدولة سودانية عظمى خلال الثلاث سنوات القادمة، لا أدري لماذا اختار الدكتور الرقم (ثلاثة)، ففي عهد الإنقاذ حتى الأعداد البسيطة لم تسلم من التحوير والتحريف، فإذا قلت إن الساعة في السودان 12 ستكذبك الطبيعة بشمسها وظلالها الممدودة معالماً للوقت وتقول لك هي 11 ولكن أهل الإنقاذ لم يسلم من تزييفهم حتى ملكوت الله مصرين تقديم التوقيت صيفاً وشتاءً عكس المعمول به في كل الدنيا.
عدم مصداقية القوم أصبحت حقيقة لا تنتطح عليها عنزتان. وكان حرياً في هذا الظرف بالدكتور نافع علي نافع أن يرحم هذا الشعب المكلوم، ويبشر أهل العاصمة فقط لا كل السودان الكبير بشبكة مجاري حضارية وخلال خمس سنوات بدلاً من دولة عظمى خلال ثلاث سنوات فقط يتحدث العالم عن قوتها الكلامية. لقد أعلن القوم رمضان قبل الفائت النفرة الزراعية التي خابت ، ولكم خابت لهم وعود فأصبحوا كحال عرقوب التي وصفها حسان بن ثابت في لاميته في مدح الرسول الأكرم بـ (وما مواعيدها إلا الأباطيل) وهم مازالوا يستسيغون وعودهم الخوالف، حتى أصبح كلام ليلهم يمحوه نهارهم لأنهم تناسوا قاعدة بسيطة وهي أن القوة يصنعها الصدق مع النفس ومع الإنسان وتأهيله لا استنزافه وتدميره وهي قاعدة قرآنية يعرفها حتى غير المسلمين ولكن القوم يقرأون القرآن ويستدلون به استدلالاً لا يتجاوز حلاقيمهم.
كل السودانيين يريدون للسودان القوة والمنعة ولكن قوة حق وعدل ومساواة، الضعيف فيها قوي حتى يؤخذ الحق له، دولة يأخذ أهلها الظالم حتى يرجع إلى رشده، دولة تحترم القوانين والعهود، لا دولة تفتل عضلاتها ضد بنيها تجرهم نحو المهالك لأجل أشواق عصبة ضربت بالدين والأعراف عرض الحائط حتى صارت الدولة السودانية دولة منبوذة لا مصداقية لها بعد أن كان السوداني في الداخل والخارج مثالاً لمكارم الأخلاق والحمية والشهامة، ولو لا الإرث السوداني الطيب لما قبل الإنقاذ لأصبح الشعب السوداني منبوذاً في العالم جراء سلوك حكومته المنقذة التي غيبت بقهرها وجبروتها شمس المحنة وأصبح الظالم معه الحق والمظلوم لا نصير له. كيف تصبح الدولة عظمى والعالم مشغول بانفلونزا الخنازير وهي مشغولة بلابسات بناطلين، وإذا بالمطر ينهمر على عاصمتها الحضارية فتقف الحياة وتغرق في شبر موية.
يحبون السودان كأنهم يكرهونه..!!.
إن القوة التي يتحدث عنها د.(نافع) ستأكله وتأكل أخضر ويابس البلد، لأنها قوة مستمدة من شعور استبدادي متسلق بالدين للسلطة التي أصبحت هي الدين بل أضحت ديناً ضد الدين، إنها ليست القوة لأجل الحق لكنها القوة لأجل القوة، لقد وصل القوم إلى حالة من اللامبالاة والغطرسة جعلتهم مصداقية القول المأثور “راكب السلطة كراكب ظهر الأسد”، وهل استأسدت حكومة على الشعب السوداني كما استأسدوا.
د. (نافع) من الذين من الله عليهم بالدراسة عندما كان التعليم مجاناً، وربما من عليه سودان الخير آنذاك بالإبتعاث للخارج عله يرجع ويخدمه في مجاله بالتخصص الزراعي، ولكن الرجل له أشواق أن يكون السودان -الذي ترقد فيه ملايين الأفدنة الزراعية بوراً- أن يكون دولة عظمى بفهمه هو للقوة، ود. نافع ممن رأى وسار في شوارع دُول عُظمى ينهمر فيها المطر لساعات وأيام وبعد لحظات تنساب المياه وكأن شيئاً لم يكن وتستمر الحياة في سلاسة، أليس في تجارب هذه الدُول ما يلفت نظر هؤلاء القوم إلى كيفية صناعة الحياة بدلاً من صناعة الوهم والهموم التي أثقلت كاهل الشعب المغلوب على أمره.
صدق المرحوم الطيب صالح حينما تساءل عنهم قائلاً “لماذا يحبون السودان كأنهم يكرهونه..!”، خروج (نافع) بمثل هذا الكلام وفي هذا الظرف وبهذه اللامبالاة يعني أن القوم غارقون في الوهم حتى أنوفهم، وإلا فما هي بُشريات الدولة العُظمى والناس في هم جراء سقوط منازلهم وسقوط مدارس عديدة، إن الصُور التي عرضتها القنوات الفضائية من الجو للخرطوم وهي تعوم في المياه جد مُخجلة، لقد أخجلتنا وخجلنا للإنقاذيين على هذا المنظر اللاحضاري الذي شاهده الأجانب وكفروا لنا ما حدث ودعوا لنا أن يحفظ الله أهل السودان، ولكنهم والحمدلله لم يسمعوا نافع الذي يعد السودانيين وعد الغرور وهم يخرجون من منازلهم يغوصون في الوحل في عاصمة التوجه الحضاري الذي انقضت منه 20 سنة، ولا ندري متى نصل لمرحلة الدولة العُظمى.
لماذا لا يأكلون مُعجنات..؟!.
د. (نافع) بتصريحه هذا كأنه يكرر قول ملكة فرنسا وهي ترى من شرفة قصرها الفرنسيين يتظاهرون من حياة البؤس فتساءلت ما بال هؤلاء..؟. فقيل لها إنهم لا يجدون الخبز.. فقالت لماذا لا يأكلون مُعجنات..؟!.
هل ستكون دولة (نافع) العُظمى بدون شبكة مجاري في العاصمة أم أن شبكة المجاري ستكون بعد قيام دولته العظمى، إن نظرية نافع العظموية هذه ستنسف مقدمة ابن خلدون التي عمل بها الغرب طويلاً فحققها علماً مادياً ستأتي أجيال لاحقة فترى طبائع عمرانه فتدرك انه كانت هنا حضارة، أما طبائع عمران (نافع) فهو الكلام وما أسهل الجُهود على الإنسان عندما تكون كلاماً مجانياً يدفع فاتورته الشعب المكلوم.
سيقولون هناك نهضة في الكباري وفي السدود ولكن ما دفعه الشعب السوداني فقط ناهيك عن المداخيل الزراعية والنفطية كفيل ببناء أكثر من سودان، إن أغرب التبريرات في احتباس مياه المطر هو التخريج غير المسبوق حتى في القرون الوسطى الذي أطلقه احد المسؤولين المنقذين حينما نسب أحد أسباب احتباس مياه الأمطار إلى ستات الشاي اللائي تسبب (تفل) شايهن في إغلاق المجاري في كثير من المناطق، ولعمري هذا هراء يؤسس لغرس الاستحمار في محل النباهة وكان الأجدر به أن يسكت فمن كان يؤمن بالله فليقل خيراً أو ليصمت, ولكن هذه المأثورات ذابت في وهيج السلطة، ولعل هذا المأفون بالسُلطة تناسى أن من بين ستات الشاي عصاميات يدفعن مصاريف دراسة أبنائهن للدولة التي لا يحن لها قلب، ولا يرف لها جفن، ولا تأخذها في جمع الضرائب والزكوات لومة لائم، ومن نفس ستات الشاي اللائي سد (تفل) شايهن مصارف عاصمة الدولة العظمى، نحمد الله أنه لم ينسب المسؤولون الأمطار لمؤامرة خارجية حسب ما تواتر عنهم في أحداث كثيرة.
إني أسأل القوم لو أن ما حدث في الخرطوم من لا مبالاة أدت إلى كارثة تراكم مياه الأمطار، لو حدث هذا في دولة مثل أمريكا أو اليابان أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا ( دول الشياطين كما يسمونها) هل سيظل وزير الطرق أو وزير الإسكان أو المعتمد في منصبه، بالطبع هناك سيستقيل بنفسه دون أن يطلب منه أحد ذلك، ولكن القوم عندنا لا يستقيلون ولا يقالون حتى لو غرقت البلد عن بكرة أبيها، العالم يسابق الزمن للوصول لمصل يكافح به أنفلونزا الخنازير، ما هو رصيد دولة (نافع) العُظمى في هذا التسابق، هل هي القوة التي يسعى إليها ليهدد بها الدول التي تنتج للبشرية مثل هذه اللقاحات، سيكون السودان يا (دكتور) دولة قوية عندما يأتي من يهتم باستئصال الملاريا التي أصبحت من الإمراض المتخلفة وعندما تنتج أرضه المنتجات الزراعية ويكتفي شعبها ويمد الغير بما فاض من منتجات، وعندما يُسهم في حل مشاكل الغير لا زيادتها، الدولة القوية تسعى إليها الدول لا تهرب منها كما يهرب الصحيح من الأجرب.
سيكون السودان قوياً لا عظيماً (فالعظمة لله يا دكتور) عندما تعود العافية للتعليم وللصحة وللبلديات وللمستشفيات، عندما لا يدفع التلاميذ في المدارس الحكومية قروش الطباشير وفواتير كهرباء المدارس كما يحدث في مناطق لا تبعد عن العاصمة 100 كلم، القوة والعافية ستعود للسودان عندما تعود جامعة الخرطوم منارة كما كانت عندما كنت طالباً فيها لا ما آلت إليه عندما صرت أحد المتنفذين الحكوميين.
لا يسألون عما يفعلون..!!.
اللافت للنظر أن الذين آلت إليهم الأمور في حكم السودان من الشق المنفصل ( المؤتمر الوطني) لم تكن لهم سيرة تذكر في مجالس الحركة الإسلامية الروحية والتربوية، خصوصاً أيام الجبهة الإسلامية القومية التي ظهر فيها قادة الحركة (الإسلامية) يجوبون مدن وقرى السودان لطرح برنامج الجبهة أيام الديمقراطية الثالثة في الثمانينات، ولعل هذا ما يعكس الوجه والأسلوب الذي يحكمون به البلد، إذ أن تصرفاتهم حيرت الشعب بل حيرت حتى غير الملتزمين بحكم الدين للحياة السياسية، وحتى كثير من الشيوعيين والبعثيين الذين كان يتم تصويرهم على أنهم أعداء للتوجه الإسلامي لم يصل سلوكهم في ظلم الناس هذا المنحى البغيض، بل منهم كثيرون ممن يتصف بعفة اليد واللسان ويخشون أن تجترح أيديهم شيئاً من حقوق الناس عُدواناً وظلماً ويعرفون جيداً أن الظلم ظلمات لا يسقط عند الله بالتقادم أو لأن مقترفيه يُقدمون لله خدمة إقامة الدولة الإسلامية بالتالي فهم لا يسألون عما يفعلون.
متى تدرك العُصبة الحاكمة أن الإسلام ليس شعاراً يُرفع وإنما مسؤولية تجاه النفس والمجتمع والعالم، ولو عرفوا ذلك لما كانت السلطة هي أكبر همهم ومبلغ علمهم، وحتى لا تنسى ذاكرة الشعب ما جرى من تخريب ديني وفكري واجتماعي خلال حكمهم لا بد من البحث في السؤال الخالد الذي تركه المرحوم الطيب صالح حتى لا يقع الشعب فريسة مرة أخرى للأنبياء الكذبة ( من أين جاء هؤلاء.. ومن هم هؤلاء..!!!)، هل سمع هؤلاء قول أحد الخلفاء بأن “هم المسلم بذل السلام للعالم”.
أضاف شيوخ الإنقاذ وكهولها من ماسكي زمام الحُكم أو المُؤثرين فيه 20 عاماً إلى سنوات عمرهم الذي استلموا عنده السلطة، فمنهم من بلغ الستين والسبعين وهو عمر يصبح فيه الإنسان أكثر قرباً من الله وانكساراً إليه وليناً مع البشر، لكنهم لا يزدادون إلا شراسةً كأنهم من فطرة غير فطرة هذا الشعب، مؤكدين قول أحد الحكماء “يشيخ الإنسان ويلازمه شيئان، الحرص وطول الأمل”،وهل هناك حرص وطول أمل أكثر مما نراه فيهم..؟!.
في ذات الأيام التي خرج فيها (الدكتور) بتصريح العظمة، كان يجري في كينيا منتدىً عالمياً لتوفير الشبكة العريضة للإنترنت بعنوانConnecting Africa لتوفير الخدمات الحكومية للمواطنين الريفيين عبر الانترنت، وعلق وزير الاتصالات الكيني بأن اهتمامه ينصب نحو الطبقة السكانية دون خط الفقر في الريف لتستفيد من هذه الشبكة وبأسعار في المتناول حتى يحصلوا على الطلبات والخدمات الحكومية باستخدامها مما سيساعد في خفض الرشوة والمحسوبية في القطاع الحكومي، هذا يجري في الجارة كينيا في سياسة واقعية تخدم المُواطن البسيط، وإني أكاد أجزم أن الدخل القومي الكيني أقل من السوداني بكثير، والمتابعين للحركة العالمية في مجال تقنية معلومات الاتصالات يعلمون جيداً الحراك العالمي في هذا المجال، ولكن ما يجري عندنا هو العكس، فجودة تقديم الخدمات الحكومية مضرة للنظام لأن الفوضى الخلاقة Creative Chaos هي أفضل الطرق لبقائه، وجودة الخدمات ستفضح انه جعل مُؤسسات السودان دكاناً للاسترزاق وبلا أدنى دفاتر للحسابات، لذلك فان الخدمات الحكومية الجيدة عندنا هي آخر ما سيخطر على بال المسؤولين، اللهم إلا بارقة واحدة في هذا المجال أسسها والي القضارف (سابقاً) والي الخرطوم حالياً، والعشم أن يواصل في مثل هذه المشاريع المهمة للمواطنين ولا ينجر وراء هرطقة العظمة المدفوعة بالفكر النفعي، يا لها من عظمة جهُولة عجُولة وما أرى فهماً لها سوى امتلاك السلاح لا امتلاك العلم والفكر وتنوير الشعب بمبادئ الحرية والعدل والمساواة وحب الخير، عظمة تمتلك السلاح ظناً أنها تخدم الدين ولا تدري بجهلها أنها تحارب الدين بل تؤسس ديناً ضد الدين الحنيف.
لقد أسقط سلوك (الإنقاذيين) الجُدد الدين الحنيف في السودان شهيداً في سابقة لن ينساها تاريخ هذا البلد المتسامح، وبعد مضي العشرين عاما من حكمهم التي تعادل 100 سنة من التخريب الديني والاجتماعي يتطلب هول حادثاتهم وحوادثهم ظهور مُجدد للدين يكنس موبقاتهم ويوضح لأهل السودان حتى المسلمين منهم أن الذي كان لم يكن ديناً وإنما ديناً ضد الدين..!.