السودان يودع 2009 بمذكرة اعتقال وقلق من الانفصال

قطر تطفئ حريق دارفور 
ودّع السودان عام 2009 بخليط من المشاعر، فإذا تمكن من تخفيف التوتر بدارفور بفضل الوساطة القطرية حتى أصبحت الكرة في ملعب خصوم الخرطوم الذين باتوا لا يستطيعون الاتفاق على الحد الأدنى من التحرك، فإن الخلاف مع الجنوبيين عرف لحظات من الجزر وأخرى من المد انتهت في الأيام القليلة الماضية بابتسامة تفاؤل بعد اتفاق الشريكين في الحكم على الجوانب القانونية للاستفتاء المقرر إجراؤه في 2011 ليحسم الجنوبيون فيما إذا كانوا يرغبون في الانفصال أو الوحدة، وساعد قرار محكمة العدل الدولية في حسم الخلاف حول الحدود بمنطقة أبيي بين المناطق التي تعد من الجنوب وتلك التي تحسب للشمال على التخفيف أكثر من حدة التوترات، وتبدو كل المؤشرات في هذا الشأن تتجه إلى تسوية الأزمة بالجنوب بالطرق السلمية، علاوة على تمكن الوساطة القطرية الليبية من التقريب بين القيادتين التشادية والسودانية وتتويج ذلك بتفاهم على وقف الأعمال العدائية، مما يعزز أمن السودان على حدوده، ويمنع التحرشات التي كانت تقوم بها عدة فصائل دارفورية مسلحة انطلاقا من الأراضي التشادية، لكن من جانب آخر يعيش النظام السوداني أوقاتا حرجة بعد أن أصدر النائب العام للمحكمة الدولية مورينو أوكامبو أمرا بإيقاف الرئيس السوداني عمر البشير، فتحداه هذا بعدة زيارات متتالية، أشهرها مشاركته في الدوحة بأشغال القمة العربية، وكذلك بتدشينه لعدة مشاريع تنموية، كبناء السدود على النيل لتوفير الماء للرعي والسقي، وإطلاق أول مصنع في إفريقيا لإنتاج الإيثانول، وهكذا يستقبل السودان 2010 بخليط من الاستقرار النسبي والإنجازات الاقتصادية ومشاعر الانتظار والترقب لما سيقع بالجنوب ومستقبل عمر البشير والوضع بدارفور، بمعنى أن أغلب الأوضاع السياسية معلقة تنتظر الحسم، ولن يكون عام 2010 عام الحسم بالتأكيد، وإنما قد يكون استمرارا لهذه الاتجاهات وإن وقعت تغيرات طفيفة بداخلها، ويمكن وصف 2010 بأنها سنة التحضير للمنازلة النهائية بالجنوب في 2011.

بذلك خالفت 2009 تكهنات بعض القيادات السودانية التي ظنت أنه عام الحسم فلقد قال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي المعارض، مع بدايات العام، إن عام 2009 سيكرم فيه السودان أو يهان، ومع خواتيم العام قال المهدي إن السودان يعيش «سنة كبيسة».
وهي بالفعل سنة انتهت بحصاد خليط بين الجيد والغث، والجيد هو بالتأكيد الوساطة القطرية في ملف دارفور والأزمة بين نجامينا والخرطوم، وهي أزمة تؤثر بشكل مباشر في الوضع بدارفور، ويستبعد المراقبون أن تجد الأزمة بدارفور طريقها إلى التسوية إذا ظلت الخصومة بين تشاد والسودان مشتعلة، فكل منهما مرتبط بالآخر، بل إن إنهاء الخلاف بين تشاد والسودان شرط ضروري لتسوية الأزمة بدارفور، وفي كل من الملفين لعبت قطر دورا مركزيا ساندتها فيه أغلب القوى المؤثرة في الملف، فلقد نشر معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام تقريرا مطولا يؤكد من خلاله أن واشنطن بدأت تنظر إلى الدوحة على أنها الواجهة التي تُفضلُها للقيام بدور الوسيط بالنسبة إلى أزمة إقليم دارفور. وفي هذا الإطار، يشير تقرير المعهد إلى أن الولايات المتحدة تفضل خلال الوقت الراهن قطر على مصر فيما يتعلق بالقيام بدور الوساطة في أزمة إقليم دارفور. وفي مستهل تقريره، يشير المعهد إلى عدة محاور تعزز صحة رؤاه وتدعمها بشكل كبير، حيث يقول إن البداية كانت في سبتمبر عام 2008 عندما قامت جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي بتكليف قطر برعاية المفاوضات بين متمردي دارفور والحكومة السودانية، بناء على مقترح من جانب الرئيس السوري، بشار الأسد. وقد كان لقطر دور في إحضار إحدى حركات المتمردين السودانيين إلى مائدة المفاوضات، وهي حركة العدل والمساواة. ولدى الانتهاء من الجولة الأولى للمفاوضات، بالعاصمة القطرية الدوحة، وقّعت كل من الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة على اتفاق ودي.
لكن هذا الإنجاز عكره قرار النائب العام لمحكمة العدل الدولية عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 4 مارس مذكرة بتوقيف الرئيس البشير على ذمة جرائم حرب بدارفور. وكانت أول طلقة من البشير في وجه القرار أن وجّه بطرد 10 منظمات معظمها أميركية، وحلت منظمتان وطنيتان بتهمة التورط في دعم الجنائية ومخالفة القواعد. ثم سارع إلى تدشين عدة مشاريع كمجمع لصناعة الطائرات بالسودان، بمجمع الصافات بضاحية كرري بأم درمان، وشهد إنتاج أول طائرة سودانية شهر يوليو. والراجح أن عام 2010 لن يشهد توقيف البشير، لسببين أن الدول العربية والإفريقية لا تتعاون مع المحكمة الدولية، ولا تريد الدول النافذة مثل فرنسا أن تفسد التسويات الجارية بدارفور والجنوب، فهي بحاجة إلى تعاون الخرطوم، ولا تريد أن تقضي على الإنجازات السابقة بإشاعة الفوضى جراء توقيف البشير.
وخفف من هذا التوتر الإنجاز الذي تحقق في الأزمة بالجنوب لما لجأ شريكا الحكم في السودان (المؤتمر الوطني بقيادة البشير، والحركة الشعبية بقيادة سلفا كير) إلى محكمة التحكيم الدولية الدائمة في لاهاي لترسيم حدود منطقة أبيي المتاخمة للجنوب، والغنية بالنفط، في سابقة تعدّ جديدة انتهت بترسيم الحدود بمنطقة أبيي البترولية وموافقة الطرفين عليه ليكون مقدمة مواتية لإجراء الاستفتاء على الانفصال أو الوحدة في 2011، وقد عزز هذه الأجواء الإيجابية توافق الشريكين في نهاية العام على قانون للاستفتاء تخاصما حوله لاختلافها في مكان تصويت الجنوبيين الساكنين خارج الجنوب، واتفقا في النهاية على تصويتهم بالجنوب، لتودع الأزمة بالجنوب عام 2009 بنصف ابتسامة في انتظار ما يسفر عنه الاستفتاء في 2011، وإن ظلت الترجيحات تتراوح بين رغبة الجنوبيين في الانفصال وقدرة الحركة الشعبية على تعزيز الوحدة إن هي قضت بذلك.
أما العام الجديد فيعتبره المراقبون بمثابة الشوط الأخير في مشوار الوضع الانتقالي السوداني الذي أسسه اتفاق السلام بين الشمال والجنوب 2005، ومن استحقاقات العام إجراء الانتخابات في أبريل المقبل، وقد بلغت الترتيبات حتى الآن مرحلة الطعن في كشوفات المسجلين للتصويت. وحسب الأنباء المتداولة فإن أغلب القوى السياسية الرئيسة في المعارضة أو الحكومة ستشارك في الانتخابات. كما يرى محللون أن العام المقبل سينشغل كثيرا بترتيبات الاستفتاء لجنوب السودان في العام الذي يليه 2011، وبالتالي بترتيبات ما بعد الانفصال كاحتمال وارد في نتيجة الاستفتاء.
2010-01-01
إعداد: الحواس تقية
العرب
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *