المحكمة العليا في كينيا تصدر امر قبض ضد الرئيس البشير ؟

الحلقة الثانية ( 2- 2 )

ثروت قاسم

[email protected]
دروس وعبر ؟
نواصل في هذه الحلقة الثانية من المقالة ، إستعراضنا لبعض تجارب كينيا وسلوكيات رئيسها الرائدة في الفصل الكامل بين السلطات الثلاث ، وفي إستقلال القضاء ، وإمتثال رئيس الجمهورية الكيني لقرارات القضاء الكيني والقضاء الدولي ، مع بعض المقارنات بين الوضع في كينيا وفي السودان .

اولاً :

+ في يوم الجمعة 27 اغسطس 2010 ، تمكن الرئيس البشير من الهروب من نيروبي ، بعدما عرف من الرئيس الكيني كباكي ان المحكمة العليا في كينيا تنظر في أمر القبض عليه ، وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية .

في يوم الاثنين 28 نوفمبر 2011 ، اصدرت المحكمة العليا ف

ي نيروبي امراً بالقبض على الرئيس البشير ، إذا وطئت اقدامه ارض كينيا في المستقبل ، وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي . جاء ذلك تنفيذاً للبلاغ المقدم للمحكمة من اللجنة الدولية للقضاة ، فرع كينيا .

The International Commission of Jurists (ICJ) Kenya Chapter

ولا يزال امر المحكمة العليا سارياً ، وسوف يظل سارياً في المستقبل .

حسب القانون الكيني ، فإن الرئيس البشير مجرم هارب من العدالة . أي خزي أكبر من ذلك ، لو كانوا يعلمون ؟

إذن صارت كينيا ارضاً محرمة على الرئيس البشير إلى يوم الدين ، رغم الاجتماعات الدولية المتعددة التي يتم عقدها في نيروبي ، وكان ان مثل الرئيس البشير في اخر اجتماع دولي في نيروبي نائبه الفريق بكري حسن صالح .

ثانيًاً :

+ في يوم الاربعاء 8 اكتوبر 2014 ، وقف الرئيس الكيني اوهورو كينياتا امام قضاة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ، إمتثالاُ لطلب إستدعاء من المحكمة للرئيس كينياتا حول تورطه في جرائم حرب في انتخابات كينيا الرئاسية في عام 2013 ، حيث مات اكثر من الف مواطن كيني ، وتشرد اكثر من 600 الف مواطن كيني نتيجة المظاهرات ضد الدغمسة الحكومية في الانتخابات الرئاسية المخجوجة .

احتفظت المحكمة بملف القضية ، ولم تصدر حكماً ضد الرئيس الكيني ، بل اطلقت سراحه ، وشطبت أمر الإستدعاء ، لعدم توفر الادلة ضده … وليس لبراءته من التهم الموجهة له .

في المقابل ، يرفض الرئيس البشير الإمتثال لامر القبض الصادر ضده من محكمة لاهاي في مارس 2009 ويوليو 2010 ، لانه يعرف إنه مذنب في الابادات الجماعية ضد شعبه .

يواصل الرئيس البشير جرائم حربه وضد الانسانية في دارفور .

فجر الجمعة 22 سبتمبر 2017 ، إرتكب الرئيس البشير جريمة وحشية بحق النازحين في معسكر كلمة بجنوب دارفور. في ذلك اليوم ، شنت مليشيات نظام البشير هجوماً علي النازحين العزل ، الذين رفضوا زيارة رئيس النظام الي معسكر كلمة ، مما أدى الى استشهاد اربعة مواطنين ، وعشرات أخرين جرحى من الرجال والنساء .

عانى السودان واهل بلاد السودان ، ولا يزالون يعانون الكثير ، بسبب امر القبض الصادر ضد رئيس دولتهم ، الذي لم يرع فيهم إلا ولا ذمة ، وإختطفهم معه في هروبه من وجه العدالة الدولية .

في يوم قال المؤرخ الإنجليزي اللورد آكتون:

السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة .

ولكن نقول ان الخوف من زوال السلطة ، وليس السلطة في حد ذاتها هو المفسدة المطلقة . زوال السلطة يعني للرئيس البشير سجون لاهاي حتى ياخذ صاحب الوديعة وديعته . ولذلك يكنكش الرئيس البشير في السلطة ، ويرتكب الابادات الجماعية لشعبه ، ليحتفظ بالسلطة ، ويتجنب سجون لاهاي ؟

ثالثاً :

+ في يوم الجمعة اول سبتمبر 2017 ، حكمت المحكمة العليا في نيروبي ببطلان الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في يوم الاثنين 8 اغسطس 2017 ، وفاز فيها الرئيس كينياتا باغلبية 54% من الاصوات . طلبت المحكمة اعادة الانتخابات خلال 60 يوماً .

سوف تتم إعادة الانتخابات الرئاسية في يوم الثلاثاء 17 اكتوبر 2017 ، آيات لقوم يتفكرون .

هذه هي المرة الاولى في تاريخ افريقيا ، تحكم محكمة ببطلان إعادة انتخاب رئيس في السلطة ، مما يؤكد استقلال القضاء في كينيا .

برهن قرار المحكمة العليا على الفصل الكامل في كينيا بين السلطات الثلاث : التشريعية والقضائية والتنفيذية ، الفصل الذي يمثل عصب الديمقراطية وعمودها الفقري . لا يوجد هكذا فصل بين السلطات الثلاث في السودان ، فسياسة التمكين مكنت لعناصر الحركة الاسلامية ان يحتكروا كل المناصب العليا والمتوسطة بل حتى الصغرى في القضاء السوداني ، فصار القضاء كما باقي مؤسسات الدولة مؤدلجاً ويقول سمعنا واطعنا للرئيس البشير .

مثالاً وليس حصراً ، حكمت محكمة الاستئناف في الخرطوم ببراءة قيادي في المؤتمر الوطني ، ومتنفذ في ولاية الخرطوم ، من تهم فساد مالي بعدة ملايين من الدولارات . ياتي حكم البراءة من الفساد المالي ، بينما يملك المتهم منزلاً في كافوري مؤجراً للسفارة القطرية بمبلغ تسع الف دولار في الشهر ، وجنينة جنوب جبل اولياء تمد الخرطوم بالخضر ؟

لم تر المحكمة الاخشاب البارزة في عيون هذا الاخونجي ، لأنه مسنود من السلطة التنفيذية ، التي تتحكم في السلطة القضائية .

هنا على هذه الربوة العالية تقف كينيا ، وهناك في قاع الوادي يغوص السودان في وحل وطين فساده الذي بلغ حد الركب ؟

قلتم آنى هذا ؟

قل هو من عند جلاوزة الانقاذ الذين يعيثون في الارض فساداً حتى صار السودان خامس افسد دولة في العالم ، وثالث افشل دولة في العالم .

رابعاً :

ادان قرار المحكمة العليا في كينيا الاتحاد الافريقي الذي بصمت لجنته المراقبة لانتخابات 8 اغسطس 2017 بالعشرة ، وعمياناً ، على نزاهة الانتخابات ، كما مثل القرار إدانة لمركز كارتر والاتحاد الاوروبي وغيرهما من المراقبين الذين اكدوا نزاهة انتخابات 8 اغسطس الرئاسية .

نذكر في هذا السياق ، بان منظمة التعاون الاسلامي ارسلت شابتين سعوديتين في العشرينات من عمرهما لم يشهدا اي انتخابات من قبل في حياتهما ، لمراقبة الانتخابات الرئاسية في السودان في ابريل 2015 ، وبصمتا على إنها إنتخابات نزيهة .

خامساً ً :

+ في يوم الثلاثاء 31 مايو 2016 ، وفي خلال الجلسة الثانية من مؤتمر الجمعية العامة لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة الذي عقد في نيروبي ، طالبت كينيا باجراء تحقيق مع الوفد المصري المشارك في الاجتماع ، لان احد اعضائه عير الكينيين والافارقة عامة بالعبيد والكلاب .

كانت بداية القصة عندما اتهم الوفد الكيني في المؤتمر مصر ببناء خنادق جوفية بامتداد الشريط الحدودي الذي يفصلها عن غزة ، وملأت مصر هذه الخنادق الجوفية بمياه البحر ، لتبطل عمليات التهريب من خلال الانفاق الارضية بين قطاع غزة وسيناء المصرية . للاسف ، تاثر الخزان المائي الجوفي العذب في غزة بملوحة مياه البحر في الخنادق الارضية ، وصارت المياه الجوفية في بعض مناطق قطاع غزة غير قابلة للاستعمال الانساني لملوحتها .

بذلك صارت مصر السجان الاول ، والمُعطش الأول ، لفلسطيني غزة .

طالبت كينيا في مؤتمر البيئة بتكوين لجنة تحقيق في الامر الذي يمكن اعتباره جريمة حرب . رفض الوفد المصري الاقتراح الكيني ، وعير مقدمي الاقتراح في المؤتمر بالعبيد والكلاب.

بعدها تدخلت الولايات المتحدة واسرائيل لدعم الموقف المصري ، ومات الاقتراح الكيني الذي دعا لتكوين لجنة تحقيق حول الخنادق الجوفية ، وحول تعيير الوفد المصري للافارقة بالكلاب والعبيد .

هل تذكر كيف نجحت الولايات المتحدة بارشفة تقرير “لجنة شاباس” الذي اتهم اسرائيل بارتكاب جرائم في عدوانها على قطاع غزة في صيف 2014 في عملية الجرف الصامد ، التي استمرت 51 يوماً ؟ وكيف تمت ارشفة تقرير غولدستون عام 2009 عقب عملية “عامود السحاب” الإسرائيلية ضد قطاع غزة ؟

الشاهد ان كينيا كانت المدافع عن حقوق فلسطيني غزة ، بينما لاذ الوفد السوداني في الاجتماع بصمت مريب ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *