المهجرون في الارض

مقاطعة (النازحين واللاجئين) للحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية في أبريل الماضي تعضد الاتجاه الرافض للحلول الثنائية.. وتفتح الباب واسعا أمام المطالبة بمزيدا من الأجندات المطلوبة بشأنه.
الخرطوم- عبدالرحمن العاجب
أشاعث أقابر علامات البوؤس تبدو على وجوههم الكالحة من كثرة التعب والمعاناة .. أنهم (النازحون واللاجئون) من أبناء الشعب السوداني والذين ينطبق عليهم توصيف (المهجرون في أرض) والذين أخرجوا من ديارهم بغير حق وليس لشيئ بعينه وإنما نتيجة لصراع سياسي لاناقة لهم فيه ولاجمل جلهم ظلوا يقبعون خلف السجون الاضطرارية ممثلة في معسكراتهم التي يقطنون فيها والتي تفتقد لأبسط مقومات الحياة الانسانية.. وذلك لبسبب بسيط يتمثل في عدم توفر الامن والخدمات في المناطق التي نزحو منها حتى الآن.
هكذا أصبحت أوضاع حوالي ثلاثة مليون مواطن سوداني وظلوا يعانون لعقد من الزمان من نقص في الغذاء والمياه النظيفة والصحة ويعيشون في بيئة ملوثة وأبنائهم يفقتدون التعليم الجيد وأصبح معظمهم تحت طائلة الفاقد التربوي الذي إرتفعت نسبته وكادت تصل الى مرحلة الخطر.. كل هؤلا بحوجة حقيقية الي التعويض عن الضرر والخسائر والسلامة والامن والمساعدات الانسانية ووثائق شخصية، فضلا عن أنهم بحوجة الي جمع شمل الاسرة وحرية الحركة والعودة الطوعية التي تحتاج لتوفر ظروف مناسبة.. صدق أو لاتصدق كل هذا وغيره يحدث لمواطنين سودانيين يكاد يصل عددهم الى حوالي ثلاثة ملايين نسمة جميعهم وبلا إستثناء لديهم حقوق مواطنة حقيقية لم يتمتعوا بها بعد حتى الآن.
مشهد حزين تظلله مآسي الماضي ومعاناة الحاضر يحدث داخل معسكرات النازيحن بدارفور والتي بلغ عددها أكثر من (43) معسكر في ولايات دارفور الخمس والذين بلغ عددهم أكثر من (1,857,000) مليون وثمنمائة وسبعة وخمسون نازح .. مشهد المعاناة رسمه لنا أدم علي جمهوري نائب الأمين العام لاتحاد النازحين واللاجئين .. مؤكدا في حديثه ل(اليوم التالي) أن المعناة لازالت مستمرة وأن حالات النزوح أيضا هي الأخرى لازالت مستمرة .. وبحسب جمهوري أن المعاناة تجاوزت حدود الوطن وعبرت الى دول الجوار والتي من بينها دولة تشاد التي تستضيف بدورها أكثر من(738,000) ألف لاجئي.
المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية دعا في السادس من أبريل الماضي الى إنطلاق مرحلة جديدة من الحياة السياسية السودانية للاتفاق على مبادئ أولية للقيام بحوار وطني شامل (سوداني – سوداني) يناقش ويقترح حلول لتوفير عقد إجتماعي سياسي جديد ينهض بالأمة السودانية ويحقق لها أمنها وأمانها.. وشدد البشير وقتها على ضرورة تحقيق الأمن في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق .. البشير طالب في دعوته سالفة الذكر بضرورة مشاركة جميع القوى الفاعلة في البلاد لمعالجة القضايا والأزمات الراهنة الأمر الذي إعتبره يتطلب عدم الاعتزال والمقاطعة.. ولكن الواقع الملموس يؤكد عدم مشاركة (النازحين واللاجئين) في الحوار وألياته وضعت خارطة الطريق الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام التحليلات بشأن القضية.
في الزيارة التي قام بها محمد بن شمباس رئيس بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) الاسبوع الماضي لعدد من معكسرات النازحين بدافور وخلال لقائه مع ممثلي نازحي معسكر (كلمة) بجنوب دارفور طلب (بن شمباس) من النازحين بالمعسكر أن يستعدوا للمشاركة في الحوار الوطني الذي بدأ هذا العام والذي أطلقه رئيس الجمهورية قبل نحو أربعة شهور مضت.. غير أن جميع ممثلي النازحين وقادتهم رفضوا مبدأ الحوار بالإجماع وشددوا على ضرورة أن يكون الحوار المنشود حق وطني وشامل يعيد الأمن والأستقرار لجميع مناطق السودان ويؤدي في خاتمة المطاف إلى التحول الديمقراطي ودولة المواطنة التي تحترم المواطن وحقوقه فيما نقل (بن شمباس) مادر بينه وبين النازحين الى الجهات المسؤولة وأكد لهم إن النازحين يرفضون أي حلول جزئية لأزمات البلاد وذلك بحسب البيان الذي نشرته البعثة.
وفي ذات المنحى أكد أدم علي جمهوري حقيقة رفض النازحين للحوار الوطني وتابع قائلا(نرفض الحوار الوطني جملتا وتفصيلا) متهما الحكومة بعدم المصداقية في مسألة الحوار الذي دعا له رئيس الجمهورية قبل بضعة شهور لجهة أنها لاتمتلك الارادة والقرار السياسي الشجاع الذي يمكن أن يقود الى حلول مرضية لجميع الأطراف.. وبرر جمهوري لرفضهم للحوار لاعتبار أنه لايلبئ طموحاتهم فضلا عن أنه لايحقق السلام والاستقرار في دارفور وتابع(الحوار مستمر ولازال النزوح مستمر بشكل يومي وبالمئات) وأضاف قائلا(حتى النازحين الذين عادوا بشكل طوعي الى مناطقهم تم تهجيرهم مرة أخرى وعادوا لمعسكرات النازحين).
شيوخ معسكرات نازحي دارفور بدورهم نقلوا مطالبهم لمحمد بن شمباس رئيس البعثة الذي إجتمع معهم( الأربعاء) الماضي داخل معسكر كلمة وأكدوا له أنهم بحوجة حقيقية الى توفير الغذاء والحماية والأمن والاستقرار والسلام ونقلوا له معاناة النازحين الذين يعيشون في خيام لاتججاوز مساحتها بضعة أمتار وضفوها بأنها أشبه بالسجون وأوضحوا له أن هناك بعض النازحين يموتون في معسكراتهم جراء الجوع والعطش ونقلوا له فقدانهم الثقة في الحكومة وبعثة اليوناميد.
جمهوري الذي رسم لنا مشهد معاناة النازحين واللاجئين داخل معسكراتهم جزم في حديثه ل(اليوم التالي) بأن الحوارات والاتفاقيات الثنائية لايمكن لها أن تأتي بحلول حقيقية الأمر الذي دفعهم لرفض الحوار الوطني الذي وصفه بالمشلول.. وطالب جمهوري بإتخاذ خطوات عملية جادة قبل الحوار تتمثل في تحقيق العدالة وإجراء محاكمات عادلة لمرتكبي جرائم دارفور ووقف القتال الدائر بين القبائل في دارفور ونزع سلاح المليشيات وحماية النازحين واللاجئين وتعويضهم تعويض مجزي وإعادة تعمير القرى التي تم حرقها وتدميرها وتوفير الأمن والخدمات الأساسية بها وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام لجميع مواطني وطالب أن تسبق جميع تلك الخطوات مسألة الحوار الوطني.
مسألة حقوق الانسان والحريات الاساسية والتعويضات وعودة النازحين واللاجئين والعدالة والمصالحة ووقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الامنية النهائية والحوار والتشاور الداخلي وطرائق تنفيذ تلك البنود ورصدها وحمايتها وتعزيزها في دارفور لازال بحوجة الى تطوير الي جانب مناقشة حجم الدمار والخراب الذي لحق بالاقليم بسبب الحرب التي دارت فيه قبل نحو عشر سنوات.. كل هذه البنود والقضايا ربما تحتاج لنقاشات جادة في حوار وطني شامل يشارك فيه أصحاب المصلحة الحقيقيين وليس حوار ثنائيا تكيكيا يهدف الى تحقيق أهداف مرحلية.
حسنا، هكذا مضت الأمور ولكن طالما أن (العدل أساس الحكم) تأتي أهمية العدالة والمصالحة ولجان الحقيقة والمصالحة في مقدمة الأجندة التي ينبغي أن يناقشها ويحسمها الحوار الجاري .. وتبقى مسألة ترسيخ السلم وتعزيز بناء الثقة وتحقيق المصالحة والوحدة بين أهل المناطق المأزومة وكافة أهل السودان لايمكن لها أن تتم في ظل إنتشار السلاح ووجود حركات تحمله.. الأمر الذي يحتم على الجميع الاتجاه نحو الدخول في حوار شامل يهدف الى معالجة قضايا البلاد بشكل قومي وشامل مع الوضع في الاعتبار خصوصية للمناطق التي تأثرت بالحرب.
قضية (النازحين واللاجئين) الذين أصبحوا بدورهم عنوانا للأزمة الانسانية بالبلاد هي الأخرى لم تقف في ولايات دارفور بل تجاوزتها الى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق التي إنتقلت لهما تلك الظواهر بسبب إنعدام الأمن والحروبات الدائرة في تلك المناطق .. وتشهد تلك المناطق بحسب المتابعين انتهاكات مستمرة لحقوق الانسان والقانون الدولي الأمر الذي جعلهم يطالبون بضرورة مشاركة أبناء تلك المناطق وبشكل حقيقي في مسألة الحوار الوطني.. والى أن تكتمل الصورة في مسألة الحوار الوطني الجزئي تبقى قضية تدهور الوضع الامنى وإندلاع النزاعات المسلحة الناشبة بين الحكومة والحركات المسلحة والأخرى القبلية الدائرة في عدد من الولايات المأزومة والتي كانت أخرها في منطقة (أم راكوبة) بشرق دارفور في طليعة القضايا الجوهرية التي تحتاج لحسم قبل أن ينطلق قطار الحوار المنشود لتحقيق الغايات المطلوبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *