السودان… أسئلة عن بدء ربالتصدع

بعد منتصف الليل من عشية يوم الثلاثاء، تقدمت مجموعة من الدبابات ببطء في أبرز شوارع الخرطوم. صحيح أن سكان عاصمة السودان استيقظوا بعد ساعات عدة لعيش يوم عادي آخر، لكن حدث أمر لافت في الساعات السابقة. وسط سيل من التقارير المتضاربة والشائعات المفرطة، أعلن وزير الإعلام أحمد بلال عثمان يوم الثلاثاء عن اعتقال 13 مشتبهاً بهم (منهم كبار المسؤولين) بتهمة التخطيط ضد الدولة. قال عثمان: “قررت الحكومة إحباط هذا المخطط قبل ساعة الصفر كتدبير وقائي لتجنب غرق البلد في الفوضى”.
إن الأنباء المتعلقة بمحاولة الانقلاب على النظام ليست مفاجئة بالنسبة إلى مراقبي وضع السودان الذين رصدوا طوال أشهر تلبّد الغيوم حول نظام الرئيس عمر حسن البشير. يواجه النظام مقاومة مسلحة من جماعات إثنية تثير المشاكل في جميع أنحاء البلد وتكثر الاضطرابات في شوارع المدينة بسبب استياء الشعب من ميول النظام القمعية، وقد أظهر النظام نتيجةً لذلك مؤشرات على أنه بدأ يفقد سيطرته على الوضع. تتزايد مشاكل النظام بسبب تأخير تدفق النفط من جنوب السودان، ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة السودانية إلى أدنى المستويات على الإطلاق. مع تعمّق المشاكل الاقتصادية، يرى عدد كبير من المراقبين بأن البشير الذي يواجه اتهاماً بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية في هايغ ربما يواجه أيضاً صراعاً داخلياً على السلطة وقد لا يصمد في وجه هذه التطورات.
صحيح أن مشاعر الاستياء بدأت تتراكم داخل النظام منذ فترة، لكن يبدو أن الحدث الذي حرّك المخطط الأخير يتعلق بخلاف نشب خلال مؤتمر عُقد في الأسبوع الماضي للحركة الإسلامية (منظمة نشأت لتوجيه حزب المؤتمر الوطني الحاكم). تمنى بعض الوزراء والقادة الدينيين أن يستغلوا ذلك المؤتمر للحث على فرض الإصلاحات في حزب المؤتمر الوطني، لكن أعاق مسارهم بعض حلفاء البشير. خرج بعض المندوبين من المؤتمر قبل انتهائه.
يقول الحاج حمد، محلل سياسي مركزه الخرطوم: “إنه مؤشر واضح على حصول أمر مرتقب. أراد هؤلاء الأشخاص حث المؤتمر على إصلاح نظام الحكم، لكن تبين في نهاية المطاف أن الحركة الإسلامية تخضع لسيطرة البشير. بسبب الاستياء العارم من عدم إقرار الإصلاحات بعد الاجتماع، يظن الكثيرون أن أبرز المسؤولين السياسيين والإسلاميين المعتقلين الآن كانوا يناقشون كيفية تغيير وضع المراوحة”.
صرّح أحد الدبلوماسيين الغربيين لصحيفة “تايم”: “لا أظن أنهم كانوا ينوون التخطيط لانقلاب. لكن تشكّل تحالف معين حتماً وقد أرعب هذا الأمر الحكومة”.
لم يحضر صلال غوش المؤتمر، وهو رئيس الاستخبارات السابق وأصبح قيد التوقيف الآن. بعد أن عبّر غوش عن رغبته في حكم البلد، أقاله البشير من منصبه في أبريل 2011. منذ ذلك الحين، سرت شائعات مفادها أنه يخطط للقيام بما يلزم لمواجهة الوضع. في إشارةٍ إلى أن الحكومة تستعد على الأرجح لمعاقبة غوش، رُفعت عنه الحصانة البرلمانية يوم الجمعة.
يبدو أن الأشخاص الذين اعتُقلوا عشية يوم الثلاثاء لم يكونوا من خصوم البشير فقط. فقد اعتُقل أيضاً مسؤول عسكري بارز هو محمد ابراهيم، ويعتبره الشباب الإسلاميون بطلاً نظراً إلى العمليات العسكرية التي خاضها وحسّه القيادي ضد عدد من الجماعات المتمردة الإثنية وجنوب السودان. تفيد بعض المصادر في الخرطوم بأن الدولة اعتقلت أيضاً أكثر من 40 عضواً من حركة الشباب الإسلامية التي نشأت في وقت سابق من هذا العام بهدف فرض الإصلاحات. حارب عدد من أعضائها بقيادة ابراهيم ضد الجنوب بصفتهم مجاهدين، وكانوا يعلنون حتى الفترة الأخيرة عن دعمهم الشديد للنظام. لكن في الأشهر الأخيرة، عبّر أعضاء هذه الجماعة وإسلاميون آخرون عن استيائهم من أداء حليف البشير، عبدالرحيم محمد حسين، في وزارة الدفاع. هم يلومونه على التنازلات التي قدمها لجنوب السودان (تلك الأرض التي خسرها البلد لمصلحة جماعات ثورية) ويحمّلونه مسؤولية الاعتداءات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت تخزين الأسلحة.
على الرغم من الادعاءات الأولية بأن جماعات المعارضة حثت على محاولة انقلاب، ثمة صراع مرتقب واضح على السلطة داخل النظام. بعد إطلاق سراح عدد من المعتقلين (ما يشير إلى أن بعضهم اعتُقل للمساعدة في التحقيق فقط)، قد يبقى آخرون قيد التوقيف لفترة من الزمن. لكن الدكتور أمجد فريد الطيب يعتبر أن معظم السودانيين لا يبالون بالتقاتل داخل النظام. قال الطيب الذي تحدث باسم “حركة التغيير الآن” المعارِضة لصحيفة “تايم”: “جميعهم فاسدون وهم يتقاتلون لكسب السلطة والثروات. لا أحد منهم يهتم بالشعب السوداني فيما يوشك اتفاق النفط على الانهيار، وتتصاعد الاضطرابات على الحدود بسبب ضربة جوية حديثة من الخرطوم، وقد بدأ صراع السلطة الداخلي يتطور، وسيواجه النظام اختباراً صعباً لإثبات قدرته على الصمود”. في السياق نفسه، أوضح حمد: “بدأت الدولة تتصدع ويُظهر كل نظام في أيامه الأخيرة الميول نفسها. لقد بدأت عملية التدمير الذاتي الاعتيادية”.
المصدر: صحيفة الإيلاف الكويتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *