السودان يحتاج لـكبسولة

السودان يحتاج لـكبسولة..!!.

خالد ابواحمد

من مفارقة الأخبار أن الرئيس عمر البشير عبَّر عن سعادته والسودان حكومة وشعباَ بنجاح عملية الإنقاذ المعجزة لعمال منجم سان خوسية بتشيلي الثلاثة والثلاثين الذين ظلوا محتجزين على عمق سبعمائة متر تحت الأرض منذ الخامس من أغسطس الماضي، وقالت صحيفة (الرائد) التي نشرت الخبر أن عمر البشير هنأ في برقية بعث بها للرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا بنجاح العملية ووصفها بأنها “تعبِّر عن شجاعة وصمود وحيوية الرئيس التشيلي وحكومته وفريق الإنقاذ”، وجاء في الخبر أن الرئيس البشير قال ” السودان ظل يتابع القضية منذ بدايتها باهتمام كبير حتى توجت بنجاح فريد لم يشهد له العالم مثيلاً”.

بالطبع يقف الانسان متأملاً حديث الرئيس عمر حسن البشير، ويضع خطوطاً حمراء تحت العبارة التالية ” شجاعة وصمود وحيوية الرئيس التشيلي وحكومته وفريق الإنقاذ”، ويتساءل المرء تلقائياً ..لماذا لم يقم عمر البشير بهذه الشجاعة والصمود بإنقاذ الشعب السوداني الذي ظل لـ 21 عاماً يقبع في أسفل فضائح النظام الاخلاقية والمالية وتجاوزاته الانسانية في التعامل مع البشر، وإذا إفترضنا أن عمر البشير صادق في برقيته للرئيس التشيلي لماذا وقف صامتاً طيلة الثماني سنوات الماضية وجيوش الأمن والقوات الجوية وهي تدك المدن في دارفور…؟..وكلنا نعلم والعالم كله شاهد على أن الحرب في دارفور عندما بدأت ازدادت الصيحات للرئيس عمر البشير تنادي بأعلى صوت بحل المشكلة ووقف التجاوزات العسكرية، وعام يمضي ويأتي آخر.. والرئيس البشير يصر إصراراً بالغاً في حسم القضية عسكرياً، برغم ان الحرب فشلت في جنوب السودان، لكنه عتى عن أمر الله وعن نصائح الأصدقاء والأشقاء من الرؤساء العرب ومن بينهم خادم الحرمين الشريفين الذي قدم له النصح بعد عام من اندلاع الحرب لكنه تكّبر وتجبّر..!!.

غريباً جداً أن يتحدث عمر البشير عن ” شجاعة وصمود وحيوية الرئيس التشيلي وحكومته وفريق الإنقاذ”، وقد كان من اليسير عليه أن يوقف الحرب في دارفور، وأن يحفظ الدماء العزيزة التي أريقت هناك بدون وجه حق، ثم يصرح للقنوات العالمية بأن قتلى حرب دارفور” 10 ألف فقط”..!!.

ألم يكن من السهل حفظ هذه الدماء..؟؟.

وفي كجبار وأمري قوات الامن قتلت المواطنين العزل..لأنهم طالبوا بحقوقهم..!!.

وفي بورتسودان قوات الأمن قتلت المواطنين العُزّل في مسيرة سلمية حملوا فيها لافتات تطالب برد الحقوق..لا أكثر !!.

الكراهية والبغضاء..!!

إن عمر البشير مسؤول أيضاً عن زرع الكراهية والبغضاء في نفوس السودانيين من خلال ممارسات وأساليب قادة وإعلاميي الحزب الحاكم وقد رُصدت لهم عشرات التصريحات التي أدخلت الحقد في نفوس الجنوبيين والدارفوريين وأهل الشرق ضد كل مؤيدي النظام، وبل أن المسألة وصلت أبعد من ذلك وقد بات واضحاً أن عشرات المنتسبين للقبايل السودانية المكونة للمجتمع السوداني أصبحت تشعر بالحقد على قبائل شمالية معينة هي تسيطر على الاوضاع في البلاد الآن، ما يعني ان خطراً كبيراً ينتظر السودان في بروز نزعات انتقامية قاسية ضد كل من قبيلتي الشايقية والجعليين، وبما أنني واحد من إحدى هاتين القبيلتين بدات أشعر بهذا الخطر.

في موقع (سودانيزأونلاين) أشهر المواقع السودانية على الشبكة العنكبوتية نشر مهندس كمبيوتر معروف بمعاركه الأسفيرية وشتائمه وألفاظه البذيئة صوراً ملونة لأملاك آل حسن أحمد البشير في منطقة كافوري وبطريقة استفزازية تشمئز منها النفوس السوية، وشخصياً شعرت باستفزاز شديد حيال هذه الصُور، وقد ظهر من خلالها حجم  الأراضي الشاسعة التي امتلكتها هذه الأسرة بدون وجه حق وبنت فيها البنايات الفخمة، وقد ظهر منها أيضاً ذلك المسجد أو المجمع (الاسلامي) الضخم الذي كلف المليارات من مال الشعب السوداني، ولا سيما وأنني أعرف تماماً جزء من أملاك زوجة الرئيس عمر البشير في الخارج وعندما كشفت عنها قبل سنوات أحدثت ردود فعل واسعة النطاق حتى داخل بيت السيد الرئيس..!!.

الشجاعة والصمود والحيوية

فهذه  (الشجاعة والصمود والحيوية) التي ذكرها الرئيس البشير في معرض برقيته للرئيس الشيلي ألم تكن متوفرة لديه بحيث يمنع عنه وعن السودان كل هذه الكراهية والبغضاء تجاه أسرته وقبيلته ونظام حكمه، وما ستخلفه من موت ودمار..؟!.

والرئيس عمر البشير يشاهد عملية إنقاذ العُمال في شيلي ألم يفكر في نفسه وفي ممارسات حزبه التي تقود البلاد الآن للكارثة..؟..

مشهد الرئيس الشيلي وتواجده أثناء عمليه الانقاذ جعلنا كسودانيين نقارن في هذه اللحظة التأريخية بين رئيسنا التي يقودنا للهلاك ورئيس تشيلي الذي ينقذ شعبه في أكبر عملية انقاذ يشهدها التاريخ وثقّتها كاميرات العالم الفضائية..!!.

حاجتنا لكبسولة..!!

نسمع الآن كلاماً هامساً يتم تداوله داخل دوائر النظام عن محاولات لإقناع الرئيس عمر البشير بالإبتعاد عن حكم البلاد، وتنصيب علي عثمان رئيساً، ولاسيما وأن الرئيس أصح محدود الحركة، وأن الحاكمية قد فلتت من يده منذ فترة، وصار (الشيخ) علي عثمان محمد طه هو الحاكم الفعلي للبلاد ولذا كثير الحركة في الداخل والخارج وقد أطلق لصلاح قوش الحبل على القارب وأصبح يمثل البلاد في الخارج، ويقرر في الكثير من الملفات المهمة، ومن هنا يدرك المتابع حجم المأساة التي تعيشها البلاد من أزمات معيشية وأخلاقية ومن صراع داخلي على مراكز القوى وانتشار زراعة الكراهية والحقد والبغضاء بين أبناء الوطن، وتنشر صحف الحزب الحاكم كراهيتها للآخرين وبأقبح الألفاظ، وقد وردت في مقال للكاتب اسحق فضل الله قبل ايام عبارة تم تسجيلها كجزء من أدبيات النظام الحاكم يعف القلم عن ذكرها، في سياق نشر ثقافة الشتائم والألفاظ البذيئة وقد أصبحت مدعاة للتوثيق في كتاب حتى تعرف الأجيال المقبلة ما فعلته (الانقاذ) في الشعب السوداني ورمته في أسفل قاع يحتاج منه لكبسولة تنقذه من الموت والهلاك مثلما حدث بالنسبة لعمال منجم سان خوسية بتشيلي الثلاثة والثلاثين.

 الجمعة 15 اكتوبر 2010م

 
خالد عبدالله- ابواحمد
صحفي وكاتب سيناريو
[email protected]
0097336300980
0097339064175
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *